المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كيفية إعفاء اللحية وحف الشارب - أدلة تحريم حلق اللحية

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌تعريفات أصولية

- ‌1 - الحكم الشرعي:

- ‌2 - الواجب:

- ‌3 - المندوب:

- ‌4 - الحرام:

- ‌5 - المكروه:

- ‌المبحث الأولأدلة تحريم حلق اللحية

- ‌فصل الأمر حقيقة في الوجوب

- ‌فصل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى

- ‌(فائدة)

- ‌فصل تحريم تشبه المسلمين بالكفار

- ‌دعاة التفرنجدعاة على أبواب جهنم

- ‌فصل حلق اللحية تشبه بالكفار

- ‌فصل تحريم تشبه الرجال بالنساء

- ‌تنبيه

- ‌فصل حلق اللحية تشبه بالنساء

- ‌فصل اللحية من نعم الله على الرجال وحلقها كفر بهذه النعمة

- ‌فصل أمر القدوة أمر لأتباعه

- ‌فصل الدليل القرآني على أن إعفاء اللحية من سمت الأنبياء عليهم السلام

- ‌تنبيه

- ‌فصل حلق اللحية رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌فصل إعفاء اللحية من خصال الفطرة

- ‌تنبيه

- ‌فصل تحريم تغيير خلق الله بدون إذن من الشرع

- ‌فوائد متفرقة تتعلق بالأصل السابق

- ‌فصل هل حلق اللحية من تغيير خلق الله

- ‌تنبيه

- ‌كيفية إعفاء اللحية وحف الشارب

- ‌فصل تحقيق حديث "كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها

- ‌فصل حد اللحية لغة وشرعا

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه

- ‌استحباب تسريح اللحية وتطييبها

- ‌فصل أقوال علماء المذاهب الأربعة رحمهم الله في حكم حلق اللحية

- ‌فائدة

- ‌فتاوى بعض العلماء المعاصرين

- ‌فتوى في إمامة الحليق للصلاة

- ‌فصل هل ترد شهادة من يحلق لحيته

- ‌فتوى في حكم مهنة حلق اللحى

- ‌فصل حكم المستهزئ بإعفاء اللحية

- ‌فصل التنبيه على بعض البدع المتعلقة باللحية

- ‌لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

- ‌فائدة

- ‌تنبيه

- ‌طاعة العلماء آكد من طاعة الوالدين

- ‌المبحث الثانيتبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

- ‌فصل

- ‌فصل الإرتباط بين الظاهر والباطن

- ‌تقسيم الدين إلى قشر ولب بدعة عصرية

- ‌فصل دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي

- ‌{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}

- ‌خاتمة في الحث على الرفق في النصيحة

الفصل: ‌كيفية إعفاء اللحية وحف الشارب

‌كيفية إعفاء اللحية وحف الشارب

قال صلى الله عليه وسلم: «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى» (1)

قوله (أنهكوا) أي: بالغوا في القص، ومثله (جزوا) والمراد للمبالغة في قص ما طال على الشفة لا حلق الشارب كله، فإنه خلاف السنة العملية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، قَالَ: وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ يَفْعَلُهُ "(2).

قال القارئ معلقا: فالإقتداء بالحبيب بعد الخليل يورث الأجر الجميل والثواب الجزيل (3) اهـ.

وقال الشيخ أحمد الدهلوي في مسائل اللحية: قال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح أبي داود: الحكمة في قص الشارب أمر حنيفي -أي إبراهيمي- وهو تحسين الهيئة والتنظيف، وقد يرجع تحسين الهيئة إلى الدين، ولعل في قوله تعالى:{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} إشارة إليها كأنه قال: فلا تغيروها بما يزيل حسنها ومنظرها، كما قال تعالى حكاية عن إبليس:

{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (4) اهـ. ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عمن يحفى شاربه؟

(1) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة وغيربم عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأنظر فتح الباري (10/ 285 - 286)

(2)

أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وأقره الحافظ على تحسينه في الفتح.

(3)

مرقاة المفاتيح (2/ 462).

(4)

مسائل اللحية ص 11

ص: 71

قال: ينبغي أن يضرب من صنع ذلك، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولكن يبدي حرف الشفة والفم. وقال لمن يحلق شاربه:

هذه بدعة ظهرت في الناس (1)، ولهذا كان الإمام مالك رحمه الله وافر الشارب، ولما سئل عن ذلك قال: حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا غَضِبَ فَتَلَ شَارِبَهُ، وَنَفَخَ» (2).

وقال الحافظ في الفتح: المعروف عن عمر أنه كان يوفر شاربه (3) اهـ.

وروى الطبراني في الكبير وأبو زرعة في تاريخه والبيهقي: "أن خمسة من الصحابة كانوا يقمون (4) شواربهم مع طرف الشفة" ونحوه في "ابن عساكر".

وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا» (5).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» (6).

(1) رواه البيهقي وانظر المجموع (1/ 320)

(2)

رواه الطبراني في المعجم الكبير.

(3)

(10/ 335)

(4)

أي: يستأصلون.

(5)

رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث صحيح وقال الحافظ في الفتح وسنده قوي (10/ 337).

ومعناه: اي ليس من العاملين بسنتنا. قال الألباني: هذا الحديث يدل على أن المشروع في الشارب أن يؤخذ منه بعضه، وهو ما طال على الشفة، وأما أخذه كله كما يفعله بعض الصوفية وغيرهم، فهو كما قال مالك وغيره: مثله، وقد وجدت له شاهدا أن حجاما أخذ من شارب النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن سعد (1/ 433)، وله عنده (1/ 449) شاهد آخر اهـ.

من صحيح الجامع الصغير (5/ 355).

(6)

رواه أحمد ومسلم.

ص: 72

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى» (1).

وقال البخاري رحمه الله: "وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ" اهـ (2).

وقال النووي رحمه الله: "قال الغزالي: ولا بأس بترك سباليه، وهما طرفا الشارب فعل ذلك عمر رضي الله عنه وغيره، قلت: لا بأس أيضا بتقصيره، روى ذلك البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما (3) اهـ.

قال لشوكاني رحمه الله: اختلف الناس في حد ما يقص من الشارب، وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله:"أحفوا وانهكوا" وهو قول الكوفيين.

وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والإستئصال، وإليه ذهب مالك، وكان يرى تأديب من حلقه، وروى عنه ابن القاسم أنه قال: إحفاء الشارب مثلة.

قال النووي رحمه الله (4): المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة، ولا يحفيه من أصله، قال: وأما رواية: أحفوا الشوارب فمعناه أحفوا ما طال على الشفتين اهـ.

وفي موطأ الإمام مالك رحمه الله: قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار، ولا يجزه فيمثل بنفسه اهـ.

وقال القرطبي رحمه الله: القص: أن يأخذ ما طال على الشفة، بحيث لا يؤذي عند الطعام ولا يجتمع فيه الوسخ اهـ.

(1) متفق عليه.

(2)

فتح الباري (10/ 334).

(3)

المجموع (1/ 320).

(4)

أنظر المجموع شرح المهذب (1/ 319).

ص: 73

قال ابن القيم رحمه الله: وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير، وذكر بعض المالكية عن الشافعي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب، قال الطحاوي: ولم أجد عن الشافعي شيئا منصوصا في ذلك، وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما، ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي، وروى الأثرم عن الإمام أحمد أنه كان يحفي شاربه إحفاء شديدا، وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب، فقال: يحفى، وقال حنبل:

قيل لأبي عبد الله: ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه؟ قال: إن أحفاه فلا بأس، وإن أخذه قصا فلا بأس، وقال أبو محمد في المغنى: هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه، وقد روى النووي في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الإحفاء وعدمه، وروى الطحاوي الإحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد، وعبد الله بن عمر، وجابر وأبي هريرة رضي الله عنهم.

قال ابن القيم رحمه الله: واحتج من لم ير إحفاء الشارب بحديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما المرفوعين: "عشر من الفطرة" فذكر منها: قص الشارب، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن الفطرة خمس، وذكر منها: قص الشارب، واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة، وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحفى شاربه" اهـ.

قال لشوكاني: والإحفاء ليس كما ذكره النووي في أن معناه أحفوا ما طال عن الشفتين، بل الإحفاء: الاستئصال كلما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة، ورواية القص لا تنافيه، لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء وقد لا يكون، ورواية الإحفاء معينة للمراد، وكذلك حديث الباب الذي فيه "من لم يأخذ من شاربه فليس منا" لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها، ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية

ص: 74

الإحفاء أرجح لأنها في الصحيحين وروى الطحاوي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من شارب المغيرة على سواكه"(1).

قال -أي الطحاوي- وهذا لا يكون معه إحفاء، ويجاب عنه بأنه محتمل، ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة (2)، وهو -وإن صح- كما ذكر لا يعارض تلك الأقوال منه صلى الله عليه وسلم اهـ.

وذهب الطبري إلى التخيير بين الإحفاء والقص، وقال: دلت السنة على الأمرين ولا تعارض، فإن القص يدل على أخذ البعض، والإحفاء يدل على أخذ الكل، وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء اهـ.

قال الحافظ: ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معا في الأحاديث المرفوعة اهـ.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قلت: ما ذهب اليه الطبري هو الظاهر (3).

وقال لشوكاني رحمه الله معلقا على حديث (عشر من الفطرة) الحديث:

قوله وإعفاء اللحية، إعفاء اللحية: توفيرها، كما في القاموس، وفي رواية للبخاري:"وفروا اللحى" وفي رواية أخرى لمسلم: "أوفوا اللحى" وهو بمعناه. وكان من عادة الفرس قص اللحية، فنهى الشارع عن ذلك، وأمر بإعفائها.

(1) وأخرجه أيضا أبو داود والبيهقي ولفظ أبو داود "ضفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي وفي، فقصه على سواك.

وقال الحافظ: واختلف في المراد بقوله على سواك فالراجح أنه وضع سواكا عند الشفة تحت الشعر وأخذ الشعر بالمقص.

قيل المعنى: قصه على أثر سواك أي بعد ما تسوك، ويؤيد الأول ما أخرجه البيهقي في هذا الحديث قال فيه: فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه، وأخرج البزار من حديث عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل، فقال: ائتوني بمقص وسواك، فجعل السواك على طرفه، ثم أخذ ما جاوره" اهـ.

(2)

بل الظاهر هو قول الطحاوي أن هذا لا يكون معه إحفاء الأحوذى (8/ 43).

(3)

تحفة الأحوذي (8/ 43).

ص: 75

قال القاضي عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها فحسن، وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وحزها.

وقد اختلف السلف في ذلك، فمنهم من لم يحد بحد بل قال: لا يتركها إلى حد الشهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدا، ومنهم من حد بما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة اهـ.

وقال النووي رحمه الله: قال الخطابي وغيره هو توفيرها وتركها بلا قص، كره لنا قصها كفعل الأعاجم، قال: وكان من زي كسرى قص اللحى وتوفير الشوارب (1) اهـ.

قال النووي رحمه الله: وأما إعفاء اللحية فمعناه توفيرها، وهي معنى "أوفوا" في الرواية الأخرى، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك. إلى أن قال: فحصل خمس روايات: أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها، هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه (2) اهـ.

وقال الحافظ رحمه الله: وقال عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها. كذا قال، وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال: والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره، وكأن مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نص على استحبابه فيه اهـ.

وقال القاري رحمه الله في معنى قوله صلى الله عليه وسلم وفروا والمعنى: اتركوا اللحى كثيرا بحالها، ولا تتعرضوا لها، واتركوها لتكثر أهـ (3).

(1) المجموع (1/ 321).

(2)

شرح النووي (3/ 194).

(3)

مرقاة المفاتيح (457/ 2).

ص: 76

وقال النووي رحمه الله: وقد ذكر العلماء في اللحية عشر (1) خصال مكروهة (2) بعضها أشد قبحا من بعض:

وإحداها: خضابها بالسواد لا لغرض الجهاد.

الثانية: خضابها الصفرة تشبها بالصالحين لا لأتباع السنة.

الثالثة: تبيضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام أنه من المشايخ.

الرابعة: نتفها أو حلقها أول طلوعها إيثارا للمرودة وحسن الصورة (3).

الخامسة: نتف الشيب (4).

السادسة: تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء وغيرهن.

السابعة: الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذار من الصدغين، أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك.

الثامنة: تسريحها تصنعا لأجل الناس.

التاسعة: تركها شعثة ملبدة إظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه.

العاشرة: النظرة إلى سوادها وبياضها إعجابا وخيلاء وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا على الشباب.

الحادية عشرة: عقدها، وضفرها.

(1) كذا قال - والذكور هنا اثنتا عشرة خصلة.

(2)

قال ابن علان في دليل الفالحين بعد نقل هذه العبارة للنووي رحمه الله ما نصه: وظاهر أن مراده بالكراهة ما يشمل التحريم كالخضاب بالسواد لغير الجهاد اهـ (4/ 495).

(3)

وقال أبو حامد الغزالي في الإحياء: وأما نتفها -أي اللحية- في أول النبات تشبها بالمرد فمن المنكرات الكبار، فإن اللحية زينة الرجال ج هـ (2/ 257).

(4)

قال الحافظ: ورجح النووي تحريمه -أي نتف الشيب- لثبوت الزجر عنه (فتح الباري 10/ 351)

ص: 77

الثانية عشرة: حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها والله أعلم.

وعن الحسن البصري قال: يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال الطبري: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها،

ثم اختار الطبري قول عطاء وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها يعرض نفسه لمن يسخر به.

وقال المناوي في الفيض: الاعتدال محبوب والطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المنتابين اهـ، وقال ابن الملك: تسوية شعر اللحية سنة، وهي أن يقص كل شعرة أطول من غيرها ليستوي جميعها اهـ. نقله عنه القاري في المرقاة (1).

وقال الغزالي في الإحياء (2): وقد اختلفوا فيما طال منها -أي اللحية- فقيل: عن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبض فلا باس، فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين، واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة، قالا: تركها عافية أحب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أعفوا اللحى" والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب، فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبذ إليه، فلا باس بالاحتراز عنه على هذه النية اهـ.

ونقله عنه النووي رحمه الله (3) ثم قال: هذا كلام الغزالي، والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقا، بل يتركها على حالها كيف كانت للحديث الصحيح "وأعفوا اللحى" اهـ.

وروى البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ "

(1) مرقاة المفاتح (2/ 462).

(2)

الإحياء (2/ 254).

(3)

المجموع (1/ 321).

ص: 78

وزاد البخاري: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ: «إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ» (1).

وقال المباركفوري رحمه الله: وأما قول من قال: إنه إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، واستدل بآثار ابن عمر وعمر وأبي هريرة رضي الله عنهم فهو ضعيف. لأن أحاديث الإعفاء المرفوعة الصحيحة تنفي هذه الآثار، فهذه الآثار لا تصلح للاستدلال بها مع وجود هذه الأحاديث المرفوعة الصحيحة، فأسلم الأقوال هو قول من قال بظاهر أحاديث الإعفاء، وكره أن يؤخذ شيء من طول اللحية وعرضها، والله تعالي أعلم.

ثم قال رحمه الله: قال الكرماني: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وخص ذلك من عموم قوله: ووفروا اللحى فحمله على حالة غير حالة النسك، قال الحافظ: الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه اهـ.

قال لشوكاني (2) أيضا معلقا على أثر ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه". وقد استدل بذلك أهل العلم، والروايات المرفوعة ترده اهـ.

(1) ومما يؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال: "كنا نعفى السبال إلا في حج أو عمرة" أي نتركه وافرا، والسبال: ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر رضي الله عنه إلى أنهم يقصرون منها في النسك.

(2)

وحجة من قال هذا أن الحديث الصحيح المعصوم لا يترك لمخالفة رواية وهو غير معصوم، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث أو أنه لا يحضره الحديث وقت الفتيا، أولا يتفطن لدلالته على المسألة التي خالفه فيها أو يتأول فيها تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنة ما يعارضه ولا يكون معارضا له في الواقع، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لثقته به واعتقاد أنه إنما خالفه لدليل أقوى منه، وعلى هذا الأصل بين المالكية والشافعية والحنابلة فروع كثيرة حيث قدموا العمل برواية الراوي على فتواه (مجلة البحوث الإسلامية).

المجلد الأول -العدد الثالث- ص157.

ص: 79

قال الشيخ إسماعيل الأنصاري معلقا على أثر ابن عمر: "الحجة في روايته لا في رأيه واحد، ولا شك أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله أحق وأولي بالاتباع من قوله غيره كائنا من كان"(1) اهـ.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي: ورخص

بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة لفعل ابن عمر، وأكثر العلماء يكرهه، وهو أظهر لما تقدم، وقال النووي: والمختار تركها على حالها، وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا، وأخرج الخطيب عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ طُولِ لِحْيَتِهِ" اهـ (2).

وقال شاه ولي الله (3) الدهلوي: واللحية هي الفارقة بين الصغير والكبير، وهي جمال الفحول وتمام هيأتهم فلا بد من إعفائها، وقصها سنة المجوس، وفيه تغيير خلق الله ولحوق أهل السؤدد والكبرياء بالرعاع اهـ.

وبهذا كله يتضح بطلان ما ذهب إليه العلامة الأبي في شرح صحيح مسلم من التنصيص على جواز الاكتفاء في اللحية بالشيء القليل لمخالفته للأحاديث المرفوعة التي مر ذكرها. والعلم عند الله تعالى.

(1) تحريم حلق اللحى للعاصمي هامش ص6.

(2)

تحريم حلق اللحى للعاصمي.

(3)

حجة الله البالغة (1/ 182).

ص: 80