الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لخنق الدعوة الإسلامية، وحصرها فى دائرة ضيقة، والعمل على إضعافها حتَّى تموت. وكان العداء السياسي ظاهرا واضحا فى كثير من هذه الحركات، فاضطر المسلمون إلى خوض معارك طاحنة لحماية عقيدتهم وصيانة حدودهم وتأمين طريق دعوتهم، كما كان هناك عداء دينى وخلقى واجتماعى لهدم الأساس المتين الذى قام عليه بناء الدولة الإسلامية، وجد منافذ إلى قلب المجتمع وأتباعا وأذنابا من الموتورين من الإسلام والعرب لسبب من الأسباب.
المقاومة السياسية:
لقد ظلت الدولة الإسلامية بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، تتابع سيرها، حامية نفسها من الأعداء بالتسلح، حتَّى جاء الطوفان من الشرق يدفعه التتار بجبروتهم، فى وقت كانت الخلافة العباسية فيه أضعف ما تكون عن مقاومته، فسقطت بغداد سنة 656 هـ. وقتل كثير من الفقهاء وعظماء الدولة، وأحرقت قبور الخلفاء، وألقى بالكتب فى دجلة.
ثم أوت الخلافة إلى مصر حيث بايع أهلها سنة 659 المستنصر بالله، ولكنها كانت خلافة صورية لا تستطيع شيئًا. وقد شاء الله أن يرد هؤلاء المغيرين فهزمهم (8)
المماليك في عين جالوت بالشام، في 15 من رمضان سنة 658 هـ.
وكانت من قبل ذلك موجات أخرى قد وفدت من الغرب وعرفت باسم الحروب الصليبية، ظلت تتدافع على الأراضي الإسلامية مدة قرنين من الزمان (1099 - 1254 م). وكان من أبرز الأسماء التى كتبت فى لوحة الشرف اسم صلاح الدين الأيوبي، الذى هزمهم فى حطين، وخلص بيت المقدس منهم فى ليلة الإسراء سنة 583 هـ (1187 م).
وما زال الغرب يضمر الحقد للشرق والإسلام فى شخص صلاح الدين إلى يومنا هذا، ولم يقطعه قول الجنرال "اللنبى" البريطانى عندما دخل بيت المقدس بعد الحرب العالمية الأولى: الآن قد انتهت الحروب الصليبية. ولا قول "جورو" الفرنسي: ها قد عدنا يا صلاح الدين.
وما كانت الحروب الصليبية أبدا، كما قال البابا "أربانوس" الثانى سنة 1095 م، لتخليص المسيحيين من الأذى الذى ألحقه بهم المسلمون، فالإسلام معروف بسماحته التى لا يبارى فيها، ولقد تحدث "هندريك فان لون" فى كتابه "قصة الجنس البشرى"(1) عن
(1) ج 2 ص 79 طبعة الشعب.
سبب قيام الحروب الصليبية، بعد بيان احترام المسلمين لعيسى وسماحتهم مع الأديان الأخرى، وظهور الأتراك السلاجقة الذين حموا البلاد الإسلامية من غارات الدولة البيزنطية واستولوا على آسيا الصغرى، فقال:
إن الامبراطور "الكسيس" استنجد بالصليبيين لحماية القسطنطينية من خطر المسلمين، وبدأ الصليبيون قتالهم وهم يضمرون أشد البغض للمسلمين ثم تغيرت قلوبهم تغيرًا تاما بعد ذلك واحتقروا الروم فى الدولة البيزنطية الذين كانوا يخدعونهم ويخونون دعوة الصليب فى كثير من الأحيان، وبدءوا يقدرون خصال أعدائهم المسلمين، الذين أثبتوا أنهم ذوو مروءة وخصوم أشراف، والحق أن الحروب الصليبية التى بدأت فى صورة حملة لتأديب الأتراك السلاجقة أصبحت منهجا ثقافيا عاما يعلم الملايين من شباب أوروبا معنى الحضارة.
وقد تعرض الإسلام لمحنة أخرى فى الأندلس، ذلك المعقل الذى ظل يؤدى رسالته نحو ثمانية قرون، فقد أمر الكاردينال "اكسيمنس" أعدى أعداء العرب والإسلام، سنة 1511 م بإحراق كتب العربية، والمصاحف المحفوظة فى ميادين غرناطة، ثم تولى ديوان التحقيق الدينى إبادة كل أثر للمسلمين، إذ
لولا ذلك لزحف الإسلام على أوربا، وسادت اللغة العربية فيها، وكان الحكم للمسلمين عليها.
وعندما ظهرت قوة الإسلام مرة أخرى، بعد طعنات التتار والصليبيين والأسبان، بقيام الدولة العثمانية التى تقدمت بفتوحها حتَّى أسوار فيينا، تحركت العداوة مرة ثانية فى قلوب الأعداء، وحيكت المؤمرات للقضاء عليها.
ومن أهم هذه المؤامرات مؤامرة "طرابزون" التى أحبط كل مخططاتها "محمد الفاتح". ولما رأى البابا أن حيله لم تفلح فى قتال الأتراك أراد أن يدخل محمدا الفاتح فى النصرانية، فكتب له بذلك سنة 1463 م، ولما لم يفلح استعان بجمهورية البندقية على قتال الأتراك، وأذاع نداء إلى الحرب المقدسة فى 33 من أكتوبر سنة 1463 م وباع فى سبيل ذلك صكوك الغفران لإغراء المسيحيين على الحرب، غير أنَّه توفى قبل أن ينفذ خطته، وذهبت جهوده أدراج الرياح.
وظلت الضغينة مالئة قلوب الغرب المسيحى على هذه الدولة محاولين بكل وسيلة القضاء عليها، وكان من مظاهر ذلك "المسألة الشرقية" التى تستهدف محوها وتوزيع ممتلكاتها.
وقد تحالفت على الضعف والخلل على الدولة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، فانهزمت جيوشها فى ميادين عدة وكثرت ديونها حتَّى أعلنت إفلاسها سنة 1874 م، وكانت الامتيازات، وتدخل الدول ثم تقسيم أملاكهما بين المستعمرين.
كان لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح سنة 1498 م أثره السيئ واقتصاديات البلاد العربية والإسلامية، وكانت الكشوف الجغرافية ممهدة للاستعمار والاستغلال، كما كانت ممهدة للتبشير بالمسيحية ولتكوين الشركات الاستغلالية التى جاء على أثرها الاستعمار.
وقد انتابت أوروبا فى القرن التاسع عشر حمى الاستعمار، ونكب العالم الإسلامى به، وتوزع بين أعدائه الذين أجمعوا على إضعاف الدين واستغلاله لمصالحهم.
استولى الروس على بلاد التركستان ذات الشهرة الإسلامية العظيمة، وعلى القوقاز وشمالى إيران، وتنازلت لهم إيران عن جورجيا وأرمينيا سنة 1828 م. واستعمرت انجلترا الهند سياسيا عندما ألغت امتياز شركة الهند الانجليزية سنة 1858 م.
ودخلت أصابع الاستعمار العالم العربى، فكان من أول التدخل حملة فرنسا على مصر سنة 1798 م. وكان التدخل بالديون التى فتح بابها محمد سعيد (1854 - 1863 م) وبامتياز قناة السويس، ثم بالاحتلال سنة 1882 م. وكانت الدولة العثمانية فى ضعف دعا إلى قيام حركات انفصالية فى مصر وسوريا وغيرهما.
واحتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 م، وتونس سنة 1882 م، وأطلقت يدها فى مراكش بمقتضى معاهدة بينها وبين الإنجليز سنة 1904 م، وأعلنت حمايتها عليها سنة 1912 م.
وكان نفوذ الانجليز فى السودان الذى أخلاه المصريون (1884 - 1885 م) وبعد انتهاء أزمة فاشودة سنة 1899 م، واحتلت عدن وما جاورها سنة 1839 م، وكذلك احتلت إيطاليا طرابلس سنة 1911 م، وتخلت عنها تركيا سنة 1912 م.
وبعد الحرب العالمية الأولى تقرر، فى مؤتمر (سان ريمو) فى مايو سنة 1920 م، الانتداب البريطانى على العراق وفلسطين، والفرنسى على سوريا، التى انقسمت إلى سوريا ولبنان، وتقرر إقامة إمارة عربية فى شرقى والأردن خاضعة للانتداب البريطانى.
كان من أسوأ آثار الاستعمار إضعاف شوكة الإسلام وإبعاده عن مجال الحيال السياسية، وحصره فى دائرة ضيقة، بعيدًا عن المجتمع، تطبيقا لمبدأ "فصل الدين عن الدولة"، ولقد كانت شروط الصلح مع تركيا فى مؤتمر "لوران"، سنة 1923 م المعروفة بشروط "كيرزون" الأربعة دليلا على نوايا الاستعمار السيئة ضد الإسلام وهى:
1 -
قطع كل صلة بالإسلام.
3 -
إلغاء الخلافة الإسلامية.
3 -
إخراج أنصار الخلافة والفكرة الإسلامية من البلاد.
4 -
اتخاذ دستور مدنى بدلا من دستور تركيا القديم المؤسس على الإسلام.
كما كان من آثار الاستعمار الوقوف أمام كل حركة إصلاحية على أساس الدين، ومن ذلك مقاومتهم لحركة "تيبوتيب" فى الكونغو، وحركة "رابح ابن الزُّبَير" فى السودان، وكذلك حركة "عمر تال"، "أحمد سامورى"، "عثمان دنفديو" وغيرهم.
وكان من أثر الاستعمار أيضًا تفتيت الوحدة الإسلامية بخلق الفتن والمشاكل وقيام الأحزاب وإحياء
القوميات المحلية للحيلولة بها دون قيام جامعة إسلامية عامة، وليشغل المسلمون بعضهم ببعض.
يقول "لورانس براون": الخطر الحقيقى كامن فى نظام الإسلام، وفى قوته على التوسع والإخضاع، وفى حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربى.
وإذ اتحد المسلمون فى امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا، وأمكن أن يصبحوا نعمة له أيضًا، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا قوة ولا تأثير. (1)
وكان من عوامل تفتيت وحدة المسلمين دعوتهم إلى التمكين للجهات المحلية كمظهر من مظاهر الاعتزاز بالقومية، وعدم الالتزام بالعربية وقواعدها، وقد عقد فى دمشق سنة 1956 م المؤتمر الأول للمجامع اللغوية العلمية تحت إشراف اليونسكو، ألقيت فيه محاضرات كثيرة تمجد العامية، وتدعو إلى تبديل الخط العربى وقواعد النحو والصرف والبلاغة وهذا الدعوات الهدامة وأمثالها تقوم باسم التجديد والتطوير وهى دسيسة للعالم الإسلامى، وتفكيك لأوصاله.
(1) مجلة الأزهر مجلد 31 ص 398، 399.
يقول "أمري ريفر" فى كتابه "قصة الإسلام": فالوحدة التى احتفظ بها القرآن قرونا بين الشعوب الإسلامية المختلفة الأصول قد ذهبت وصار الشعب الإسلامى قوميات شتى، فدعاة الجامعة التركية يرمون إلى توحيد فروع معينة من الجنس التركى ودعاة الجامعة العربية يشيرون باتحاد الشعوب العربية، ويقول المسلمون فى الهند إننا هنود أولا ومسلمون بعد ذلك، وقد نسى الجميع الصبغة العالمية التى كانت أساس الدين الإسلامى العظيم.
جاء مع الاستعمار إطلاق يد التبشير فى البلاد الإسلامية بوسائله المتعددة، من مدارس ومعاهد وجامعات وملاجئ ومستشفيات، وأفلام وصحافة وإذاعة ودور نشر وندوات ومؤتمرات وما شابه ذلك.
ومما يدل على خطر هذه المدارس على استقلال الشعوب ما قررته اللجنة التى ألفها مؤتمر "ونبرج" التبشيرى، فقد جاء فى القرار ما يلى: اتفقت آراء سفراء الدول الكبرى فى عاصمة تركيا على أن معاهد التعليم الثانوى التى أسسها الأوروبيون فى البلاد الإسلامية كان لها تأثير على حل المسألة الشرقية، يرجح على تأثير العمل المشترك الذى قامت به دول
أورويا كلها كما نقله مسيو "لوشاتلييه" فى كتابه "الغارة على العالم الإسلامى" ص 72 (1).
كما يدل على خطر التبشير أيضًا على استقلال الشعوب قول بلفور صاحب الوعد المشئوم لليهود ضد العرب: إن المبشرين هم ساعد جميع الحكومات المستعمرة وعضدها فى كثير من الأمور الهامة، وكان بلفور نفسه رئيس شرف للجنة تبشيرية.
يقول "كالهون سيمون" القس، مفصحا عن رغبة التبشير القوية فى تفريق المسلمين، "التى عبر عنها "لورانس براون" فيما تقدم: إن الوحدة الإسلامية تجمع أمال الشعوب السود، وتساعدهم على التخلص من السيطرة الأوروبية، ولذلك كان التبشير عاملا مهما فى كسر شوكة هذه الحركات، ذلك لأن التبشير يعمل على إظهار الأوروبيين في نور جديد جذاب، وعلى سلب الحركة الإسلامية من عنصر القوة والتمركز فيها "كتاب التبشير والاستعمار".
إن المبشرين ينفسون عن الهزائم الصليبية التى منيت بها المسيحية كما يقول اليسوعيون: ألم نكن نحن ورثة الصليبيين، أو لم نرجع تحت راية الصليب
(1) مجلة الأزهر مجلد 24 ص 976
لنستأنف التسرب التبشيرى والتمدن المسيحى ولنعيد فى ظل العلم الفرنسى وباسم الكنيسة مملكة المسيح؟ (1)
ومن أخطر المبشرين فى القرن العشرين دكتور "صمويل زويمر"، الذي توفى سنة 1952. وكان لا يجادل المسلمين بالبرهان، بل يجئ لهم من الناحية العاطفية، كبيان أن تأخرهم أساسه الإسلام، وقد عقد مؤتمرًا فى القاهرة سنة 1906 م لتنسيق جهود المبشرين على اختلاف طوائفهم، مع أنَّه بروستانتى، لكنه يحاول توحيد كل جهود المسيحية للغارة على الإسلام.
كما لجأ الاستعمار إلى حيلة أخرى بجانب التبشير، وهى العمل على إضعاف الشخصية الإسلامية أو القضاء عليها وإذابتها في شخصيات أخرى، والحد من التعصب لها، ومن الحفاظ على مقدساتها، وفسح المجال للأديان الأخرى أن تشق طريقها إلى أذهان المسلمين وتتكيف بها أعصابهم وأحاسيسهم، وذلك عن طريق المؤتمرات والندوات واللجان والجمعيات والمراكز والمؤسسات التى ينشئونها بعناوين خداعة.
وقد كثرت فى المجتمع الإسلامى الكتب المترجمة عن الفكر الأوربى والأدب الأمريكى، وفيها أمور فى غاية
(1) التبشير والاستعمار ص 117
الخطورة على العقيدة والسلوك، تعرض بوسائل مغرية جذابة، وسيجئ له نموذج بعد، وغزت الأفلام الأجنبية حقل السينما العربية والإسلامية وفيها سموم كثيرة.
والمجتمع الإسلامى، وإن كان فى حاجة إلى خبرة الغرب، إلَّا أنَّه ليس فى حاجة إلى استيراد عقيدته وقواعد سلوكه وأخلاقه، التى تدل الأمارات على أنَّها ستؤدى إلى تدمير حضارته فى وقت قريب، إننا فى حاجة إلى مواد بناءة لا هدامة، والاختيار يحتاج إلى عقل واع وخبرة واسعة ونظرة بعيدة.
إن جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكية التى يعمل "هو بكنز" نائبا لرئيسها، عقدت مؤتمرات فى "بحمدون" بلبنان سنة 1954 م، قاطعته شخصيات كثيرة من المسلمين وغيرهم معلنة بها ليست فى حاجة إليه، ففى الإسلام مثل عليا لا يدانيها ما يقرره المشرفون على المؤتمرات من المبشرين و "هو بكنز" هذا كان قسيسا ومنتسبا لطائفة "المتيودليت" وله نشاط سياسى لصالح أمريكا وبريطانيا.
إن عناوين هذه المؤسسات وهذه المؤتمرات عناوين براقة خلابة وهى تعطى الفكرة السامة فى قالب حلو