الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
أدلة تحريم حلق اللحية
فصل الأمر حقيقة في الوجوب
(1)
ذهب الجمهور إلى أن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب لغة وشرعًا ومن حيث العقل والنقل، فإذا ورد الأمر متجردًا عن القرائن اقتضى الوجوب.
أما العقل: فما علم أهل اللغة قبل ورود الشرع أنهم أطبقوا على ذم عبد لم يمتثل أمر سيده، وأنهم يصفونه بالعصيان ولا يذم ولا يوصف بالعصيان إلا من كان تاركًا لواجب عليه.
وأما النقل: فقت تكرر استدلال السلف بصيغة الأمر مع تجردها عن القرائن على الوجوب، وشاع ذلك وذاع بلا نكير، فأوجب العلم العادي باتفاقهم عليه، وبالتتبع يعلم أن فهم الوجوب لا يحتاج إلى قرينة لتبادره إلى الذهن، بخلاف فهم الندب فإنه يحتاج اليه، واستدلوا بالأدلة الآتية: ا- قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} ؟ (2).
وليس المراد منه الاستفهام بالاتفاق، بل الذم، وأنه لا عذر له في الإخلال بالسجود بعد ورود الأمر به له في ضمن قوله تعالى للملائكة:{اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} (3).
دل ذلك على أن معنى الأمر المجرد عن القرائن الوجوب، ولو لم يكن دالًا
(1) مستفاد من إرشاد الفحول (94 - 97)، مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للشنقيطي
(191 - 192). تفسير النصوص لمحمد أديب صالح (2/ 241 - 283).
(2)
الأعراف: 12.
(3)
البقرة: 34.
على الوجوب لما ذمه الله سبحانه وتعالى على الترك، ولكان لإبليس أن يقول:"إنك ما ألزمتني بالسجود".
2 -
واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (1). فذمهم على ترك فعل ما قيل لهم افعلوه، ولو كان الأمر يفيد الندب لما حسن هذا الكلام، كما لو أنه قال لهم: الأولى أن تفعلوا، ويجوز لكم تركه، فإنه ليس له أن يذمهم على تركه.
3 -
واستدلوا أيضًا بقوله عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي يعرضون عنه بترك مقتضاه {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).
لأنه رتب على ترك مقتضى أمره إصابة الفتنة في الدنيا أو العذاب الأليم في الآخرة، فأفادت الآية بما تقتضيه إضافة الجنس في قوله "أمره" من العموم أن لفظ الأمر يفيد الوجوب شرعًا مع تجريده عن القرائن، اذ لولا ذلك لقبح التحذير.
4 -
واستدلوا أيضًا بقوله تبارك وتعالى على لسان موسى عليه السلام: مخاطبًا أخاه هارون عليه السلام {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (3).
أي تركت مقتضاه، فدل على أن تارك المأمور به عاص، وكل عاص متوعد، وهو دليل الوجوب لهذه الآية.
ولقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} (4)، والأمر الذي أمره به موسى عليه السلام هو قوله:{اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} (5). وهو أمر مجرد عن القرائن.
(1) المرسلات: 48.
(2)
النور: 63.
(3)
طه: 92 - 93.
(4)
الجن: 23.
(5)
الأعراف: 142.
5 -
واستدلوا أيضًا بقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (1).
والقضاء هنا بمعنى الحكم، و (أمرًا) مصدر من غير لفظه أو حال أو تمييز ولا يصح أن يكون المراد بالقضاء ما هو المراد في قوله تعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (2). لأن عطف الرسول عليه يمنع ذلك، فتعين أن المراد الحكم، والمراد من الأمر القول لا الفعل.
6 -
واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3).
والمراد منه الأمر حقيقة، وليس بمجاز عن سرعة الإيجاد كما قيل، وعلى هذا يكون الوجود مرادًا بهذا الأمر، أي أراد الله كلما وجد الأمر يوجد المأمور به، فكذا في كل أمر من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم.
7 -
واستدلوا أيضًا بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» (4).
وكلمة لولا تفيد انتفاء الشئ لوجود غيره، فهنا تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة، فهذا يدل على أنه لم يوجد الأمر بالسواك عند كل صلاة، والإجماع قائم على أنه مندوب، فلو كان المندوب مأمورا به لكان الأمر قائما عند كل صلاة، فلما لم يوجد الأمر علمنا أن المندوب غير مأمور به.
8 -
واستدلوا أيضا بما وقع في قصة بريرة لما رغبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى زوجها فقالت: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا
(1) الأحزاب: 36.
(2)
فصلت: 11.
(3)
النحل: 40.
(4)
أخرجه البخاري ومسلم ومالك في موطئه وأحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن زيد بن خالد الجهنى رضي الله عنه.