الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان انتشاره فى مبدأ الأمر بين الأفراد وبجهودهم، ولم يدخل بيت الملك إلا فى حكم المغول بفضل الداعية البخارى شمس الدين عمر، الملقب بالسيد الأجل، والذى كان له نفوذ إسلامى عظيم.
كما وصل الإسلام إلى كوريا واليابان، ثم تخطى هذه القارة ووصل إلى استراليا فى القرن التاسع عشر على يد المهاجرين من الهند والأفغان، ويتزعمهم مسلم انجليزى يدعى (بريستلى) الذى أسلم سنة 1947 لتأثره بالإسلام الذى يحترم جميع الأنبياء، ويدعو إلى السلام كما تابع الإسلام زحفه إلى جزر المحيط الهادى، ويوجد الآن فى جزر (فيجى) نحو ثلاثين ألف مسلم.
الدعوة فى الغرب:
بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى فتح عمرو ابن العاص مصر، ورحب أهلها بالفاتحين، وتابع الفتح سيره إلى شمالى أفريقيا وأزال حكم الرومان من قرطاجنة سنة 698 م، وكان من أهاليها الجيش الذى فتح الأندلس سنة 711 م بقيادة طارق بن زياد، ومن هذه الجهة استطاع الإسلام أن ينفذ إلى الجنوب متوغلا فى الصحراء حتى وصل إلى خط الاستواء فى سنين متتالية.
وكان لنشاط الطرق الصوفية أثره فى هذا الميدان، وبخاصة القادرية والشاذلية والتيجانية والسنوسية، وظهرت أسماء كثيرة لامعة فى سماء الدعوة للدين، منها عبد الله بن يس، الذى اتخذ له رباطا فى إحدى جزر السنغال وجعله مركز دعوته، وبث دعاته فأسلمت آلاف من قبيلة (لمتونة)، وما زال يدعو حتى توفى فى سنة 1059 م، وحمل أتباعه المرابطون أمانة الدعوة من بعده، وقويت شوكتهم حتى فرضوا سلطانهم على أسبانيا.
وكذلك ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين، وله جهود طيبة فى نشر الدعوة التى نشطت فى القرن السادس عشر كرد فعل لطرد المسلمين من أسبانيا.
وتحمست قبيلة (لمتونة) و (جداله) من صنهاجة لنشر الدين فى السودان، وكان عهد يوسف بن تاشفين مؤسس مراكش سنة 1063 م وثانى أمراء المرابطين حافلا بدخول الناس فى الإسلام.
وفى سنة 1076 م أسلمت مملكة (غانا) عن بكرة أبيها، وتأسست فى القرن الحادى عشر مدينة (تمبكتو) وصارت مركزا علميا هاما إلى جانب مركزها التجارى.
وكما دخل الإسلام هذه الجهات من الشمال دخلها من الشرق ومن الشمال الشرقى، فدخل من مصر إلى (كانم) عند بحيرة تشاد التى صارت بعد دولة عظيمة، اشتهر من دعاتها (عمر كبا) الذى هدى قبائل (بمبارا) إلى الإسلام فى أوائل القرن العشرين.
وفى القرن الرابع عشر هاجر بعض قبائل العرب من تونس إلى الجنوب حتى وصلوا دارفور، وتزوج أحدهم المسمى (أحمد) بنت ملكها، وتولى الملك بعده، فكانت الدولة الإسلامية التى دامت إلى وقتنا الحاضر.
ومن أشهر الدعاة فى هذه المناطق (عثمان دنفديو) المصلح الدينى فى القرن الثامن عشر، وتابع أولاده الدعوة من بعده، وكان لنشاط أحمد إدريس أثره فى نشر الدعوة بفضل أحد أتباعه وهو محمد عثمان الميرغنى.
ومن أشهر رجال الطريقة الفادرية فى الغرب الحاج (عمر قال) المشهور بعلمه وورعه، وقد توفى سنة 1865 م، وكذلك (أحمد سامورى) الذى جاهد حتى أسره الفرنسيون، وتوفى سنة. 1900 م، وقامت السنوسية بجهد كبير فى نشر الدعوة بطريقة سلمية
آمنة، وأسس محمد بن على السنوسى فرقة دينية للإصلاح، وجعل مركز دعوته (جغبوب) وتوفى سنة 1859 م، بعد أن أسس دولة إسلامية.
وعلى العموم كان الدعاة فى هذه المناطق، كما يقول أرنولد، دعاة ذوى غيرة وحماسة بالغة، ولهذا فمن مصب السنغال حتى لاجوس فى غانا، وفى مسافة تبلغ ألفى ميل، يندر أن تجد مدينة زاهرة ذات أهمية إلا وفيها على الأقل مسجد.
وفى شرقى أفريقيا كانت الدعوة قد وصلت الحبشة أيام الرسول وكثر فيها المسلمون بعد القرن الرابع الهجرى، وزاد عددهم فى القرن الحادى عشر حتى بلغ ثلث السكان تقريبا، ثم كانت حركة "أحمد القرين" فى القرن السادس عشر التى أسلم بسببها الكثيرون وقتله الأحباش بمعونة البرتغاليين سنة 1543 م.
وعلى الساحل الشرقى هاجرت جماعة من الشيعة على رأسهم زيد بن على حفيد الحسين المتوفى 740 م، وجاءت جماعة من منطقة قرب الإحساء بالخليج العربى، وبنو أول مدينة على الساحل هى "مقديشيو" حوالى منتصف القرن العاشر، وصار لها سلطان على كل عرب الساحل حوالى سبعين سنة، حتى قدمت
جماعة أخرى من الخليج العربى وحطوا رحالهم فى (زنجبار) وتتابعت الهجرات حتى جاءت فى القرن الخامس عشر جماعة من حضرموت يدعون إلى الإسلام، فجعلوا (بربرة) مركز دعوتهما، وكانوا نحو أربعة وأربعين، سافر بعضهم إلى (هرر) وهدى كثيرين إلى الإسلام.
توغل المهاجرون داخل أفريقيا، وكونوا مستعمرات إسلامية فيها، ورحبت أوغندة بتجار العرب ترحيبا بالغا، وأنشئت مراكز العملامية فى الكونغو، بفضل التاجر العربى (تيبوتيب) الذى وصل نهر الكونغو فى منتصف القرن التاسع عشر.
وعلى يد هؤلاء التجار دخل الإسلام (نياسالاند) وشق طريقه إلى جنوبى القارة حتى مستعمرة الكاب، بفضل المهاجرين من الملايو الذين جلبهم الهولنديون فى نحو القرن السابع عشر أو الثامن عشر كما جاء إليها يعض الهنود، وكسب الإسلام هناك أكثر مما كسبت بعثات التبشير المسيحية، على الرغم من التفاوت الكبير بين القوتين وكذلك وصل الإسلام إلى مدغشقر وجزر المحيط الهندى.
وكانت أهم العوامل لسرعة تقبل الأفريقيين للإسلام ونجاح الدعوة فيهم ما يأتى: -
1 -
أن كل مسلم يعد نفسه داعيا إلى الله، يرى أن ذلك واجب عليه لا يحتاج إلى ترتيبات وإجراءات خاصة، كالتى يتخذها المبشرون، وقد قال الكاردينال (لافيجرى) إن الدراويش البسطاء والتجار الذين يجوبون تلك الأقطار ينشرون الإسلام أينما حلوا، فيقبل عليهم الناس أيما إقبال، ويعاهدونهم على الإسلام دون أية مقاومة.
3 -
بساطة العقيدة الدينية وسهولة فهمها ويسر تكاليفها الشرعية وملاءمتها بشكل قوى لحال الزنوج وظروفهم.
3 -
اعتقاد الأفريقيين أن المسيحية هى دين البيض المستعمرين، تحمل معها الظلم والاستعباد والتفرقة، والنظرة الساخرة لغيرهم، بخلاف الإسلام دين الرحمة والعدل والمساواة يقول (موريل) فى كتابه عن نيجيريا.
إن الإسلام لا يتطلب من وجهة نظر أهل نيجيريا أن يفقد أحد قوميته، ولا أن يقوض نفوذ الأسرة أو سلطة الجماعة، وليست هناك هوة بين الداعى إلى الإسلام والمهتدى إليه، فلاهما متساويان أمام الله، لا نظريا فقط بل عمليا أيضًا، وينفذ مبدأ التآخى الإنسانى تنفيذا عمليا رائعا، وإن انتشار الإسلام
الذى نشهده اليوم فى نيجيريا الجنوبية ليؤثر بصفة خاصة تأثيرا اجتماعيا عظيما، ويمنح الإسلام من يدخل فيه منزلة أرقى وفكرة أسمى من مكانة الإنسان من العالم المحيط به، ويحرره من ربقة الأحكام والخرافات.
4 -
الداعية المسلم عندما يحل ببلد يعد نفسه مواطنا كبقية المواطنين، يندمج معهم بالمعاملة والمصاهرة والاشتراك فى الخدمات العامة للبلد، ويكونا سلوكه نفسه من أهم العوامل فى جذب الأهالى نحو الدين.
5 -
الإسلام يعلم أتباعه حب الحرية والاعتزاز بالوطن وكراهة المستعمرين، وهذه النغمة محببة إلى كل إنسان، وتتحرك لها عواطفه، ويميل إلى من ينادى بها وإلى الدين الذى يقررها ويدعو إليها.
6 -
كما أن الإسلام يحمل عوامل الرقى والحضارة، ويرتفع بمستوى الأفريقى إلى مكان عال فى الفكر والخلق والعادات. يقول (أرنولد) (1):
إن مجرد الدخول فى الإسلام يدل ضمنا على الترقى فى الحضارة وأنه خطوة جد متميزة فى تقدم القبيلة،
(1) تاريخ الدعوة ص 396
الزنجية عقليا وماديا، وقد اتضح ما "تقدمه حضارة أفريقيا الإسلامية إلى الزنجى الذى دخل فى الإسلام وضوحا يبعث على الإعجاب فى العبارات الآتية:
إن أقبح الرذائل وهى أكل لحوم البشر، وتقديم الإنسان قربانا، ووأد الأطفال أحياء، تلك الرزائل قد اختفت فجأة وإلى الأبد والذين كانوا يعيشون عراة بدءوا يرتدون الملابس، بل يتأنقون فى ملابسهم، والذين كانوا لا يغتسلون بدءوا يغتسلون، بل يكثرون من الاغتسال لأن الشريعة المقدسة تأمرهم بالطهارة.
7 -
وكان لنشاط الجمعيات الدينية الحديثة أثره البارز فى نشر الإسلام فى هذه القارة، ومن أخطرها الجمعية الخيرية الإسلامية بشرقى أفريقيا، التى يشرف عليها الإسماعيليون، فقد أنشأت مساجد ومدارس وكليات وقامت بأعمال كثيرة حببت إليها الألوف من الأهالى، الذين حملوا لواء الدعوة وتوغلوا به فى داخل القارة مسافات بعيدة.
كما كان لإبطال تجارة الرقيق وإنشاء السكك الحديدية وتأمين الطرق أهمية فى يسر الانتقال بالدعوة مع القوافل والتجارة.