المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الأعراف قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ١٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌سورة الأعراف قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى:

‌سورة الأعراف

قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: مسائل في سورة الأعراف:

الآية الأولى: 1 فيها: وصفه بأنه كتاب.

الثانية: كونه منزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الثالثة: النهي عن الحرج.

الرابعة: فاء التفريع.

الخامسة: ذكر الحكمة في ذلك، وهي الإنذار العام، والذكرى الخاصة.

الآية الثانية: فيها:

الأمر باتباعه.

الثانية: التحريض على ذلك ; بأنه منزل إلينا من ربنا.

الثالثة: النهي عن اتباع ما سواه.

الرابعة: أنه لا بد من هذا وهذا.

الخامسة: ذكر أن التذكر منا قليل.

الآية الثالثة: ذكر عقوبات من لم يفعل.

الثانية: أن ذلك كثير.

الثالثة: أن البأس جاءهم وقت الغفلة.

الآية الرابعة: فيها:

ذكر إقرارهم بالظلم عند نزوله.

الثانية: أن ذلك الإقرار ليس لهم دعوى غيره.

الآية الخامسة: فيها: أنه لما ذكر عقوبة الدنيا توعد بالحساب.

الثانية: أن الحساب متوقف على الرسالة.

الثالثة: أنه عام حتى المرسلين.

وفي الآية السادسة: أنه يقص عليهم ما فعلوا بعلمه.

الثانية: أنه شهيد على الجزئيات.

1 أي باعتبار ما فسره رحمه الله، وإلا فهي الآية الثانية، وهكذا بقية الآيات الآتية.

ص: 158

وفي الآية السابعة والثامنة: الوعيد بالميزان.

الثانية: أنه الحق لتقطع الأطماع.

الثالثة: أن الفلاح بسبب ثقله.

الرابعة: إن الخسارة بسبب خفته.

الخامسة: ذكر سبب الخفة.

الآية التاسعة: فيها: ذكر نعمته بالتمكين في الأرض.

الثانية: ذكر نعمته بما فيها من المعايش.

الثالثة: ذكر قلة شكرهم.

وفي الآية العاشرة: ذكر نعمة الخلق.

الثانية: ذكر نعمة التصوير.

الثالثة: ذكر نعمة أمر الملائكة بالسجود لأبينا آدم.

الرابعة: أنهم امتثلوا كلهم.

الخامسة: إلا بإبليس.

الآية الحادية عشر: فيها: سؤال الله إياه عن علة الامتناع.

الثانية: تعظيم الفعل بقوله: {إذ أمرتك} .

الثالثة: أن الاستدلال بالعموم صحيح.

الرابعة: جواب إبليس أن ذلك لأجل كونه خيرا منه; لأن الفاضل لا يفعله مع المفضول.

الخامسة: الاستدلال على فضيلته عليه بالأصل.

السادسة: أن أصل الأبوين مما ذكر.

الآية الثانية عشر: فيها:

أن كثيرا من شبه أهل الباطل لا يخاض معهم في حلها، بل جوابهم العقوبة.

الثانية: قوله: {فاهبط منها} .

الثالثة: ذكر العلة.

الرابعة: ذكر فاء التفريع.

الخامسة: قوله: {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [سورة الأعراف آية: 13] .

السادسة: تغليظ شأن الكبر.

السابعة: معاقبة العاصي بضد قصده.

الثامنة: تغليظ رد النص بالرأي.

وفي الآية الثالثة عشر والرابعة عشر:

سؤاله النظرة.

ص: 159

ولم ينزع إلى التوبة.

الثانية: ليزداد معصية.

الثالثة: النظر إلى عجيب القدر، كيف صدر هذا منه مع علمه وعبادته؟ .

الرابعة: علمه بالبعث وذكره في ذلك الموطن.

الخامسة: أن إجابة دعاء الداعي في بعض الأحيان، لا يدل على الكرامة.

السادسة: أنه قد يكون نقمة.

السابعة: أن طول العمر قد يكون نقمة.

الآية الخامسة عشر والسادسة عشر: فيهما الإيمان بالقدر.

الثانية: أن الاحتجاج به على المعاصي من طريقة إبليس.

الثالثة: ذكر تجرده لهذا الأمر بذكر القعود.

الرابعة: أنه قاعد على صراط الله المستقيم.

الخامسة: تفصيله ما أراد فعله، أنه يأتي من الجهات كلها.

السادسة: أن القوة على فعل القبيح والتمدح بذلك من فعله.

السابعة: أن الفاسق قد يعطى من الذكاء ما يصير به من أهل الفراسة.

الثامنة: ما في هذا السياق من تقبيح المعصية.

التاسعة: ما فيه من تقبيح ترك الشكر.

العاشرة: أن الاعتراض على الحكمة بمثل هذا من فعله.

الحادية عشر: لو وقع المحذور، فالاعتراض به على الحكمة من فعله.

السابعة عشر: إجابته بهذا الجواب.

الثانية: أنه خرج في هذه الحال ضد ما طلب.

الثالثة ; وعيد من اتبعه بالنار.

الرابعة: أنها لا تملأ إلا بهم، ففيه الرد على من زعم أن أطفال المشركين منهم.

الخامسة: امتلاؤها مع ما ذكر من عظمتها.

ص: 160

الثامنة عشر: ما ذكر من إكرام آدم وزوجته.

الثانية: إباحته لها جميع ما في الجنة إلا شجرة واحدة.

الثالثة: تأكيد النهي.

الرابعة: ظلم دون ظلم.

وفي التاسعة عشر، والعشرين، والحادية والعشرين: ذكر وسوسته لهما.

الثانية: ذكر غرضه في ذلك.

الثالثة: ذكر تعليله النهي بضده.

الرابعة: ذكر حلفه الفاجر.

الخامسة: ذكر تدليه إياهما بالغرور.

السادسة: أنهما لما فعلا بانت لهما العاقبة.

السابعة: رحمة الله بعبده فيما حجره عليه، وأنه لم ينهه إلا عما يضره.

الثامنة: أن بدو العورة مستقبح شرعا وعقلا.

التاسعة: تكليم الله لهما.

العاشرة: أنه ذكر لهما أنه نصحهما عن الأمرين.

الآية الثانية والعشرين: وفي الآية الثانية والعشرين: أن الاعتراف بالذنب هو الصواب، وهو من أسباب السلامة.

الثانية: الاستغفار.

الثالثة: المبالغة فيه.

الرابعة: أن العاصي لم يظلم إلا نفسه.

وفي الآية الثالثة والعشرين: أمره لهم بالهبوط.

الثانية: إخباره بعداوة بعضهم لبعض.

الثالثة: إخباره لهما بما لهم في الأرض.

الرابعة: مضرة المعصية ولو تاب فاعلها منها.

الخامسة: الرد على من قال بالعصمة.

ص: 161

[ما يستفاد من قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ]

وقال أيضا رحمه الله تعالى: وأما قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [سورة الأعراف آية: 11] إلى آخر القصة.

قال ابن القيم قال ابن عباس: " {ولقد خلقناكم} يعني آدم {ثم صورناكم} لذريته"، ومثال هذا ما قاله مجاهد:{خلقناكم} يعني آدم و {صورناكم} يعني في ظهر آدم، وفي الحديث المعروف أنه أخرجهم من ظهر آدم في صورة الذر، ونظيره {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [سورة الحج آية: 5] والله سبحانه يخاطب الموجودين، والمراد آباؤهم، كقوله:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة آية: 55] وغير ذلك من الآيات.

وقد يستطرد سبحانه من الشخص إلى النوع، كقوله:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [سورة المؤمنون آية: 12-13] إلى آخره، فالمخلوق من سلالة آدم، ومن نطفة ذريته، وقيل إن:{صورناكم} لآدم أيضا، وقوله تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سورة الحجر آية: 29] فأضاف النفخ إلى نفسه.

وفي الصحيح - في حديث الشفاعة -: "فيقولون أنت آدم، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء" فذكروا له أربع خصائص، فالمنفوخ منه الروح المضافة إلى الله، إضافة تخصيص وتشريف، والله هو الذي نفخ في طينته من تلك

ص: 162

الروح ; هذا الذي دل عليه النص. وأما كون النفخة مباشرة منه سبحانه كما خلقه بيده، أو أنها بأمره، كقوله في مريم:{فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [سورة الأنبياء آية: 91] مع قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [سورة مريم آية: 17] إلى آخره فهذا يحتاج إلى دليل، فإنه أضاف النفخ إلى مريم لكونه بأمره ; وإلى الملك لكونه المباشر للنفخ.

وفي القصة فوائد عظيمة، وعبر لمن اعتبر بها: منها: أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد، كما استدل عليه سبحانه في غير موضع، وعلى قدرته سبحانه وعظمته ورحمته وعقوبته، وهيبته وإنعامه وكرمه، وغير ذلك من صفاته ; ومنها: أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ; ومنها: الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم ; ومنها: الدلالة على القدر خيره وشره؛ فقد اشتملت على أصول الإيمان الستة في حديث جبريل.

ومنها - وهي أعظمها -: أنها تفيد الخوف العظيم الدائم في القلب ; وأن المؤمن لا يأمن حتى تأتيه الملائكة عند الموت تبشره، وذلك من قصة إبليس وما كان فيه أولا من العبادة والطاعة، ففي ذلك شيء من تأويل قوله صلى الله عليه وسلم:"إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع" إلى آخره.

ومنها: أن لا يأمن عاقبة الذنب، ولو كان قبله طاعات كثيرة، وهو ذنب واحد، فكيف إذا كانت الذنوب بعدد رمل

ص: 163

عالج؟ ! ومن هذا قول بعض السلف: نضحك ولعل الله اطلع على بعض أعمالنا، فقال: اذهبوا فلا أقبل منكم عملا، أو كلاما هذا معناه.

وأبلغ منه قوله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه " قال علقمة: كم من كلام منعنيه حديث بلال، يعني هذا. ومنها: أنها تخلع من القلب داء العجب، الذي هو أشد من الكبائر.

ومنها - وهي من أعظمها -: أنها تعرف المؤمن شيئا من كبرياء الله وعظمته وجبروته ; ولا يدلي عليه، ولو بلغ في الطاعة ما بلغ. وقد وقع في هذه الورطة كثير من العباد فمستقل ومستكثر. ومنها: التحذير من معارضة القدر بالرأي، لقوله. {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [سورة الإسراء آية: 62] ؛ وهذه بلية عظيمة لا يتخلص منها إلا من عصمه الله، لكن مقل ومكثر.

ومنها - وهي من أعظمها -: تأدب المؤمن من معارضة أمر الله ورسوله بالرأي، كما استدل بها السلف على هذا الأمر، ولا يتخلص من هذا إلا من سبقت له من الله الحسنى. ومنها: عدم الاحتجاج بالقدر عند المعصية، لقوله:{رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [سورة الحجر آية: 39]، بل يقول كقول أبيه:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [سورة الأعراف آية: 23] الآية.

ومنها: معرفة قدر المتكبر عند الله، خصوصا مع

ص: 164

قوله: {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [سورة الأعراف آية: 13] .

ومنها: الفخر بالأصل، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التشديد في ذلك; والفخر منهي عنه مطلقا، ولو كان بحق، فكيف إذا كان بباطل؟

ومنها: الشهادة لما كان عليه السلف، أن البدعة أكبر من الكبائر ; لأن معصية اللعين كانت بسبب الشبهة، ومعصية آدم بسبب الشهوة.

ومنها: عدم الاغترار بالعلم ; فإن اللعين كان من أعلم الخلق، فكان من أمره ما كان. ومنها: عدم الاغترار بالرتبة والمنْزلة، فإنه كان له منْزلة رفيعة، وكذلك بلعام وغيره ممن له علم ورتبة ثم سلب ذلك، ومنها: معرفة العداوة التي بين آدم وذريته، وبين إبليس وذريته، وأن هذا سببا لما طرد عدو الله، ولعن بسبب آدم لما لم يخضع.

وهذ المعرفة مما يغرس في القلب محبة الرب جل جلاله، ويدعوه إلى طاعته وإلى شدة مخالفة الشيطان ; لأنه سبحانه ما طرد إبليس ولعنه وجعله بهذه المنْزلة الوضيعة بعد تلك المنْزلة الرفيعة، إلا لأنه لم يخضع بالسجود لأبينا آدم، فليس من الإنصاف والعدل موالاته، وعصيان المنعم جل جلاله، كما ذكر هذه الفائدة بقوله:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [سورة الكهف آية: 50] .

ومنها: معرفة شدة عداوة عدو الله لنا، وحرصه على

ص: 165

إغوائنا بكل طريق، فيعتد المؤمن لهذا الحرب عدته، ولا يعلم قوة عدوه وضعفه عن محاربته إلا بمعونة الله، كما قال قتادة:"إن عدوا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، إنه لشديد المؤونة إلا من عصمه الله، وقد ذكر الله عداوته في القرآن في غير موضع، وأمرنا باتخاذه عدوا".

ومنها - وهي من أعظمها - معرفة الطرق التي يأتينا منها عدو الله، كما ذكر الله تعالى عنه في القصة، أنه قال:{لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سورة الأعراف آية: 16-17] ، وإنما تعرف عظمة هذه الفائدة بمعرفة شيء من معاني هذا الكلام، قال جمهور المفسرين: انتصب صراط بحذف "على" التقدير لأقعدن لهم على صراطك.

قال ابن القيم: والظاهر أن الفعل مضمر، فإن القاعد على الشيء ملازم له، فكأنه قال: لألزمنه ولأرصدنه، ونحو ذلك. قال ابن عباس:"دينك الواضح {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [سورة الأعراف آية: 17] يعني الدنيا والآخرة {ومن خلفهم} يعني الآخرة والدنيا {وعن أيمانهم} قال ابن عباس: "أشبه عليهم أمر دينهم"، وعنه أيضا: "من قبل الحسنات"; وقوله: {وعن شمائلهم} الباطل أرغبهم فيه"، قال الحسن:"السيئات يحثهم عليها ويزينها في أعينهم".

قال قتادة: "أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه، إلا أنه لم يأتك من فوقك، ولم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله" وهو يوافق قول من ذكر هذه الأوجه، للمبالغة في

ص: 166

التوكيد، أيضا: أتصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم، ولا يناقض ما ذكر السلف، فإن ذلك على جهة التمثيل، فالسبل التي للإنسان أربعة فقط.

فإنه تارة يأخذ على جهة شماله، وتارة على يمينه، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه، فأي سبيل من هذه سلكها وجد الشيطان عليها راصدا له، فإن سلكها في طاعة ثبطه، وإن سلكها بالمعصية حداه ; وأنا أمثل لك مثالا واحدا لما ذكر السلف، وهو: أن العدو الذي من بني آدم إذا أراد أن يمكر بك، لم يستطع أن يمكر إلا في بعض الأشياء وهي الأشياء الغامضة، والأشياء التي ليست بعالية.

فلو أراد أن يمكر بك في أمر واضح بين، مثل التردي من جبل أو بئر وأنت ترى ذلك، لم يستطع، خصوصا إذا عرفت أنه قد مكر بك مرات متعددة، ولو أراد ليمكر بك لتتزوج عجوزا شوهاء وأنت تراها، لم يستطع ذلك.

وأنت ترى اللعين - أعاذنا الله منه - يأتي الآدمي في أشياء واضحة بينة أنها من محارم الله، فيحمله عليها حتى يفعلها، ويزينها في عينه حتى يفرح بها، ويزعم أن فيها مصلحة ويذم من خالفه ; كما قال تعالى:{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [سورة آل عمران آية: 188] الآية، وقوله:{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 42]، وقوله:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [سورة البقرة آية: 102] ، وهذا معنى قول

ص: 167

من قال: {من بين أيديهم} من قبل الدنيا فإنهم يعرفونها وعيوبها ومجمعون على ذمها، ثم مع هذا لأجلها قطعوا أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وفعلوا ما فعلوا، وهذا معنى قول مجاهد:{من بين أيديهم} من حيث يبصرون.

فهو لم يقنع بإتيانه إياهم من الجهة التي يجهلون أنها معصية، مثل ما فسر به مجاهد {من خلفهم} قال:"من حيث لا يبصرون، ولا من جهة الغيب"، كما قال فيها بعضهم، الآخرة أشككهم فيها، لم يقنع بذلك عدو الله، حتى أتاهم في الأمور التي يعرفونها عيانا أنها النافعة وضدها الضار، وفي الأمور التي يعرفون أنها سيئات وضدها حسنات، ومع هذا فأطاعوه في ذلك، إلا من شاء الله منهم، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة سبأ آية: 20] .

وقال تعالى، حكاية عنه:{وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [سورة النساء آية: 118-119] الآية.

قال الضحاك: مفروضا معلوما، وحقيقة الفرض التقدير، والمعنى: أن من اتبعه فهو نصيبه المفروض فالناس قسمان: نصيب الشيطان ومفروضه، وحزب الله وأولياؤه.

قوله: {ولأضلنهم} يعني عن الحق، {ولأمنينهم} قال ابن عباس:"تسويف التوبة وتأخيرها" وقال الزجاج: أجمع

ص: 168

لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون مع ذلك. حظهم من الآخرة، وقوله:{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} [سورة النساء آية: 119] البتك القطع.

وهو ههنا قطع آذان البحيرة.

وقوله: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [سورة النساء آية: 119] قال ابن عباس: "دين الله"، وقاله ابن المسيب والحسن وإبراهيم وغيرهم ومعنى ذلك: أن الله فطر عباده على الفطرة وهي الإسلام كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [سورة الروم آية: 30] الآية.

وفي الصحيح: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه

" الحديث، فجمع صلى الله عليه وسلم بين الأمرين: تغيير الفطرة بالتهويد وغيره، وتغيير الخلقة بالجدع؛ وهما اللذان أخبر إبليس أنه لا بد أن يغيرهما. ثم قال تعالى:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ} [سورة النساء آية: 120] فوعده ما يصل إلى قلب الإنسان، نحو: سيطول عمرك وتنال من الدنيا وتعلو، والدنيا دول وستكون لك، ويطول أمله، ويعده الحسنى على شركه ومعاصيه، ويمنيه الأماني الكاذبة على اختلاف وجوهها؛ فالوعد فى الخير، والتمنية في الطلب والإرادة.

ومنها: أن معرفة هذه القصة تزرع في قلب المؤمن حب الله تعالى الذي هو أعظم النعم على الإطلاق وذلك من صنعه سبحانه بالإنسان وتشريفه; وتفضيله إياه على - الملائكة، وفعله بإبليس ما فعل لما أبى أن يسجد له، وخلقه إياه بيده، ونفخه فيه من روحه; وإسكانه جنته.

ص: 169

وقد خاطب الله سبحانه بني إسرائيل الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل مع آبائهم، وذكرهم بذلك واستدعاهم به، وذكرهم أنه فعله بهم، كقوله:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [سورة البقرة آية: 50] وغير ذلك.

وذكر النعم التي هي أصل الشكر الذي هو الدين؛ لأن شكرها مبني على معرفتها وذكرها، فمعرفة النعم من الشكر، بل هي أم الشكر، كما في الحديث:" من أسدى إليه معروف فذكره فقد شكره، فإن كتم فقد كفره " هذا في الأشياء التي تصدر من بني آدم، فكيف بنعم المنعم على الحقيقة والكمال؟ واجتمع الصحابة يوما في دار يتذاكرون ما من الله عليهم به، من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وجلس الفضيل وابن أبي ليلى يتذاكرون.

ومنها: أن التأويل الفاسد في رد النصوص ليس عذرا لصاحبه، كما أنه سبحانه لم يعذر إبليس في شبهته التي ألقاها، كما لم يعذر من خالف النصوص متأولا مخطئا، بل كان ذلك التأويل زيادة في كفره.

ومنها: أن مثل هذا التأويل ليس على أهل الحق أن يناظروا صاحبه، ويبينوا له الحق، كما يفعلون مع المخطئ المتأول ; بل يبادر إلى عقوبته بالعقوبة التي يستحقها بقدر

ص: 170

ذنبه ; وإلا أعرض عنه إن لم يقدر عليه ; كما كان السلف الصالح يفعلون هذا وهذا. فإنه سبحانه لما أبدى له إبليس شبهته فعل به ما فعل ولما عتب على الملائكة في قيلهم، أبدى لهم شيئا من حكمته وتابوا.

وقد وقعت هذه الثلاث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي فتح الله فيها مكة، فإنه لما أعطى المؤلفة قلوبهم ووجدت عليه الأنصار عاتبهم واعتذروا وقبل عذرهم، وبين لهم شيئا من الحكمة. ولما قال له ذلك الرجل العابد: اعدل، قال له كلاما غليظا، واستأذنه بعض الصحابة في قتله ولم ينكر عليه; لكن ترك قتله لعذر ذكره، ولما فعل خالد بن الوليد ببني جذيمة ما فعل، رد عليهم ما أخذ منهم ووداهم، ولا نعلم أنه عاتب خالدا ولا منعه ذلك من تأميره على الناس.

ومنها: أن الشبهة إذا كانت واضحة البطلان لا عذر لصاحبها، فإن الخوض معه في إبطالها تضييع للزمان، وإتعاب للحيوان، مع أن ذلك لا يردعه عن بدعته، وكان السلف لا يخوضون مع أهل الباطل في رد باطلهم، كما عليه المتأخرون، بل يعاقبونهم إن قدروا، وإلا أعرضوا عنهم، وقال أحمد لمن أراد أن يرد عليهم: اتق الله ولا تنصب نفسك لهذا، فإن جاءك مسترشد فأرشده وهو سبحانه لما قال اللعين:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [سورة ص آية: 76]{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [سورة ص آية: 77] ، ولما قالت

ص: 171

الملائكة ما قالت {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 30] ثم بين لهم ما بين حتى أذعنوا.

ومنها: معرفة قدر الإخلاص عند الله، وحماية الله لأهله، لقول اللعين:{إِلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة الحجر آية: 40] ، فعرف عدو الله أنه لا سبيل له على أهل الإخلاص.

ومنها: أن كشف العورة مستقر قبحه في الفطر والعقول، لقوله:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [سورة الأعراف آية: 20] ، وقد سماه الله فاحشة.

ومنها: أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بالفجرة، بل يكون على حذر منهم، ولو قالوا ما قالوا، خصوصا أولياء الشيطان، الذين تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته، فإن اللعين حلف {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [سورة الأعراف آية: 21] .

ومنها: أن زخرفة القول قد تخرج الباطل في صورة الحق، كما في الحديث:"إن من البيان لسحرا" فإن اللعين زخرف قوله بأنواع، منها: تسمية الشجرة شجرة الخلد.

ومنها: تأكيد قوله: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [سورة الأعراف آية: 21] وغير ذلك مما ذكر في القصة، فينبغي للمؤمن أن يكون من زخرف القول على حذر، ولا يقنع بظاهره حتى يعجم العود.

ومنها: أن في القصة شاهدا لما ذكر في الحديث: "إن من العلم جهلا" أي: من بعض العلم ما العلم به جهل،

ص: 172

والجهل به هو العلم ; فإن اللعين من أعلم الخلق بأنواع الحيل التي لا يعرفها آدم، مع أن الله علمه الأسماء كلها، فكان ذلك العلم من إبليس هو الجهل، وفي الحديث:"إن الفاجر خب لئيم، وإن المؤمن غر كريم"، وأبلغ من ذلك وأعم منه قول الملائكة:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [سورة البقرة آية: 30] فقيل لهم ما قيل وعوتبوا، فكانت توبتهم أن قالوا:{سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنَا} [سورة البقرة آية: 32] ، فكان كمالهم ورجوعهم عن العتب، وكمال علمهم أن أقروا على أنفسهم بالجهل، إلا ما علمهم سبحانه، ففي هذه القصة شاهد للقاعدة الكبرى في الشريعة المنبه عليها في مواضع، منها قوله صلى الله عليه وسلم:" وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ".

ومنها: أنه لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بخوارق العادة، إذا لم يكن مع صاحبها استقامة على أمر الله، فإن اللعين أنظره الله تعالى، ولم يكن ذلك إلا إهانة له وشقاء له، وحكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير، فينبغى للمؤمن أن يميز بين الكرامات وغيرها، ويعلم أن الكرامة هي لزوم الاستقامة.

ومنها: أن الأمور التي يحرص عليها أهل الدنيا قد تكون عقوبة ومحنة، والجاهل يظنها نعمة، مثل المال والجاه وطول العمر ; فإن الله أعطى اللعين من النظرة ما أعطاه.

ومنها: أن يعلم المؤمن أن الذنوب كثيرة، ولا نجاة له منها إلا بمعونة الله وعفوه، وأن كثيرا منها قد لا يعلمه من

ص: 173

نفسه، فإن أكثر الكبائر القلبية مثل الرياء والكبر والحسد وترك التوكل والإخلاص وغير ذلك، قد يتلطخ بها الرجل وهو لا يشعر، ولعله يتورع عن بعض الصغائر الظاهرة، وهو في غفلة عن هذه العظائم.

ومنها: أن يعرف قدر معصية الحسد، وكيف آل باللعين حسده إلى أن فعل به ما فعل.

ومنها - وهو من أحسنها -: أن يعرف صحة ما ذكر عن بعض السلف: أن من لم يجاهد في سبيل الله، ابتلي بالجهاد في سبيل الشيطان، ومن بخل بإنفاقه المال في طاعة الله، ابتلي بإنفاقه في المعاصي وفيما لا ينفعه، ومن لم يمش في طاعة الله خطوات، مشى في معصية الشيطان أميالا 1 وأشباه ذلك.

والدليل من القصة أبلغ من هذا بكثير، فإن اللعين أبى أن يسجد لزعمه أن ذلك نقص في حقه، ثم صار بعد ذلك يكدح جهده في القيادة والدياثة وأنواع الرذائل. ومنها: أن في القصة معنى قوله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " 2 إلى آخره.

ومن ذلك قوله حكاية عن إبليس: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [سورة النساء آية: 119] ، فإنهم ذكروا في معناه، أي: آمرهم بتغيير خلق الله، وهي فطرته التي فطر عباده عليها وهي الإسلام لله وحده لا شريك له.

1 كالحسد والكبر والإباء.

2 البخاري: الجنائز (1385)، ومسلم: القدر (2658) ، وأحمد (2/233، 2/393) .

ص: 174

ومنها: أن فيها معنى القاعدة الكبرى في الشريعة، المذكورة في مواضع، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر د"1 وهي من قوله: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} [سورة النساء آية: 119]، فإنهم ذكروا أن معناه: قطع آذان البحيرة تقربا إلى الله، على عادات الجاهلية.

ومنها: أنها تفيد المعنى العظيم المذكور في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [سورة الأنفال آية: 24] ، وما في معناه من النصوص، وذلك مستفاد من صنع اللعين ; فإنه مع علمه بجبروت الله وأليم عذابه، وأنه لا محيص عنه، ويعرف من الأمور ما لا يعرفه كثير من أهل العلم، ومع ذلك لم يتب ولم يرجع، بل أصر وعاند وطلب النظرة لأجل المعصية مع علمه بعقابه وعدم مصلحته من فعله؛ وهذا باب عظيم من معرفة الرب وقدرته، وتقليبه القلوب كيف يشاء، وتيسيره كل عبد لما خلق له فيفعله باختياره.

ومنها: أن الله سبحانه قد يعاقب العبد إذا غضب عليه، بعقوبات باطنة في دينه وقلبه، لا يعرفها الناس، مع إمداده إياه في الدنيا، كما قال تعالى. {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} [سورة التوبة آية: 77] كما فعل إبليس.

ومنها: أن فيها شهادة لما ذكر عن بعض السلف، أن من عقوبة السيئة السيئة بعدها.

ومنها: أنها تفيد القاعدة المعروفة أن الجزاء من

1 مسلم: الأقضية (1718)، وابن ماجه: المقدمة (14) ، وأحمد (6/270) .

ص: 175

جنس العمل، وذلك أنه قصد الترفع، فقيل له:{فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [سورة الأعراف آية: 13] ، فقصد العز فأذله الله بأنواع من الذل.

ومنها: الشهادة لصحة الكلام المذكور عن بعض السلف، في قوله: والله إن معالجة التقي التقوى أهون من معالجة غير التقي الناس، وقول من قال: مصانعة وجه واحد، أهون من مصانعة ألف وجه.

وبيان ذلك: أن اللعين لما تخيل أن عليه من أمر الله شيئا من النقص، فلو قدم طاعة الله وآثرها على هواه وسجد لآدم، فلو قدر أن ما تخيله صحيح وأن ذلك غضاضة عليه، لكان في جنب ما أتاه من الشر والهوان والصغار جزءا يسيرا، فالله المستعان، فكيف ولو فعل ذلك لكان فيه شرفه وسعادته، كما هو عادة الله في خلقه أن من تواضع لله رفعه.

ومنها: أن الفاجر قد يعطيه الله سبحانه كثيرا من القوى والإدراكات في العلوم والأعمال، حتى في صحة الفراسة، كما ذكر عن اللعين حين تفرس فيهم أنه يغويهم إلا المخلصين، فصدق الله فراسته في قوله:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة سبأ آية: 20] .

فإن قيل في الحديث: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " 1 فلا يناقض ما ذكرناه، بل يدل على أن المؤمن أتم في هذه الخصلة من غيره وأصدق، كما كان في العلم والإيمان والأعمال والحلم والصبر وغير ذلك، ولو كان

1 الترمذي: تفسير القرآن (3127) .

ص: 176

للفجار شيء من ذلك. ومنها: الشهادة للقاعدة المعروفة في الشريعة، أن كل عمل لا يقصد به وجه الله فهو باطل، لاستثنائه المخلصين.

ومنها: الشهادة للقاعدة الثانية وهي: أن كل عمل على غير اتباع الرسول غير مقبول، لقوله في القصة:{اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [سورة البقرة آية: 38] الآية، فقسم الناس إلى قسمين: إلى أهل الجنة وهم الذين اتبعوا الهدى المنزل من الله، وأهل الشقاق والضلال وهم من أعرض عنه؛ فانتظمت هذه القصة لهاتين الآيتين العظيمتين، اللتين هما أكبر قواعد الشريعة على الإطلاق. القاعدة الأولى فيها حديث عائشة:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "1.

وقال أيضا: المسائل التي ذكر في قصة إبليس وآدم.

الأولى: أن هذين: واحد من خيار الملائكة، وآدم نبي، وكل منهما ما عصى غير مرة، فآدم أكل الحرام، وإبليس امتنع عن السجود وتكبر. والإنسان كم يقع منه في اليوم من مرة؟ فإن وقعت من غيرك ما استنكرتها، ولا تجسر تصلي وراء رجل أكل الحرام إلا مال اليتيم، فهو عندك خفيف والسبب العادة ; وأما ذنب إبليس فلا يستنكر، وأكثر ما يقع الكبر من الرؤساء بعلم أو غيره.

الثانية: كون الإنسان يفتخر بنسبه، وهو علة إبليس.

الثالثة: كون الإنسان يدعو بطول العمر ; ولو كان فيه زيادة

1 مسلم: الأقضية (1718)، وابن ماجه: المقدمة (14) ، وأحمد (6/270) .

ص: 177

ما أعطيه إبليس؛ وآدم لم يعطه. وذكر في قوله: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سورة الأعراف آية: 30] الآية، لو تصورها في حالة الدنيا، لو يجيء رجل من الأحساء من أهل الدرعية ومعه مال، وإذا أقبل على البلاد، وإذا جمع ابن دواس وجمع أهل الدرعية، وكونه يذهب إلى ابن دواس. 1

وقال رحمه الله تعالى: الخامسة والعشرون: فيها: تذكيره ما يواري السوءات.

الثانية: تذكيره بإنزال الريش.

الثالثة: تذكيره بإنزال لباس التقوى.

الرابعة: إخباره بخير اللباسين.

الخامسة: ذكره أن ذلك من آياته.

السادسة: ذكره الحكمة في ذلك.

السادسة والعشرون: إخباره وإنذاره عن فتنة الشيطان.

الثانية: تمثيله بما لا يستطيع أحد دفعه.

الثالثة: ما جرى في طاعته من التعب العاجل.

الرابعة: نزعه عنهما لباسهما.

الخامسة: مراده في ذلك.

السادسة: تنبيهنا على هذا المهم، وهو كونهم يروننا ولا نراهم.

السابعة: القاعدة الكلية، وهي من مسائل الصفات.

السابعة والعشرون: فيها: إنكاره عليهم هذه الفاحشة.

الثانية: الرد على من أنكر التحسين والتقبيح العقلي.

الثالثة: إنكار حجتهم الأولى والثانية.

الرابعة: أمره بالقول الذي فيه تنْزيه الله عن ذلك.

الخامسة: اشتمال هذا الكلام على ما لا

1 أي: وهو عدوه.

ص: 178

يحصى من المسائل.

السادسة: أن من معرفة الله نفي ما لا يجوز عليه.

السابعة: إنكاره عليهم القول عليه بلا علم.

الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون:

الأولى: أمره أن نقول هذا الإثبات.

الثانية: الاستدلال بالصفات على الأفعال.

الثالثة: الاستدلال بالعموم.

الرابعة: ذكر أمره بالعدل.

الخامسة: إقامة الوجه عند كل مسجد.

السادسة: دعوته بالإخلاص.

السابعة: ذكر المعاد.

الثامنة: الاستدلال عليه بالمبدأ.

التاسعة: ذكر الإيمان بالقدر بذكر الهداية والإضلال.

العاشرة: الإشارة إلى سبب الأمرين.

الحادية عشر: ذكر الأمر العظيم، وهي: اتخاذهم الشياطين أولياء.

الثانية عشر: ذكر حسبانهم أنهم مهتدون.

الثالثة عشر: أن ذلك ليس عذرا.

الثلاثون: الأولى: ذكر الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد.

الثانية: ذكر الأكل والشرب.

الثالثة: ذكر النهي عن السرف.

الرابعة: ذكره أنه {لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} .

وقال أيضا: وقوله عز وجل: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة الأعراف آية: 28] إلى قوله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [سورة الأعراف آية: 30] .

هذه الآية ذكرها الله سبحانه بعدما رد على الكفار عبادات يتقربون بها إليه ولم يشرعها ; منها: أنهم إذا حجوا طافوا

ص: 179

بالبيت عراة، يقولون: الثياب التي عصينا الله فيها لا نطوف فيها ; فقال الله ردا عليهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة الأعراف آية: 28] .

والفاحشة في هذا الموضع إخراج العورة للعبادة، مثل ما يفعل كثير من الناس، يكشف عورته للاستنجاء وغيره ينظره، يريد بالاستنجاء في هذه الحالة التقرب إلى الله. فلما رد عليهم الباطل أخبرهم بالحق الذي شرعه، فقال:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [سورة الأعراف آية: 29] وهو: العدل، {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [سورة الأعراف آية: 29] وهو: إقامة الصلاة بحقوقها. {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}

[سورة الأعراف آية: 29] يقول: ادعوه بهذا الشرط، {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن آية: 18] يقول: الأمور التي تعبدوني بها لم آمركم بها، والأمور التي آمركم بها لا تفعلونها ; فالظلم والبغي ضد القسط، وهو جاهكم وسمتكم الذي تبذلون فيه الأعمار والأموال، وإقامة الوجه عند كل مسجد لا تفعلونها، بل إن فعلتم صليتم صلاة لا تجزئ، والإخلاص منكر عندكم، ودينكم الذي ترجون به الثواب هو الشرك.

إذا فهمت هذا فتأمل أحوال من تعرف ونزل هذه الآية على أحوالهم ترى العجب.

ثم قال: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [سورة الأعراف آية: 29] أي: لا بد أن يخلقكم للبعث كما بدأ خلقكم من نطفة ; ثم قال: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [سورة الأعراف آية: 30] فهذا القدر يهدي من يشاء ويضل

ص: 180

من يشاء: فجمع في هذه الآية: الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالشرع، والإيمان بالقدر. وذكر فيها تفصيل الشرع الذي أمر به، وذكر حال من عكس الأمر فجعل المنكر معروفا والمعروف منكرا.

ثم ختم الآية بهذه المسألة العظيمة، وهي {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [سورة الأعراف آية: 30] ، فلا أجهل ممن هرب عن طاعة الله واختار طاعة الشيطان، ومع هذا يحسب أنه مهتد مع هذا الضلال الذي لا ضلال فوقه، والله أعلم.

وقال أيضا رحمه الله: الحادية والثلاثون: الإنكار على من حرم الزينة. الثانية: إضافتها إلى الله، الثالثة تنبيهه على العمل، بقوله:{من الرزق} . الرابعة: أمره أن نقول هذا القول. الخامسة: ذكر تفصيل الآيات. السادسة: ذكر أهل هذا التفصيل.

الثانية والثلاثون: أمره أن نقول هذا القول. الثانية: حصر المحرمات فيما ذكر. الثالثة: تحريم الفواحش. الرابعة: تحريم الإثم والبغي بغير الحق. الخامسة: تحريم الشرك. السادسة: ذكر هذا القيد العظيم. السابعة: تحريم القول على الله بلا علم.

سئل الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، رحمه الله، عن قوله تعالى:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [سورة الأعراف آية: 54] : قال سفيان: فرق الله بين الخلق والأمر

ص: 181

فمن جمع بينهما فقد كفر، ما صفة الجمع؟ .

فأجاب: وأما قول سفيان في قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [سورة الأعراف آية: 54]، فمراده بذلك الرد على من يقول إن كلام الله مخلوق ; يقول: إن الله سبحانه وتعالى عطف الأمر على الخلق، وأمره هو كلامه.

فمن قال: إن كلام الله مخلوق فقد جعل أمره مخلوقا، فجمع بين الخلق والأمر ; والله سبحانه قد فرق بينهما بعطف الأمر على الخلق، فالمعطوف غير المعطوف عليه. والمراد بسفيان، هو: سفيان بن عيينة الإمام المعروف، رحمه الله تعالى.

هذا كلام الشيخ ابن القيم 1 اختصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى، على قوله عز وجل:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف آية: 55-56] : جمعت هذه الآية آداب نوعي الدعاء، دعاء العبادة، ودعاء المسألة.

فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة، وهذا تارة، ويراد به مجموعهما; وهما متلازمان ; فإن دعاء المسألة طلب ما ينفع وطلب كشف ما يضر، ومن يملك الضر والنفع فهو المعبود ; ولهذا أنكر تعالى على من عبد من لا يملك ضرا

1 انظر صفحة 2-18/ج/3 من بدائع الفوائد.

ص: 182

ولا نفعا؛ فهو سبحانه يدعى للضر والنفع: دعاء المسألة، ويدعى خوفا ورجاء: دعاء العبادة. فاعلم أن النوعين متلازمان.

وعلى هذا فقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [سورة البقرة آية: 186] الآية، وكذلك قوله:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر آية: 60]، وقوله:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} [سورة الفرقان آية: 77] الآية، وقوله:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة غافر آية: 14] هو دعاء العبادة.

وقول الخليل عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [سورة إبراهيم آية: 39]، فالمراد: سمع الإجابة لا سمع العام، وهو يتناول النوعين. وسمع الرب إجابته للطلب وإثابته على العبادة، وأما قول زكريا:{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [سورة مريم آية: 4] فقد قيل: إنه دعاء المسألة، والمعنى: أنك عودتني الإجابة ولم تشقني بالحرمان، فهو توسل إليه بإحسانه الماضي.

وقوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [سورة الإسراء آية: 110]، فالمشهور: أنه دعاء المسألة، وهو سبب النّزول، قال ابن عباس:"سمع المشركون النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رحمن يا رحيم، فقالوا: هذا يزعم أنه يدعو إلها وهو يدعو إلهين ; فأنزل الله هذه الآية".

وأما قوله: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ} [سورة الطور آية: 28] الآية، فهو دعاء العبادة; والمعنى: إنا كنا نخلص له العبادة، ولهذا

ص: 183

وقاهم عذاب السموم، لا بمجرد السؤال، فإنه سبحانه يسأله من في السماوات والأرض ; وأما قوله:{ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ} [سورة القصص آية: 64] الآية، فهذا دعاء المسألة، يبكتهم، ويخبرهم يوم القيامة.

فقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [سورة الأعراف آية: 55] يتناول نوعي الدعاء، لكنه ظاهر في دعاء المسألة، متضمن دعاء العبادة، ولهذا أمر بإخفائه، قال الحسن:"بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا". وإن الله تعالى ذكر عبدا صالحا ورضي بفعله، فقال:{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} ، [سورة مريم آية: 3] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} [سورة الأعراف آية: 205] الآية، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكره في نفسه.

فذكر التضرع في الآيتين، وهو التذلل والتمسكن والانكسار، وهو روح الدعاء والذكر؛ وخص الدعاء بالخفية لحكم كثيرة؛ وخص الذكر بالخيفة لحاجة الذكر إلى الخوف، فإن الذكر يثمر المحبة، والمحبة إن لم يقترن بها الخوف ضرت صاحبها.

ولهذا قال بعض السلف: "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالجميع فهو مؤمن". وفي آية الذكر قال: {في نفسك} فلم يحتج أن يقول: خفية، وقال في آية الدعاء:{وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} [سورة الأعراف آية: 56] فلم يحتج أن يقول خيفة ; وذكر الطمع في آية الدعاء الذي هو

ص: 184

الرجاء ; لأن الدعاء مبني عليه.

وقوله تعالى: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} والاعتداء في الدعاء أنواع، منها: أن يسأل غير الله أو يدعو معه غيره. ومنها: أن يسأله ما لا يجوز، أو ما لا يليق به، مثل العصمة. ومنها: رفع الصوت بالدعاء. والآية أعم من هذا، وإن كان الاعتداء في الدعاء من جملة الاعتداء.

ومن العدوان: أن يسأل غيره متضرعا، كالمدل على ربه. ومنها: أن يعبده بما لا يشرعه ; وذكر هذا بعد قوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [سورة الأعراف آية: 55] دليل على أن من لم يدعه تضرعا وخفية، فهو من المعتدين.

وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [سورة الأعراف آية: 56]، قال بعض السلف: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم والفساد قد ملأ الأرض، فأصلح الله فسادها؛ فمن دعا إلى غير ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقد أفسد في الأرض بعد إصلاحها; وقوله:{وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} [سورة الأعراف آية: 56] ذكر الدعاء ثانيا لما ذكر معه من الخوف والطمع.

وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الأعراف آية: 56] فيه تنبيه على أن فعل هذا المأمور به هو الإحسان المطلوب منكم، ومطلوبكم أنتم من الله رحمته، وهي قريب من المحسنين الذين دعوه تضرعا وخفية وخوفا وطمعا، ومفهومه أن رحمة الله بعيد من غير المحسنين.

والإحسان هاهنا هو فعل المأمور به، سواء كان إلى الناس أو إلى نفسه، فأعظم الإحسان الإيمان والتوحيد،

ص: 185

والتوكل على الله، وأن يعبده كأنه يراه إجلالا ومهابة، وقد قال تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الأِحْسَانِ إِلَاّ الأِحْسَانُ} [سورة الرحمن آية: 60]، وقال ابن عباس:"هل جزاء من قال لا إله إلا الله، وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة".

[ما يستفاد من قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} ]

وقال أيضا الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قدس الله روحه ونور ضريحه: قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [سورة الأعراف آية: 59] الآيات فيه مسائل:

الأولى: شيء من تفصيل قوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} [سورة النحل آية: 36] .

الثانية: معنى قوله: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة".

الثالثة: الملاطفة في الدعوة إلى الله، لقوله:{يا قوم} أضافهم إلى نفسه.

الرابعة: التى أرسلت الرسل وخلقت الخلق لأجلها.

الخامسة: تفسير الآية.

السادسة: دعاؤهم بالرغبة.

السابعة: دعاؤهم بالتخويف.

الثامنة: جواب الملأ لهذا الكلام بهذه الجهالة.

التاسعة: كون أهل الباطل ينسبون أهل الحق إلى الجهالة بل إلى السفاهة، بل إلى السحر، بل إلى الجنون.

العاشرة: حسن جوابه لهم، ومقابلة الإساءة بالتي هي أحسن.

الحادية عشر: تعريفهم بأنهم إنما ردوا وعصوا رب العالمين.

الثانية عشر: تعريفهم بما فيه من الخصال التي لا غناء لهم عنها.

الثالثة عشر: تعريفهم أن تلك الخصال لا تقتضي

ص: 186

الحسد، بل تقتضي المحبة والانقياد.

الرابعة عشر: لما عرفهم أن الرسالة التي أتتهم منه، وعظهم بأنه رب العالمين.

الخامسة عشر: تعريفهم أن هذا الذي استغربوا ونسبوا من قاله إلى الجهالة والجنون، هو الواجب في العقل، وهو أيضا حظهم ونصيبهم من الله; لأنه سبب الرحمة؛ ففي هذا الكلام من أوله إلى آخره من تحقيق الحق، وذكر أدلته العقلية على تحقيقه، وإبطال الباطل، وذكر الأدلة العقلية على بطلانه، ما لا يخفى على من له بصيرة.

السادسة عشر: ذكر أنهم كذبوه مع هذا البيان، ففصل الله الخصومة بما ذكر أنه فعل بالفريقين.

السابعة عشر: ذكر أن ذلك السبب التكذيب بآياته، فدل على أنه أتاهم بآيات الله.

الثامنة عشر: أن السبب في ذلك التكذيب هو العمى والجهالة، فهي وصفهم لا وصف خصومهم.

وأما قصة عاد 1؛ فنذكر ما فيها من الزوائد خاصة:

الأولى: تبيين أن أعظم التقوى اتقاء الشرك.

الثانية: وصفه الملأ منهم بالكفر.

الثالثة: وصفهم نبيهم بالسفاهة التي هي أبلغ من الجهل.

الرابعة: وصفهم إياه بالكذب.

الخامسة: استعطافه إياهم بأمانته.

السادسة: وعظه إياهم بتلك الآية الواضحة العظيمة.

السابعة: فيه ما يدل على أنهم يعلمون ذلك، لقوله:

1 أي: في الأعراف من آية 65-72.

ص: 187

{واذكروا} .

الثامنة: وعظه إياهم بتذكيرهم نعمة الله باستخلافهم في الأرض بعد قوم نوح.

التاسعة: وعظه بزيادة النعمة على أهل زمانهم بزيادتهم في الخلق بسطة.

العاشرة: ذكر أن ذلك لا يدل على الكرامة، بل قد يكون السبب للإهانة.

الحادية عشر: ذكر أن هذا الذي كرهوه هذه الكراهة هو سبب فلاحهم.

الثانية عشر: ذكر ما أجابوه به عن هذا الكلام الذي هو في غاية الحسن.

الثالثة عشر: ذكر أن هذا الخلاف بينه وبينهم في توحيد العبادة، لا في أصل العبادة.

الرابعة عشر: ذكر أن عمدتهم اتباع السواد الأعظم.

الخامسة عشر: زيادة العتو بقوله: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} .

السادسة عشر: ذكر أن الصدق ممدوح عندهم، وكذلك الكذب مذموم عندهم.

السابعة عشر: ذكر المسألة المهمة، وهي إنكاره عليهم الاعتماد على ذلك الدليل، مع كونه لم ينْزل فيه نص من الله.

الثامنة عشر: كونه بين لهم كبر جهالتهم كيف تجاسروا على الجدال بذلك.

التاسعة عشر: معرفة الأشياء التي لا حقيقة لها من الحقائق.

العشرون: كون الشيء معمولا به قرنا بعد قرن من غير نكير، لا يدل على صحته.

الحادية والعشرون: أمره إياهم بانتظار الوعيد،.

الثانية والعشرون: إخباره بانتظارهم الوعد.

ص: 188

وأما قصة ثمود 1 فنذكر ما فيها من الزوائد على القصتين أيضا: الأولى: وعظه إياهم بالآية العظيمة. الثانية: استعطافهم بذكر ربوبية من جاءت منه لهم. الثالثة: ذكر إضافة الناقة إلى الله. الرابعة: تفسير البينة بهذا. الخامسة: تخصيص الله إياهم بناقته. السادسة: العجب العجاب من كراهتهم الأمر المطلوب منهم، وهو كف الأذى عن ناقة الله التي فيها من نعم الدين والدنيا لمن قبلها ما لا يظنه الظانون.

السابعة: أنه مع هذا توعدهم بالوعيد الشديد إن لم يكفوا عنها الأذى. الثامنة: تذكيرهم بنعمة الله عليهم بالقصور في السهل. التاسعة: نعمة الله عليهم في هذه القوة العظيمة، وهي قدرتهم على نحت الجبال بيوتا. العاشرة: تذكيرهم بنعم الله، فدل على أنهم يعرفون ذلك.

الحادية عشر: وعظه إياهم أن الذي ينهاهم عنه هو الفساد في الأرض، وهو قبيح بإجماع العقلاء. الثانية عشر: ذكر قبح جوابهم لهذه الموعظة البليغة، التي جمعت لهم خير الدنيا والآخرة، وحذرتهم من عقوبة الدنيا والآخرة. الثالثة عشر: نعته الملأ منهم بالكبر. الرابعة عشر: أن الذين استجابوا للحق هم الضعفاء ; وأما الملأ المستكبرون فهذا جوابهم وفعلهم.

الخامسة عشر: جمعهم بين هذه الثلاث: عقر الناقة،

1 أي: في الأعراف من آية 73-97.

ص: 189

والعتو عن أمر ربهم، وقولهم لرسولهم هذا. السادسة عشر: ذكر قولهم: {إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فلم يذكر إنكارهم الرسل من حيث الجملة. السابعة عشر: ذكر توليه عنهم لما وقع عليهم ما استعجلوا به. الثامنة عشر: ذكره أنه لم يبق من الحرص على دنياهم وعلى آخرتهم ممكنا. التاسعة عشر: ذكر أن العلة في عدم القبول عدم المحبة للناصح، لا عدم البيان.

وأما قصة لوط 1 فنذكر أيضا ما فيها من الزيادة على القصص الثلاث: الأولى: التصريح أن هذا الفعل لم يفعل قبلهم. الثانية: موعظة نبيهم بذلك ; فدل على أنه متقرر عندهم أن أول من ابتدع القبيح ليس كغيره، الثالثة: تعظيم هذه الفاحشة بمخاطبتهم بالاستفهام.

الرابعة: تغليظها بالألف واللام ; فدل على الفرق بينها وبين الزنا لقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} . الخامسة: تنبيههم على مخالفة العقول والشهوات، لقوله:{لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} [سورة الأعراف آية: 81] ، فتتركون موضع الشهوة مع حسنه عقلا ونقلا، وتستبدلون به غير المشتهى مع قبحه عقلا ونقلا.

السادسة: تنبيههم على العلة أنها ليست للشهوة بل للسرف. السابعة: هذا الجواب العجاب تلك النصيحة

1 أي: في الأعراف من آية 80-84.

ص: 190

والبيان بأدلة العقل والنقل. الثامنة: إقرارهم أن آل لوط الطيبون، وأنهم الأخابث. التاسعة: تصريحهم أن هذا هو الذي نقموا عليهم وجعلوه سببا لإخراجهم من البلد. العاشرة: ما في إهلاك امرأته من الدلالة على التوحيد ; والدلالة على أن من أحب قوما حشر معهم، وإن لم يعمل عملهم. الحادية عشر: ذكر الأمر بالنظر في عاقبة المجرمين.

[تفسير الإمام ابن تيمية لآيات أشكلت في سورة الأعراف]

وقال أيضا الشيخ محمد بن عبد الوهاب: قال شيخ الإسلام في تفسير آيات أشكلت: ومنها {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ} [سورة الأعراف آية: 88] الآية وما في معناها: التحقيق أن الله سبحانه إنما يصطفي لرسالته من كان خيار قومه حتى في النسب، كما في حديث هرقل، ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه نقص إذا كان على مثل دينهم، إذا كان معروفا بالصدق والأمانة، وفعل ما يعرفون وجوبه، وترك ما يعرفون قبحه.

قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء آية: 15] فلم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب، وليس في هذا ما ينفر عن القبول منهم، ولهذا لم يذكره أحد من المشركين قادحا؛ وقد اتفقوا على جواز بعثة رسول لا يعرف ما جاءت به الرسل قبله من النبوة والشرائع ; وأن من لم يقر بذلك بعد الرسالة فهو كافر.

والرسل قبل الوحي لا تعلمه فضلا عن أن تقر به، قال تعالى:{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} [سورة النحل آية: 2]

ص: 191

وقال: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} [سورة غافر آية: 15] .

فجعل إنذارهم بالتوحيد كالإنذار بيوم التلاق، كلاهما عرفوه بالوحي ; وما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم بغضت إليه الأوثان لا يجب أن يكون لكل نبي، فإنه سيد ولد آدم.

والرسول الذي نشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم، يكون أكمل من غيره، من جهة تأييد الله له بالعلم والهدى، وبالنصر والقهر، كما كان نوح وإبراهيم، ولهذا يضيف الله الأمر إليهما في مثل قوله:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} [سورة الحديد آية: 26] الآية، {ِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ} [سورة آل عمران آية: 33] الآية.

وذلك أن نوحا أول رسول بعث إلى المشركين ; وكان مبدأ شركهم من تعظيم الموتى الصالحين، وقوم إبراهيم مبدؤه من عبادة الكواكب؛ ذاك الشرك الأرضي، وهذا السماوي؛ ولهذا سد صلى الله عليه وسلم ذريعة هذا وهذا.

[تفسير قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ} ]

سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [سورة الأعراف آية: 88] وهم لم يدخلوا فيها؟ ! .

فأجاب: اعلم أن هذه المسألة شاعت وذاعت، واشتهرت وانتشرت، والخلاف فيها قديم بين أهل السنة والمعتزلة، وبين أهل السنة بعضهم لبعض، والذي روى ابن أبي حاتم عن عطية عن ابن عباس: "كانت الرسل والمؤمنون

ص: 192

يستضعفهم قومهم ويقهرونهم، ويدعونهم إلى العودة في ملتهم، فأبى الله لرسله والمؤمنين أن يعودوا في ملتهم ملة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا عليه".

وقد رواه السدي عن أشياخه، وتأوله عطية على أنه العود إلى السكوت، كما كانت الرسل قبل الرسالة، وأنهم كانوا أغفالا قبل النبوة، أي: لا علم لهم بما جاءهم من عند الله ; قال: وذلك عند الكفار عود في ملتهم، وهذا الذي رأيته منصوصا عن مفسري السلف.

وأما من بعدهم كابن الأنباري والزجاج، وابن الجوزي والثعلبي والبغوي، فهؤلاء يؤولون ذلك على معنى: لتصيرن ولتدخلن، وجعلوه بمعنى الابتداء لا بمعنى الرجوع إلى شيء قد كان، وأنشدوا على ذلك ما اشتهر عنهم في تفاسيرهم، كقول الشاعر:.

فإن تكن الأيام أحسن مرة

إلي لقد عادت لهن ذنوب

وكقوله:

وماالمرء إلا كالشهاب وضوئه

يحوررمادا بعد ما كان ساطعا

وقول أمية:.

تلك المكارم لا قعبان من لبن

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وأمثال ذلك مما يدل على الابتداء، وبعضهم أبقاه على معناه ; وقال: هو للتغليب; لأن قومهم كانوا في ملة الكفر، فغلب الجمع على الواحد، لكن تعقب ذلك شيخ

ص: 193

الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقال: وأما التغليب فلا يتأتى في سورة إبراهيم.

وأما جعلها بمعنى الابتداء والصيرورة، فالذي في الآيات الكريمة، عود مقيد بالعود في ملتهم، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم:" العائد في هبته كالعائد في قيئه " وقوله: "وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه " وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} فالعود في مثل هذا الموضع عود مقيد صريح بالعود إلى أمر كان عليه الرسل وأتباعهم لا يحتمل غير ذلك.

ولا يقال: إن العود في مثل هذا يكون عودا مبتدأ، وما ذكر من الشواهد أفعال مطلقة، ليس فيها أنه عاد لكذا، ولا عاد فيه ; قال: ولهذا يسمى المرتد عن الإسلام مرتدا، وإن كان ولد على الإسلام، ولم يكن كافرا عند عامة العلماء.

قال: وأما قولهم: إن شعيبا والرسل ما كانوا في ملتهم قط وهي ملة الكفر، فهذا فيه نزاع مشهور، وبكل حال: فهو خبر يحتاج إلى دليل عقلي، وليس في أدلة الكتاب والسنة والإجماع ما يخبر بذلك؛ وأما العقل ففيه نزاع، والذي تظاهرت عليه السنة أنه ليس في العقل ما يمنع ذلك.

قال: وقال أبو بكر الخطيب البغدادي: وقال كثير منهم ومن أصحابنا وأهل الحق: إنه لا يمتنع بعثة من كان كافرا،

ص: 194

أو مصيبا الكبائر قبل بعثته، قال: ولا شيء عندنا يمنع من ذلك، على ما نبين القول فيه، ثم ذكر الخطيب الخلاف في إصابته الذنوب بعد البعثة، وأطال الكلام، ثم قال.

فصل [في حكم بعثة من كان مصيبا للكفر والكبائر قبل الرسالة]

في جواز بعثة من كان مصيبا للكفر والكبائر قبل الرسالة، قال: والذي يدل على ذلك أمور: أحدها: أن إرسال الرسول، وظهور الأعلام عليه، اقتضى ودل لا محالة على إيمانه وصدقه، وطهارة سريرته وكمال علمه، ومعرفته بالله، وأنه مؤد عنه دون غيره; لأنه إنما يظهر الأعلام ليستدل بها على صدقه فيما يدعيه من الرسالة، فإذا كان بدلالة ظهورها عليه إلى هذه الحال، من الطهارة والنّزاهة والإقلاع عما كان عليه لا يمنع بعثته، والتزام توقيره وتعظيمه، وإن وجد منه ضد ذلك قبل الرسالة، وأطال الكلام.

ثم قال شيخ الإسلام: تحقيق القول في ذلك: أن الله سبحانه إنما يصطفي لرسالته من كان خيار قومه، كما قال تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سورة الأنعام آية: 124]، وقال الله تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [سورة الحج آية: 75] . وقال: ومن نشأ بين قوم مشركين جهالا لم يكن عليه نقص ولا غضاضة إذا كان على مثل دينهم، إذا كان عندهم معروفا بالصدق والأمانة، وفعل ما يعرفون وجوبه واجتناب ما يعرفون قبحه.

ص: 195

وقد قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [سورة الإسراء آية: 15] ولم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب قبل الرسالة، إذا كان لا هو ولا هم يعلمون ما أرسل به، وفرق بين من يرتكب ما لم يعلم قبحه، وبين من يفعل ما لا يعرف، فإن هذا الثاني لا يذمونه ولا يعيبونه عليه ولا يكون ما فعله مما هم عليه منفرا عنه، بخلاف الأول؛ ولهذا لم يكن في أنبياء بني إسرائيل من كان معروفا بشرك، فإنهم نشؤوا على شريعة التوراة، إنما ذكر هذا فيمن كان قبلهم.

وأما ما ذكره سبحانه في قصة شعيب والأنبياء، فليس في هذا ما ينفر أحدا عن القبول منهم؛ وكذلك الصحابة الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد جاهليتهم، وكان فيهم من كان محمود الطريقة قبل الإسلام، كأبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه لم يزل معروفا بالصدق والأمانة، ومكارم الأخلاق، لم يكن فيه قبل الإسلام ما يعيبونه به، والجاهلية كانت مشتركة فيهم كلهم.

وقد تبين أن ما أخبر عنه قبل النبوة في القرآن من أمر الأنبياء، ليس فيه ما ينفر أحدا عن تصديقهم، ولا يوجب طعن قومهم ; ولهذا لم يكن يذكر عن أحد من المشركين عد هذا قادحا في نبوته، ولو كانوا يرونه عيبا لعابوه، ولقالوا: كنتم أنتم أيضا على الحالة المذمومة، ولو ذكروا للرسل هذا، لقالوا: كنا كغيرنا لم نعرف إلا ما أوحي به إلينا.

ص: 196

ولكنهم قالوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} ، فقالت الرسل:{إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة إبراهيم آية: 11] .

قال: وقد اتفقوا كلهم على جواز بعثة رسول لم يعرف ما جاءت به الرسل قبله، من أمور النبوة والشرائع؛ ومن لم يقر بهذا الرسول بعد الرسالة فهو كافر، والرسل قبل الوحي قد كانت لا تعلم هذا فضلا عن أن تقر به; فعلم أن عدم هذا العلم والإيمان لا يقدح في نبوتهم ; بل الله إذا نبأهم علمهم ما لم يكونوا يعلمون.

قلت: وقوله: وقد اتفقوا كلهم يعني أهل السنة والمعتزلة. ثم قال: قال تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة غافر آية: 15]، وقال تعالى:{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [سورة النحل آية: 2] فجعل إنذارهم بعبادته وحده كإنذار يوم التلاق، كلاهما عرفوه بالوحي؛ واستدل على هذا بآيات إلى أن قال:

وقد تنازع الناس في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، وفي معاني بعض هذه الآيات في قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [سورة يوسف آية: 3]، وفي قوله:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ} [سورة الشورى آية: 52]، وقوله:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [سورة الضحى آية: 7] .

وما تنازعوا في معنى آية الأعراف، وآية إبراهيم، فقال

ص: 197

قوم: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على دين قومه، ولا كان يأكل ذبائحهم؛ وهذا هو المنقول عن أحمد قال: من زعم أنه على دين قومه فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل ما ذبح على النصب؟

ثم قال الشيخ: ولعل أحمد قال: أليس كان لا يعبد الأصنام؟ فغلط الناقل عنه، فإن هذا قد جاء في الآثار أنه كان لا يعبد الأصنام.

وأما كونه لايأكل ذبائحهم، فهذا لا يعلم أنه جاء به أثر ; وأحمد من أعلم الناس بالآثار، قال: والشرك حرم من حين أرسل الرسل ; وأما تحريم ما ذبح على النصب، فإنه ما ذكر إلا في سورة المائدة ; وقد ذكر في السور المكية كالأنعام والنحل تحريم ما أهل به لغير الله، وتحريم هذا إنما عرف من القرآن.

وقبل القرآن لم يكن يعرف تحريم هذا بخلاف الشرك. ثم ذكر الفرق بين ما ذبحوه للحم، وبين ما ذبحوه للنصب على جهة القربة للأوثان، قال: فهذا من جنس الشرك، لا يقال قط في شريعة بحلها، كما كانوا يتزوجون المشركات أولا.

قال: والقول الثاني: إطلاق القول بأنه صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه، وفسر ذلك بما كان عليه من بقايا دين إبراهيم، لا بالموافقة لهم على شركهم، وذكروا أشياء مما كانوا عليه من بقايا الحنيفية، كالحج والختان وتحريم الأمهات والبنات،

ص: 198

والأخوات والعمات والخالات.

قال الشيخ: وهؤلاء إن أرادوا أن هذا الجنس مختص بالحنفاء، لا يحج يهودي ولا نصراني، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، فهو من لوازم الحنيفية، كما أنه لم يكن مسلما إلا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأما قبل محمد صلى الله عليه وسلم فكان بنو إسرائيل على ملة إبراهيم، وكان الحج مستحبا قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكن مفروضا، ولهذا حج موسى ويونس وغيرهما من الأنبياء.

ثم قال: ولكن تحريم المحرمات لا يشاركهم فيه أهل الكتاب، والختان يشاركهم فيه اليهود، وأطال في الرد والنقل عن ابن قتيبة، وذكر كلام ابن عطية في قوله:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [سورة الضحى آية: 7] أنه أعانه وأقامه على غير الطريق التي كان عليها، هذا قول الحسن والضحاك.

قال: والضلال يختلف، فمنه القريب ومنه البعيد، وكون الإنسان واقفا لا يميز، بين المهيع، ضلال قريب; لأنه لم يتمسك بطريقة ضالة، بل كان يرتاد وينظر.

قال: والمنقول أنه كان عليه السلام قبل النبوة يبغض عبادة الأصنام، ولكن لم يكن ينهى عنها نهيا عاما، وإنما كان ينهى خواصه، وساق ما رواه أبو يعلى الموصلي، وفيه: فأتى النبي فطاف بالبيت، وبين الصفا والمروة، وكان عند الصفا والمروة صنمان من نحاس، أحدهما إساف والآخر نائلة.

وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 199

لزيد: " لا تمسحهما فإنهما رجس فقلت في نفسي: لأمسنهما حتى أنظر ما يقول، فمسستهما، فقال: يا زيد ألم تنه؟ " وقال أبو عبد الله المقدسي: هذا حديث حسن له شاهد في الصحيح، والحديث معروف قد اختصره البيهقي وزاد فيه.

قال زيد بن حارثة: "والذي أكره وأنزل عليه الكتاب، ما استلم صنما قط، حتى أكرمه الله بالذي أكرمه"، وفي قصة بحيرا الراهب حين حلف باللات والعزى، فقال النبي:"لاتسألن باللات والعزى، فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط". وكان الله قد نزهه عن أعمال الجاهلية، فلم يكن يشهد مجامع لهوهم، وكان إذا هموا بشيء من ذلك، ضرب الله على أذنه فأنامه.

وقد روى البيهقي وغيره في ذلك آثارا، وقد كانت قريش يكشفون عوراتهم لحمل حجر ونحوه، فينزهه الله عن ذلك، كما في الصحيحين من قول جابر، وفي مسند أحمد زيادة:"فنودي لا تكشفن عورتك، فألقى الحجر ولبس ثوبه"، وكانوا يسمونه الصادق الأمين، وكان الله عز وجل قد صانه عن قبائحهم، ولم يعرف منه قط كذبة ولا خيانة، ولا فاحشة، ولا ظلم قبل النبوة، بل شهد مع عمومته حلف المطيبين على نصرة المظلومين.

وأما الإقرار بالصانع وعبادته، والإقرار بأن السماوات والأرض مخلوقة له محدثة بعد أن لم تكن، وأنه لا خالق غيره، فهذا كان عامتهم يعرفونه ويقرون به ; فكيف لا يعرفه

ص: 200

هو ويقر به؟ وذكر الشيخ بعض علامات النبوة وتغير العالم بمولده.

ثم قال: لكن هذا لا يجب أن يكون مثله لكل نبي، فإنه أفضل الأنبياء، وهو سيد ولد آدم; والله سبحانه إذا أهل عبدا لأعلى المنازل والمراتب رباه على قدر تلك المرتبة; فلا يلزم إذا عصم نبيا أن يكون معصوما قبل النبوة من كبائر الإثم والفواحش، صغيرها وكبيرها; ولا يكون كل نبي كذلك.

ولا يلزم إذا كان الله بغض إليه شرك قومه قبل النبوة، أن يكون كل نبي كذلك، كما عرف من حال نبينا صلى الله عليه وسلم؛ وفضائله لا تناقض ما روي من أخبار غيره إذا كان كذلك، ولا يمنع كونه نبيا، لأن الله فضل بعض النبيين على بعض، كما فضلهم بالشرائع والكتب والأمم؛ وهذا أصل يجب اعتباره.

وقد أخبر الله أن لوطا كان من أمة إبراهيم، وممن آمن له أن الله أرسله; والرسول الذي نشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم، ثم يبعثه الله فيهم، يكون أكمل وأعظم ممن كان من قوم لا يعرفونه; فإنه يكون بتأييد الله له أعظم من جهة تأييده بالعلم والهدى، ومن جهة تأييده بالنصر والقهر.

قلت: وبهذا يظهر اختلاف درجات الأنبياء والرسل، وعدم الاحتجاج إلى التكلف في الجواب عن مثل آية إبراهيم

ص: 201

ونحوها، وأن قصارى ما يقال في مثل قوله لنبينا:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [سورة الضحى آية: 7]، وقوله:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ} [سورة الشورى آية: 52] هو عدم العلم بما جاء من النبوة والرسالة، وتفاصيل ما تضمن من الأحكام الشرعية والأصول الإيمانية.

وهذا غاية ما تيسر لنا في هذا المقام الضنك الذي أحجم عنه فحول الرجال وأهل الفضائل والكمال، ونستغفر الله من التجاسر والوثوب على الكلام في مثل هذا المبحث الذي زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام واضطربت فيه أقوال الأئمة الأعلام.

قال الشيخ سليمان بن سحمان: قال ابن القيم رحمه الله بعد كلام طويل - على قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [سورة الأعراف آية: 172] ذكر في الوجه العاشر، قال: ومن أبينها ما أشهد به كل واحد على نفسه، من أنه ربه وخالقه ومبدعه، وأنه مربوب مصنوع مخلوق، حادث بعد أن لم يكن، إلى أن قال:

وهذا الإقرار والشهادة فطرة فطروا عليها، ليست بمكتسبة; وهذه الآية وهي قوله:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [سورة الأعراف آية: 172] مطابقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة " 1، ولقوله تعالى:

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً

1 البخاري: الجنائز (1385)، ومسلم: القدر (2658) ، وأحمد (2/233، 2/393) .

ص: 202

فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [سورة الروم آية: 30] .

والمقصود: أن الحديث وهو: " كل مولود يولد على الفطرة " 1 مطابق للآية التي قبله والآية التي بعده، فالفطرة التي في الحديث هي التي في الآية، كما ذكر ابن القيم؛ فصح أن تفسير السلف للفطرة هو المطابق للحديث.

وأما كون المولود لا يصح منه إسلام إلا بشعور، فقال في الرد على ابن حزم، وذكر كلاما طويلا قال في آخره: وأيضا فإنها لو كانت موجودة قبل البدن لكانت حية عالمة ناطقة عاقلة، فلما تعلقت بالبدن سلبت ذلك كله، ثم حدث لها الشعور والعلم والعقل شيئا فشيئا.

وهذا لو كان، لكان من أعجب الأمور أن تكون الروح كاملة عاقلة، ثم تعود ناقصة ضعيفة جاهلة، ثم تعود بعد ذلك إلى عقلها وقوتها، فأين في العقل والنقل والفطرة ما يدل على هذا، وقد قال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [سورة النحل آية: 78] ؟

فهذا الحال الذي أخرجنا عليها حالنا الأصلية، والعلم والعقل والمعرفة والقوة طارئ علينا، حادث فينا بعد أن لم نكن، ولم نعلم قبل ذلك شيئا البتة، إذ لم يكن لنا وجود نعلم ونعقل به.

1 البخاري: الجنائز (1385)، ومسلم: القدر (2658) ، وأحمد (2/233، 2/393) .

ص: 203

[ما يستفاد من قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} ]

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: وقوله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [سورة الأعراف آية: 175] فيه مسائل:

الأولى: معرفة أن لا إله إلا الله، كما في قصة آدم وإبليس، ويعرف ذلك من عرف أسباب الشرك: وهو الغلو في الصالحين، والجهل بعظمة الله.

الثانية: معرفة أن محمدا رسول الله، يعرفه من عرف عداوة علماء أهل الكتاب له.

الثالثة: معرفة الدين الصحيح والدين الباطل، لأنها نزلت في إبطال دينهم الذي نصروا، وتأييد دينه الذي أنكروا.

الرابعة: معرفة عداوة الشيطان ومعرفة حيله.

الخامسة: أن من انسلخ من الآيات أدركه الشيطان، ومن لم ينسلخ منها حمته منه، ثم صار أكثر من ينتسب إلى العلم يظن العكس.

السادسة: خوف الخاتمة كما في حديث ابن مسعود.

السابعة: عدم الاغترار بغزارة العلم.

الثامنة: عدم الاغترار بصلاح العمل.

التاسعة: عدم الاغترار بالكرامات وإجابة الدعاء.

العاشرة: أن الانسلاخ لا يشترط فيه الجهل بالحق أو بغضه.

الحادية عشر: أن من أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فلو عرف الحق وأحبه 1 وعرف الباطل وأبغضه.

1 لعله فقد انسلخ، ولو عرف إلخ

ص: 204

الثانية عشر: معرفة الفتنة وأنه لا بد منها; فليتأهب وليسأل الله العافية، لقوله:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [سورة العنكبوت آية: 2] الآيتين.

الثالثة عشر: عدم أمن مكر الله.

الرابعة عشر: عقوبة العاصي في دينه ودنياه.

الخامسة عشر: ذكر مشيئة الله، وذكر السبب من العبد.

السادسة عشر: أن محبة الدنيا تكون سببا لردة العالم عن الإسلام.

السابعة عشر: تمثيل هذا العالم بالكلب في اللهث على كل حال.

الثامنة عشر: أن هذا مثل لكل من كذب بآيات الله، فليس مختصا.

التاسعة عشر: ذكر كونه سبحانه أمر بقص القصص على عباده.

العشرون: ذكر الحكمة في الأمر به.

الحادية والعشرون: قوله: {سَاءَ مَثَلًا} كقوله: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ}

سئل الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن محمد رحمهم الله عن قوله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [سورة الأعراف آية: 190]،قال قتادة:"شركاء في طاعته، ولم تكن في عبادته" وفي تفسير معنى آيات العبادة يفسرونها بالطاعة، وهنا فرق بينهما.

فأجاب: اعلم أن الكلام يختلف باختلاف الأحوال والمقامات، والاجتماع والافتراق، والإجمال والتفصيل، فتفسير قتادة في هذه الآية: أن المراد بهما على كثير من كلام المفسرين آدم وحواء، فناسب تفسيرها بالطاعة، لأنها طاعة

ص: 205