الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فائدة)
ويمكن الاستدلال على الوجوب أيضًا بالنهي الوارد بصيغة الأمر، فإن النهى هو طلب الكف عن الفعل، وقد ورد النهي بصيغة الأمر، فقوله صلى الله عليه وسلم:"اعفوا" معناه: اتركوها وافية لا تقصوها كما قال الإمام النووي رحمه الله (1) في تفسير "اعفوا"، ونقل ابن حجر عن ابن دقيق العيد قوله:"حقيقة الإعفاء الترك"(2). فالإعفاء طلب للترك فهو نهى، والنهي يلزم اجتنابه قال تعالى:{وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ"(4).
وقد ذهب الجمهور من أهل الأصول ومن الحنفية والشافعية والمحدثين إلى أن الشيء المعين إذا أمر به كان ذلك الأمر نهيًا عن الشيء المعين المضاد له (5) سواء كان الضد واحدًا -كما إذا أمره بالإيمان فإنه يكون نهيًا عن الكفر، وإذا أمره بالحركة فإنه يكون نهيًا عن السكون- أو كان الضد متعددا كما إذا أمره بالقيام فإنه يكون نهيا عن القعود والاضطجاع والسجود وغير ذلك، فالكف عن الضد لازم للأمر لزوما لا ينفك، إذ لا يصلح الأمر بحال إلا مع الكف عن ضده، فالأمر مستلزم ضرورة النهي عن ضده لاستحالة اجتماع الضدين.
والحاصل أن الأمر بإعفاء اللحية يفهم منه النهي عن حلقها واستئصالها أو تقصيرها بحيث تكون قريبة إلى الحلق، والعلم عند الله تعالى.
وإذا كان النهي عن إزالة اللحية مأخوذا هنا بطريق الالتزام، إلا أنه ورد ما يشعر بالنهي الصريح في حديث أبي ريحانة رضي الله عنه قال:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَشْرَةٍ: عَنِ الْوَشْرِ، وَالْوَشْمِ، وَالنَّتْفِ" الحديث (6).
(1) شرح النووي لصحيح مسلم (151/ 3).
(2)
فتح الباري (10/ 351).
(3)
الحشر: 7.
(4)
متفق عليه وهذا اللفظ لمسلم.
(5)
إرشاد الفحول (101 - 105).
(6)
رواه أبو داود والنسائي.
قال القارئ في مرقاة المفاتيح (1): ("والنتف" أي وعن نتف النساء لشعورهن من وجوههن أو نتف اللحية أو الحاجب بأن ينتف البياض منهما أو نتف الشعر عند المصيبة) اهـ.
وإذا صح القول بأن حلق اللحية مثله -كما يفهم من قول الإمام مالك وغيره- فإن النهى الصريح عن الحلق يستفاد من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ"(2). وفي حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين قالا: "مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً، إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ"(3).
وروى ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: "إن حلق اللحية مثله، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة" اهـ.
(1) مرقاة المفاتيح (2/ 433).
(2)
أخرجه البخاري وأحمد، وابن أبي شيبة بدون ذكر "النهي".
(3)
أخرجه الإمام أحمد وقال الألباني (إسناده جيد).