الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ)(شَهَادَةُ النِّسَاءٍ مَعَ الرِّجَالِ) لِأَنَّهُ حَدٌّ وَلَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]
الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ دُونَ الرَّمْيِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفُسُوقِ، وَالْكُفْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا قَالَ رحمه الله (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا) بِأَنْ قَالَ: يَا زَانِي أَوْ أَنْتَ زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانِي أَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَإِنَّمَا قَالَ بِصَرِيحِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْكِنَايَةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا، وَقَالَ لَهُ آخَرُ صَدَقْت لَا حَدَّ عَلَى الَّذِي قَالَ صَدَقْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ. قَوْلُهُ:(فَطَالَبَهُ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ) بِشَرْطِ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِعْلُ الزِّنَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ بِتَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ أَوْ بِأَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ سَوَاءٌ أَقَامَهَا قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي خِلَالِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَدِّ.
قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ أُطْلِقَتْ شَهَادَتُهُ وَأُجِيزَتْ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ثَبَتَ زِنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَالضَّرْبُ الَّذِي لَيْسَ بِحَدٍّ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ عَلَى الْكَمَالِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَإِنْ قِيلَ النَّصُّ وَرَدَ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ فَكَيْفَ أَشْرَكْتُمْ الْمُحْصَنِينَ مَعَهُنَّ قُلْنَا النَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِيهِنَّ فَالْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِدَفْعِ الْعَارِ وَهُوَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي الْأَعَمِّ لَهُنَّ قَوْلُهُ:(حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ، وَحَقَّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ حَتَّى إنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ ثُمَّ عَفَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ فَبَانَ لَنَا أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ مُخْتَلِطٌ بِحَقِّ الْعِبَادِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ فَأَصْحَابُنَا مَالُوا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَضَمَّنُ عَدَدًا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْهُ فَكَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُورَثْ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله مَالَ فِيهِ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ حَتَّى أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ فَقَالَ الْقَاذِفُ: أَنَا عَبْدٌ فَحُدَّنِي حَدَّ الْعَبْدِ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ حَتَّى يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ أَنْتَ عَبْدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ فِي قَذْفِك حَدٌّ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ أَيْضًا، وَلَوْ كَرَّرَ الْقَذْفَ بَعْدَ الْحَدِّ لَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَرْخِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ اللِّعَانِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُلَاعِنُ إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ، وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ فِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَخَاصَمُوا ضُرِبَ لَهُمْ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا خَاصَمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَحُدَّ فَالْحَدُّ يَكُونُ لَهُمْ جَمِيعًا وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا عَلَى الْقَاذِفِ حَدٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرَ فَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي قَذْفِهِ بَطَلَ الْحَدُّ فِي حَقِّهِ وَلَمْ يُحَدَّ لَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ وَإِنْ كَرَّرَ الْقَذْفَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدُّ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا حُدَّ الْقَاذِفُ وَفَرَغَ مِنْ حَدِّهِ ثُمَّ قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي حَدٌّ آخَرُ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَضُرِبَ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ
ضُرِبَ السَّوْطَ الْبَاقِيَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلثَّانِي، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَقَذَفَ آخَرَ قَبْلَ تَمَامِهِ ضُرِبَ بَقِيَّةَ الْحَدِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَدَّ لِلثَّانِي، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا قَذَفَهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْتَحْلِفُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ دَعْوَى حَدٍّ كَحَدِّ الزِّنَا،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحْلَفُ وَيَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَذْفِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنْ أَقَامَ الْقَاذِفُ عَلَى الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَدَّقَهُ عَلَى قَذْفِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ أَتَى بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ جَازَ قَوْلُهُ: (يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ جَمْعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَلَيْسَ التَّلَفُ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ قَوْلُهُ:(وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ يُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ عَنْهُ الثِّيَابُ وَإِنَّمَا يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُصُولَ الْأَلَمِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى ذَلِكَ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُلْقَى عَنْهُ الرِّدَاءُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ) لِأَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ فَإِنْ قُلْت الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَمِنْ أَيْنَ جُعِلَ حَدُّ الْعَبْدِ أَرْبَعِينَ قُلْنَا مُرَادُ الْآيَةِ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] ، وَالْعَبْدُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ.
قَوْلُهُ (وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) هَذِهِ خَمْسُ شَرَائِطَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي إحْصَانِ الْقَذْفِ، وَالْعَفِيفُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِالشُّبْهَةِ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ.
. قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَهُ الِابْنُ بِحَدِّهَا حُدَّ الْقَاذِفُ) هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً مُحْصَنَةً كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَبَاك فَإِنْ قَالَهُ فِي رِضًا فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَزْحُ وَإِنْ قَالَهُ فِي غَضَبٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَصَدَ نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت لِأُمِّك لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْصُولٌ وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأُمِّك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ تَلِدْك أُمُّك وَكَذَا إذَا قَالَ: لَسْت لِأَبَوَيْك لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يَعْنِي جَدَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ: لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ عَبْدٌ لَزِمَهُ الْحَدُّ لِأُمِّهِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ حُرًّا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ أُمَّهُ لَيْسَتْ مُحْصَنَةً وَيُعَزَّرُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: مَيِّتَةٌ لِأَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ بَطَلَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَتَيْنِ وَكَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُبَالِي إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً أَمْ لَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً، وَالْأُمُّ كَافِرَةً لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَإِنْ قَالَ: يَا ابْنَ أَلْفِ زَانِيَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ الْأُمَّ وَمَنْ فَوْقَهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَقَذْفُ الْأُمِّ يَكْفِي فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ لَمْ يُحَدَّ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّ الْقَحْبَةَ قَدْ تَكُونُ الْمُتَعَرِّضَةَ لِلزِّنَا وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا صَرِيحُ قَذْفٍ وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ أَوْ ابْنَ الْفَاسِقَةِ، وَلَوْ قَالَ: يَا قَوَّادُ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ قَوَّادُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ) وَهُوَ الْوَلَدُ، وَالْوَالِدُ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِ لِمَكَانِ الْحُرِّيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ
حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْإِخْوَةُ، وَالْأَعْمَامُ، وَالْأَخْوَالُ وَأَوْلَادُهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْخُصُومَةِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَمْ يَلِدْك أَبُوك فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لِأَنَّ حَالَ مَا طَرَحَهُ الْأَبُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ إنَّمَا كَانَ نُطْفَةً وَلَمْ يَكُنْ وَلَدًا وَإِنَّمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ، وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ) .
وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَذْفَ يَتَنَاوَلُهُمَا لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِمَا وَلَنَا أَنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مَيِّتَةً نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاذِفِهَا حَدٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ مُحْصَنَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ مَوْلَاهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لِأُمِّ الْمَمْلُوكِ وَلَدٌ حُرٌّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ كَانَ لَهُمَا الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ) لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيٌّ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمَ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا، وَالنَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ وَكَذَا إذَا قَالَ: لَسْت بِعَرَبِيٍّ أَوْ يَا ابْن الْخَيَّاطِ أَوْ يَا ابْنَ الْأَعْوَرِ وَلَيْسَ أَبُوهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، وَلَوْ قَالَ: لَسْت بِابْنِ آدَمَ أَوْ لَسْت بِإِنْسَانٍ أَوْ لَسْت بِرَجُلٍ أَوْ مَا أَنْتَ بِإِنْسَانٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأَبٍ أَوْ لَسْت وَلَدَ حَلَالٍ فَهُوَ قَذْفٌ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَدُّ لِأَنَّ الْهَاءَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ يُقَالُ رَجُلٌ عَلَّامَةٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَحَالَ كَلَامَهُ فَوَصَفَ الرَّجُلَ بِصِفَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي بِغَيْرِ الْهَاءِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَأَتْ حُدَّ وَإِنْ قَالَ زَنَأَتْ فِي الْجَبَلِ حُدَّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا
أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ عَمَل
…
وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ
وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ
عَمَلُ اسْمُ خَالِهِ أَيْ لَا تَتَجَاوَزْنَا فِي الشَّبَهِ، وَالْهِلَّوْفُ الثَّقِيلُ الْجَافِي الْعَظِيمُ اللِّحْيَةِ، وَالْوَكِلُ الْعَاجِزُ الَّذِي يَكِلُ أَمْرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادُ أَوَّلِهِمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا وَحَالَةُ الْغَضَبِ، وَالْمُشَاتَمَةِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِئُ بِالْهَمْزَةِ أَوْ قَالَ زَنَأَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ زَنَأَتْ عَلَى الْجَبَلِ لَمْ يُحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ يُحَدُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَيَّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ قَاذِفٌ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت بِك حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ حِينَ قَالَتْ: زَنَيْت وَقَذَفَتْهُ بِقَوْلِهَا بِك فَسَقَطَ حُكْمُ قَذْفِهِ وَبَقِيَ حُكْمُ قَذْفِهَا، وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: لَا بَلْ أَنْتِ الزَّانِي حُدَّا جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ وَلَمْ يُوجَدُ مِنْ الْمَقْذُوفِ تَصْدِيقٌ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت مَعَك فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهَا زَنَيْت تَصْدِيقٌ وَقَوْلَهَا مَعَك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ أَوْ شَاهِدٌ فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا، وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَلَيْسَتْ هِيَ بِقَاذِفَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي بِالزِّنَا، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا رَأَيْت زَانِيًا خَيْرًا مِنْك أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُخَاطَبِينَ خَيْرًا مِنْ الزُّنَاةِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الزِّنَا.
، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ لِأَنَّ الزِّنَا يَصِحُّ مِنْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ زَنَى فَخْذُك أَوْ ظَهْرُك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَى فَرْجُك فَهُوَ قَاذِفٌ وَإِنْ قَالَ زَنَى بِك فُلَانٌ بِأُصْبُعِهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ نَائِمَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا إذَا قَالَ وُطِئْت وَطْئًا حَرَامًا لِأَنَّ وَطْءَ الْحَرَامِ قَدْ يَكُونُ بِالزِّنَا وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ قَدْ أَعْتَقَتْ أَوْ لِكَافِرَةٍ قَدْ أَسْلَمَتْ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِزِنَاهَا، وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْقَذْفِ حَالَ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ.
، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اذْهَبْ فَقُلْ لِفُلَانٍ: يَا زَانِي أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَلَا حَدَّ عَلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَذْفِ وَلَمْ.
يَقْذِفْ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ بِقَذْفٍ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالزِّنَا لَيْسَ بِزِنًا وَأَمَّا الرَّسُولُ فَإِنْ قَذَفَ قَذْفًا مُطْلَقًا حُدَّ وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ لَك كَذَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِلْقَذْفِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا وَإِنْ قَالَ عَنَيْت فُلَانًا مَعَك شَاهِدًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ عَطَفَ فُلَانًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي زَنَيْت فَاقْتَضَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ.
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ أَوْ بِفَرَسٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَى مَنْ يَكُونُ مِنْهُ الْوَطْءُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَطِئَك حِمَارٌ أَوْ ثَوْرٌ وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِشَاةٍ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَهُوَ قَاذِفٌ لِأَنَّ الْأُنْثَى لَا يَكُونُ مِنْهَا فِعْلُ الزِّنَا لِأُنْثَى فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْعِوَضِ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِنَاقَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ زَانِيًا وَإِنْ قَالَ زَنَيْت بِأَمَةٍ حَدّ وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت بِثَوْرٍ أَوْ بِبَعِيرٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَدْحَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَالْكَرَمِ، وَالصَّفَاءِ وَلِأَنَّ ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِجَدِّ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ إلَى خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَإِسْمَاعِيلَ كَانَ عَمًّا لَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ «الْخَالُ أَبٌ» وَزَوْجُ الْأُمِّ يُسَمَّى أَبًا لِلتَّرْبِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) قُيِّدَ بِغَيْرِ الْمِلْكِ احْتِرَازًا عَنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي الْمِلْكِ وَإِنَّمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الْوَاطِئِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يُشْبِهُ الزِّنَا وَهُوَ كَمَنْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ فَهَذَا وَطْءٌ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَةً وَعَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَوَطِئَهُمَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ أَمَةً قَدْ وَطِئَهَا أَبُوهُ أَوْ وَطِئَ هُوَ أُمَّهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا مِلْكَهُ وَتَحْرِيمُهَا عَارِضٌ فَهِيَ كَالْحَائِضِ، وَالْمَجُوسِيَّةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْ وَطْئِهَا بِدَلَالَةِ وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ امْرَأَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدُّ وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَإِنْ لَمَسَ امْرَأَةً لِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا أَوْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفَةُ عِنْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ.
. قَوْلُهُ: (، وَالْمُلَاعَنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا) لِأَنَّ وَلَدَهَا غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ بَعْدَ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا وَإِنْ قَذَفَهَا قَاذِفٌ بَعْدَ مَا ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ حُدَّ وَإِنْ كَانَتْ مُلَاعَنَةً بِغَيْرِ وَلَدٍ فَقَذَفَهَا قَاذِفٌ حُدَّ وَإِنْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ كَالذِّمِّيِّ وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَامُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَذَفَ أَمَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا) عُزِّرَ وَيُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتُهُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ قَوْلُهُ: (أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ: يَا فَاسِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ عُزِّرَ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي هَذَا بَلْ يَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَيُعَزِّرُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا فَاجِرُ أَوْ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرِ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا قَالَ: يَا فَاسِقُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَكَذَا إذَا قَالَ يَا آكِلَ الرَّبَّا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عُزِّرَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ) وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا كَلْبُ أَوْ يَا قِرْدُ أَوْ يَا ثَوْرُ أَوْ يَا ابْنَ الْكَلْبِ أَوْ يَا ابْنَ الْحِمَارِ لَمْ يُعَزَّرْ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ.
وَلِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَتَسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ يُقَالُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَبًّا وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَوْ قَالَ: يَا لَاهِي يَا مَسْخَرَةُ أَوْ يَا ضَحْكَةُ أَوْ يَا مُقَامِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَإِنْ قَالَ يَا بَلِيدُ عُزِّرَ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ قَالَ يَا سَفَلَةُ عُزِّرَ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَلَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْكَافِرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ الْمُقَامِرُ، وَاللَّاعِبُ بِالطُّنْبُورِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْأَفْعَالَ الدَّنِيئَةَ، وَقَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى هُوَ الَّذِي إذَا دُعِيَ إلَى الطَّعَامِ أَكَلَ وَحَمَلَ.
قَوْلُهُ: (، وَالتَّعْزِيرُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ) لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ الِانْزِجَارُ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْأَرْبَعِينَ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ أَتَى حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» ، وَالْأَرْبَعُونَ حَدٌّ فِي الْعَبِيدِ فِي الْقَذْفِ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَيَسْتَوِي فِي التَّعْزِيرِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالرَّجُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الِانْزِجَارُ قَوْلُهُ:(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا) اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ وَأَقَلُّ حَدٍّ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ يَنْقُصُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْوَاطٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - كَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عُقْدَةً فَلَمَّا بَلَغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ عَقَدَ وَذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ عُقْدَةً ثُمَّ لَمْ يَعْقِدْ فِي الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعُ جَلَدَاتٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسًا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَيُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ أَدْنَى حَدِّهِ أَرْبَعُونَ فَيَنْقُصُ خَمْسَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ الْعَبْدُ مَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ إلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي ثُمَّ التَّعْزِيرُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ كَالدَّهَاقِنَةِ، وَالْقُوَّادِ وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ، وَالْعَلَوِيَّةِ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ فَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ كَالسُّوقَةِ الْإِعْلَامُ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي، وَالْحَبْسُ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ الْجَرُّ، وَالضَّرْبُ، وَالْحَبْسُ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ، وَالْقِصَاصِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالدُّيُونِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ.
. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الرَّدْعُ، وَالزَّجْرُ فَإِذَا رَأَى أَنَّ الشَّاتِمَ لَا يَرْتَدِعُ بِالضَّرْبِ حَبَسَهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرْتَدِعُ لَا يَحْبِسُهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ مُخَفَّفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَمُؤَكَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] . قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقِّنٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَلِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ شِدَّةِ التَّعْزِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْمَعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشِّدَّةُ مِنْ حَيْثُ الضَّرْبُ، وَفِي حُدُودِ الْأَصْلُ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ، وَفِي الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَقْصَاهُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الشُّرْبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ فَإِذَا بَرِئَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى حَدِّ.