الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك دعاء الله سبحانه وتعالى، لا يجهر به جهرا مسمعا; بل يخفيه إخفاء بحيث يسمع نفسه كبقية الذكر الذي في الصلاة وغيرها، وليس المقصود من فضيلة إخفاء الدعاء أنه لا يسمع نفسه; هذا المعنى لم يعنه أحد.
وقد قال تعالى في الذكر، الذي هو أعم من القرآن والدعاء وغيرهما:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [سورة الأعراف آية: 205]، قال العلماء: معناه: سرا بحيث تسمع نفسك {تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [سورة الأعراف آية: 205] فدلنا ذلك على أن الأمر في الدعاء الوسط، وهو بقدر ما يسمع الداعي نفسه، ما لم يكن الداعي إماما قانتا، والمأموم خلفه، فإنه يجهر بحيث يسمع من خلفه، كما جاء فيه الأثر.
سورة الكهف
قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: ومن أول سورة الكهف، ذكر ابن عباس أن سبب نزولها:"أن قريشا بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة، فقالوا: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، فإنهم أهل الكتاب الأول، ففعلوا.
فقالوا: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإلا فهو متقول: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر
الأول، ما أمرهم؟ فإن لهم حديثا عجيبا. وسلوه عن طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها. وسلوه عن الروح. فأقبلا، فقالا: جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، فسألوه عن الثلاث، فقال: أخبركم، ولم يستثن. فمكث خمس عشرة ليلة لا يأتيه جبرائيل، فشق ذلك عليه، حتى جاءه بالسورة فيه المعاتبة على حزنه عليهم، وخبر مسائلهم" ففي الآية الأولى مسائل:
الأولى: حمده نفسه على إنزال الكتاب، الذي هو أكره شيء أتاهم في أنفسهم; مع كونه أجل ما أعطاهم من النعم.
الثانية: أن الإنزال على عبده، ففيه: إبطال مذهب النصارى والمشركين; وفيه: نعمته عليهم، حيث أنزل على رجل منهم.
الثالثة: أنه أنزله معتدلا لا اعوجاج فيه; ففيه: معنى قوله: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [سورة المؤمنون آية: 71] .
الرابعة: أن الأعداء والمشبهين لا يجدون فيه مغمزا، بل ليس فيه إلا ما يكسرهم.
وقوله: {لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ [سورة الكهف آية: 2] ذكر الفائدة في إنزاله، فذكر ثلاثا:
الأولى: لينذر عذاب الله، فيصير سببا للسلامة منه.
الثانية: بشارة من انقاد له بالحظ المذكور.
الثالثة: الإنذار عن الكلمة العظمى التي تفوه بها من تفوه، تقربا إلى الله بتعظيم الصالحين.
الرابعة: الدليل على أن كلامهم لم يصدر عن علم،
لا منهم ولا ممن قبلهم.
الخامسة: تعظيم الكلمة، كما قال تعالى:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [سورة مريم آية: 90] .
السادسة: أن الكذب يسمى كذبا، ويسمى صاحبه كاذبا، ولو ظن أنه صادق، ويصير من أكبر الكذابين المفترين.
وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} [سورة الكهف آية: 6] أي: قاتلها أسفا على هلكتهم، ففيه: ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشفقة عليهم، وتسلية الله سبحانه له.
وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا} [سورة الكهف آية: 7] فيه مسائل:
الأولى: التسلية للمؤمن عمن أدبر.
الثانية: أن حكمة الله التزيين، ليبين الأحسن عملا من غيره.
الثالثة: أن جميعها يصير {صَعِيداً جُرُزاً} [سورة الكهف آية: 8] أي: لا نبت فيه.
وقوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} [سورة الكهف آية: 9] يعني: أن قصتهم مع كونها عجيبة، فيها مسائل جليلة، أعظمها: الدلالة على التوحيد، وبطلان الشرك; والدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم ومن قبله; والدلالة على اليوم الآخر.
ففي الآيات المشاهدة من خلق السماوات والأرض، وغير ذلك مما هو أعجب وأدل على المراد من قصتهم، مع إعراضهم عن ذلك؛ فأما دلالتها على التوحيد وبطلان الشرك فواضح، وأما دلالتها على النبوات فكذلك، كما جعلها أحبار يهود آية لنبوته.
وأما دلالتها على اليوم الآخر، فمن طول مكثهم لم يتغيروا، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} [سورة الكهف آية: 21]، وقوله:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [سورة الكهف آية: 10] الآية، فيه مسائل:
الأولى: كونهم فعلوا ذلك عند الفتنة، وهذا هو الصواب عند وقوع الفتن، الفرار منها.
الثانية: قولهم: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} [سورة الكهف آية: 10] من عندك، لا نحصلها بأعمالنا، ولا بحيلنا.
الثالثة: قولهم: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} [سورة الكهف آية: 10] طلبوا من الله أن يجعل لهم من ذلك العمل رشدا، مع كونه عملا صالحا، فما أكثر ما يقصر الإنسان فيه، أو يرجع على عقبيه، أو يثمر له العجب والكبر، وفي الحديث:" وما قضيت لي من قضاء، فاجعل عاقبته رشدا "1.
وقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [سورة الكهف آية: 13] إلى قوله: {مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} [سورة الكهف آية: 16] فيه مسائل.
الأولى: من آيات النبوة، وإليه الإشارة بقوله:{بالحق} .
الثانية: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} وهم الشبان، وهم أقبل للحق من الشيوخ، عكس ما يظن الأكثر.
الثالثة: قوله: {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} فلم يسبقوا إلا بالإيمان بالله.
الرابعة: ما في الإضافة إلى ربهم من تقرير التوحيد.
الخامسة: في قوله: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [سورة الكهف آية: 13] أن من ثواب
1 أحمد (6/146) .
الحسنة الحسنة بعدها، ومن عمل بما يعلم، أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم.
السادسة: أن المؤمن أحوج شيء إلى أن يربط الله على قلبه، ولولا ذلك الربط افتتنوا.
السابعة: قولهم: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة الكهف آية: 14] فهذه الربوبية هي الألوهية.
الثامنة: المسألة الكبرى، أن من ذبح لغير الله أو دعا غيره فقد كذب بقول: لا إله إلا الله، وقد دعا إلهين اثنين، واتخذ ربين.
التاسعة: المسألة العظيمة المشكلة على أكثر الناس، أنه إذا وافقهم بلسانه، مع كونه مؤمنا حقا، كارها لموافقتهم، فقد كذب في قوله لا إله إلا الله، واتخذ إلهين اثنين; وما أكثر الجهل بهذه، والتي قبلها!
العاشرة: أن ذلك لو يصدر منهم، أعني: موافقة الحاكم فيما أراد من ظاهرهم، مع كراهتهم لذلك، فهو قوله:{شططا} والشطط: الكفر.
الحادية عشر: قوله: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [سورة الكهف آية: 15] فهذه المسألة مفتاح العلم، وما أكبر فائدتها لمن فهمها!
الثانية عشر: قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} [سورة الكهف آية: 15] ففيه: أن مثل هذا من افتراء الكذب على الله، وأنه أعظم أنواع الظلم، ولو كان صاحبه لا يدري، بل قصد رضى الله.
الثالثة عشر: قوله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاّ اللَّهَ [سورة الكهف آية: 16] فيه اعتزال أهل الشرك، واعتزال معبوديهم، وأن ذلك لا يجرك إلى ترك ما معهم من الحق، كما قال تعالى:
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا} [سورة المائدة آية: 8] .
الرابعة عشر: قوله: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [سورة الكهف آية: 16] فيه شدة صلابتهم في دينهم، حيث عزموا على ترك الرياسة العظيمة، والنعمة العظيمة، واستبدلوا بها كهفا في رأس جبل.
الخامسة عشرة: حسن ظنهم بالله، ومعرفتهم ثمرة الطاعة، ولو كان مباديها ذهاب الدنيا، حيث قالوا:{يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} [سورة الكهف آية: 16] .
السادسة عشر: الدليل على الكلام المشهور أن التعب يثمر الراحة، والراحة تثمر التعب.
السابعة عشر: عدم الاغترار بصورة العمل الصالح، فرب عمل صالح في الظاهر لا يثمر خيرات، أو عمل صالح يهيئ لصاحبه مرفقا.
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [سورة الكهف آية: 19] فيه مسائل:
الأولى: كما أماتهم لحكمة، بعثهم لحكمة.
الثانية: أن الصواب في المسائل المشكلة عدم الجزم بشيء، بل قول: الله أعلم، فالجهل بها هو العلم.
الثالثة: التورع في المأكل.
الرابعة: كتمان السر.
الخامسه: المسألة العظيمة، وهي قوله: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} [سورة الكهف آية: 20] : عرفوا أنه لا بد من أحد الأمرين; إما الرجم، وإما الإعادة في الملة، فإن وافقوا على الثانية لم يفلحوا أبدا، ولو كان في قلوبهم محبة الدين وبغض الكفر.
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} [سورة الكهف آية: 21] الآية فيه مسائل:
الأولى: أن الإعثار عليهم لحكمة.
الثانية: معرفة المؤمن إذا أعثر عليه {أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} كما رد سبحانه موسى إلى أمه، لتعلم أن وعد الله حق؛ فتأمل هذا العلم ما هو.
الثالثة: أن الساعة آتية لا ريب فيها لما وقع بينهم النّزاع; وذلك أن بعض الناس يزعم أن البعث للأرواح خاصة، فأعثر عليهم ليكون دليلا على بعث الأجساد.
الرابعة: أن الذين غلبوا على أمرهم قالوا: لنتخذن عليهم مسجدا. فإذا تأملت ما قالوا، وأن الذي حملهم عليه محبة الصالحين، ثم ذكرت قوله صلى الله عليه وسلم " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " 1 عرفت الأمر.
وقوله: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} [سورة الكهف آية: 22] الآية فيه مسائل:
الأولى: الإخبار بالغيب.
الثانية: بيان الجهل والباطل بالتناقض.
الثالثة: الإنكار على المتكلم بلا علم.
الرابعة: إسناد الأمر في هذه المسائل إلى علم الله سبحانه.
الخامسة: الرد على أهل الباطل بالإسناد إليه.
السادسة: أن من العلماء من يعرف عدتهم لكنهم قليل.
1 البخاري: الصلاة (434)، ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (528)، والنسائي: المساجد (704) ، وأحمد (6/51) .
السابعة: النهي عن المراء في شأنهم.
الثامنة: الاستثناء.
التاسعة: النهي عن استفتاء أحد من هؤلاء فيهم.
وقوله: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إلا أن يشاء الله} [سورة الكهف آية: 23-24] فيه مسائل:
الأولى: النهي عن مثل هذا الكلام.
الثانية: الرخصة مع الاستثناء.
الثالثة: الأمر بذكر الله عند النسيان.
الرابعة: أن الاستثناء يقع في مثل هذا.
الخامسة: هذا الدعاء عند النسيان، إن صح التفسير بذلك.
وقوله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} سورة الكهف آية: 25] إلى آخر الكلام فيه مسائل:
الأولى: النص على مدة لبثهم.
الثانية: الرد على المخالف، بقوله:{اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [سورة الكهف آية: 26] .
الثالثة: الرد عليه بقوله: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة الكهف آية: 26] .
الرابعة: الرد عليه بقوله: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [سورة الكهف آية: 26] .
الخامسة: قوله: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} [سورة الكهف آية: 26] .
السادسة: كونه: {لا يشرك في حكمه أحدا} [سورة الكهف آية: 26] .
السابعة: النهي عن إشراك مخلوق في حكم الله، على قراءة الجزم.
الثامنة: الحث على تلاوة الوحي، وإن عارضه لشبهة أو شهوة.
التاسعة: تقريره ذلك بقوله: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [سورة الكهف آية: 27] .
العاشرة: تقرير ذلك بقوله: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [سورة الكهف آية: 27] .
الحادية عشر: الكبيرة، وهي: أمره نبيه أن يصبر نفسه مع من ذكر.
الثانية عشر: أنه لا يضر المؤمن كراهة نفسه لذلك إذا جاهدها.
الثالثة عشر: أن بلوغهم هذه المرتبة، بسبب فعلهم ما ذكر.
الرابعة عشر: أن صلاة البردين بالإخلاص توصل إلى المراتب العالية.
الخامسة عشر: فيه قوله: " رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره "1.
السادسة عشر: النهي عن طلوع العين عنهم، إرادة لمجالسة الأجلاء.
السابعة عشر: المسألة الكبرى، وهي: اختلاف أمر الدنيا والآخرة عند الله.
الثامنة عشر: أنه لما ذكر المحثوث على مجالستهم، ذكر ضدهم.
التاسعة عشر: نهيه عن طاعة الضد.
العشرون: سبب ذلك.
الحادية والعشرون: ذكر الخصال الثلاث، إغفال القلب عن ذكر الله، واتباع الهوى، وانفراط الأمر.
الثانية والعشرون: إثبات القدر، وهو الإغفال.
الثالثة والعشرون: لا يخرجه من الذم أن قلبه يفهم غير ذلك فهما جيدا.
الرابعة والعشرون: قوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [سورة الكهف آية: 29] الآية.
وقال في قوله: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [سورة الكهف آية: 49] تنْزيهه عن الفقر والحاجة، والجهل والخساسة، ولكونه الغني القوي.
الثانية: كونه سبحانه هو الحكيم لنَزاهته عن الجهل والنقص، ولكونه القدوس السلام.
وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام مسائل: فالأولى: ما يتعلق بجلال الله وعظمته، وفيه مسائل:
1 الترمذي: المناقب (3854) .
الأولى: معرفة سعة العلم، لقوله:"ما نقص علمي وعلمك" وهذا من أعظم ما سمعنا من عظمة الله.
الثانية: الأدب مع الله، لقوله:"فعتب الله عليه".
الثالثة: الأدب معه أيضا في قوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [سورة الكهف آية: 79] وقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [سورة الكهف آية: 82] .
الرابعة: معرفة أنواع سعة جود الله تعالى، ومن ذلك العلم اللدني.
الخامسة: الأدب معه تعالى، بمعرفة أن له أسرارا في خلقه تخفى على الأنبياء، فلا ينبغي الغفلة عن هذه المهمة.
السادسة: الأدب معه في تعليق الوعد بمشيئة الله، مع العزم.
السابعة: معرفة شيء من عظيم قدرة الله: من إحياء الموتى، وجعله سبيل الحوت في الماء طريقا، وغير ذلك، ومعرفة هذه مع الأولى هما اللتان خلق العالم العلوي والسفلي لأجل معرفتنا بهما.
الثاني: ما يتعلق في أحوال الأنبياء، وفيه مسائل.
الأولى: أن النبي يجوز عليه الخطأ.
الثانية: أنه يجوز عليه النسيان.
الثالثة: فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة، لقوله:"موسى بني إسرائيل".
الرابعة: ما جبل عليه موسى عليه السلام من الشدة في أمر الله.
الخامسة: أنه لا ينكر إصابة الشيطان للأنبياء بما لا يقدح في النبوة، لقوله:{نسيا حوتهما} مع قوله: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاّ الشَّيْطَانُ} [سورة الكهف آية: 63] .
السادسة: ما عليه الإنسان من البشرية، ولو كان نبيا، وذلك من أدلة التوحيد، وذلك من
وجوه: منها قوله: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} [سورة الكهف آية: 77] .
الثالث: مسائل الأصول، وفيه مسائل، أعظمها التوحيد، ولكن سبق آنفا، فنقول:
الأولى: الدليل على اليوم الآخر، لأن من أعظم الدلالة: إحياء الموتى في دار الدنيا.
الثانية: إثبات كرامات الأولياء، على القول بعدم نبوة الخضر.
الثالثة: أنه قد يكون عند غير النبي من العلم ما ليس عند النبي.
الرابعة: إذا احتمل اللفظ معاني، فأظهرها أولاها، كما قال الشافعي.
الخامسة: إثبات الصفات، كما هو مذهب السلف.
الرابع. ما فيها من التفسير:
الأولى: أن المذكور هو الخضر، لا كما قال الحر بن قيس.
الثانية: أن موسى هو المشهور عليه السلام، خلافا لنوف 1.
الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر لهم ألفاظ القرآن كما بلغها.
الرابعة: أن قوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} أبلغ من قوله: (ألم أقل) .
الخامسة: أن قوله: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [سورة الكهف آية: 79] المراد سفينة سالمة من العيب السادسة: أن غداهما هو الحوت.
السابعة: أن قوله: {عجبا} أي: لموسى وفتاه.
الثامنة:
1 ابن فضالة البكالي.
أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات، وإن وقع فيه من وقع.
التاسعة: أن السلف يشددون في ذلك تشديدا عظيما، لقوله كذب عدو الله.
العاشرة: أن الوعد على العمل الصالح ليس مختصا بالآخرة; بل يدخل فيه أمور الدنيا، حتى في الذرية بعد موت العامل.
الخامس: آداب العالم والمتعلم، ففيه مسائل:
الأولى: تسمية التلميذ الخادم: فتى.
الثانية: أن تلك الخدمة مما يرفع الله بها، كما رفع يوشع.
الثالثة: تعلم العالم ممن دونه.
الرابعة: اتخاذ ذلك نعمة يبادر إليها، لا نقمة يبغضها.
الخامسة: التعلم بعد الرياسة.
السادسة: الرحلة في طلب العلم.
السابعة: رحلة الفاضل إلى المفضول.
الثامنة: ركوب البحر لطلب العلم.
التاسعة: شروط الشيخ على المتعلم.
العاشرة: التزام المتعلم للشروط.
الحادية عشر: الاعتذار بالنسيان.
الثانية عشر: قبول الاعتذار.
الثالثة عشر: أدب المتعلم، لقوله:{هَلْ أَتَّبِعُكَ} إلى آخره.
الرابعة عشر: قبول نصيحة الشيخ لعلمه منك ما لا تعلمه من نفسك، وإن كنت أفضل منه.
الخامسة عشر: أن من المسائل ما لا يجوز السؤال عنه.
السادسة عشر: أن من المسائل ما لا ينبغي للمسؤول أن يجيب عنها.
السابعة عشر: إعفاء المعلم مما يكره.
الثامنة
عشر: مفارقة المتعلم إذا خالف الشرط.
التاسعة عشر: احتمال المشاق في طلب العلم، لقوله:{لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [سورة الكهف آية: 62] .
السادس: ما فيها من مسائل الفقه:
فالأولى: عمل الإنسان في مال الغير بغير إذنه، إذا خاف عليه الهلاك.
الثانية: ليس من شروط الجواز خوف الهلاك، بل قد يجوز للإصلاح، لقصة الجدار.
الثالثة: أنه ليس من شروط المسكين في الزكاة أنه لا مال له.
الرابعة: أنه استدل بها على أنه أحسن حالا من الفقير.
الخامسة: أنه لا بأس بالسؤال في بعض الأحوال، لقوله:{اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} [سورة الكهف آية: 77] .
السادسة: أن من لم يعط يتعز بهذه القصة، وكم ممن هان على الناس وهو جليل عند الله، وقد قيل:
فإن رددت فما في الرد منقصة عليك قد رد موسى قبل والخضر
السابعة: أن الإجازة تجوز بغير بعض الشروط التي شرط بعض الفقهاء.
الثامنة: أنه يجوز أخذ الأجرة على العمل الذي لا يكلف، خلاف ما توهمه بعضهم.
التاسعة: الترحم على الأنبياء، وأنه لا ينقص من قدرهم، بل هو من السنة.
العاشرة: أن تمني العلم ليس من التمني المذموم.
الحادية عشر: أن السلام ليس من خصائص هذه الأمة.
الثانية عشر: كيف الجواب إذا سئل أي الناس أعلم.
الثالثة عشر:
خطأ من قال بخلو الأرض من مجتهد.
الرابعة عشر: التعزي باختيار الله، وحسن الظن فيما تكره النفوس.
الخامسة عشر: الخوف من مكر الله عند النعم.
السادسة عشر: أن قوله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [سورة الكهف آية: 62] لا يعد من الشكوى.
السابعة عشرة: الفرق بين المسألة المأمور بها والمنهي عنها، وإن كان معذورا بل مأجورا.
الثامنة عشر: سفر الاثنين من غير ثالث للحاجة.
التاسعة عشر: أن الخضر معروف عندهم في ذلك الزمان، لقوله:"لما عرفوه حملوه بغير نول"1.
العشرون: أن احتمال المنة في مثل هذا لا بأس به.
الحادية والعشرون: شكره نعمة الخلق.
السابع: المنثور والجامع:
الأولى: القصة بجملتها من أعجب ما سمع، ولا يعرف في نوعها مثلها.
الثانية: عين الحياة وما لله من الأسرار في بعض المخلوقات.
الثالثة: ما ابتلي به موسى عليه السلام مما لا يحتمل، مع وعده الصبر، وتعليقه بالمشيئة.
الرابعة: نسيان الفتى الحوت في ذلك اليوم وتلك الليلة وبعض اليوم الثاني، مع أنه لم يكلف إلا ذلك، ومع أنه زادهما يحمل على الظهر.
الخامسة: الآية العظيمة في الماء
1 النول: جعل السفينة وثمن ركوبها.
لما صار طاقا، 1 حتى قيل: إن هذا لم يقع إلا له منذ خلقت الدنيا.
السادسة: أن الشيطان يتسلط تسلطا لا يعرف، لكونه تسلط على يوشع بالنسيان العجيب.
السابعة: الفرق بين العبودية الخاصة والعبودية العامة.
الثامنة: الرد على منكري الأسباب، لأنه سبحانه قادر على إنجاء السفينة، وتثبيت أبوي الغلام، وإخراج أهل الكنْز له بدون ما جرى.
التاسعة: الرد على من قال: إن موسى لا يجوز له السكوت عنه، لأنه اعتذر بالنسيان، ولأنه لا يعد من نفسه ترك واجب.
العاشرة: الحكم بالظاهر، لقوله عليه السلام:{نَفْسًا زَكِيَّةً} .
الحادية عشر: تسمية المدينة قرية.
الثانية عشر: أن التأويل في كلام الله وكلام العرب غير ما يريد المتأخرون.
الثالثة عشر: أن المال قد يكون رحمة وإن كان مكنوزا.
الرابعة عشر: أن فائدة طلب العلم للرشد.
الخامسة عشر: نصيحة العالم المتعلم إذا أراد السؤال عن ما لا يحتمله.
السادسة عشر: أن ذلك الممنوع قد يكون أفضل ممن يعرف ذلك.
السابعة عشر: أن الكلام قد يقتصر فيه على المتبوع، لقوله:{فانطلقا} كما في قوله: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً} [سورة البقرة آية: 38] .
1 أي: حين انجاب الماء، فصار طاقة مفتوحة
…
إلخ انظر صفحة: 168/ج/1 من فتح الباري.
وقوله عز وجل قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [سورة الكهف آية: 110] .
فيها خمس مسائل:
الأولى: كون الله فرض على نبيه أن يخبرنا عن نفسه الخبر الذي تصديقه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [سورة آل عمران آية: 128] .
الثانية: فرض عليه إخبارنا بتوحيد الألوهية، وإلا فتوحيد الربوبية لم ينكره الكفار الذين كذبوه وقاتلوه.
الثالثة: تعظيمه بقوله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [سورة الكهف آية: 110] كما تقول لمن خالفك: كلامي مع من يدعي أنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: أن من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر أن لا يشرك بعبادة ربه أحدا؛ ففيه التصريح بأن الشرك في العبادة ليس في الربوبية؛ وفيه الرد على من قال: أولئك يستشفعون بالأصنام، ونحن نستشفع بالصالحين، لأنه قال:{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [سورة الكهف آية: 110] فليس بعد هذا بيان; وافتتح الآية بذكره، براءة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أقرب الخلق إلى الله وسيلة، وختمها بقوله:{أحدا} .
اعلم رحمك الله: أنه لا يعرف هذه الآية المعرفة التي تنفعه، إلا من يميز بين توحيد الربوبية وبين توحيد الألوهية تمييزا تاما; وأيضا يعرف ما عليه غالب الناس، إما طواغيت ينازعون الله في توحيد الربوبية الذي لم يصل شرك المشركين إليه، وإما مصدق لهم تابع لهم، وإما رجل شاك