الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد اقتضت حكمة الله تعالى ألا يدع عباده يسيرون فى الحياة على غير هدى، ولا أن يتركهم لعقولهم التى قد تغلبها الأهواء فتضل وتغوى، فأرسل إليهم رسلا حدد مهمتهم بقوله:"رسلا مبشرين ومنذرين"(1)، وبين حكمة إرسالهم بقوله:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (2)، وكان فى كل جماعة من الجماعات البشرية الهامة من يرشدها كما قال سبحانه:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (3)، وكان هؤلاء المرشدون من الكثرة بحيث قال الله فيهم:{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ} (4)، على ما تفيده "كم" الخبرية من التكثير، وكفانا مئونة عدهم فقال:
(1) و (2) سورة النساء: 165.
(3)
سورة فاطر: 24
(4)
سورة الزخرف: 6
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (1)، وبين المقصد اللأكبر من "بعثهم فقال:"ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"(2)، فقد وجهوا اهتمامهم أولا إلى إصلاح العقيدة ثم إلى إصلاح ما يرونه فى حاجة إلى إصلاح من السلوك.
ومما لا شك فيه أن البشرية فى تغير دائم ورقى مستمر، وأن المشاكل تزداد تعقدا كلما تعقدت الحياة وكثرت مطالبها، ولهذا كانت النظم والشرائع التى جاءت بها الرسل فى تغير وتطور، ما يصلح منها لجماعة لا يصلح لأخرى كما قال سبحانه:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (3).
والقرآن الكريم حين تحدث عن هذه الرسالات تحدث عنها فى إطار الخصوصية للأمم التى جاءت اليها، فكل رسالة للأمة لا تكلف بها أمة أخرى، وكل شريعة ينتهى عهدها بانتهاء من جاء بها، كما قال سبحانه:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (4).
(1) سورة غافر: 78
(2)
سورة النحل: 36
(3)
سورة المائدة: 48
(4)
سورة الصف: 6
وكانت الإنسانية من عهد بعيد تستعد لطور جديد من الرقى الفكرى والاجتماعى، وإلى رسالة تتناسب مع ما بلغته من نضج ورشد، كما كان العالم قبيل ظهور الإسلام فى حاجة ماسة إلى من يأخذ بيده مما ارتكس فيه من ضلال، والى رسول تقوم دعوته على الأصول الإنسانية العامة التى تتخطى حواجز الجنس والبيئة والزمن والفوارق العارضة الأخرى، وعلى الإصلاح الشامل الذى يأسو كل جراح، ويروى كل ظمأ، ويحل كل عقدة، ويعالج كل مشكلة، وعلى تنظيم دقيق يساعد كل حى على أن يأخذ حقه فى الحياة فى عدالة تامة ومساواة شاملة، وحرية كاملة، وفى ظل من الأخوة والرحمة والمحبة والتعاون، وعلى منهج يصحح العقيدة، ويقوم الفكر، ويصلع الفاسد من السلوك، ويضع قواعد الاجتماع ونظام الحكم على أساس سليم. فكانت رسالة الإسلام، وكان محمد صلى الله عليه وسلم، كانت رسالة الإسلام العامة الخالدة، الصالحة لكل زمان ومكان، وكان محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.
وسأحاول فى هذا البحث أن أجلح فى اختصار بالغ -عالمية الدين الاسلامى، وكيف انتشر نوره، واستفاد العالم من هدايته، وما يجب علينا إزاء الدعوة إليه
فى كل أقطار العالم، تحقيقا لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (1).
والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه، وأن يوفقنا للعمل بما فيه، إنه سميع مجيب، ، ،
عطية صقر
(1) سورة الفتح: 27