المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الأنعام وقال الشيخ محمد أيضا رحمه الله تعالى: وأما قوله - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ١٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌سورة الأنعام وقال الشيخ محمد أيضا رحمه الله تعالى: وأما قوله

‌سورة الأنعام

وقال الشيخ محمد أيضا رحمه الله تعالى: وأما قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ َلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام آية: 40] .

فيها من المسائل:

الأولى: أمره سبحانه وتعالى بمحاجتهم بهذه الحجة الواضحة للجاهل والبليد، لكن بشرط التفكر والتأمل، فيا سبحان الله! ما أقطعها من حجة! وكيف يخالف من أقر بها؟!

الثانية: إذا تحققت معنى هذا الكلام، مع ذكر الله تعالى له في مواضع من كتابه، عرفت الشرك الأكبر وعبادة الأوثان. وقول بعض أئمة المشركين: إن الذي يفعل في زماننا شرك، لكنه شرك أصغر، في غاية الفساد. فلو نقدر أن في هذا أصغر أو أكبر، لكان فعل أهل مكة مع العزى، وفعل أهل الطائف مع اللات، وفعل أهل المدينة مع مناة، هو الأصغر، وفعل هؤلاء هو الأكبر؛ ولا يستريب في هذا عاقل، إلا إن طبع الله على قلبه.

الثالثة: أن إجابة دعاء مثل هؤلاء، وكشف الضر عنهم، لا يدل على محبته لهم، ولا أن ذلك كرامة ; وأنت

ص: 140

تفهم لو يجري شيء من هذا في زماننا، على يدي بعض الناس، ما يظن فيه من يدعي العلم، مع قراءتهم هذا ليلا ونهارا.

الرابعة: معرفة العلم النافع، والعمل الذي لا ينفع؛ فمع معرفتهم أنه لا يكشفه إلا الله، ومع معرفتهم بعجز معبوداتهم، ونسيانهم إياها ذلك الوقت، يعادون الله هذه المعاداة، ويوالون آلهتهم تلك الموالاة، قال تعالى:{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [سورة النحل آية: 72] .

وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} [سورة الأنعام آية: 42] إلى قوله: {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام آية: 45] ففيها مسائل:

الأولى: ذكر سنته سبحانه في خلقه.

الثانية: أن ذلك تسليط البأساء وهو: القحط والمجاعة، والضراء وهي: الأمراض.

الثالثة: أن الله سبحانه أخبرنا بمراده أنه سلط ذلك عليهم ليتوبوا فيحصلون سعادة الدنيا والآخرة، وليس مراده تعذيبهم على عظم جهالتهم وعتوهم، كيف لم يتضرعوا لما جاءهم ذلك؟ يعرفك أن هذا من أعظم الجهالة والعتو.

الرابعة: ذكر السبب الذي منعهم من ذلك مع اقتضاء العقل والطبع له، وهو قسوة القلب، وكون عدوهم زين لهم ما أغضب الله عليهم، فلم يعرفوا قبحها، بل استحسنوها.

الخامسة: أنهم لما فعلوا هذه العظيمة فتحت عليهم أبواب كل شيء، فيا لها من مسألة!

ص: 141

السادسة: أنهم استبشروا بعذابهم، كما استبشر قوم لوط بمجيء أضيافه.

السابعة: أنه لم يأخذهم حتى وقع الفرح.

الثامنة: أن ذلك الأخذ بغتة.

التاسعة: أنه بعد تلك النعمة.

العاشرة: أنه سبحانه المحمود على إنعامه على أوليائه ونصرهم.

وأما قوله تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} [سورة الأنعام آية: 50] إلى قوله: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الأنعام آية: 55] ففيها مسائل:

الأولى: أمر الله سبحانه رسوله أن يخبرهم، بأنه بريء ممن ادعى خزائن الله.

الثانية: إخبارهم البراءة ممن ادعى علم الغيب.

الثالثة: إخبارهم بالبراءة من دعوى أنه ملك؛ وأنت ترى من ينتسب إلى العلم، كيف اعتقاده في هذه المسائل المعاكسة؟ .

الرابعة: اقتصاره على ما يوحى إليه، واليوم عند أكثر الناس هو هو.

الخامسة: أن الذي يقتصر على الوحي هو البصير، وضده الأعمى؛ ومن يدعي العلم بالعكس في هذه المسألة، والتي قبلها، ولست أعني العمل، بل عقيدة القلب.

السادسة: حثه سبحانه على التفكر الذي هو باب العلم، كما حث عليه سبحانه في غير موضع.

السابعة: الإنذار الخاص لهذه الطائفة المنعوتة بهذين الوصفين.

الثامنة: أن من فقدهما لم تنفعه النذارة.

التاسعة: فائدة الإنذار وثمرته، واحتياج هذه الطائفة له.

ص: 142

العاشرة: النهي عن طرد المتصفين بما ذكر.

الحادية عشر: عظم شأن صلاة العصر والصبح.

الثانية عشر: عظمة الإخلاص.

الثالثة عشر: كون الأمر اليسير كثيرا كبيرا مع الإخلاص.

الرابعة عشر: ذكر القاعدة الكلية المأخوذة منها هذه الجزئية وهي: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام آية: 164] .

الخامسة عشر: أن طردهم يخاف أن يوصل الرجل الصالح إلى درجة الظالمين، ففيه التحذير من أذاء الصالحين.

السادسة عشر: حسن النية في ذلك ليس عذرا.

السابعة عشر: أن منعهم الجلوس مع العظماء في مجلس العلم هو الطرد المذكور.

الثامنة عشر: ذكر فتنته سبحانه بعض خلقه ببعض.

التاسعة عشر: ذكر بعض الحكمة في ذلك.

العشرون: أن من ذلك رفعة من لا يظن الناس فيه ذلك.

الحادية والعشرون: أن الدين إن صح فهو المنة العظيمة، التي لا تساويها منن الدنيا.

الثانية والعشرون: أن من الفتنة حرمانه سبحانه من لا يظن الناس أنه يحرمه.

الثالثة والعشرون: المسألة العظيمة الكبيرة، وهي الاستدلال بصفات الله على ما أشكل عليك من القدرة; لأنه سبحانه رد عليهم ما وقع في أنفسهم من استبعاد كون الله حرمهم، وخص هؤلاء بالكرامة.

الرابعة والعشرون: جلالة هذه المسألة، وهي مسألة

ص: 143

علم الله; لأنه سبحانه رد بها على الملائكة لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [سورة البقرة آية: 30] الآية، ورد بها على الكفار الجهال في هذه الآية كما ترى.

الخامسة والعشرون: أنه متقرر عند الكفار عبدة الأوثان منكري البعث، أن الله سبحانه حكيم يضع الأشياء في مواضعها، والأشعرية يزعمون أنه لا يفعل شيئا لشيء.

[الجواب عن تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} ]

سئل الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن، عن قول الشارح الشيخ سليمان على آية الأنعام، وأن قوله:{لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} [سورة الأنعام آية: 51] نصب على الحال.

فأجاب: هذا عليه غير واحد من المفسرين، قال الجلال: وجملة النفي حال من ضمير {يحشروا} وهي محل الخوف ; وقال البيضاوي: {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} [سورة الأنعام آية: 51] في موضع الحال من يحشروا، فإن الخوف هو الحشر على هذه الحالة، وقد سبقهم إلى هذا الزَّجَّاجُ، وابن كثير حل المعنى ولم يتعرض لإعرابه، ويظهر مراده من تقرير كلامه.

قال وقوله: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [سورة الأنعام آية: 51] الآية أي: أنذر بهذا القرآن يا محمد {الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [سورة المؤمنون آية: 57] الذين {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [سورة الرعد آية: 21]، {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [سورة الأنعام آية: 51] أي: يوم القيامة،

ص: 144

{ليس لهم} أي: يومئذ {مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} [سورة الأنعام آية: 51] أي في التقريب له، ولا شفيع فيهم من عذابه ; أن مرادهم:{لعلهم يتقون} أي: أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله عز وجل {لعلهم يتقون} : يعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم الجزاء من ثوابه. انتهى.

وهو يشير إلى جواز جعلهم صفة لمخلوق دل عليه السياق ; والعائد في الجملة الوصفية يكفي تقريره، كقوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [سورة البقرة آية: 48] ، والبغوي لم يتعرض لتقدير شيء.

وبهذا يظهر الجواب عن قولك: ما يقال في تقريره؟ فإن الله أمر رسوله أن ينذر بالقرآن عباده المؤمنين الذين يؤمنون بلقائه، ويخافون فيه سوء الحساب، في يوم لا ولي لهم فيه ولا شفيع من دونه، لعلهم يتقون ذلك بفعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.

وعلى الأول يخافون الحشر وسوء الحساب، في حال تخليهم وانفرادهم عن الأولياء والشفعاء، وخصوا بذلك لأنهم هم المنتفعون بالإنذار، المتقون عذاب ذلك اليوم وعقابه، بخلاف من تعلق على الأولياء والشفعاء، واعتمد عليهم في نجاته، فإنه غير خائف ولا متق، لسكون جأشه واطمئنان قلبه بوليه وشفيعه، والله الهادي الموفق.

ص: 145

قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [سورة الأنعام آية: 71] إلى قوله {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة الأنعام آية: 73] .

فيه مسائل: تجاوب بها من أشار عليك بشيء تصير به مرتدا:

الأولى: {أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} [سورة الأنعام آية: 71]، يعني: كيف تدبر عن هذا وتقبل على هذا؟ .

الثانية: {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} [سورة الأنعام آية: 71] ، كيف إذا تصور التائه في المهامه التي تهلك إذا هدي إلى الطريق، ورأى بلده ينحرف على أثره في المهلكة؟

الثالثة: مشابهة من استجاب إلى الغيلان إذا دعته، مع علمه بأنها ستهلكه.

الرابعة: إذا زعم الداعي أنه ناصح مرشد للهدى - مع علمك أنه مضاد لهدى الله - قولك: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [سورة الأنعام آية: 71] .

الخامسة: إجابتك إياه أني مأمور بالإسلام لرب العالمين، كيف أوافقك على التبرؤ من ذلك؟ !

السادسة: أني مأمور بإقام الصلاة، ولا يمكنني إقامتها

ص: 146

فيما تدعوني إليه.

السابعة: أني مأمور بمخافة الله واتقائه، وأنت تدعوني إلى ترك ذلك.

الثامنة: أنك تأمرني بمقاطعة ومعاداة من ليس لي عنه ملاذ.

التاسعة: أن المسألة التي تدعوني إلى تركها هي التي لأجل فعلها خلقت السماوات والأرض.

العاشرة: أن الذي تدعوني إلى التهاون بأمره والاستهزاء به، لا بد من يوم يقول له فيه: كن فيكون، مع عظم شأن ذلك اليوم.

الحادية عشر: أن {قوله الحق} لا خلاف فيه، وقد قال فيما تأمرني به من الوعيد ما قال، وفيما تنهاني عنه من الوعد ما قال.

الثانية عشر: أن الملك كله له يوم ينفخ في الصور، فكيف تؤثر عليه مالا أو حالا أو جاها أو غير ذلك؟

الثالثة عشر: أنه عالم السر وأخفى، فكيف لي بفعل ما تأمرني به وهو لا يخفى عليه؟ !

الرابعة عشر: أنه الحكيم الخبير، فلا يتصور أنه يشتبه عليه من يعصيه بمن يطيعه، ولا يتصور أنه يجعل من أطاعه كمن عصاه; لأنه الحكيم الخبير يضع الأشياء في مواضعها. والله أعلم.

ونقل عنه أيضا: وأما قوله تعالى: {أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} [سورة الأنعام آية: 71] إلى قوله {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة الأنعام آية: 18] ، ففيه أربعة عشر جوابا لمن أشار عليك، بموافقة السواد الأعظم على الباطل، لأجل ما فيه من مصالح الدنيا والهرب من مضارها؛ ولكن ينبغي أن

ص: 147

تعرف أولا: أن الكلام مأمور به مؤمن فقيه.

فالأول: أن تجيبه بقوله: {أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا} [سورة الأنعام آية: 71] ، وهذا تصوره كاف في فساده.

الثاني: {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} [سورة الأنعام آية: 71] ، وهذا أيضا كذلك.

الثالث: هذا المثل الذي هو أبلغ ما يرغبك في الثبات، ويبغض إليك موافقته.

الرابع: قولك له: إذا زعم أن الهدى في موافقة فلان وفلان بدليل الأكثر، فتجيبه بقولك:{إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [سورة البقرة آية: 120] .

الخامس: أن تجيبه بقوله. {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام آية: 71] ، فإذا أمرتني بالإسلام لفلان وفلان، فالله أمرني بما لا أحسن منه.

السادس: أن تقول وأمرنا بإقامة الصلوات، وهذه خصلة مسلمة لا جدال فيها، ولا يقيمها إلا الذي أمرتني بتركهم؛ والذين أمرتني بموافقتهم لا يقيمونها.

السابع: أنا مأمورون بتقوى الله، وأنت تأمرني بتقوى الناس.

الثامن: أن هذا الذي أمرتني بترك أمره {وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [سورة الأنعام آية: 72]، كما قال السحرة لفرعون لما دعاهم إلى ذلك:{إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ} [سورة الأعراف آية: 125] .

التاسع: أنه {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [سورة الأنعام آية: 73] ، وهذا مقتضى ما نهيتني عنه، والذي تأمرني به يقتضي أنه خلقها باطلا.

العاشر: أن هذا الذي تأمرني بترك أمره، إليه حشر هذا الخلق العظيم، ما دونه إلا قوله:{كُنْ فَيَكُونُ} [سورة البقرة آية: 117] .

الحادي عشر: أن هذا الذي أمرتني بترك أمره {قوله

ص: 148

الحق} .

وقد قال ما لا يخفى عليك، ووعد عليه بالخلود في النعيم، ونهى عما أمرتني به، وتوعد عليه بالخلود في الجحيم؛ وهو لا يقول إلا الحق. فكيف مع هذا أطيعك؟ !

الثاني عشر: أن {له الملك يوم ينفخ في الصور} فإذا أقررت بذلك اليوم، وأن عذابه ونعيمه دائمان، فما ترجو من الشفاعات كلها باطلة ذلك اليوم. وقد بين تعالى معنى ملكه لذلك اليوم في آخر الانفطار.

الثالث عشر: أنه {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [سورة الأنعام آية: 73] ، فلا يمكن التلبيس عليه، بخلاف المخلوق ولو أنه نبي.

الرابع عشر: أنه {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة الأنعام آية: 18] ، فلا يجعل من اتبع أمره ولو خالف الناس، كمن ضيع أمره موافقة للناس، حاشاه من ذلك؛ ولهذا يقول الموحدون يوم القيامة - إذا قيل لهم: قد ذهب الناس -: فارقناهم في الدنيا أحوج ما كنا إليهم

إلى آخره. والله أعلم.

وقال أيضا: قال شيخ الإسلام: قوله: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا ب} [سورة الأنعام آية: 71] الآية، يريد هؤلاء المنحرفون أن يفعلوا بالمؤمنين، فيدعون من دون الله ما لا ينفع ولا يضر؛ ويريدون أن يرتد المؤمنون على أعقابهم عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويصيرون حائرين كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران.

ص: 149

[المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} ]

وقال الشيخ محمد رحمه الله: ومن قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [سورة الأنعام آية: 74] إلى قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام آية: 90] .

الأولى: قوله: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً} [سورة الأنعام آية: 74] : السؤال عن معنى الآلهة، فإنها جمع إله، وهو أعلى الغايات عند المسلم والكافر، فكيف يتخذ جمادا؟ ! وهذا أعجب وأبعد عن العقل من جعل الحمار قاضيا ; لأن الحيوان أكمل من الجماد فإذا كان هذا من خشب أو حجر لم يعص الله، فكيف بمن اتخذ فاسقا إلها؟ ! مثل نمرود، وفرعون. فإن كان اتخذه بعد موته فأعجب وأعجب.

الثانية: القدح في حجتهم لأنها السواد الأعظم، ليس لهم حجة إلا هي، فيدل على الرسوخ في مخالفتهم بالأدلة اليقينية لقوله:{إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .

الثالثة: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة الأنعام آية: 75] ، فإن ذلك من أعظم الأدلة على المسألة ببديهة العقل، لأن من رأى نخلا كثيرا لا يتخالجه شك أن المدبر له ليس نخلة واحدة منه، فكيف بملكوت السماوات والأرض.

الرابعة: أن هذا النفي إنما نفي لأجل الإثبات.

الخامسة: {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ، فلم يكمل غيره حتى كمل.

السادسة: عظم مرتبة اليقين عند الله، لجعله التعليم علة لإيصاله إليه.

السابعة: براءته من شركهم، نفى أولا

ص: 150

كونها لا تستحق ; ونفى ثانيا عن نفسه الالتفات إليها.

الثامنة: نفى النقائص عن ربه.

التاسعة: ذكر توجهه الذي هو العمل.

العاشرة: ذكر الدليل الذي دله على النفي والإثبات.

الحادية عشر: تحقيقه ذلك بكونه حنيفا، وهذه المسألة التي قال الله في ضدها:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [سورة يوسف آية: 106] .

الثانية عشر: تصريحه لهم بما ذكر، ولم يدار مع كثرتهم ووحدته.

الثالثة عشر: تصريحه بالبراءة منهم، بقوله:{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام آية: 79] .

الرابعة عشر: قوله: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ} [سورة الأنعام آية: 80] ، ولم يذكر حجتهم; لأن كلامه كاف عن كل ما يقولون.

الخامسة عشر: أنهم لما خصموا رجعوا إلى التخويف لفعل أمثالهم، فذكر أنه لا يخاف إلا الله ; لتفرده بالضر والنفع، لخلاف آلهتهم، فذكر النفي والإثبات.

السادسة عشر: سعة القدرة ; وهاتان هما اللتان خلق العالم العلوي والسفلي لأجل معرفتنا لهما.

السابعة عشر: أن من ادعى معرفتهما وأشكل عليه التوحيد فعجب، ولذلك قال:{أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} [سورة الأنعام آية: 50] ؟.

الثامنة عشر: قوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} [سورة الأنعام آية: 81] إلى آخره، يدل على أنها حجة عقلية تعرفها عقولهم.

التاسعة عشر: قوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية: 184] يدل على أن من أشكلت عليه هذه الحجة فليس له علم.

العشرون: البشارة العظيمة، والخوف الكثير في

ص: 151

فصل الله هذه الخصومة إذا عرف ما جرى للصحابة، وما فسرها لهم به النبي صلى الله عليه وسلم.

الحادية والعشرون: تعظيمه سبحانه هذه الحجة بإضافتها إلى نفسه، وأنه الذي أعطاها إبراهيم عليه السلام عليهم.

الثانية والعشرون: أن العلم بدلائل التوحيد وبطلان الشبه فيه، يرفع الله به المؤمن درجات.

الثالثة والعشرون: معرفة أن الرب تبارك وتعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها.

الرابعة والعشرون: كونه عليما بمن هو أهل لها، كما قال تعالى:{وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [سورة الفتح آية: 26] .

الخامسة والعشرون: ذكر نعمته على إبراهيم بالذرية التي أنعم عليهم بالهداية.

السادسة والعشرودن: أن العلم والهداية أفضل النعم، لقوله:{وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} [سورة الأنعام آية: 84] .

السابعة والعشرون: هداية المذكورين، أصولهم وفروعهم، ومن في درجتهم.

الثامنة والعشرون: ذكره الذي هداهم الله إليه، وهو الصراط المستقيم، وهو المقصود من القصة.

التاسعة والعشرون: التنبيه على الاستقامة.

الثلاثون: القاعدة الكلية أن هذا الطريق هو هدى الله، ليس للجنة طريق إلا هو.

الحادية والثلاثون: التنبيه على أن الهداية إليه بمشيئته، ليظهر العجب وتشكر النعمة.

الثانية والثلاثون: العظيمة التي لم يعرفها أكثر من يدعي الدين، وهي مسألة تكفير من أشرك وحبوط عمله، ولو كان من أعبد الناس وأزهدهم.

ص: 152

الثالثة والثلاثون: ذكره أنه أعطاهم ثلاثة أشياء: الكتاب، والحكم، والنبوة؛ فلا يرغب عن طريقهم إلا من سفه نفسه.

الرابعة والثلاثون: ما في قوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ} [سورة الأنعام آية: 89] إلى آخره، من العبر، والتحريض على الحرص على طلب العلم من طريقهم، وما فيه من النفور من الجهل وتقسيمه.

الخامسة والثلاثون: قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [سورة الأنعام آية: 90] أن دينهم واحد، وأن شرعهم شرع لنا.

السادسة والثلاثون: النهي عن البدع، فإن في التحريض عليه نهيا عن ضده.

السابعة والثلاثون: كون النذير البشير، مع مقاساة الشدائد في ذلك، لم يطلب منا أجرا عليه.

الثامنة والثلاثون: كونه ذكرى، ففيه الرد على من يقرأ بلا تدبر.

التاسعة والثلاثون: قوله: {للعالمين} فيه تكذيب من قال: لا يعرفه إلا المجتهد.

الأربعون: الحصر فيما ذكر. والله سبحانه أعلم.

وقال: قال شيخ الإسلام: هذه تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ:

منها: قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} [سورة الأنعام آية: 109] والآية بعدها، أشكلت قراءة الفتح على كثير، بسبب أنهم ظنوا أن الآية بعدها جملة مبتدأة. وليس كذلك، لكنها داخلة في خبر (أن) .

والمعنى: إذا كنتم لا تشعرون أنها إذا جاءت لا يؤمنون،

ص: 153

وأنا أفعل بهم هذا، لم يكن قسمهم صدقا، بل قد يكون كذبا، وهو ظاهر الكلام المعروف: أنها " أن " المصدرية، ولو كان:{ونقلب} إلى آخره كلاما مبتدأ، لزم أن كل من جاءته آية، قلب فؤاده، وليس كذلك، بل قد يؤمن كثير منهم.

ومنها قوله: {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ} [سورة يونس آية: 66] ، ظن طائفة أن (ما) نافية، وهو خطأ، بل هي استفهام، فإنهم يدعون معه شركاء، كما أخبر عنهم في غير موضع، فالشركاء يوصفون في القرآن بأنهم يدعون، لا أنهم يتبعون، وإنما يتبع الأئمة. ولهذا قال:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [سورة الأنعام آية: 116] ، ولو أراد النفي، لقال: إن يتبعون إلا من ليس شركاء، بل بين أن المشرك لا علم معه، إن هو إلا الظن والخرص، كقوله:{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [سورة الذاريات آية: 10] .

[حكم ما ذبح لغير الله متقربا إليه]

وقال أيضا شيخ الإسلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: الأولى: ما ذبح لغير الله متقربا إليه يحرم ; وإن قال فيه: بسم الله، كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، يتقربون للكواكب ; وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان.

ومن هذا ما يفعله الجاهلون بمكة شرفها الله من الذبح للجن، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "نهى عن ذبائح الجن"، وأيضا ما رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس قال:

ص: 154

"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب، فقال: إني أخاف أن تكون مما أهل لغير الله به ".

وعن عبد الله بن الجارود، قال سمعت الجارود، قال:"كان من بني رباح رجل - يقال لى سحية بن وثيل - شاعر نافر أبا الفرزدق الشاعر بماء بظهر الكوفة، على أن يعقر هذا مائة من إبله إذا وردت الماء. فلما وردت الإبل، قاما إليها بأسيافهما، فجعلا ينسفان عراقيبها. فخرج الناس على الحمير والبغال، يريدون اللحم، وعلي رضي الله عنه بالكوفة. فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وهو ينادي: يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها، فإنها أهل بها لغير الله"، فهؤلاء الصحابة قد فسروا ما قصد بذبحه غير الله.

وقال أيضا، رحمه الله تعالى: ذكر ثلاث مسائل:

الأولى: من ذبح لغير الله فهو مرتد، فيحصل في الذبيحة مانعان.

الثانية: أن ما ذبح لقربان لا يجوز الأكل منه، وإن ذكر اسم الله فيه، بخلاف ما ذبح للحم.

الثالثة: أن معاقرة الأعراب مما أهل به لغير الله، كما ذكر عن علي رضي الله عنه.

وذكر في قول الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [سورة الأنعام آية: 136]، فأعظم الفوائد: كون الجاهلية يجعلون لله نصيبا.

ص: 155

والذي ذكر: أن القبيلة اسمهم خولان، وهم حاضرة وبادية، ولهم صنم، ويجعلون لله بيدرا ولآلهتهم بيدرا، وما طارت به الهواء من الذي لله على الذي للآلهة تركوه، وقالوا: الله غني وهم فقراء، وقال الله تعالى:{سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سورة الأنعام آية: 136] .

وأما أهل زماننا فهم أفضح الزكاة 1 وما كان واجبا عليهم لا يلتفتون له، وأما الذي للشيطان فيحملون قناطير الحديد. وكون أهل الخرج يقولون: يوم البركات تجعل بيدرا، والنذور بيدرا، وكون العلماء يتمنون هذا.

[تفسير قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ]

سأل بعضهم، عن قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام آية: 141] ،

فأجاب: وأما ما ذكرت من قول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام آية: 141]، قال بعضهم: في الزكاة المفروضة، ثم رواه أنس بن مالك. وكذا قال ابن المسيب. وقال العوفي عن ابن عباس، وذلك أن الرجل إذا زرع فكان يوم حصاده، لم يخرج منه شيئا، فقال الله:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام آية: 141] إلى آخره.

وقال الحسن: وهي الصدقة من الحب والثمار، وقاله قتادة وغير واحد. وقال آخرون: هي شيء آخر سوى الزكاة، قال أشعث عن ابن سيرين ونافع، عن ابن عمر في الآية: "كانوا يعطون

1 كذا بالأصل.

ص: 156

شيئا سوى الزكاة"، وعن عطاء: "يعطى من حضر يومئذ ما تيسر، وليست الزكاة". ""

وقال ابن المبارك: عن سالم عن سعيد بن جبير {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام آية: 141] قال: "هذا قبل الزكاة، للمساكين القبضة ; والضغث لعلف الدابة" ; وفي حديث ابن لهيعة عن دارج، عن أبي الهيثم، عن سعيد مرفوعا، في الآية قال:"ما سقط من السنبل" وقال آخرون: "هذا شيء كان واجبا، ثم نسخه الله بالعشر، ونصف العشرة" حكاه ابن جرير عن ابن عباس، وابن الحنفية، وإبراهيم وغيرهم، واختاره - يعني ابن جرير -. وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون ولا يتصدقون كما ذكره في سورة نون ; انتهى النقل من تفسير ابن كثير. فقد علمت كلامهم على الآية، ونقل ابن جرير عن ابن عباس وابن الحنفية وإبراهيم، وهو اختياره: أنها منسوخة، يعني بآية الزكاة.

وأما الاستحباب فلا يخفى، وإنما اختلافهم في الوجوب، فلا ينبغي لمن أعطاه مولاه نعمة أن لا يؤدي حقها، والمال يعتريه حقوق كثيرة غير الزكاة، والله أعلم.

ص: 157