الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلماذا إذن تضعون العوائق في طريق السنة، وتضربون لها الأمثال، وتجهدون عقولكم في استخراج أمثال هذه الأقيسة العقلية الفاسدة، أفكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهون عليكم من هذه التفاهات الدنيوية؟!
أفلا يردعكم عن هذا التثبيط قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي"؟
ولا قول سفيان: "استوصوا بأهل السنة خيرا، فإنهم غرباء".
ولماذا لا تصرفون جهدكم إلى محاربة المعاندين للسنة المجادلين بغير الحق عن البدع؟
لقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا هو أصدق من قياساتكم الفاسدة حين قال: " مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ، وَالْمُدَّهِنِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ، فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ، فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا: لَا نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ، فَتُؤْذُونَنَا، فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا: فَإِنَّنَا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا، فَنَسْتَقِي " قَالَ: " فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، فَمَنَعُوهُمْ، نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا " أخرجه البخاري وأحمد والترمذي من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما فالسكوت على المنكرات سواء في فروع أو أصول ظاهر، أو باطن سبب من أسباب نزول العقوبات العامة وعموم الفتنة والعذاب.
{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}
قال الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (1).
وقال عز وجل: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} (2).
(1) التين: 4.
(2)
البقرة: 138.
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (1) الآية.
فلا شك أن خلق الإنسان على هذه الصورة هو من {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (2) وهو من حسن صنع الله جل وعلا، فلا يمكن أن يكون خلق الرجل بلحية يأمره الشرع بإعفائها خطأ من الله سبحانه وتعالى وتقدس حاشا وكلا
…
وهذا الرجل الذي يعبث بخلق الله ويستأصل لحيته لا ننتظر منه أن يكذب هذه النصوص التي أمر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى، ولا نتوقع منه أيضا أن يجهر بقوله: هذا خطأ من الله تعالى وتقدس، وكان الأحسن أن يخلق الرجل بغير لحية. فهذا لا يقوله إلا كافر ملحد.
لكن الحقيقة أن استقباح ما استحسنه الشارع واستحسان ما استقبحه يصدر من بعض هؤلاء بلسان الحال الذي هو أنطق من لسان المقال في كثير من الأحيان. فانت إذا كنت تتخذ ثوبا حسنا هل ترمي به أرضا ثم تتخذ مكانه الثوب القبيح الممزق؟ لا شك أن هذا خلاف الفطرة والعقل السليم.
فمن كان يستحسن بقلبه ما وصفه الله بأنه {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} هل يعمد مختارا إلي هذا الوصف الحسن فيزيله ويطيح به أرضا ويتشبه في ذلك بالكفار الذين استحسنوا هذه المعصية؟
قال يقال: نعم قد يصدر هذا من المسلم الذي يستحسن إعفاء اللحية ْبقلبه، ولكنه لا يستحل حلقها ويشعر أنه آثم بحلقها فما هو إلا عاص من عصاة المسلمن.
نقول: حقا قد يصدر من المسلم عمل الكفار ولكن لا يشاركهم في اعتقادهم باستحسان هذا الفعل، فالمسلم مثلا إذا تزيا بالزي الأوروبي وهو يتحسر على ذلك ويقول في نفسه: لا حول ولا قوة إلا بالله، اضطررت لمسايرة الناس، لعل الله يعافينا من هذا.
وهكذا هذا كفر عملي كسائر المعاصي لأنه لم يشاركهم في استحسان ما
(1) الإسراء: 70.
(2)
النمل: 88.
أستقبحه الشرع وإن شاركهم في الظاهر، فهذا مسلم له ما لنا وعليه ما علينا، ولكنه إذا واظب على هذه العادات الأجنبية الكافرة فالغالب أنه مع الزمان يموت في قلبه ذلك الإحساس بالإثم ثم يقع في استحسان هدى الكفار واستقباح هدى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأخبرني بربك عن قوم يتزينون بحلق لحاهم ويستحي أحدهم أن يظهر في المحافل والجمع والأعياد وقد طالت لحيته شيئا يسيرا، ثم يهنىء بعضهم بعضا بهذه المعصية قائلا نعيما.
ومنهم من يصف إعفاء اللحية بانه قذارة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم
…
كم شخصا منهم حينما يمر الموسى على لحيته يقول: أعوذ بالله من هذا العمل، لعل الله يتوب علي منه؟ لا شك أن هذا الشعور قد مات مع الزمن، ولا يشفع لهم فتاوى تصدر من بعض المنتسبين إلى العلم تبيح لهم هذه المعصية، يسمونها لهم بغير اسمها، ويقولون هي سنن عادة لا عبادة، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"عشر من الفطرة". ويذكر فيها "إعفاء اللحى"، ويقول ربنا تبارك وتعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (1).
ترى هل يحس هؤلاء بصدى قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم"، كيف يتذوقون هذا وقد أشربت قلوبهم حب هدى الكفار وتعظيمهم واستحسان جميع أحوالهم والنظر إليهم على أنهم القدوة والمثل الأعلى، فقلدوهم في كل شيء حتى أصبحوا يجهلون من دينهم كل شيء، وتدرجوا في الإنسلاخ من الإسلام شيئا فشيئا فلم يبق لهم إلا
(1) الروم: 30.
الإسم، وسلبوا أعظم أسباب القوة وهي الاعتزاز بكتاب ربهم وهدى نبيهم صلى الله عليه وسلم (1).
ترى أين هم من موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي روى الحاكم من طريق بن شهاب: "خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَخَلَعَ خُفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ بِهَا الْمَخَاضَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا، تَخْلَعُ خُفَّيْكَ وَتَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِكَ، وَتَأْخُذُ بِزِمَامِ نَاقَتِكَ، وَتَخُوضُ بِهَا الْمَخَاضَةَ؟ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوكَ، فَقَالَ عُمَرُ:«أَوَّهْ لَمْ يَقُلْ ذَا غَيْرُكَ أَبَا عُبَيْدَةَ جَعَلْتُهُ نَكَالًا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ» .
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال الألباني: وهو كما قالا.
وفي رواية للحاكم: "يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر. إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلق نبتغي العز بغيره".
(1) وهم يستحسنون القبائح إذا فعلها الأوروبيون وأذنابهم من أهل الفن مثلا، ويستقبحون المحاسن إذا استقبحها الأوروبيون الكفرة، وقد بلغ ولوعهم بسمت الكفار، أنهم يحرصون على ارتداء الزي الأوروبي ويتجشمون المشاق للمحافظة على هذه السنة، حينا يعقدون رباط العنق، أو يرتدون السروال الضيق المؤذي، أو يلتزمون هذا الزي في وقت الحر الشديد في المناسبات والوظائف الرسمية اقتداء بهدى الكفار، ومن مظاهر هذا الافتتان ما قاله بعضهم ناصحا شخصا كتب رسالة في تحريم حلق اللحية وانتهج فيها منهج بيان الأدلة الشرعية بأنه لو سلك في رسالته هذه طريقة غير هذه الطريقة لكان ذلك أولى وأجدر أن يعمل بمقتضاها، وذكر أن هذه الطريقة المثلى هي أن يذكر أن العالم الأوربي الذي يعرف بكذا كان يعفي لحيته، وأن الدكتور كذا كان يستحسن إعفاء اللحية. فانظر رحمك الله؛ هل هذه العقول المنتكسة يمكن التعويل عليها في إصلاح دين أو دنيا.