الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْآيَاتِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:{إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْىٌ يُوحَى} مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ إِلَّا شَيْئًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَهُ، فَمَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ شِعْرٌ أَوْ سِحْرٌ أَوْ كِهَانَةٌ، أَوْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ هُوَ أَكْذَبُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْفَرُهُمْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَذِنَ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَأَسَرَ الْأُسَارَى يَوْمَ
بَدْرٍ، وَاسْتَغْفَرَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ غَيْرِ أَنَّ يَنْزِلَ عَلَيْهِ وَحي خَاص فِي ذَلِك.] (1) .
-
عصمته صلى الله عليه وسلم
-.
قَالَ صَاحب التَّتِمَّة رحمه الله: [أَمَّا فِي خُصُوصِهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّا نُورِدُ الْآتِي: إِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ، فَإِنَّ عِصْمَتَهُ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ بَعْدَ الْبِعْثَةِ يَجِبُ الْقَطْعُ بِهَا، لِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لِوُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ وَامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا.
أَمَّا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، فَالْعِصْمَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ أَيْضًا، يَجِبُ الْجَزْمُ بِهَا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَقَامِ التَّهَيُّؤِ لِلنُّبُوَّةِ مِنْ صِغَرِهِ، وَقَدْ شُقَّ صَدْرُهُ فِي سِنِّ الرَّضَاعِ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ حَظُّ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ لَأَخَذُوهُ عَلَيْهِ حِينَ عَارَضُوهُ فِي دَعْوَتِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَوْلُ فِي الصَّغَائِرِ، فَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، فَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً وَوَقَعَتْ، فَلَا تَمُسَّ مَقَامَهُ صلى الله عليه وسلم لِوُقُوعِهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالتَّكْلِيفِ، وَأَنَّهَا قَدْ غُفِرَتْ وَحُطَّ عَنْهُ ثِقْلُهَا، فَإِنْ لَمْ تَقَعْ وَلَمْ تَكُنْ جَائِزَةً فِي حَقِّهِ، فَهَذَا الْمَطْلُوبُ.
وَقَدْ سَاقَ الْأَلُوسِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِهِ (2) : أَنَّ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، قَالَ لِأَخِيهِ الْعَبَّاس يَوْمًا: «لقد ضمته إِلَيَّ وَمَا فَارَقْتُهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَلَا ائتمنت
(1) - 7/702، النَّجْم / 1:4.
(2)
- تَفْسِير الألوسي (30/161) .
عَلَيْهِ أحدا» ، وَذكر قصَّة بِنَبِيِّهِ وَمَنَامِهِ فِي وَسَطِ أَوْلَادِهِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، ثُمَّ نَقله أَبَاهُ مَحَلَّ أَحَدِ أَبْنَائِهِ حِفَاظًا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«وَلَمْ أَرَ مِنْهُ كِذْبَةً وَلَا ضَحِكًا وَلَا جَاهِلِيَّةً، وَلَا وَقَفَ مَعَ الصِّبْيَانِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ» .
وَذَكَرَتْ كُتُبُ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ مَرَّةً فِي صِغَرِهِ أَنْ يَذْهَبَ لِمَحَلِّ عُرْسٍ لِيَرَى مَا فِيهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ أَخَذَهُ النَّوْمُ وَلَمْ يَصْحُ إِلَّا عَلَى حَرِّ الشَّمْسِ، فَصَانَهُ اللَّهُ مِنْ رُؤْيَهِ أَوْ سَمَاعِ، شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (1) .
وَمِنْهُ قِصَّةُ مُشَارَكَتِهِ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ حِينَ تَعَرَّى وَمُنِعَ مِنْهُ حَالًا (2) ، وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بَقِيَ الْجَوَابُ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ، فَيُقَالُ واللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ: إِنَّهُ تَكْرِيمٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا جَاءَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» (3) مَعَ أَنَّهُمْ لَنْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ تَكْرِيمٌ لَهُمْ وَرَفْعٌ لِمَنْزِلَتِهِمْ.
وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتُوبُ وَيَسْتَغْفِرُ وَيَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى تورَّمت قَدَمَاهُ، وَقَالَ:«أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» (4) .
فَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ شُكْرًا للَّه تَعَالَى، وَرَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ جَاءَ: «نَعِمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ، لَوْ لم يخف الله لم يَعْصِهِ» (5) ، وَهُوَ
(1) - أخرج هَذِه الْقِصَّة الْحَاكِم (4/273)(7619) ، وَابْن حبَان (14/169)(6272) من حَدِيث عَليّ رضي الله عنه بِهِ، والْحَدِيث ضعفه الشَّيْخ الألباني رحمه الله وَانْظُر "دفاع عَن الحَدِيث النَّبَوِيّ"(ص/13) .
(2)
- أخرجه البُخَارِيّ (1/143)(357) ، وَمُسْلِمٌ (1/267)(340) مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه.
(3)
- أخرجه البُخَارِيّ (3/1095)(2845) ، مُسلم (4/1914)(2494) من حَدِيث على رضي الله عنه.
(4)
- أخرجه البُخَارِيّ (1/380)(1078) ، وَمُسلم (4/2171)(2819) من حَدِيث الْمُغيرَة رضي الله عنه.
(5)
- قَالَ الشَّيْخ الألباني رحمه الله فِي السلسلة الضعيفة (1006) : لَا أصل لَهُ.
حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِهِ صلى الله عليه وسلم.
أَوْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَدُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْصِيرِ، وَيَعْتَبِرُ ذَنْبًا يَسْتَثْقِلُهُ وَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ، كَمَا كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ:«غُفْرَانَكَ» (1) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُوجِبٍ لِلِاسْتِغْفَارِ، إِلَّا مَا قِيلَ شُعُورُهُ بِتَرْكِ الذِّكْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، اسْتَوْجَبَ مِنْهُ ذَلِكَ.
وَقَدِ اسْتَحْسَنَ الْعُلَمَاءُ قَوْلَ الْجُنَيْدِ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ مِثْلُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ بَعْضِ اجْتِهَادَاتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي سَبِيلِ الدَّعْوَةِ، فَيُرَدُّ اجْتِهَادُهُ فَيَعْظُمُ عَلَيْهِ كَقِصَّةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَعُوتِبَ فِيهِ {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَآءَهُ الأَعْمَى} ، وَنَظِيرِهَا وَلَوْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ:{عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} ، وَقِصَّةِ أُسَارَى بَدْرٍ، وَقَوْلِهِ:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} ، وَاجْتِهَادِهِ فِي إِيمَانِ عَمِّهِ، حَتَّى قِيلَ لَهُ:{إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَتحمل الْآيَة عَلَيْهِ، أَو أَن للوزر بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ مَا كَانَ يُثْقِلُهُ مِنْ أَعْبَاءِ الدَّعْوَةِ، وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسري بِي فَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فَظِعْتُ، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ، فَقَعَدْتُ مُعْتَزِلًا حَزِينًا، فمرَّ بِي أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْإِسْرَاءَ» (2) .
فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَظِعَ، والفظاعة: ثقل وحزن، والحزن: ثقل.
(1) - أخرجه أَبُو دَاوُد (1/155)(30) ، وَالتِّرْمِذِيّ (1/12)(7) ، وَابْن مَاجَه (1/110)(300) ، وَأحمد (6/155) ، والدارمي (1/183)(680) من حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها، والْحَدِيث صَححهُ الشَّيْخ الألباني رحمه الله.
(2)
- أخرجه أَحْمد (1/309)، وَقَالَ الأرناؤوط: إِسْنَاده صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ.