الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجبنا نحو الدين العالمى
الآن وبعد أن عرفت أيها القارئ الكريم أن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد التى يحمل خصائص الدعوة العالمية، وأنه الدين الوحيد الذى ختمت به الأديان وصلح لكل تطور فى الحياة البشرية على اختلاف بيئاتها ومستوياتها، وعرفت تاريخ المؤامرات التى حيكت ضده لتحد من نشره أو تشوة من جماله، ومقدار ما تبذله الأديان الأخرى، وبخاصة المسيحية، فى محاولة الانتشار فى العالم على نطاق أوسع، ومقاومة زحف الإسلام الذى يكاد بقوته الذاتية أن يطيح بمخططات الأعداء، وما ينفق فيها من أموال طائلة.
بل إن الأعداء وهم يحملون لواء التبشير العالمى، لم يستحوا أن يبشروا بدينهم فى وسط المجتمع الإسلامي ليحولوا المسلمين عن دينهم ويسلخوهم من شخصيتهم، ورأيت الوسائل الخفية التى وضعوها ليصلوا إلى غرضهم فى غفلة لا يشعر معها الضحية أنه وقع فريسة لهذه الأساليب الدنيئة.
الآن يجب علينا أن نتنبه ونستيقظ ونعرف واجبنا نحو هذا الدين الحنيف، يجب علينا أن نتابع الدعوة إليه، ونزيد من نشاطنا فى هذا المجال، لأنه لا ينبغى أن ينشط الأعداء، مع ما هم عليه من باطل، فى نشر أباطيلهم، ثم نقف نحين ساكتين أو متخاذلين، مع ما نملك من دين عالمى أمرنا بالدعوة إليه على نطاقا واسع، وكنا بالدعوة إليه وإلى كل خير، خير أمة أخرجت للناس.
والمشاهد أنه توجد فى الغرب الآن حركتان قويتان تتصلان بالشرق والإسلام:
(1)
أما الحركة الأولى: فهى الاهتمام بالشرق من أجل غرضين: استغلاله واستعمارة. وهو من أجل ذلك يبحث فى علومه ومعارفه وحضاراته وإمكانياته ومنابع الثروة فيه، ودراسته دراسة وافية ليعرفوا المنافذ إلى استغلاله، والطريق إلى السيطرة عليه، إن لم تكن سيطرة عسكرية أو سياسية فلتكن سيطرة اقتصادية أو ثقافية أو سيطرة من أى نوع آخر.
والناظر فى دراساتهم يعجب لهذا الانتاج أشد العجب حيث توفروا عليها، وجاءتهم الإمدادات والإمكانيات الواسعة، واستطاعوا أن يكتشفوا مناطق مجهولة
لأصحابها، وأن ينشروا كتبا وأبحاثا لم يتنبه المتصلون بها إلى قيمتها، ولم يستطيعوا أن يخرجوا مثلها، حتى صارت الدول الشرقية تتلمذ على هذه الأبحاث والاكتشافات، وكثير من هذه الأبحاث والدراسات خاص بالإسلام والمسلمين.
يقول " د. ج. ريشتر": إن التطور الإسلامي قد أصبح من أكبر الحوادث التاريخية للعصر الحاضر، فيجب تتبعه بأكبر ما يمكن من الانتباه.
وقد أنشئت كراسى فى معظم الجامعات الغربية لهذه الدراسات العربية والإسلامية والشرقية. فلا يجوز للشرق وللمسلمين بخاصة أن يكون غافلا وسط هذا الضجيج العلمى، ولا أن يكون منصرفا عن تراث أو قضية يحشد الغرب لها الحشود الواسعة الضخمة.
(ب) والحركة الثانية: هى البحث عن دين عالمى تطمئن إليه النفس، ويحل المشاكل الداخلية المعقدة، التى لا يستطيع العلم حلها، ذلك لأن العلم على الرغم من تقدمه السريع فى الغرب، لم يستطع أن ينجح إلا فى المسائل المادية.
أما المسائل الأدبية والنواحى الخلقية والفضائل النفسية، فلم يستطع العلم أن يمسها بالتهذيب، فإن
النفوس مما تزال ترتع فى حمأة الحيوانية وتدفع بأصحابها إلى ارتكاب كل ضروب الوحشية، فهى فى حاجة ماسة إلى رادع قوى من أدب عال فوق الوجود المادى الذي أغرقوا فيه.
ولهذا فإن العالم المتمدين أشغل ما يكون بالمصحالة الدينية من جميع نواحيها. وقد مر بك بيان ما تطلبوه من مواصفات للديانة الطبيعية التى ينشدونهما، وأن الإسلام جاء بأحسن منها فى كل مجال من المجالات، والإنسان مهما كان عنده من علم أو معرفة لا يستطيع أن يستغنى عن الدين أبدا بصورة من الصور.
يقول "أوجست سباتييه" فى كتابه "فلسفة الأديان": "لماذا أنا متدين؟ إنى لم أحرك شفتى بهذا، السؤال مرة إلا رأيتنى محفوزا للإجابة عليه بهذا الجواب، وهو: أنا متدين لأنى لا أستطيع خلاف ذلك، فالدين لازم معنوى من لوازم ذاتى، يقولون لى: ذلك أثر من آثار الوراثة أو التربية أو المزاج، فأقول لهم: قد اعترضت على نفسى كثيرا بهذا الاعتراض عينه ولكنى وجدته يقهقر المسألة ولا يحلها، وأن ضرورة التدين أشاهدها بأكبر قوة فى الحَياة الاجتماعية البشرية، فهى ليست أقل تشبثا منى بأهداب الدين
إلى أن قال: فالدين إذًا باق وغير قابل للزوال وهو فضلا عن نضوب ينبوعه بتمادى الزمن، نرى ذلك الينبوع يزداد اتساعا وعمقا تحت المؤثر المزدوج من الفكر الفلسفى والتجارب الحيوية المؤلمة".
ويقول "أرنست رينان" فى كتابه "تاريخ الأديان": "من الممكن أن يضمحل ويتلاشى كل شئ نحبه، وكل شئ نعده من ملاذ الحياة ونعيمها، ومن الممكن أن تبطل حرية استعمال القوة العقلية والعلم والفن، ولكن يستحيل أن يبطل التدين أو يتلاشى، بل سيبقى أبد الآباد حجة ناطقة على بطلان المذهب المادى، الذى يود أن يسود ويحصر الفكر الإنسانى فى المضايق الدنيئة للحياة الترابية".
ونحن لا ننكر أن فى الغرب أيضًا حركة ضد الأديان، ولكنها فى حقيقتها موجة ضد أشكالها الخارجية، لا ضد روحها ومعناها بل للدين الخالص اليوم فى الغرب فى دولة لم تكن فى أى عهد من عهود المدنيات السابقة، فأى دين من الأديان الموجودة يستطيع أن يثبت أنه هو الدين الخالص من التقييدات البشرية، كان هو الدين الذى ينشده العلم وتؤيده الفلسفة.
فإذا كان الغرب يهتم بالبحث عن دين عالمى يتفق مع مقررات العلم، كانت الفرصة سانحة لنبين ذلك للعالم، ليروا فى الإسلام طلبتهم التى ينشدونها من زمن طويل. لهذا كله يجب علينا أن ننشط فى تبليغ الدعوة العالمية، حتى لا تطغى عليها الأديان الأخرى، ونصاب نحن من شررها.