الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجد وحده وليس معه غيره يقوم بهذا الواجب، ومثل هذا مثل مسلم وجد فى بلد ليس فيه مسلمون، أو مع جماعة ليس فيهم مسلم كان عليه أن يدعو بالقدر الذى يعرفه ويستطيعه، ولا يفلت أبدا من هذا التكليف.
(ب) منهج التبليغ:
وقد استجاب الصحابة واستجابت الأمة الإسلامية إلى أوامر القرآن وتوجيهات الرسول فنشروا الدعوة بكل ما أوتوا من قوة، بدافع من دينهم فى غير مطمع دنيوى، وفى الإطار الذى رسمه النبي. وكان من أثار هذا النشاط قيام هذه الدولة العظيمة، التى وقفت تتحدى الزمن وتحتل مكان الصدارة فى العالم كله قرونا طويلة.
انطلق أصحاب رسول الله يحملون لواء الدعوة، مجاهدين بالقرآن" وجاهدهم به جهادا كبيرا"(1) داعين إلى الإسلام ومكارم الأخلاق وقواعد العدل والنظام. متسلحين بما يدفع عنهم غائلة المعتدى، ويرفع العقبات من الطريق، ومستهدفين بذلك أن يفتح الله على أيديهم قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما، متمثلين فى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لأن يهدى الله بك رجلًا واحدا خير لك من حمر النعم)(2)، بل
(1) سورة الفرقان 52
(2)
رواه مسلم.
إن حمر النعم التى كان يسيل عليها لعاب العربى من قبل، لم تعد تشغل فكره بعد إخلاصه للواجب لذاته، فلم يغره الريف النضر أن يرتع فيه، ويحط رحاله بين سهوله ووديانه الممرعة فى الشام والعراق ومصر.
وبهذه الروح القوية، وبالأمل الباسم فى إحدى الحسنيين، الشهادة أو النصر، وبالنفسية الطاهرة العفيفة، والارتفاع فوق مستوى الماديات المغرية زحفت الدعوة حتى اتسعت رقعة الإسلام، وتكونت دولة لا تغيب عنها الشمس، حتى أذنت للخليفة العباسى أن يتحدى الغمامة أينما سارت وأمطرت فسيأتيه خراجها.
لقد تلقف الناس الإسلام. لما أنسوا فيه من المبادئ الإنسانية العالية، ولما رأوا فيه من الغذاء الروحى، الذى اطمأنت به عقولهم وسكنت نفوسهم. رأينا الفرس مثلا وقد كان بينهم وبين العرب ما هو معروف من العصبية المتطرفة، يشغلون بعد موقعة القادسية بالدخول فى الإسلام ونشره بين ربوع البلاد، والإقبال على تعلم لغته والتبحر فى علومه، حتى كانت بعد سنوات معدودة تضم أقطاب الإسلام فى الميادين المختلفة.
"وكذلك كان للإسلام فضل كثير فى البلاد التى وصل إليها بعد حدود فارس شمالا وشرقا، إذ أخرج الناس من وثنية منحطة إلى دين هو أرقى ما يمكن أن يتصوره العقل، نالوا بسببه مزايا اجتماعية وأدبية ما كانوا يحلمون بها من قبل.
وفى شمالى أفريقيا الذى كان يرزح تحت نير الاستعمار، نشطت بفضل الإسلام بلاده وعادت أفضل مما كانت عليه.
بل إن الإسلام كان له فضله البالغ على أوربا أيضًا، فقد كانت إلى القرن السابع الميلادى تعيش فى ظلام حالك، من الجهل والفوضى الاجتماعية والسياسية وتحكم رجال الدين فى حياة الناس، فجاء الإسلام وأسس بعض رجاله دولة أسبانيا التى كانت على مثال غيرها من الاستبداد، فمضى المسلمون على سجيتهم فى تأسيس المدارس والمستشفيات ونشر العلم والمدنية واستقبال الوافدين من كل صوب، لينهلوا من معين الحضارة الاسلامية العذب، غير ناظرين إلى أجناسهم أو أديانهم أو لغاتهم، وكما فعل المسلمون فى أسبانيا فعلوا فى صقلية، وصارت مركزا يحج إليه الراغبون فى العلم والمعرفة الصحيحة من كل البقاع. فكان ذلك منبها لأوروبا وحافزا لها على