الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَائِنٍ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي وَقَدْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَقَوْلُهُ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ سَوَاءٌ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمُطَلَّقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ وَتَعْتَدُّ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي الْأَشْهُرِ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَعْنِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي فَإِنَّهَا مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَيَكُونُ عَلَيْهَا مِنْ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضَتَانِ وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثُ حِيَضٍ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ كَانَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَبَقِيَتْ مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي حَيْضَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَإِنَّ عَلَيْهَا تَمَامَ عِدَّةِ الثَّانِي) وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْحَيْضَتَيْنِ وَلَا يُرَاجِعَهَا فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فِي حَقِّهِ وَلِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ فِي حَقِّهَا.
(قَوْلُهُ وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ مُضِيُّ الزَّمَانِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ مُنْذُ سَنَةٍ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَارُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ
، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
[الْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ]
(قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا أَوْ عِنْدَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) .
وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ فَإِنْ كَانَتْ حَاضَتْ ثَلَاثًا بَعْدَ آخِرِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَجَبَ الْحَدُّ وَصُورَةُ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَنْ يَقُولَ تَرَكْت وَطْأَهَا أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا الْقَوْلِ أَمَّا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَارَكَةٍ إنَّمَا الْمُتَارَكَةُ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا، وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَكْفِي تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ فَسْخٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ الْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ وَإِنْ تَزَوَّجَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَوَطِئَهَا إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ غَيْرِهِ تَجِبُ الْعِدَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِنًا مَحْضًا.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُسْلِمَةً الْإِحْدَادُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إحْدَادَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى مَوْتِ زَوْجٍ وَفَاءً بِعَهْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ، وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفُ بِفَوْتِهِ وَلَنَا أَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةُ مُؤْنَتِهَا لِإِبَانَةٍ أَقْطَعَ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ
لِأَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ (قَوْلُهُ وَالْإِحْدَادُ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْكُحْلَ وَالدُّهْنَ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةَ الشَّعْرِ وَيُقَالُ الْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ لُغَتَانِ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَ بِهَا وَجَعُ الْعَيْنِ فَتَكْتَحِلُ أَوْ حَكَّةٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ أَوْ تَشْكِي رَأْسَهَا فَتَدَّهِنُ وَتَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْغَلِيظَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَدَاوٍ لَا زِينَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَلِأَنَّهُ زِينَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ) فَإِنْ غُسِلَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ حَتَّى صَارَ لَا يَنْفُضُ جَازَ أَنْ تَلْبَسَهُ لِزَوَالِ الطِّيبِ مِنْهُ وَكَذَا لَا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمُطَيَّبَ وَأَمَّا لُبْسُ الْحَرِيرِ إنْ قَصَدَتْ بِهِ الزِّينَةَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَبِسْته لِعُذْرٍ كَمَا إذَا كَانَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ لِعَدَمِ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُلْبَسُ لِلزِّينَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعِدَّةِ قُلْنَا الْإِحْدَادُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمْهَا وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَلَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ قَدْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُنَّ مُخَاطَبَاتٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إحْدَادٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِحُرْمَةِ الزَّوْجِيَّةُ وَالْفَاسِدُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ عِدَّتُهَا وَطْءٌ فَهِيَ كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي مِنْ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا مَاتَ زَوْجُهَا فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ
(قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) وَصُورَةُ التَّعْرِيضِ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنِّي أُرِيدُ النِّكَاحَ وَأُحِبُّ امْرَأَةً صِفَتُهَا كَذَا فَيَصِفُهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَوْ يَقُولُ لَيْتَ لِي مِثْلُك أَوْ أَرْجُو أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك وَإِنْ قَضَى اللَّهُ لَنَا أَمْرًا كَانَ، وَهَذَا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتَهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا) بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا وَالصَّغِيرَةُ تَخْرُجُ فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ وَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَقِيلَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا كَمَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا وَأَصْلُ هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَاحِشَةِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ أَنْ تَزْنِيَ فَتَخْرُجَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَقَالَ النَّخَعِيُّ هُوَ نَفْسُ الْخُرُوجِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهَا فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: 1] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاحِشَةَ غَيْرُ الْخُرُوجِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْبَائِنُ وَالثَّلَاثُ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ سَوَاءٌ أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَلَهُ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَكَذَا الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهُ مَنْعُهُمَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَكَذَا فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي خِدْمَتِهَا وَالْمُكَاتَبَةِ فِي سِعَايَتِهَا فَلَوْ مَنَعْنَاهَا الْخُرُوجَ تَعَذَّرَتْ السِّعَايَةُ وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَعِنْدَهُمَا حُرَّةٌ مَدْيُونَةٌ.
(قَوْلُهُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَلَا تَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَقَدْ يَمْتَدُّ ذَلِكَ إلَى هُجُومِ اللَّيْلِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ وَبَعْضَ اللَّيْلِ يَعْنِي مِقْدَارَ مَا تَسْتَكْمِلُ حَوَائِجَهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَبِيتُ فِي مَنْزِلِهَا أَكْثَرَ اللَّيْلِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فَلَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا فَحَسَنٌ وَإِنْ ضَاقَ بِهَا الْمَنْزِلُ خَرَجَتْ وَلَا تَنْتَقِلُ عَمَّا تَخْرُجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ يَكْفِيهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) بِأَنْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ أَوْ كَانَتْ فِي الرُّسْتَاقِ فَخَافَتْ اللُّصُوصَ أَوْ الظُّلْمَةَ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ انْتَقَلَتْ) ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ الزَّوْجُ بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ مُسَافِرٌ لِلْحَجِّ فَطَلَّقَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَادَتْ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ سَفَرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَمْضِي لِمَقْصِدِهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ فِي عَوْدِهَا إلَى إنْشَاءِ سَفَرٍ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ السَّفَرِ وَلَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا كَذَلِكَ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرٌ وَهِيَ فِي الْمَفَازَةِ فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ هُنَاكَ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَتْ وَبَلَغَتْ إلَى أَقْرَبِ بُقْعَةٍ فِيهَا الْأَمْنُ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ أَقَامَتْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَتْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمُحْرِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي السَّفَرِ تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا انْقَطَعَ حُكْمُ سَفَرِهَا التَّابِعِ لَهُ وَصَارَ الْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِنِيَّتِهَا فَخُرُوجُهَا إنْشَاءُ سَفَرٍ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ لِلْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلِمَا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى) وَأَصْلُهُ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ دُخُولٌ فِي الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ
فَعِنْدَهُمَا نَعَمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا فَرَفَعَ الْوَلِيُّ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمهُ الْمَهْرَ وَأَلْزَمهَا الْعِدَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ وَلِيَّ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ نِكَاحًا صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا كَامِلًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَرَدَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ
(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَكْثَرَهَا سَنَتَانِ عِنْدَنَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إذَا جَاءَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَمُدَّةَ الْحَمْلِ بَاقِيَةٌ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ أَيْضًا وَكَانَ عُلُوقُهَا بِهِ رَجْعَةً إذَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عُلِمَ أَنَّهُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ، وَهِيَ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ فَحُمِلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَارَ مُرَاجِعًا بِوَطْئِهَا فَلِهَذَا لَزِمَهُ وَكَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ.
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا كَذِبَهَا بِالْإِقْرَارِ وَعَلِمْنَا أَنَّهَا أَقَرَّتْ، وَهِيَ حُبْلَى فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَطَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ الثَّانِيَ صَادَفَهَا، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَكَرَّرَ الْأَفْعَالُ فَقَدْ تَكَرَّرَ الْجَزَاءُ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَبَقِيَتْ مُعْتَدَّةً لِبَقَاءِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَ طَلُقَتْ أُخْرَى؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تَضَعْ الثَّالِثَ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَيُصَادِفُهَا الطَّلَاقُ الثَّالِثُ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِوَضْعِهِ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ لِوُجُوبِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ الْعِدَّةَ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَكَانَتْ رَجْعِيَّةً) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا.
(قَوْلُهُ وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْكَلَامُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ رَحِمَهَا مَشْغُولٌ بِالْحَمْلِ وَمُدَّتُهُ سَنَتَانِ وَذَكَرَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا خَرَجَ رَأْسُ الْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ انْفَصَلَ عَنْهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ فَقَدْ الْتَزَمَهُ وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ.
(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ
الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَذَلِكَ لِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ، وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَبِلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا أَمَّا إذَا قَالَ هُوَ ابْنِي مِنْ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْعِدَّةِ) وَكَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ أَوْ وَفَاةٍ وَقَوْلُهُ حَمْلٌ ظَاهِرٌ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ يَعْنِي تَامَّةً؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ شَرْطُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَمْلُ ظَاهِرٌ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا وَأَرَادَتْ إلْزَامَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْفِرَاشُ مُلْزِمُ النَّسَبِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَدْلَةً عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَذَكَرَ الْإِمَامُ خواهر زاده أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ تُقْبَلُ عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
(قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثُمَّ إذَا وَطِئَهَا فِي هَذَا النِّكَاحِ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي عَقْدٍ وَقَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ مِنْ الزِّنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفِهِ فِي وَقْتِ النَّفْيِ وَكَذَا إذَا سَكَتَ أَيْضًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِالْوِلَادَةِ) وَكَذَا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ يُلَاعِنُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَصُورَتُهُ مَنْكُوحَةٌ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدْ بِهِ فَشَهِدَتْ بِهِ امْرَأَةٌ فَنَفَاهُ لَاعَنَ فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ تَزَوَّجْتُك مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ.
(قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.