الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون يبلغون الدعوة العالمية
(أ) أوامر التبليغ
ومع كون الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا بالتبليغ، وقد بلغ فقد أمر أمته بمتابعة تبليغ الرسالة وحمل الأمانة من بعده، وكان لابد من هذا التبليغ العام لأن الرسول ليس مخلدا والسنوات التى عاشها لا تكفى لأداء هذه المهمة تفصيلا، فحسبه أنه رسم الطريق وأقام المنارات ووجه وأرشد وبين ووضح. لقد غرس النبتة وترك لأصحابه متابعة رعايتها بإمدادها بأسباب القوة، وصد الأذى عنها وتكثيرها عن طريق الأخذ منها بأية طريقة ممكنة، لتصبح أرض البشرية كلها خضراء تنعم بالظل الوارف والثمر الشهى وتستمد كل أسباب الحياة.
وأوامر التبليغ كثيرة منها:
1 -
قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} " (1).
(1) سورة آل عمران: 104
وقد قال العلماء فى تفسيره: إن معنى "من" التبعيض فالذين يتولون مهمة الدعوة بعض الأمة والوجوب عليها كفائى، وهذا البعض هو من يصلح للدعوة من حيث العلم بها وحسن عرضها، أما غيرهم فلا حرج عليهم. وقال بعضى المفسرين: إن "من" هنا للتجريد، على معنى فلتكونوا أمة تدعو إلى الخير، وهو وإن كان خطابا للمجموع يصح أن يراد به الجميع، على معنى أن كل إنسان يستطيع أن يدعو بالقدر الذى يعرفه وبالوسيلة التى تمكنه كان عليه أن يدعو، ليكون طابع الأمة هو الدعوة إلى الخير، وذلك جوهر الرأى العام الناضج القائم على الفقه والوعى الكامل والغيرة على إشاعة الخير والتمكين للحق.
فالعامة من الناس يدعون إلى القضايا والأحكام الواضحة السهلة، والخاصة منهم مكانهم عند الجدل والمناقشة ذات المستوى العالى، وكل هؤلاء لا بد أن يحسنوا عرض الفكرة، حتى لا يحصل رد فعل يسئ إليها، وهو ما بينه الله لنبيه بالحكمة والموعظة الحسنة.
والذين يقومون بالدعوة خارج المجتمع الإسلامى جماعة مخصوصون، لا يجوز أن يخرجوا جميعا،
وإلا خلت الديار منهم وتعطلت المصالح الداخلية، فالدعوة فى الخارج كالجهاد، بل هى جهاد يقوم به بعض المسلمين ويبقى الآخرون، للأعمال الأخرى، قال تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1) قال فيها بعض المتفقهين إن النافرين هنا هم المجاهدون والمتفقهين هم الباقون مع الرسول ليتلقوا عنه العلم ويبلغوه إلى المجاهدين عند عودتهم.
2 -
ومن أوامر التبليغ قول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه)(2).
3 -
وقوله: (نضر الله امرأ سمع منى شيئًا فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع)(3) وجاء فى بعض رواياته "فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
4 -
وقوله: "اللهم ارحم خلفائى" قلنا يا رسول
(1) سورة التوبة: 122
(2)
رواه البخارى ومسلم.
(3)
رواه أبو داود والترمذى وقال حسن صحيح.
الله: ومن خلفاؤك؟ ، قال (الذين يأتون من بعدى يروون أحاديثى ويبلغونها الناس)(1).
5 -
وقوله: (بلغوا عنى ولو آية، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)(2).
هذا إلى جانب الآيات الكثيرة التى تدل على فضل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وترغب فى دلالة الغير على الهدى وأن للدال مثل أجر الفاعل، وأن رجلًا واحدا يهديه الله على يد إنسان خير له من حمر النعم.
وأن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، كما رواه الحاكم وصححه، وما ورد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) حديث حسن ذكره القسطلانى.
وقد قال العلماء: إن تبليغ الدعوة واجب، وأجمعوا على ذلك. غير أنهم قالوا: إنه واجب وجوبا كفائيا، بمعنى أنه إذا قام به البعض سقط الطلب عن الباقين، وهو واجب وجوبا عينيا لمن
(1) رواه الطبرانى.
(2)
رواه البخارى.