الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنتف أم بالحلق أم بالزرنيخ أم بالكهرباء، ولا يعقل أن يباح العمل المحرم لأجل الوسيلة التي حصل بها فالقتل حرام سواء كان بالسحر أو بالسم أو بالكهرباء، والأمر بالقتل آثم لا يشفع له أنه لا يسمى لغة قاتلا، ومتلف مال اليتيم بالإغراق أو بالإحراق عاص لا يشفع له أنه لا يسمى لغة آكلا له، ويلزم من قولكم هذا:
- أن المرأة التي تزيل شعر حاجبها بالحلق بالموس مثلا ليست مغيرة لخلق الله
- وأن المحرم الذي يزيل شعره بالكهرباء أو الزرنيخ مثلا لا يكون عليه إثم ولا فدية.
- وأن صناعة التماثيل المجسمة بطريق الضغط على زر في آلة ما جائز لأن الصانع لم يباشر ذلك بيده.
- وأنه يجوز أن يبول الرجل في إناء ثم يصبه في الماء الراكد ولو كمية كبيرة في حين أنه لا يجوز له أن يبول فيه مباشرة ولو قطرات قليلة.
ولا شك أن هذه ظاهرية جامدة، وتأويل بارد غير مقبول.
الوجه الثاني: أنه يجوز أن تتعدد علة الحكم فينص على أحدها مثلا وتكون له علة أخرى مثال ذلك قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} الآية فقد علل سبحانه خلقها بالركوب والزينة في حين أن بعضها خلق بجانب ذلك للأكل مثلا كالخيل، وبعضها لجر الأثقال وحملها والحرث مثلا.
تنبيه
حلق الرأس عند التحلل من الإحرام مثلا والعانة والإبط تغييرا لخلق الله لأن الله سبحانه تعبدنا به، وتغيير خلق الله هو استعمال الشيء في غير ما خلقه الله له، فما دام الله قد شرعه دل على أنه ليس من التغيير المنهي في شيء، ولو كان كل تغيير يعد تغييرا لخلق الله من غير التفات إلى ما أمر به الشارع أو نهى
عنه لكان الانتقال من الكفر إلى الإسلام، وقطع يد السارق وإزالة الأسنان وذبح الحيوان تغييرا لخلق الله.
شبهة:
زعم بعضهم أن تغيير خلق الله الذي ورد في قوله تعالى حكاية عن إبليس لعنه الله: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} الآية. إنما يختص بالدين فقط، وأن دليل ذلك قوله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} الآية. واستدل أيضا بحديث عياض المجاشعي السابق وفيه: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم" الحديث.
والجواب: من أربعة أوجه:
أولها: أن تغيير خلق الله عام يشمل أمور الدين سواء في ذلك العقيدة وأحكام الحلال والحرام، قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الآية، فيدخل فيه الوشم وقطع آذان الأنعام وحلق اللحية وغيرها، فلا يصح تخصيصه إلا بدليل.
الثاني: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، واختلاف المفسرين في مثل هذا هو من باب اختلاف التنوع وليس اختلاف التضاد، كان يذكر بعضهم من الإسم العام بعض أنواعه تنبيها إلى النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود.
الثالث: ومما يتأيد به عموم خلق الله للعقيدة والفروع العملية قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" فقوله: "المغيرات خلق الله" هو كالتعليل لاستحقاقهن اللعن، والأمور المذكورة من الفروع العملية لا الإعتقادية.
الرابع: أن حديث عياض رضي الله عنه حجة عليهم، فهو يدل على عدم تخصيص الدين بالإعتقاد، ودليل ذلك القرينة التي في آخر الحديث وهي قوله تعالي في هذا الحديث القدسي: "وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وأمرتهم أن يغيروا خلقي، أخرجه مسلم وغيره.