المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل تحريم تشبه المسلمين بالكفار - أدلة تحريم حلق اللحية

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌تعريفات أصولية

- ‌1 - الحكم الشرعي:

- ‌2 - الواجب:

- ‌3 - المندوب:

- ‌4 - الحرام:

- ‌5 - المكروه:

- ‌المبحث الأولأدلة تحريم حلق اللحية

- ‌فصل الأمر حقيقة في الوجوب

- ‌فصل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى

- ‌(فائدة)

- ‌فصل تحريم تشبه المسلمين بالكفار

- ‌دعاة التفرنجدعاة على أبواب جهنم

- ‌فصل حلق اللحية تشبه بالكفار

- ‌فصل تحريم تشبه الرجال بالنساء

- ‌تنبيه

- ‌فصل حلق اللحية تشبه بالنساء

- ‌فصل اللحية من نعم الله على الرجال وحلقها كفر بهذه النعمة

- ‌فصل أمر القدوة أمر لأتباعه

- ‌فصل الدليل القرآني على أن إعفاء اللحية من سمت الأنبياء عليهم السلام

- ‌تنبيه

- ‌فصل حلق اللحية رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل إعفاء اللحية من خصال الفطرة

- ‌تنبيه

- ‌فصل تحريم تغيير خلق الله بدون إذن من الشرع

- ‌فوائد متفرقة تتعلق بالأصل السابق

- ‌فصل هل حلق اللحية من تغيير خلق الله

- ‌تنبيه

- ‌كيفية إعفاء اللحية وحف الشارب

- ‌فصل تحقيق حديث "كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها

- ‌فصل حد اللحية لغة وشرعا

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه

- ‌استحباب تسريح اللحية وتطييبها

- ‌فصل أقوال علماء المذاهب الأربعة رحمهم الله في حكم حلق اللحية

- ‌فائدة

- ‌فتاوى بعض العلماء المعاصرين

- ‌فتوى في إمامة الحليق للصلاة

- ‌فصل هل ترد شهادة من يحلق لحيته

- ‌فتوى في حكم مهنة حلق اللحى

- ‌فصل حكم المستهزئ بإعفاء اللحية

- ‌فصل التنبيه على بعض البدع المتعلقة باللحية

- ‌لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

- ‌فائدة

- ‌تنبيه

- ‌طاعة العلماء آكد من طاعة الوالدين

- ‌المبحث الثانيتبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

- ‌فصل

- ‌فصل الإرتباط بين الظاهر والباطن

- ‌تقسيم الدين إلى قشر ولب بدعة عصرية

- ‌فصل دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي

- ‌{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}

- ‌خاتمة في الحث على الرفق في النصيحة

الفصل: ‌فصل تحريم تشبه المسلمين بالكفار

‌فصل تحريم تشبه المسلمين بالكفار

(1)

تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالًا ونساء التشبه بالكفار سواء في عبادتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم، وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية خرج عنها اليوم -مع الأسف- كثير من المسلمن جهلا بدينهم، أو تبعا لأهوائهم، أو انحرافا مع عادات العصر الحاضر وتقاليد أوروبا الكافرة، حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"(2).

ومما ينبغي أن يعلم أن أدلة هذه القاعدة المهمة كثيرة في الكتاب والسنة، ومن أدلة الكتاب قوله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (3).

ومنها قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (4).

يخبر تعالى أنه جعل رسوله صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في "الذين لا يعلمون" كل من خالف شريعته، و"أهواؤهم" ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع

(1) هذا الباب مستفاد باختصار من (الحجاب) للشيخ ناصر الدين الألباني.

(2)

الرعد: 11.

(3)

الحشر:19.

(4)

الجاثية: 18.

ص: 15

ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه: اتباع لما يهوونه، ولذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم، ويسرون بذلك، ويودون أن لو بذلوا مالا عظيما ليحصل ذلك.

وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (1).

قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى (2): (فقوله "ولا يكونوا" نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضا في النهى عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي) اهـ.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية (3): "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية، اهـ.

وفي الباب آيات أخر كثيرة وفيما ذكرنا كفاية.

فتبين من هذه الآيات أن ترك هدي الكفار والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها، وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام صلى الله عليه وسلم ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة. قال صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا"(4). حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشعروا أنه صلى الله عليه وسلم يتحرى أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم فقالوا: "مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا

(1) الحديد: 16.

(2)

اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص43، وهذا الكتاب من نفائس شيخ الإسلام الذي يجدر بكل مؤمن قرائته في مثل هذا الزمان.

(3)

تفسير القرآن العظيم (4/ 310).

(4)

رواه الديلمي في "مسند الفردوس" وحسنه الألباني.

ص: 16

فِيهِ؟ " (1). وهذا لا ينحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلًا، بل قد تعداها إلى غيرها من العبادات والآداب والعادات، وهذا بعضها مسوق بين يديك لتكون على بصيرة وتقف على أهمية هذا الأمر:

(أ)(من الصلاة):

عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: اهْتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ - يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ: شَبُّورُ الْيَهُودِ (2) - فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ:«هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ» قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ:«هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى» فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ" (3) الحديث.

ومن هذا الباب ما ثبت عن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: «صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَالصَّلَاةُ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنِّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمَ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ" (4).

ومن ذلك ما رواه جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "

ألا

(1) أخرجه مسلم وأبو عوانة في صحيحهما وقال الترمذي: حسن صحيح وأخرجه غيرهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

هو البوق.

(3)

أخرجه أبو داود وأنظر تلخيص الحبير (209/ 1).

(4)

أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما".

ص: 17

وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ، عَنْ ذَلِكَ" (1).

ومن ذلك ما رواه يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ" (2).

ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنْ كِدْتُمْ لَتَفْعَلُوا فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ، يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا"(3). الحديث، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلا وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة فقال:"إِنَّهَا صَلَاةُ الْيَهُودِ"(4). وفي رواية: "لَا تَجْلِسْ هَكَذَا، إِنَّمَا هَذِهِ جِلْسَةُ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ"(5).

(ب)(ومن الجنائز):

ما رواه جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ"(6).

(ج)(ومن الصوم):

ما رواه عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ» (7).

وما رواه أبو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا

(1) أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما" وابن سعد.

(2)

أخرجه أبو داود والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه.

(3)

حديث مستفيض عن جابر رضي الله عنه أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما".

(4)

أخرجه الحاكم وغيره.

(5)

أخرجه الإمام أحمد.

(6)

أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" وأحمد وغيرهما.

(7)

أخرجه مسلم وأصحاب السنن وأحمد.

ص: 18

يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ، لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ" (1).

وعَنْ لَيْلَى، امْرَأَةِ بَشِيرٍ قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ أَصُومَ يَوْمَيْنِ مُوَاصِلَةً، فَمَنَعَنِي بَشِيرٌ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: " يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى، وَقَالَ عَفَّانُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى، وَلَكِنْ صُومُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ، وَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَأَفْطِرُوا"(2).

وعن بْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا يَوْمَ التَّاسِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" (3).

وعن أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ:«إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ» (4).

(د)(ومن الأطعمة):

ما رواه عدى بن حاتم قال: "قلت: يا رسول الله، إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ طَعَامٍ لَا أَدَعُهُ إِلَّا تَحَرُّجًا، قَالَ:«لَا تَدَعْ شَيْئًا ضَارَعْتَ فِيهِ نَصْرَانِيَّةً» (5)

والمعنى: لا تتحرج فإنك إن فعلت ذلك، شابهت فيه النصرانية، فإنه من دأب النصارى وترهبهم.

(هـ)(ومن اللباس والزينة):

(1) رواه الترمذي والإمام احمد، وأبو داو والحاكم وابن ماجة وحسنة الألباني.

(2)

أخرجه الإمام أحمد وكذا سعيد بن منصور، وعزاه الحافظ في "الفتح" للطبراني أيضا، وعبد بن حميد وابن ابي حاتم في تفسيرهما.

(3)

أخرجه مسلم والبيهقي وغيرهما.

(4)

أخرجه الإمام أحمد والحاكم والبيهقى، وقال الحاكم "صحيح"، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة.

(5)

أخرجه الإمام أحمد والبيهقي والترمذي.

ص: 19

ما رواه عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنَّ هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا» (1).

وفي كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه: "

وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرَ

" (2).

وعن علي رضي الله عنه رفعه: «إِيَّاكُمْ وَلِباسَ الرُّهْبَانِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَهَّبَ أَوْ تَشَبَّهَ فَلَيْسَ مِنِّي» (3).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» . قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلْا يَأْتَزِرُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» . قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» . قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ (4) وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ (5). قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» (6).

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى» (7).

(1) أخرجه مسلم والنسائي والحاكم وأحمد.

(2)

متفق عليه.

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط.

(4)

العثانين: جمع عثنون وهي اللحية.

(5)

السبال: جمع "سبلة" بالتحريك وهي الشارب.

(6)

أخرجه الإمام أحمد، وحسنه الحافظ في الفتح، وقد ذكر الهيثمي له شاهدا من رواية جابر بن عبد الله عند الطبراني قال في آخره:"وخالفوا أولياء الشيطان بكل ما استطعتم".

(7)

أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانه والبيهقي.

ص: 20

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» (1). وعنه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» (2). وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى» (3).

(و)(ومن الآداب والعادات):

عن جابر بن عبد الله مرفوعا: «لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالْأَكُفِّ وَالرُّؤوسِ وَالْإِشَارَةِ» (4).

وعن الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا، وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي، فَقَالَ:«أَتَقْعُدُ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟» (5).

وأخيرا فقد ثبت عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (6).

وعن الحسن قال: "قلما تشبه رجل بقوم إلا لحق بهم". يعني في الدنيا والآخرة، فثبت من كل ما تقدم أن مخالفة الكفار وترك التشبه بهم من مقاصد

(1) أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي وأحمد.

(2)

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد.

(3)

أخرجه الإمام أحمد وابن حبان والترمذي.

(4)

قال الحافظ في "الفتح"(أخرجه النسائي جيد) وقال الهيثمي، (رواه أبو يعلى والطبراني في "الأوسط" ورجال أبي يعلى رجال الصحيح).

(5)

أخرجه أبو داود والحاكم وأحمد- وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.

(6)

أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في "مسنده" والطبراني في "الكبير" وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة في "مصنفه" وابن عساكر، وأخرج الجملة الأخيرة منه أبو داود، وقال شيخ الإسلام:(وهذا إسناد جيد)، وقال الحافظ العراقى في تخريج الأحياء:(سنده صحيح) وقال الحافظ

في الفتح (سنده حسن).

ص: 21

الشريعة الإسلامية العليا التي بني على أساسها هذا الدين، فالواجب على كل المسلمين رجالا ونساء أن يراعوا ذلك في كافة شئونهم، والله وحده المستعان.

شبهه: زعم بعض الناس أن مخالفة الكفار مستحبة لا واجبة، وأن الصحيح هو كراهة التشبه بالكفار لا تحريمه، واستدل على دعواه بورود نصوص تبنى أحكاما شرعية معللة بمخالفة الكفار وهذه المخالفة مستحبة لا واجبة، فمسلك الجمع بينها وبين النصوص الدالة على الوجوب إنما هو القول بكراهة التشبه فقط، لأن هذا الجمع يقدم على النسخ والترجيح، وجواب ذلك من وجوه.

الأول: أن المقرر عند جمهور الأصوليين والفقهاء أنه إذا وردت نصوص تدل على تحريم شيء وردت نصوص أخرى تدل على جوازه، وجب العمل بالنصوص الدالة على التحريم لأنها ناقلة عن البراءة والإباحة التي كان الناس عليها أول الأمر، قبل ورود الخطر.

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" صريح الدلالة على تحريم التشبه بالكفار، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:"أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ" وذكر منهم "وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ"(1).

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين، فقال: "إن هذا من لباس الكفار فلا تلبسهما"، قلت: أغسلهما؟ قال: لا، بل أحرقهما"، والإحراق فيه إتلاف مال متقوم، وهذا ينافي القول باستحباب المخالفة.

الثالث: أن الجمع لا يصار اليه عندما تكون النصوص محتملة غير صريحة، وفيما عدا ذلك يصار إلى النسخ أو الترجيح.

الرابع: أن ما تقتضي الأدلة رجحانه هو تحريم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، وقد يرد في بعض المسائل ما يصرف هذا الحكم إلى الكراهة فلا يلغي ذلك الأصل بل يخصص في هذه المسائل بعينها، والعلم عند الله تعالى.

(1) رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 22

تنبيهات

الأول: مخالفة الكفار إنما تجب فيما ابتدعوه، وكان خاصا بهم لا فيما يشترك فيه الناس كلهم مما هو من لوازم الحياة، كأكل الخبز والنوم والاستضاءة بالكهرباء، إلخ

الثاني: المذموم من التشبه بالكفار هو ما يخالف الكتاب والسنة، أو ما يكون سببا في اندثار الدين ودروس شرائعه وفساد أهله، أما ما لم يكن كذلك كالأنظمة الإدارية والمشاريع التي تعود بالخير على المسلمين والمنجزات العلمية التي تقوي شوكة المسلمين أو تيسر المعايش فليس بمذموم، بل قد يستحب أو يجب حسب المقاصد التي تؤدي إليها هذه الوسائل فإن الذرائع لها أحكام الغايات وقال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1)،

وقد ورد (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم "تحصن من الأحزاب في الخندق حينما أخبره سلمان الفارسي رضي الله عنه أن الفرس يتحصنون به،

وورد (3) أنه أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكون ترجمانا له صلى الله عليه وسلم، وقد هم صلى الله عليه وسلم بأن يمنع وطء النساء المراضع خوفا على أولادهن، لأن العرب كانوا يظنون أن الغيلة (وهي وطء المرضع) تضعف ولدها وتضره، فأخبرته صلى الله عليه وسلم فارس والروم بأنهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم، فأخذ صلى الله عليه وسلم منهم تلك الخطة الطيبة، ولم يمنعه من ذلك أن أصلها من الكفار، وقد انتفع صلى الله عليه وسلم بدلالة ابن الأريقط الدؤلي له في سفر الهجرة على الطريق مع أنه كافر،

وعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ، «فَصَاغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ» (4).

(1) الأنفال: 60.

(2)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (ذكره أصحاب المغازي منهم أبو مشعر) فتح الباري (7/ 393).

(3)

أخرجه أبو يعلى وابن عساكر وأنظر "حياة الصحابة"(3/ 142 - 143).

(4)

رواه مسلم.

ص: 23