الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا (1)، فَأَوْقَدَ نَارًا، وَقَالَ (2): ادْخُلُوهَا، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا:«لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا، وَقَالَ:«لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» .
أخرجه البخاري ومسلم والسياق له وأبو داود والنسائي وأحمد. وقال إمام المحدثين البخاري رحمه الله: وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها (3).
وقال في الأدب المفرد: باب بر الوالدين ما لم يكن معصية (4).
وجاء في تفسير قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (5). الإحسان بالوالدين وجب بأمر الله تعالى، فلو ترك العبد عبادة الله تعالى لقول الوالدين لترك طاعة الله تعالى
(1) وفي رواية: "واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا" متفق عليه.
(2)
وفي رواية: "ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا وتطيعوا قالوا بلى. قال فادخلوها" متفق عليه.
(3)
أنظر فتح الباري (2/ 125).
(4)
فضل الله الصمد (1/ 77).
(5)
العنكبوت: 8
فلا ينقاد لما وصاه به فلا يحسن إلى الوالدين- فاتباع العبد أبويه في مخالفة الشرع لأجل الإحسان اليهما يقضي إلى ترك الإحسان إليهما، فترك هذا الإحسان صورة يفضي إلى الإحسان حقيقة (1).
ثم قال تعالى: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2) يعني عاقبتكم ومآلكم إلي، وإن كان اليوم مخالطتكم ومجالستكم مع الآباء والأولاد والأقارب والعشائر، ولا شك أن من يعلم أن مجالسته مع واحد خالية منقطعه وحضوره بين يدي غيره دائم غير منقطع لا يترك مراضى من تدوم صحبته لرضا من يتركه في زمان آخر (3) اهـ.
وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله: إن من أسباب استقامة القلب أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب، فإذا تعارض حب الله تعالى وحب غيره سبق حب الله تعالى حب ما سواه، فرتب على ذلك مقتضاه، وما أسهل هذا بالدعوى، وما أصعبه بالفعل، فعند الإمتحان يكرم المرء أو يهان، وما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره وأميره وشيخه وأهله على ما يحبه الله تعالى، فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب، ولا كانت هي الملكة المؤمرة عليها، وسنة الله تعالى فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه وينغصها عليه ولا ينال شيئا منها إلا بنكد وتنغيص، جزاء له على إيثار هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى، وقد قضى الله تعالى قضاء لا يرد ولا يدفع: أن من أحب شيئا سواه عذب به ولا بد، وأن من خاف غيره سلط عليه، وأن من اشتغل بشيء كان شؤما عليه، ومن آثر عليه غيره لم يبارك فيه، ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولابد (4) اهـ.
(1) التفسير الكبير (6/ 472) بمعناه.
(2)
لقمان: 15
(3)
التفسير الكبير.
(4)
الوابل الصيب ص6.