المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة يونس سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، - الدرر السنية في الأجوبة النجدية - جـ ١٣

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌سورة يونس سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن،

‌سورة يونس

سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله، عن قوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سورة يونس آية: 18]، وقال السائل: والرب تبارك وتعالى لا يخفى عليه شيء، وقد قال:{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [سورة العنكبوت آية: 42] .

فأجاب: كلا الآيتين الكريمتين على عمومهما وإطلاقهما يصدق بعضها بعضا؛ فأما آية يونس ففيها الإخبار بنفي ما ادعاه المشركون، وزعموه من وجود شفيع يشفع بدون إذنه تبارك وتعالى، وأن هذا لا يعلم الله وجوده لا في السماوات ولا في الأرض، بل مجرد زعم وافتراء، وما لا يعلم وجوده مستحيل الوجود منفي غاية النفي; فالآية رد على المشركين الذين تعلقوا على الشركاء والأنداد، بقصد الشفاعة عند الله والتقرب إليه.

وأما آية العنكبوت ففيها إثبات علمه سبحانه لكل مدعو ومعبود من أي شيء كان، ولا يخفى عليه خافية; ولا يعزب عنه مثقال ذرة. ففي الأولى نفي العلم بوجود ما لا وجود له بحال، والآية الثانية فيها إثبات العلم بوجود ما عبدوه ودعوه مع الله، من الآلهة التي لا تضر ولا تنفع.

قال ابن جرير رحمه الله، في الكلام على آية يونس:

ص: 209

يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون الذين وصفت صفتهم، الذي لا يضرهم شيئا، ولا ينفعهم في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك هؤلاء الآلهة والأصنام، التي كانوا يعبدونها رجاء شفاعتهم عند الله.

قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سورة يونس آية: 18]، يقول: أتخبرون الله بما لا يشفع في السماوات ولا في الأرض؟ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السماوات ولا في الأرض.

وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم: أتخبرون الله بما لا يشفع في السماوات ولا في الأرض يشفع لكم فيها؟ وذلك باطل لا يعلم حقيقته وصحته، بل يعلم أن ذلك خلاف ما تقولون، وأنها لا تشفع لأحد ولا تنفع ولا تضر. انتهى.

وحاصله: أن النفي واقع على ما اعتقدوه وظنوه من وجود شفيع يشفع وينفع. ويقرب إلى الله؛ وذلك الظن والاعتقاد وهم وخيال باطل لا وجود له; وبنحو ذلك قال ابن كثير، حيث يقول: ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله، وأخبر أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تملك شيئا، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها، ولا يكون هذا أبدا.

ولهذا قال تعالى: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سورة يونس آية: 18] أي: أتخبرونه بما لا وجود له

ص: 210

أصلا، وهو كون الأصنام شفعاءهم عند الله، إذ لو كان ذلك لعلمه علام الغيوب.

وفيه: تقريع لهم وتهكم بهم، وبما يدعون من المحال، الذي لا يكاد يدخل تحت الصحة والإمكان; وقوله:{فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [سورة يونس آية: 18] : حال من العائد المحذوف في يعلم، مؤكدة للنفي؛ لأن ما لا يوجد فيها فهو منتف عادة. انتهى.

وقال العلامة ابن القيم، رحمه الله، في الكلام على هذه الآية: هذا نفي لما ادعاه المشركون من الشفعاء، كنفي علم الرب تعالى بهم المستلزم لنفي المعلوم; ولا يمكن أعداء الله المكابرة، وأن يقولوا: قد علم الله وجود ذلك، لأنه تعالى إنما يعلم وجود ما أوجده وكونه، ويعلم أن سيوجد ما يريد إيجاده، فهو يعلم نفسه وصفاته، ومخلوقاته التي دخلت في الوجود وانقطعت، والتي دخلت في الوجود وبقيت، والتي لم توجد بعد.

وأما وجود شيء آخر غير مخلوق له ولا مربوب، فالرب تعالى لا يعلمه، لأنه مستحيل في نفسه، فهو سبحانه يعلمه مستحيلا لا يعلمه واقعا، ولو علمه واقعا لكان العلم به عين الجهل، وذلك من أعظم المحال؛ فكذلك حجج الرب تبارك وتعالى على بطلان ما نسبه إليه أعداؤه المفترون، التي هي كالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ فإذا وازنت بينهما ظهرت لك المفاضلة إن كنت بصيرا، {ومن كان

ص: 211

في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} انتهى.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: قال شيخ الإسلام رحمه الله: قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى} [سورة يونس آية: 35] : الذي يهدي إلى الحق مطلقا هو الله سبحانه وتعالى، والذي لا يهدي إلا أن يهدى صفة كل مخلوق، وهذا هو المقصود بالآية، فإنه افتتح الآيات بقوله:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ} [سورة يونس آية:31] الآية.

وسئل أيضا الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن، عن قوله تعالى:{وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ} [سورة يونس آية: 66] الآية.

فأجاب: قد أشكل معناها على كثير من المفسرين، فزعموا أن المعنى نفى اتباعهم شركاء، فجعلوا {مَا} نافية، وشركاء مفعول يتبع، أي: لم يتبعوا في الحقيقة شركاء، بل هم عباد مخلوقون مربوبون، والله هو الإله الحق لا شريك له.

وأما ابن جرير رحمه الله، فقرر: أن {مَا} في هذا المحل استفهامية لا نافية، قال رحمه الله: ومعنى الكلام: أي شيء يتبع من يقول لله شركاء في سلطانه وملكه كاذبا؟ والله المتفرد بملك كل شيء في سماء كان أو أرض. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ} يقول: ما يتبعون في قيلهم ذلك إلا الظن، يقول: إلا الشك، لا اليقين {وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} انتهى.

ص: 212

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ظن طائفة أن مَا ها هنا نافية، وقالوا: ما يدعون من دون الله شركاء في الحقيقة، بل هم غير شركاء، وهذا خطأ؛ ولكن مَا ها هنا حرف استفهام، والمعنى وأي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} [سورة يونس آية: 66] .

فشركاء مفعول يدعون لا مفعول يتبع، فإن المشركين يدعون من دون الله شركاء، كما أخبر عنهم بذلك في غير موضع، فالشركاء موصوفون في القرآن بأنهم يدعون من دون الله، ولم يوصفوا بأنهم يتبعون، فإنما يتبع الأئمة الذين كانوا يدعون هذه الآية.

ولهذا قال بعدها: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} ولو أراد أنهم ما يتبعون في الحقيقة شركاء لقال: إن يتبعون إلا من ليسوا بشركاء؛ بل هو استفهام يبين أن المشركين الذين دعوا من دون الله شركاء، ما اتبعوا إلا الظن، ما اتبعوا علما، فإن المشرك لا يكون معه علم مطابق، وهو فيه ما يتبع إلا الظن، وهو الخرص والحزر، وهو كذب وافتراء كقوله:{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [سورة الذاريات آية: 10] .

[ما يستفاد من قوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} ]

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى:

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِين?وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا

ص: 213

لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} [سورة يونس آية: 104-106] .

فيه ثماني حالات:

الأولى: ترك عبادة غير الله مطلقا، ولو حاوله أبوه وأمه بالطمع الجليل والإخافة الثقيلة، كما جرى لسعد مع أمه.

الحال الثانية: أن كثيرا من الناس إذا عرف الشرك وأبغضه وتركه، لا يفطن لما يريد الله من قلبه من إجلاله وإعظامه وهيبته; فذكر هذه الحال بقوله:{وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} [سورة يونس آية: 104] .

الحال الثالثة: إن قدرنا أنه ظن وجود الشرك والفعل منه، فلا بد من تصريحه منه بأنه من هذه الطائفة; ولو لم يقض هذا الغرض إلا بالهرب عن بلاد كثير من الطواغيت الذين لا يبلغون الغاية في العداوة، حتى يصرح بأنه من هذه الطائفة المحاربة لهم.

الحال الرابعة: إن قدرنا أنه ظن وجود هذه الثلاث، فقد لا يبلغ الجد في العمل بالدين; والجد والصدق هو إقامة الوجه للدين.

الحال الخامسة: إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الأربع، فلا بد له من مذهب ينتسب إليه، فأمر أن يكون مذهبه الحنيفية، وترك كل مذهب سواها ولو كان صحيحا، ففي الحنيفية عنه غنية.

الحال السادسة: أنا إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الخمس، فلا بد أن يتبرأ من المشركين، فلا يكثر سوادهم.

الحال السابعة: أنا إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الست،

ص: 214

فقد يدعو من قلبه نبيا أو غيره لشيء من مقاصده، ولو كان دينا يظن أنه إن نطق بذلك من غير قلبه لأجل كذا وكذا، خصوصا عند الخوف، أنه لا يدخل في هذا الحال.

الحال الثامنة: إن ظن سلامته من ذلك كله، ولكن غيره من إخوانه فعله خوفا أو لغرض من الأغراض، هل يصدق الله أن هذا - ولو كان أصلح الناس - قد صار من الظالمين؟ أو يقول: كيف أكفره وهو يحب الدين ويبغض الشرك؟! وما أعز من يتخلص من هذا! بل ما أعز من يفهمه وإن لم يعمل به! بل ما أعز من لا يظنه جنونا! والله أعلم.

سئل الشيخ حسن بن حسين، عن قول جده في ثماني الحالات، كما جرى لسعد مع أمه، ما الذي جرى لسعد مع أمه؟

فاجاب: هو سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المبشرين رضي الله عنهم، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أبي أمية، وقصته معروفة، قال الحافظ الطبراني: حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد، حدثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند، عن سعد رضي الله عنه قال: "كنت بارا بوالدتي، فقالت لي أمي: ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا، أو لا آكل ولا أشرب، ولا أستظل، حتى أموت يا سعد، فتعير بي، ويقال: قاتل أمه. فقلت: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت

ص: 215