الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَوَاءٌ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُولٍ إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ نَوَى جَمِيعَ الْمُبَاحَاتِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ نَوَى الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ شَرَابًا أَوْ لِبَاسًا دُونَ غَيْرِهِ أَوْ امْرَأَتَهُ دُونَ غَيْرِهَا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ خَاصَّةً وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَالدَّمِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ كَالْخَمْرِ إنْ نَوَى كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ.
وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ أُمِّي يُرِيدُ بِهِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا جَعَلَهَا مِثْلَ أُمِّهِ فَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي حَرَامٌ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِيلَاءَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَمْرَيْنِ فَإِذَا أَرَادَهُمَا حُمِلَ عَلَى أَغْلَظِهِمَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ هَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ وَهَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ، وَإِنْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا، وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَهُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَغْلَظِهِمَا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْخُلْعِ]
(كِتَابُ الْخُلْعِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْخِلَاعِ وَمِنْهُ خَلْعُ النَّعْلِ وَالْقَمِيصِ وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمَالُ فِيهِ مِنْ الْمَرْأَةِ تَبْذُلُهُ فَيَخْلَعُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَجُوزَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَبْطُلَ بِإِعْرَاضِهَا وَيَجُوزَ لَهَا فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ أَيْ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَا يَبْطُلُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْخَطَرِ
قَالَ رحمه الله (إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ) الْمُشَاقَّةُ الْمُخَالَفَةُ وَالتَّبَاعُدُ عَنْ الْحَقِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يُدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا جَاءَ النُّشُوزُ وَحُدُودُ اللَّهِ مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مُوجِبِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا وَلَهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّشَاقُقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا نُشُوزٌ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا (قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً) سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالٌ؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْخُلْعِ يَتَعَيَّنُ الِانْخِلَاعُ مِنْ النِّكَاحِ مُرَادًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْهُ مَالٌ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ الْمَالُ فَوُجُودِ الْمَالِ مُغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ ثُمَّ الْخُلْعُ عِنْدَنَا طَلَاقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ وَفَائِدَتُهُ إذَا خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَتْ إلَيْهِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ لَا غَيْرُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِثَلَاثٍ (قَوْلُهُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضُ مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَزِمَهَا الْمَالُ وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ إلَّا بِالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ.
فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهَا لَا مَجْلِسُهُ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ قَبُولُهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَمِنْ جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ حَتَّى إنَّهَا تَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ بَيَانُهُ إذَا قَالَ خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى أَلْفٍ أَوْ طَلَّقْتهَا عَلَى أَلْفٍ وَهِيَ غَائِبَةٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَهُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ لَمْ يَصِحَّ
رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِوَقْتٍ فَيَقُولُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَإِنْ قَبِلْت قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَتْ هِيَ فَقَالَتْ خَالَعْت نَفْسِي عَنْك بِأَلْفٍ فَذَلِكَ مِثْلُ إيجَابِ الْبَيْعِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَرْطٍ وَلَا وَقْتٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ إذَا قَبِلَتْ وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لَهَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ أَوْ شَرَطَتْ هِيَ لِنَفْسِهَا الْخِيَارَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ تَمَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ خَالَعْتُكِ بَارَأْتُكِ بَايَنْتُكِ فَارَقْتُكِ طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِوَضًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلَى أَنْ قَالَ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20](قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) يَعْنِي مِنْ الْمَهْرِ دُونَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا «لِقَوْلِهِ عليه السلام لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ جَاءَتْ إلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ فَقَالَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229](قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَكَذَا إذَا أَخَذَتْ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) صُورَتُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَبُولَهَا يُوقَفُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمَةَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إلَى إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ خَمْرًا؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا فَيَجِبُ الْمَهْرُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُولِي فِيهِ مُتَقَوِّمٌ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا أَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ رَجْعِيًّا) هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إذَا خَلَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالْبَيْنُونَةِ كَانَ رَجْعِيًّا، وَهَذَا أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ إذَا بَذَلَتْ مَالًا لِلزَّوْجِ وَطَلَّقَهَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
(قَوْلُهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُون بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْوَسَطُ مِنْهُ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ دَفْعِ عَيْنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ عَلَى الْبُضْعِ فَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي النِّكَاحِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْخُلْعِ
إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُ النِّكَاحَ فِي أَنَّهَا إذَا سَمَّتْ فِي الْخُلْعِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَخُلْعُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَصَحَّ الْخُلْعُ وَفِي النِّكَاحِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ لَهُ قِيمَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثَبَتَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَفِي الْخُلْعِ لَوْ خَالَعَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ لَهُ مَالًا وَلَا سَمَّتْ لَهُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ وَكَذَا إذَا قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا شَيْءٌ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَا لَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى أَوْ قِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ مَا قَامَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَهْرِ وَكَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا لَرَجَعَ لِأَجْلِ الْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تُوجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ ضَمَانًا.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْجَمْعَ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِهَا دَرَاهِمُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى أَكْثَرَ فَهِيَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ صَحَّ فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ الْمَرْأَةُ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ قَبَضَتْهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهَا وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ النَّفَقَةُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَلَبَتْ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ طَلَبَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِكُلِّ الْأَلْفِ فَلَمْ يَجُزْ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ بِبَعْضِهَا
(قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَعِنْدَهُمَا هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَوَّضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ شَرْطًا وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ لَا يَتَقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الْمَشْرُوطِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَشْرُوطُ عِنْدَ وُجُودِ جَمِيعِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَدَخَلَتْ الدَّارَ مَرَّةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِعَدَمِ كَمَالِ الشَّرْطِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ الشَّرْطِ الْمُسْتَحِقِّ بِهِ جَمِيعُ الْبَدَلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ الْأَلْفَ غَيْرَ مُعَلَّقَةٍ بِالطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِوَضٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأَعْوَاضِ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْوَاوِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ احْمِلْ لِي هَذَا الْمَتَاعَ وَلَك دِرْهَمٌ فَحَمَلَهُ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ فَكَذَا هَذَا وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالطَّلَاقُ بِخِلَافِهِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِزَوْجٍ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا لِتُسَلِّمَ لَهُ الْأَلْفَ كُلَّهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَرْضَى، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ.
(قَوْلُهُ وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ) وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ بَرِئْت مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ (قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي النِّكَاحَ الْقَائِمَ حَالَةَ الْمُبَارَأَةِ أَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ لَا يُسْقِطُ حُقُوقَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا الْخُلْعُ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ