الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان شعيب في مدين عند خليج العقبة، وكان موسى الذى ناداه ربه بجانب الطور الأيمن على حدود الجزيرة، وإبراهيم الذى بنى البيت، وإسماعيل الذى رعاه وورثه أولاده من بعده، فهذه الجزيرة بامتداداتها كانت مهبط الوحى منذ القدم، ولها عهد بالرسالات تتابعت فيها على مر العصور.
اللغة العربية وتبليغ الرسالة العالمية:
هناك شبهة واردة على عالمية الدين الإسلامي، وهى نزول القرآن باللغة العربية، كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (1)، وقال:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} (2) وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (3)، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (4).
فالنص على أن القرآن عربى، نزل بهذه اللغة لينذر به النبي، وهى لغة قومه كل ذلك يثير تساؤلا: إذا
(1) سورة يوسف: 2
(2)
سوره فصلت: 44
(3)
سورة الشعراء: 193، 194، 195
(4)
سورة إبراهيم: 4
كان القرآن نزل وبلغ بهذه اللغة، أفلا يدل ذلك على أن الرسالة هى لقومه العرب فقط، لأنهم هم الذين يستطيعون أن يفهموا القرآن ويقوموا بتكاليفه؟ ، وكيف يكلف قوم غيرهم بالإسلام مع أن كتابة لا يفهم بلغة غير العربية، ولا يمكن التعبد به ولا حفظه مع ذلك، وليس من عدل الله أن يطالب أمة، يوم القيامة باتباع رسول لم يأت إليهم، ولا وقفوا على كتاب بلسانهم؟ وقد حكى ابن تيمية هذه الشبهة فى كتابه "الجواب الصحيح"(1).
ويجاب على ذلك بأن جميع الآيات تدل على مجرد وصف القرآن بأنه عربى وليس فيها ما يدل على قصر توجيهه على العرب، بل ذكرت أن الحكمة فى كونه عربيا تيسير فهمه على الناس وتعقل ما فيه وإمكان تذكره وتدبره، ومعنى هذا أن اللغة العربية لون ثقافى فقط لا شأن له فى العصبية والعنصرية، وقد بلغ النبي الرسالة للعرب بلغتهم وهى لغة القرآن، وإلى جانب كون اللغة العربية لغة النبي ولغة بيئته التى نشأ فيها وابتدأ منها دعوته، فإن لها من الميزات على سائر اللغات ما رشحها وجعلها اللغة الرسمية
(1) ج 1 ص 219
الأولى لأعظم رسالة فى الوجود، كما سبقت الإشارة إليه.
لقد بلغ النبي الرسالة إلى العرب بلغتهم، وإلى غيرهم باللغات الأخرى، فكتب للعظماء والملوك بلغته الرسمية كتبا حملها من يستطيع ترجمتها أو تفهيم ما فيها إلى المرسل إليهم بلغتهم أو بوساطة المترجمين كما سبق ذكره، وقوم محمد الذين أرسل إليهم بلسانهم، كما تدل عليه الآية المذكورة آنفا، هم حواريوه والناقلون عنه، المتحملون لدعوته، والمبلغون إياها للناس، فقومية اللغة هنا لا تعنى قومية الدعوة والرسالة، لأنها، كما قلت، لون ثقافى، والثقافة أمر مشاع بين الأجناس وبين البيئات فى كل العصور، ولا يصح أبدا أن تكون اللغة أو اللون الثقافى حاجزا يقسم الناس على أساسه بما يفصم عروتهم، ويطغى على إنسانيتهم الجامعة، وأداة الحصر فى هذه الآية وهى "ما وإلا"، تدل على حصر الرسالة، ولكن على حصر اللسان فى أنه لسان قومه، ولا يلزم من حصر اللغة حصر الرسالة وجعلها للعرب خاصة.
على أن نزول القرآن باللغة العربية ليس فيه صعوبة لفهم الإسلام ومعرفة ما دعا إليه القرآن
والتزام تكاليفه، ذكر ابن تيمية: أن شرط التكليف هو تمكن العباد من فهم ما أرسل به الرسول إليهم، وذلك يحصل بأن يرسل بلسان يعرف به مراده، ثم جميع الناس متمكنون من معرفة مراده بأن يعرفوا ذلك اللسان، أو يعرفوا معنى الكتاب بترجمة من يترجم معناه.
وهذا مقدور للعباد. ومن لم يمكنه فهم كلام الرسول إلا بتعلم اللغة التى أرسل بها وجبه عليه ذلك، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (1).
ثم قال أيضًا: وجمهور الناس لا يعرفون معانى الكتب الإلهية، التوراة والإنجيل والقرآن، إلا بمن يبينها ويفسرها لهم، وإن كانوا يعرفون اللغة. فهؤلاء يجب عليهم طلب علم ما يعرفون به ما أمرهم الله به، ونهاهم عنه. ثم قال: فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بما ينقل عن الرسول تارة المعنى وتارة اللفظ، ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى، والقرآن تجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء. وجوز بعضهم أن يقرأ بخير العربية عند العجز عن قراءته بالعربية. وبعضهم جوزه
(1) ج 1 ص 195
مطلقًا، وجمهور العلماء منعوا أن يقرأ بغير العربية وإن جاز أن يترجم للتفهيم بغير العربية، كما يجوز تفسيره وبيان معانيه (1).
وقد روج هذه الشبهة اليهود والنصارى. ولكن كيف يتملص اليهود والنصارى من العرب من الإيمان بمحمد لنزول القرآن بالعربية، وهم أنفسهم يعرفون بحكم إقامتهم أو اتصالهم البعيد المدى. على أنهم هم قبلوا دين موسى وعيسى مع أن الكتاب الذى نزل على كل منهما لم يكن باللغة العربية، ومع ذلك آمنوا بهما، إما بتعلم لغة التوراة والإنجيل. وإما بنقلهما بطريق الترجمة. وقد ثبت أن هؤلاء اليهود والنصارى جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم فى أمور عرفوها من القرآن. فوسيلة العلم بالرسالة كانت ميسرة بأى نحو من الأنحاء فلا حجة لهم فى التملص من المسئولية.
هذا وقد قال الزمخشرى فى معرض الحديث عن عموم الدعوة الإسلامية، مع نزل القرآن باللغة العربية: لا يخلو إما أن ينزل -القرآن- بجميع الألسنة، أو بواحد منها. فلا حاجة إلى نزوله بجميع
(1) المرجع السابق ص 196
الألسنة، لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفى التطويل، فبقى أن ينزل بلسان واحد، فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول لأنهم أقرب إليه، فإذا فهموه عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر قامت التراجم ببيانه وتفهمه، كما ترى الحال وتشاهدها من نيابة التراجم فى كل أمة من أمم العجم. كما يجب أن يعلم أن فهم كل آية من القرآن ليس فرضا على كل إنسان ولو كان مسلما بل تجب معرفة ما أمر الله به بأية عبارة كانت.