الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْجُودَةٌ وَهْم الَّذِينَ ضَيَّعُوهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ
[أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ]
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ) لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَالْقَتْلِ أَوْ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا إذَا مَاتَ ذِمِّيًّا وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ لِمَا مَضَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَعْنِي إذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ كَافِرًا
قَوْلُهُ (وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ الْجِزْيَةُ) يَعْنِي تَدْخُلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَيُقْتَصَرُ عَلَى جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ تُؤْخَذْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّنَةُ الْأُخْرَى وَوَجَبَتْ جِزْيَةٌ أُخْرَى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْحُدُودِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدُّيُونِ وَالْخَرَاجِ وَالْأُجْرَةِ وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حَتَّى تَدْخُلَ السَّنَةُ وَيَمْضِيَ شَهْرَانِ مِنْهَا
قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُمْ بِيَعٌ وَكَنَائِسُ قَدِيمَةٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذْنَاهُمْ بِنَقْضِهَا كَانَ فِيهِ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ (وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحَوِّلُوهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ مَسْكَنًا أَوْ وَطَنًا قَالَ عليه السلام «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَقَالَ عليه السلام «لَإِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأُخْرِجَنَّ النَّصَارَى مِنْ نَجْرَانَ»
قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالتَّمْيِيزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ) لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَأْمُرُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَخْتِمُوا فِي رِقَابِهِمْ بِالرَّصَاصِ وَأَنْ يُظْهِرُوا مَنَاطِقَهُمْ وَأَنْ يَجْدِفُوا بَرَاذِينَهُمْ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَثْوَابِهِمْ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تَجُوزُ مُوَالَاتُهُ وَلَا تَعْظِيمُهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ زِيُّهُمْ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نُوَالِيَهُمْ ظَنًّا مِنَّا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَقَالَ عليه السلام «لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَأَلْجِئُوهُمْ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ» فَإِذَا لَمْ نَعْرِفْهُمْ لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ غَيْر مُتَمَيِّزٍ بِزِيِّهِ فَنُصَلِّي عَلَيْهِ وَنَدْفِنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَنَسْتَغْفِرُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَتَشَبَّهُ فِي لِبَاسِهِ بِالْمُسْلِمِ وَلَا فِي مَرْكَبِهِ وَهَيْئَتِهِ وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَلْبَسُوا لِبَاسًا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذُوا حَتَّى يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَسَطِهِ زُنَّارًا وَهُوَ خَيْطٌ عَظِيمٌ مِنْ الصُّوفِ يَعْقِدُهُ عَلَى وَسَطِهِ وَيَكُونُ فِي الْغِلَظِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلرَّائِي وَيَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ مِنْ اللِّبَدِ يُعْرَفُ بِهَا لَا تُشْبِهُ قَلَانِسَ الْمُسْلِمِينَ وَيُجْعَلُ عَلَى بُيُوتِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّا لَا نَأْمَنُ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ تَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فَيَعُودُوا إلَى حَرْبِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً وَلَا يُدْخِلُونَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ
وَلَا قُرَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ فِسْقٌ وَلَا يَحِلُّ إظْهَارُ الْفِسْقِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَظْهَرُوهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ تَأْلَفَهُ الْمُسْلِمُونَ
قَوْلُهُ (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ) أَمَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَمْكَنَ الْإِمَامَ أَخْذُهَا مِنْهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَمْكَنَ الْإِمَامَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْهُ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا سَبُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَلِأَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَجْرِي مَجْرَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهْم يَسُبُّونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَقُولُونَ لَهُ وَلَدٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَا) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيَعْرَى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ
قَوْلُهُ (وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ لَهُ) لِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا ارْتَدَّ الْبَالِغُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ مَكَانَهُ وَمَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا يَكْفُرُ وَيَجِبُ قَتْلُهُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ وَتَابَ وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إلَّا إذَا طَلَبَ أَنْ يُؤَجَّلَ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ قَوْلُهُ (وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ) هَذَا إذَا اسْتَمْهَلَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَمْهِلْ قُتِلَ مِنْ سَاعَتِهِ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ لَا يَجُوزُ الْإِمْهَالُ بِدُونِ الِاسْتِمْهَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْهَالُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْهِلْ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمْهَالَ فَيُحْتَمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْهِلْ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ وَالْكُفْرُ يُبِيحُ الدَّمَ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْبَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَيُفَوَّضُ ضَرْبَهَا وَتَأْدِيبَهَا إلَيْهِ وَلَا يَطَؤُهَا وَكَيْفِيَّةُ حَبْسِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَحْبِسَهَا الْقَاضِي ثُمَّ يُخْرِجُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ ضَرَبَهَا أَسْوَاطًا ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ حَبَسَهَا يَفْعَلُ بِهَا هَكَذَا كُلَّ يَوْمٍ أَبَدًا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ وَالْعَبْدُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ وَاكْتِسَابُهُ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ وَإِذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ فَارْتِدَادُهُ ارْتِدَادٌ عِنْدَهُمَا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ حَتَّى لَا يَرِثَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيَمِيزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ
قَوْلُهُ (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْلَاكِهِ بِرِدَّتِهِ) زَوَالًا مُرْعًا
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ أَمْلَاكُهُ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا) يَعْنِي أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا كِلَا الْكَسْبَيْنِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ التَّوْرِيثُ إلَى مَا قَبْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلْمَوْتِ جُعِلَتْ مَوْتًا حُكْمًا فَكَانَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ حُكْمًا فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْمُسْلِمُ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَسْبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَسْبُ مُبَاحِ الدَّمِ وَلَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ فَكَانَ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَإِنَّمَا احْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ عَنْ الْمُكَاتَبِ إذَا ارْتَدَّ وَاكْتَسَبَ مَالًا فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَيْئًا وَيَكُونُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ حَالُ وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ بِيَوْمِ ارْتِدَادِهِ لَا بِيَوْمِ مَوْتِهِ وَلَا قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمئِذٍ وَرِثَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا لَمْ يَرِثْ وَإِنْ أُعْتِقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ يَمُوتَ لَمْ يَرِثْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ أَوْ يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَاعْتُبِرَ حَالُ الْوَارِثِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ يَزُولُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ كَمَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَكَمَا وَجَبَ اعْتِبَارُ حَالِ وَارِثِ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ حَالُ وَارِثِ الْمُرْتَدِّ يَوْمَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي شَرْحِهِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِأَنَّهَا فَارَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ
قَوْلُهُ (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ وَحَلَّتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ مُرَاعًى وَالْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلَوْ مَاتَ اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ وَعَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَإِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِاللَّحَاقِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ فَاتَّفَقَ الْجَوَابُ فِيهِ، وَأَمَّا مُكَاتَبُهُ فَيُؤَدِّي مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُرْتَدِّ كَمَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ بِاللَّحَاقِ حَلَّتْ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ كَمَا لَوْ مَاتَ قَوْلُهُ (وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَهْم أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ (وَتُقْضَى الدُّيُونُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الدُّيُونِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ) يُقْضَى مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ
وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ قَوْلُ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ دُيُونَهُ كُلَّهَا مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ تَفِ كَانَ الْبَاقِي فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا لَمْ يَفِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ
قَوْلُهُ (وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةٌ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَمُحَابَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَتَصَرُّفَاتُهَا كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَإِذَا عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَمَّنْ يَمْلِكُهُ فَصَارَ كَمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا زَالَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ هَذَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ عَلَى ظَاهِرِ مِلْكِهِ كَتَصَرُّفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَحِقَ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ أَمَّا إذَا رَجَعَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَجَمِيعُ أَمْوَالِهِ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَلَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ
قَوْلُهُ (وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا جَازَ تَصَرُّفُهَا) لِأَنَّ مِلْكَهَا لَا يَزُولُ بِرِدَّتِهَا ثُمَّ هِيَ لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْحَبْسِ أَوْ لَحِقَتْ كَانَ مَالُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا وَلَا يَرِثُ زَوْجُهَا مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ حِينَئِذٍ يَرِثُ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ وَالزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ
قَوْلُهُ (وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ) وَهْم قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ بِقُرْبِ الرُّومِ طَلَبَ عُمَرُ رضي الله عنه مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَقَالُوا نَحْنُ قَوْمٌ لَنَا شَوْكَةٌ نَأْنَفُ مِنْ ذُلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا الْجِزْيَةَ فَإِنَّا نَلْحَقُ بِأَعْدَائِك بِأَرْضِ الرُّومِ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا ضِعْفَ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَكَ ذَلِكَ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُضَاعَفَةِ وَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَتُوضَعُ عَلَى مَوَالِي التَّغْلِبِيِّ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ.
وَقَالَ زُفَرُ يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَلَنَا أَنَّ أَخْذَ مُضَاعَفَةِ الزَّكَاةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ فَالْمَوْلَى فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ
وَجَبَ بِالصُّلْحِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيَّيْنِ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ مِنْهُمْ يَعْنِي الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِيَّةِ ثُمَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ فَكَذَا يُضَعَّفُ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَا مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ أَرْضَ عُشْرٍ فَعَلَيْهِ عُشْرَانِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْعُشْرَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ (وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ وَالْجِزْيَةِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيُسَدُّ بِهِ الثُّغُورُ) الثَّغْرُ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ وَإِمْكَانُ دُخُولِ الْعَدُوِّ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَتُبْنَى بِهِ الْقَنَاطِرُ وَالْجُسُورُ) وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ قَوْلُهُ (وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِمْ وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَدٌّ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا إلَى الْقِتَالِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُشْرِكَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ الدِّينِ لَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَغْلِبُ الظَّنُّ عَلَى أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ طَمَعًا لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ وَقِيلَ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ شَخْصٍ لَا يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ أَمَّا مَنْ يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ
قَوْلُهُ (وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى جَمَاعَتِهِمْ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) يَعْنِي يَسَالُهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ ظُلْمٍ أَزَالَهُ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُمْ لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا وَادَّعَوْا الْوِلَايَةَ فَهُمْ بُغَاةٌ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُعِينُوا السُّلْطَانَ وَيُقَاتِلُوهُمْ مَعَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ الْبَغْيِ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالصُّلْحِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْبَغْيُ هُوَ الِاسْتِطَالَةُ وَالْعُدُولُ عَنْ الْحَقِّ وَعَمَّا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (وَلَا يَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ) هَذَا اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ قَوْلُهُ (فَإِنْ بَدَءُونَا قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى نُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ) أَيْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا قُتِلَ مُدْبِرُوهُمْ إذَا