الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
قوله تعالى: (أنت منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبى بعدى)(1).
وقد بلغ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الدعوة بصفتها العالمية على ما سيأتى بيانه.
الأدلة الذاتية أو العوامل الأساسية لعالمية الدين الإسلامي:
-
إن الأدلة الذاتية على عالمية الدين الإسلامى كثيرة، وقد تعرض الباحثون للحديث عنها، وعنى بعضهم بمجموعة خاصة لأهميتها فى نظرهم، وقد لخص كثيرا، منها المرحوم "محمد فريد وجدي" فقال فيما قال: إن المقومات الأساسية الخالدة للإسلام هى: أنه دين الفطرة وأنه قائم على العقل والبرهان، وأن هناك أصولا أولية يتألف منها دستور علمى يوجه إلى ينابيع الحكمة وهى تنحصر فى هذه الكليات التى أجمعت عليها كل فلسفات العالم، وهى: دوام النظر والتفكير فى الوجود إجمالا، وفى الكائنات التى فيه تفصيلا ودرس أحوال الأمم والاعتبار بها، وتنور نواميس الاجتماع من خلالها، والاستهداء بالأعلام الإلهية المنصوبة فى الوجود لهداية السالكين إلى الحقائق
(1) رواه مسلم.
الخالصة من الشوائب، والتجرد من جميع الصبغ الوضعية ومن الهوى في الحكم على الأشياء، والاجتهاد في تحصيل العلم حيث كان، وعند أية أمة وجد، والأخذ بالأحسن من كل شيء، والعمل بمبدأ حرية البحث وعدم الاستخذاء للتقليد، وعدم الجمود على شيء والجري على سنة التجديد، استبقاء للتناسب بين أهله وبين كل جديد، واعتبار الفضائل وسائل لبلوغ الكمال الذي قدره الخالق للإنسان في هذا العالم، واعتبار وحدة الإنسانية وأن الناس ما انقسموا إلى أمم وشعوب وقبائل ليتخالفوا ويتناكروا، ولكن ليتعارفوا ويتحابوا، وأن باب الاجتهاد في الدين وفي الأحكام مفتوح إلى يوم القيامة، لا تختص به طائفة ولا تستأثر به أسرة.
هذه هي الأصول الأساسية في الإسلام، وكلها كما ترى أصول حاصلة على إجماع أهل العلم والفلسفة في العصر الحديث، وهي مع هذا أصول خالدة قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، وفي كل أمة من أمم الأرض كتب لها السمو وطول البقاء. فهل نعجب بعد هذا البيان من قولنا: إن تعاليم الإسلام خالدة خلود النواميس الطبيعية وأنها تصلح لكل زمان ومكان؟ (1)
(1) مجلة الأزهر: مجلد 9 من 145 - 148.
هذا هو كلام بعض مفكري الإسلام في القواعد الأساسية للدين العالمي، وفلاسفة الغرب ومن يحاولون البحث عن دين جديد للبشرية عامة، وضعوا قواعد لهذا الدين الذي أسموه "الدين الفطري أو الطبيعي". واعتبروها نموذجًا عاليًا لكل دين من الأديان، يقول أحد كبار أشياعها وهو الفيلسوف "كارو" في كتابه "البحوث الأدبية على العصر الحاضر": أصول الديانة الطبيعية هي الاعتقاد بوجود إله مختار خلق الكائنات وعنى بها، وهو متميز عن العوالم الكونية وعن النوع الإنساني، ووجود روح الإنسان متصفة بالإدراك والحرية ومحبوسة في هذا الجثمان المادي أمدا لتبتلى فيه، وهذه الروح تستطيع بإرادتها أن تطهر هذا الجثمان وتنقيه إذا عرجت به نحو السماء، ويمكنها أن تسفله بأخلادها إلى المادة الصماء، والاعتقاد المطلق بسمو العقل على الحس ووضع الحرية الخلقية، التي هي ينبوع وأصل جميع الحريات، تحت سيطرة الاعتدال، وإعطاء الصفات الفاضلة اسمها الحقيقي وهو الامتحان والابتلاء، وتحديد غرضها الصحيح وهو التخليص التدريجي للنفس من علائق الجسم، والتهيؤ لساعة الموت للزهادة وأخيرًا الاعتراف بناموس الترقي ولكن بدون فصل ترقى الإنسان في مدارج
السعادة المادية عن العواطف الفاضلة التي هي وحدها تبرر تلك السعادة (1).
ويقول الفيلسوف "كانت": الديانة الحقة الوحيدة هي التي لا تحتوي إلا على قوانين، أعني قواعد صالحة للجري عليها، نشعر من ذاتنا بضرورتها المطلقة، وتكون مجردة عن الأساطير والتعاليم الكهنوتية (2).
لقد اضطر هؤلاء المفكرون إلى اقتراح الديانة الطبيعية لأنهم لم يجدوها في الديانات القائمة التي تعتمد في الكثير من مسائلها على الشروح والتأويلات التي تعمل فيها الأهواء عملها، ولا تتفق ومقررات العلم، ولا تساير التطور وحاجات البشر في قطاعاتها المختلفة، ولو أنهم نظروا بحق في الدين الإسلامي المأخوذ من منابعه الصافية لوجدوا فيه أسمى دين يريدونه لإسعاد البشرية في الحياتين.
هؤلاء الناس يريدون أدلة على صدق الدين من الدين نفسه، وعلى صلاحيته للعالمية من مبادئه الأساسية. وكل ما يريده هؤلاء وأحسن منه وأكثر موجود في الدين الإسلامي، ولو شئنا لأتينا بكل الأدلة على ما وضعوه من مبادئ، وكان معنى ذلك هو الحديث عن الدين
(1) مجلة الأزهر: مجلد 8 ص 151 ومجلد 11 ص 293.
(2)
مجلة الأزهر: مجلد 10 ص 294.
كله أو معظم ما فيه، وليس مجاله هنا فحسبنا من ذلك إشارات خفيفة لبعض ما جاء فى الإسلام من هذه المبادئ لنبرهن به على عالميته الأصيلة الذاتية.
(1)
إن عالمية الدين، كما قدمنا، تكون إذا كانت شريعته موضوعة لصالح الإنسان من حيث هو إنسان، ومعنى هذا أن تكون شريعة الفطرة التى فطر الله الناس عليها، وقد قال الله تعالى فى شأن الإسلام:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء -تامة الخلق- هل تحسون فيها من جدعاء؟ -مقطوعة الأذن أو الأنف أو ناقصة الخلق -ثم- يقول أبو هريرة راوي الحديث: "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم" (2).
وقال أيضًا "يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء،
(1) سورة الروم: 30.
(2)
رواه البخارى.
فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" أى حولتهم (1).
الفطرة المذكورة فى الآية والحديث هى الجبلة والطبيعة والخليقة الإنسانية الجامعة بين العالمين المادى والروحى، والمستعدة لمعرفة عالم الغيب والشهادة، وما أودع فيها من غريزة التدين المطلق، الذى هو الشعور الوجدانى بسلطان غيبى فوق قوى الكون والسنن والأسباب التى قام بها نظام كل شيء.
والإسلام قد راعى الفطرة فى بناء التكاليف عليها بحيث لا تكون مصطدمة معها، أو مهملة لمقتضياتها المادية والروحية، وفى تقرير الأدلة وسلوك السبل للدعوة وغرس المبادئ، كل ذلك كان مستوحى من الفطرة ومستخدما إياها فى هذا الغرض النبيل.
ففى مبادئ الإسلام ما يشير إليه قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (2). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لبدنك عليك حقا ولربك عليك حقا"(3)، وغير ذلك من النصوص والتشريعات المراعية لطبيعة النفس وحاجات الجسم
(1) رواه مسلم.
(2)
سورة القصص: 77
(3)
رواه البخارى.
ومتطلبات العقل، وفي الدعوة كانت أساليب الترغيب والترهيب، واستعمال وسائل الإيضاح وعوامل التشويق، وترويض النفس بالصبر على البلاء والشكر على الرخاء، وبيان أثر القدوة والاستهواء ومراعاة حكم البيئة وعوامل الوراثة وما إلى ذلك.
وبهذه الميزة كان الإسلام ملائما لجميع الأجناس البشرية، فالفطرة الأصيلة واحدة، وتقبلته النفوس على اختلاف مستوياتها، ومتمشيا مع مطالب الحياة بالقدر الذى يصلحها ويجعل النشاط فيها ينتج انتاجا مثمرا مفيدا.
(ب) ومن قيام الإسلام على العقل. وتكريمه له نرى أن معجزته الكبرى عقلية وهى القرآن الكريم، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من الأنبياء من نبي إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى، وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"(1).
وفى القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو إلى استعمال العقل، فقد تكرر كثيرا قوله تعالى "أفلا تعقلون".
(1) رواه البخارى ومسلم.
وقال: " {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} (1). وقال: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (2). وحرم الإسلام التقليد فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (3).
ونهى عن التعصب للرأي، لأنه اتباع للهوى فقال تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (4).
كما نهى عن اتباع الظن، لأنه لا تقوم به حجة، فقال سبحانه:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (5).
وطالب بالدليل والبرهان فقال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (6).
وامتلأت آيات القرآن بالأدلة الكونية والنفسية فقال
(1) سورة الأعراف: 185
(2)
سورة الحشر: 2
(3)
سورة البقرة: 170
(4)
سورة المائدة: 49
(5)
سورة النجم: 28
(6)
سورة البقرة: 111
سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (1)، وقال {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (2).
وبناء على احترام حكم العقل لا توجد حقيقة دينية مخالفة لحقيقة عقلية، ولا يوجد نص فى القرآن والسنة يتعارض فى حقيقته مع حكم العقل، وإن كان هناك تعارض فهو فى ظاهر النص، ويجب أن يفهم على ضوء العقل، ويؤول بما يوافقه.
وفى احترام الإسلام للعلم لا نرى دينا من الأديان يدانيه فى هذا المقام، والنصوص على ذلك أشهر من أن تذكر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (3)، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (4)، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (5).
(جـ) وفى مجال الحريات جعلها الإسلام عنوانا لتكريم الإنسان الذى قال الله فيه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
(1) سورة آل عمران 190
(2)
سورة الذاريات: 20، 21
(3)
سورة الزمر: 9
(4)
سورة فاطر: 28
(5)
سورة المجادلة: 11
بَنِي آدَمَ} (1). إنه قدس الحرية بكافة ألوانها وفي مجالاتها الحيوية المنتجة، فلا رق ولا تحكم ولا استبداد، قال تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (2)، وقال:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (3).
وقال عمر رضى الله عنه: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟ وهو بهذا التكريم القائم على احترام الحريات كان أهلا لتحمل المسئولية، والمخاطبة بالتكاليف دون سائر المخلوقات، قال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} (4).
(د) وفى وفاء التشريع بكل القطاعات، نرى أن الإسلام قائم على تنظيم جميع العلاقات، بين الإنسان وبين الله، وبينه وبين الناس، وبينه وبين نفسه، فى المجال الاقتصادى والخلقى والثقافى والسياسى وسائر المجالات، مصداقا لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
(1) سورة الإسراء: 70
(2)
سورة البقرة: 256
(3)
سورة الشورى: 38
(4)
سورة الأحزاب: 72
دِينًا} (1) وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (2).
ومما يدل على شمول الهداية للنواحى المادية والأدبية، الدينية والدنيوية، المروحية والبدنية قوله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (3)، فهو دين المدنية والحضارة الصحيحة بكل مظاهرها وألوانها الهادفة إلى صلاح البشرية دينا ودنيا.
(هـ) والإسلام يشتمل على عدة قضايا كليه هى قواعد التشريع الأساسية، يمكن أن تستنتج منها أحكام لكل القضايا، وعلاج لكل المشاكل، وكانت هذه القضايا أساس الاجتهاد فى الشريعة، الذى بمقتضاه وجدت المذاهب الفقهية، وزخرت بالأحكام والتفريعات، التى كانت منها فروض مقدرة الحدوث فى الأزمان المستقبلة، وهذا دليل مرونة الإسلام فى صلاحيته لكل تطبيق تعرف منه الأحكام.
ولعل مما يشير إلى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع
(1) سورة المائدة: 3
(2)
سورة النحل: 89
(3)
سورة الحديد: 25
الكلم، ألفاظا محدودة تعمل معانى واسعة، لأنها مركزة تركيزا يدل على حكمة واضعها، وعلى الغرض الذى من أجله صيغت بهذا الشكل لتكون صالحة لكل زمان تجد فيه حوادث ومشاكل، ولكل بيئة لها ظروفها وعرفها الذى يناسبه نوع خاص من فروع التشريع.
ومن أمثل هذه القواعد الكلية: الضرورات تبيح المحظورات، والتكليف بما يستطاع.
(و) والمساواة فى الإسلام أصل مقرر، ليس أدل عليها من قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1). وفى حجة الوداع قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربى على عجمى، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى"
(ز) وفى العدل آيات كثيرة فى القرآن، منها قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (2)، وقوله:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (3)، وقوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ
(1) سورة الحجرات: 13
(2)
سورة النحل: 60
(3)
سورة المائدة: 8
وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} (1).
وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لشفاعة أسامة فى حد من الحدود حين سرقت الشريفة المخزومية، وبين أن سبب هلاك الأمم السابقة هو التفريق فى القانون والمعاملة بين الأشراف وغيرهم، وأقسم أن فاطمة بنته لو سرقت لقطع يدها (2).
(ح) والإسلام أنصف كل الأديان السماوية، وقرر أن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا آمن بالرسل جميعا، وأولاهم من الاحترام ما يوليه لمحمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (3)، وفى آية أخرى:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (4). وفى الحديث الشريف "الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد"(5).
(1) سورة النساء: 135
(2)
رواه البخارى ومسلم.
(3)
سورة البقرة 136
(4)
سورة البقرة: 285
(5)
رواه مسلم.
(ط) والإسلام دين السلام بحق، القاعدة عنده هى السلم، أما الحرب فهى ضرورة شرعت لرد العدوان وتأمين الحريات، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (1). وقال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (2)، وقال:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (3).
ومظاهر التعايش السلمى وتبادل المنافع بين الأمم دون نظر إلى عقيدة أو مذهب أو غير ذلك أمر معروف فى الإسلام والأدلة عليه كثيرة.
إن هذا الدين الذى فيه كل هذه المقومات العالمية، والتى تنص آياته وأحاديثه على أنه وحده دين البشرية، وتحث على تبليغه ونشره، جدير بأن يفيد منه العالم كله، وأن تبذل جهود ضخمة فى سبيل إذاعته فى كل مكان، وبقاء الدعوة له في كل زمان.
(1) سورة البقرة: 208
(2)
سورة الأنفال: 61
(3)
سورة الممتحنة: 8