المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جبهات الدفاع عن عالمية الإسلام - الدين العالمي ومنهج الدعوة إليه

[عطية صقر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌معنى عالمية الدين

- ‌الإسلام هو الدين العالمى

- ‌الأدلة النقلية على عالمية الدين الإسلامى:

- ‌الأدلة الذاتية أو العوامل الأساسية لعالمية الدين الإسلامي:

- ‌الأدلة: الواقعية على عالمية الدين الإسلامى:

- ‌الرسول يبلغ الدعوة العالمية

- ‌(أ) أوامر التبليغ

- ‌ومن الآيات المكية حسب ترتيب نزولها ما يأتى:

- ‌(ب) منهج التبليغ

- ‌أولا- فى مكة:

- ‌ثانيا - فى المدينة:

- ‌فى داخل الجزيرة:

- ‌فى خارج الجزيرة:

- ‌المسلمون يبلغون الدعوة العالمية

- ‌(أ) أوامر التبليغ

- ‌(ب) منهج التبليغ:

- ‌الدعوة فى الشرق:

- ‌الدعوة فى الغرب:

- ‌الدعوة فى أوروبا وأمريكا:

- ‌يقول أرنولد:

- ‌هل انتشر الإسلام بالسيف

- ‌جبهات المقاومة لعالمية الإسلام

- ‌المقاومة السياسية:

- ‌المقاومة الفكرية والخلقية:

- ‌جبهات الدفاع عن عالمية الإسلام

- ‌العرب والرسالة العالمية

- ‌اللغة العربية وتبليغ الرسالة العالمية:

- ‌واجبنا نحو الدين العالمى

- ‌منهج الدعوة إلى الدين العالمى

- ‌أولا:

- ‌ثانيا:

- ‌ثالثا:

- ‌رابعا:

- ‌خامسا:

- ‌سادسا:

- ‌سابعا:

- ‌خاتمة

الفصل: ‌جبهات الدفاع عن عالمية الإسلام

‌جبهات الدفاع عن عالمية الإسلام

لقد وجد فى العالم الإسلامى على مر التاريخ رجال تنبهوا إلى مؤامرات العدو فى الحقول السياسية والثقافية والاجتماعية والخلقية وقد تولت الحكومات الإسلامية أمر الصراع فى الميدان السياسي وكان على الشعب أكبر الأعباء فى الدفاع عن الدين فى الميادين الأخرى إلى جانب دفاعهم السياسي بالجهاد.

ألفت الكتب فى الرد على الشبهات فى العقائد، وتخليصها من أوشاب الفلسفة والخرافات الطارئة على الثقافة الإسلامية، وفى تخليص العبادات وأحكام الدين مما دخل عليها من بدع ومنكرات.

وعقدت المناظرات، وأرسلت الكتب إلى الخصوم، وكانت حركة علمية قوية برز فيها الغزالى فى الرد على ما دخل فى العقائد من فلسفة، وفى الدعوة إلى تنقية الدين من الأفكار الخاطئة، وتقويم السلوك على أساس الشريعة الإسلامية، وكان كتابه "إحياء علوم الدين" صاحب دور كبير فى هذا المجال.

وكتب ابن تيمية وابن القيم فى الرد على شبهات أهل الكتاب وفى توضيح مبادئ الدين على أساس

ص: 139

معقول، ونعيا على ما ألصق بالدين فى عقائده وعباداته من بدع وخرافات، ورأيا أن المسلمين بعيدون عن الدين الحقيقى الذى لو عرفوه حقًا، ونفذوه صدقا لما كانوا فى وضعهم المؤلم الذى جعل الأجانب يغيرون عليهم من الشرق والغرب ويتحكمون فى مصير الخلافة.

وجاء محمد بنُ عبدِ الوهاب فكانت دعوته امتدادًا لدعوتهما، وكانت من أقوى الحركات التى عرفت فى القرون الأخيرة، وأبقاها أثرا فى الميدان السياسى والفكرى. كما ظهر فى الهند "شاه ولى الله" الذى عاصر انحلال (امبراطورية المغول) ودعا إلى تطهير الصوفية مما شابها، وقد أصر على أن المسلم الحق يجب عليه ألا يقبل الانحطاط الذى كان سائدا فى عصره وكان يطمع فى إنشاء دولة اسلامية فى الهند على شاكلة دولة المغول ليستعيد المجتمع الإسلامى قوته.

وقد ظهر فى القرن التاسع عشر اتجاهان للإصلاح، أحدهما للإصلاح الداخلى والآخر للإصلاح الخارجى ولمع فى سماء الإصلاح أسماء جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده والكواكبى ومحمد إقبال وأحمد خان.

وكان جمال الدين (1839 - 1897) يمثل المسلم العصرى فى إلمامه بحقائق الدين وبالآراء الحديثة

ص: 140

وربطه بينهما، وكان نشاطه يتجه الاتجاهين معا، وآزر الحركات السياسية فى مصر وإيران وغيرهما، وكان يرى أن الغرب خطير على الإسلام والمسلمين، ولكن لا يفوته الإعجاب بتقدمهم العلمى الذى يجب أن يحتذى، وكان يذكر المسلمين بأنهم وحدهم المسئولون عن مستقبل الإسلام، فكان يخلق فيهم الشعور بالمسئولية، ويحملهم على العمل المتواصل، وبين فى كتابه "الرد على الدهريين" الأمور التى تتم بها سعادة الأمم وهى صفاء العقول من الخرافات، ثم الطموح وعلو الهمة وتعشق الحرية والعزة والكرامة ثم بناء العقيدة على الأدلة الصحيحة والبراهين القوية.

وكان هو الداعية القوى للجامعة الإسلامية للوقوف أمام الغرب المستعمر، وقد لخص "ستودارد" فى كتابه "حاضر العالم الإسلامى" تعاليمه بالنسبة للسياسة الخارجية فيما يلى:

1 -

الدول النصرانية على اختلافها تكيد للإسلام.

3 -

الروح الصليبية كامنة فى نفوسهم ضد الإسلام، فهم لا يعاملونهم أمام القانون معاملتهم لأنفسهم.

ص: 141

3 -

يتذرع الغربيون لاحتلال الشرق بأنهم همج لا يستطيعون إصلاح أنفسهم.

4 -

كل هذا يدعو إلى اتحاد كلمة المسلمين لرفع نير الذل تفهم أسباب رقى الغرب.

ومحمد عبده المتوفى سنة 1905 تتلمذ على أفكار جمال الدين، وأيقن أنَّه لا أمل فى إصلاح المسلمين وتقوية شوكتهم بالوسائل السياسية وذلك لفساد الجو السياسى من حوله فآمن برسالة العلم الدينى، وصرف همه لتحرير الفكر، وتفسير مسائل الدين تفسيرا يطابق العلم الحديث.

وتعاون هو وجمال الدين على رد الشبهات ضد الدين، وعنى هو وزميله "ميرزا محمد باقر" بالتبشير الإسلامى، وكان له حوار مع القس "تيلر" وكذلك كان الكواكبى ينعى على الاستبداد ويدعو إلى الحرية وتغيير الأوضاع الفاسدة بكل الوسائل المشروعة.

أمثال هؤلاء الدعاة والمصلحين كان لهم أثر فى إيقاظ الشعور بالواجب نحو الوطن الإسلامى الذى اختل توازنه الاجتماعى وتحللت عراه الخلقية وضاع كيانه السياسي، ولهذا ألفت جمعيات كثيرة للإصلاح، منها

ص: 142

ما هو سياسى تمثل فى الأحزاب، ومنها ما هو ديني وكان الذين تجمعهم فكرة سياسية لا يهتمون بالدين كمبدأ يقوم عليه الإصلاح، وهذا بالطبع أثر من آثار الاستعمار وتشبع العقول بآرائه وسمومه. ومن كانت تربطهم فكرة دينية كان بعضهم لا يعنى بغير الناحية الدينية البحت القائمة على العقيدة والعبادة، ولا يهم من أمر المسلمين سياسيا واجتماعيا شئ، وهى أشبه بمدارس خاصة تقوم على فكرة معينة، وقد راقب المستعمر نشاط هذه الجمعيات وخشى منها محاولة مزج الدين بالسياسة والخروج بالإسلام عن دائرة العبادة إلى النشاط السياسي والاجتماعى كما كان شأنه فى عصوره الزاهية الأولى.

ولا يجوز أن ننسى أبدا فى مجال الإصلاح، الجامع الأزهر الشريف، الذي خرج القادة والأبطال، ووجه الحركة الفكرية فى العالم الإسلامى زمنا طويلا، واشترك رجاله عمليًا فى الإصلاح الاجتماعى والسياسى والنهوض بالوطن ومقاومة المستعمر والجهر برأى الشعب عند الحاكم والولاة.

يقول السيد رئيس الجمهورية العربية المتحدة فى الحفل الذى أقامه الأزهر سنة 1956 م ابتهاجًا باتفاقية الجلاء وتكريما لرجال الثورة ما نصه:

ص: 143

"وفى هذه المناسبة العظيمة لا يسعنى إلَّا أن أذكر لهذا الأزهر جهاده على مر السنين، فقد حمل الأزهر دائما الرسالة، ولم يتخل مطلقًا عن الأمانة وكافح كفاحا مريرا فى سبيل الحصول على أهداف الوطن، وقاسى رجاله وعذبوا، وقتلوا وشردوا، واقتحم المحتلون الأزهر، فلم يتوان عن المطالبة بحقوق الوطن. واستمر الأزهر يحمل الرسالة حتَّى سلمها للجيش وإلى عرابى. الذى قام متسلحا بروح الأزهر المعنوية، إلى جانب القوات المادية، يطالب بحقوق البلاد وعندما وطئت أقدام المستعمر أرض مصر حاول بكل قواته أن يقضى على رسالة الأزهر، كما حاول القضاء على الجيش وقوته، ورسالته، ورغم هذا استمر الأزهر على مر السنين يكافح".

هذا ويجب أن نلاحظ أن الأزهر الشريف كان وما يزال يمثل الجامعة الإسلامية فى معناها الحقيقى ويبرهن عقليا على أن الإسلام دين عالمى، لأنه يضم من رواد الإصلاح وأساتذة التوجيه فى العالم الإسلامى ما يمثل أكثر من خمسين جنسية فى آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهم يكونون فى ساحة الأزهر وفى معاهده وكلياته هيئة أمم إسلامية، تدل بهذا أن المظهر العملى

ص: 144

على عالمية الدين الإسلامى الذى انضوى تحت لوائه الملايين من الأجناس المختلفة، والذين رأينا من بعضهم تحمسا وغيرة على الدين وشدة تمسك به قد تفوق غيره ممن انبعث نور الإسلام من بينهم. وصاح أول صيحة فى بيئتهم.

إن أروقة الأزهر خلية نحل تموج بهذه الروح الإسلامية التى تنتج نغمة متناسقة من بين قلوب هذه الآلاف الذين تختلف ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم، ولكن لا تختلف أبدا فيهم الروح الإسلامية الجامعة، وهذا من أكبر المظاهر الدالة على عالمية الإسلام، يصح أن يكون لوحة فنية تاريخية تعرض في معارض القرن العشرين دليلا عمليا على هذه الحقيقة.

وإلى جانب هؤلاء المندوبين عن الجنسيات والبيئات والدول المختلفة الذين يعودون إلى بلادهم مصابيح هداية ورسل إصلاح مثلهم فى ذلك مثل الذين يحجون إلى الكعبة من أقطار العالم يتزودون عندهما خير زاد ويعودون بقلوب كلها عزم على استئناف الجهاد فى الحياة على منهج سليم -إلى جانب هؤلاء نرى المسلمين فى أقاصى البلاد ينظرون إلى الأزهر طالبين

ص: 145

بإلحاح أن يمدهم بالكتب والدعاة دليلا على أنَّه ربط بين الخمسمائة مليون فى زوايا الأرض الأربعة برباط العلم إلى جانب رباط الدين.

إن فترة الضعف السياسى والدينى التى مرت بالمسلمين أخيرا ومكنت للعدو منهم هى فترة مؤقتة ليست ضربة لازب، والإسلام ما يزال عالميا فى مبادئه وأصوله، وإن لم يصلح المسلمون فى فترة الضعف أن يكونوا عنوانا له، ومع ذلك فإن الدول الإسلامية فى السنوات القريبة وقد آلمها هذا الكبت الاستعمارى والغزو الفكرى -قامت بانتفاضات قوية ثائرة على، الأوضاع السياسية والاجتماعية الفاسدة، ونال أكثرها استقلالها وبدأ يخطو الخطوات الأولى فى سبيل الإصلاح، إلَّا أن التيارات المتضاربة من حولها بعنف وقوة تحاول أن تؤثر على اتجاهات هذه الانتفاضات.

غير أن النزعة الاستقلالية وجهت كثيرا من هذه الدول لتكون سياسة إصلاحها نابعة من بيئتها وواقع تاريخها ومواريثها الأصيلة، ومن إيمانها برسالتها فى الحياة فى الوقت الذى لا تستطيع أن تعيش فيه منعزلة عن العالم الذى اتصلت أسبابه وتداخلت مصالحه.

ص: 146

ولابد من إيجاد تعاون وتفاهم بين هذه الدول الناهضة، لتشتد أركان نهضتها، وتقوى على مواجهة الأحداث المفاجئة، وقد بذلت جهود كبيرة فى سبيل ذلك تهدف جميعها إلى تحسين أحوال المسلمين فى القطاعات الخاصة والعامة، وفى الداخل والخارج، وهم بذلك يعطون الدليل على ما فى إسلامهم من قوة وحيوية، ومن عزة وسيادة، تلفت أنظار العالم إليه، وتغرينا بالعمل الدائب لتوصيل نوره وهدايته إلى المتعطشين إليه فى جنبات الأرض.

ص: 147