الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل أمر القدوة أمر لأتباعه
(1)
لما ذكر الله تعالى من ذكر من الأنبياء في سورة الأنعام، قال لنبينا صلى الله عليه وسلم، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ،
وأمره صلى الله عليه وسلم أمر لنا لأنه قدوتنا، ولأن الله تعالى يقول {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الآية (2)، ويقول:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الآية (3) ويقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (4). ويقول {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (5)
ومن طاعته اتباعه فيما أمر به كله، إلا ما قام فيه دليل على الخصوص به صلى الله عليه وسلم، وباستقراء القرآن العظيم تعلم صحة ذلك حيث يعبر فيه دائما بالصيغة الخاصة به صلى الله عليه وسلم،
ثم يشير إلى أن المراد عموم حكم الخطاب للأمة، كقوله في أول سورة الطلاق:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ثم قال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الآية، فدل على دخول الكل حكما تحت قوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، وقال في سورة التحريم:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} الآية ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
فدل على عموم حكم الخطاب بقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} الآية، ونظير ذلك أيضا في سورة الأحزاب في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} ، فقوله (بما تعملون) يدل على عموم الخطاب بقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، وكلقوله {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} ، ثم قال:{وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} (6)
(1) هذا البحث مستفاد من أضواء البيان للشنقيطي رحمه الله (2/ 58 - 60) بتصرف.
(2)
الأحزاب: 21
(3)
آل عمران: 31
(4)
الحشر: 7
(5)
النساء:80
(6)
يونس: 61
ومن أصرح الأدلة في ذلك آية الروم، وآية الأحزاب،
أما آية الروم فقوله تعالى، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} ثم قال {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} وهو حال من ضمير الفاعل المستتر المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} الآية، وتقرير المعنى: فأقم وجهك يا نبي الله، في حال كونكم منيبين، فلو لم تدخل الأمة حكما في الخطاب الخاص به صلى الله عليه وسلم لقال: منيبا إليه بالإفراد لإجماع أهل اللسان العربي علي أن الحال الحقيقية أعنى التي لم تكن سببية تلزم مطابقتها لصاحبها إفرادا وجمعا وتثنية، وتأنيثا وتذكيرا، فلا يجوز أن تقول: جاء زيد ضاحكين، ولا جاءت هند ضاحكات.
وأما آية الأحزاب فقوله تعالى في قصة زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} فإن هذا الخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح تعالى بشمول حكمه لجميع المؤمنين في قوله {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} الآية وأشار إلى هذا أيضا في الأحزاب بقوله:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ، لأن الخطاب الخاص به صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} (2) الآية، لو كان حكمه خاصا به صلى الله عليه وسلم لأغنى ذلك عن قوله:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} كما هو ظاهر، وقد ردت عائشة رضي الله عنها على من زعم أن تخيير الزوجة طلاق، بإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه، فلم يعده طلاقا مع أن الخطاب في ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ} الآيتين (3)، وأخذ الإمام مالك رحمه الله بينونة الزوجة بالردة من قوله {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (4)، وهو خطاب خاص به صلى الله عليه وسلم.
(2) الأحزاب: 50
(3)
الأحزاب: 28 - 29
(4)
الزمر: 65