الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهرُ والإسرارُ في الصَّلوَاتِ الخَمْسِ وغَيْرِها
وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في صلاة الصبح، وفي الركعتين الأُوليَين من
المغرب والعشاء، ويسر بها في الظهر والعصر، والثالثة من المغرب،
والأُخْرَيَيْنِ من العشاء (1) .
وكانوا يعرفون قراءته صلى الله عليه وسلم فيما يُسِرُّ به - باضطراب لحيته (2) ،
(1) وقد ذكر النووي في " المجموع "(3/389) إجماع المسلمين على ذلك كله بنقل
الخلف عن السلف، مع الأحاديث الصحيحة المتظاهرة على ذلك.
قلت: وسيأتي بعضها في (ما كان يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصلوات) ، وممن نقل الاتفاق على
ذلك: ابن حزم في " مراتب الإجماع "(33) ، وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية. {وانظر
" الإرواء "(345) } .
(2)
ذكر ذلك جمع من الصحابة؛ منهم: خَبّاب بن الأَرَتّ. كما قال أبو معمر
عبد الله بن سَخْبَرة قال:
ساءلنا خبّاباً: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قال: قلنا: بأي
شيء كنتم تعرفون؟ قال: باضطراب لحيته.
أخرجه البخاري في " صحيحه "(2/184 و 195) وفي " جزئه "(25) ، وأبو داود
(1/128) ، وابن ماجه (1/274) ، والطحاوي (1/123) ، والبيهقي (2/37 و 54
و193) ، وأحمد (5/109 و 112 و 6/395) ، والطبراني في " الكبير " من طرق عن
الأعمش: ثني عمارة عنه.
ومنهم: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال الإمام أحمد (5/371) : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن (وفي الأصل: ابن. وهو تحريف) أبي الزَّعراء عن
أبي الأحوص عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:
..............................................................................
كانت تعرف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر بتحريك لحيته. قال الهيثمي (2/115) :
" رواه أحمد، ورجاله ثقات ".
وأقول: إسناده صحيح. رجاله رجال مسلم، غير أبي الزَّعراء هذا - واسمه: عمرو
ابن عمرو الجُشمي -، وهو: ثقة - كما في " التقريب " -.
وقد أخرجه الطبراني في " الكبير " في (مسند عبد الله بن مسعود) من طريق زيد بن
الحريش: نا عبد الرحمن بن مهدي: نا سفيان عن أبي الزعراء عن أبي الأحوص عن
عبد الله به وزاد:
والعصر.
وزيد بن الحَريْش: في " اللسان ":
" قال ابن حبان في " الثقات ": ربما أخطأ. وقال ابن القطان: مجهول الحال. وذكر
ابن أبي حاتم في الرواة عنه إبراهيم بن يوسف الهِسِنْجَاني ".
قلت: وممن روى عنه عبدان بن أحمد الأهوازي - وهو راوي هذا الحديث عنه -،
وابنه أحمد بن زيد، وجعفر بن معدان الأهوازي - وهما من شيوخ الطبراني في " معجمه
الصغير " (ص 13 و67) -.
ومنهم: زيد بن ثابت. فيما أخرجه البخاري في " جزئه "(25) ، وأحمد (5/182
و186) ، والطبراني في " الكبير " من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال:
تمارَوْا في القراءة في الظهر والعصر، فأرسلوا إلى خارجة بن زيد فقال: قال أبي:
قام - أو كان - رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القيام، ويحرك شفتيه، فقد أعلم أن ذلك لم
يكن إلا لقراءة؛ فأنا أفعل ذلك.
وهذا إسناد حسن بما قبله. وكثير بن زيد فيه كلام كثير.
وبإسماعه إياهم الآية أحياناً (1) .
وكان يجهر بها أيضاً في صلاة الجمعة، والعيدين (2) ،......................
قال الحافظ:
" فيه الحكم بالدليل؛ لأنهم حكموا باضطراب لحيته على قراءته، لكن لا بد من
قرينة تُعَيِّن القراءة، دون الذكر والدعاء مثلاً؛ لأن اضطراب اللحية يحصل بكل منهما،
وكأنهم نظروه بالصلاة الجهرية؛ لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء،
وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة: كان يُسمِعنا الآية أحياناً. قوي الاستدلال. والله أعلم ".
(1)
هو من حديث أبي قتادة الآتي في (قراءة الظهر)[ص 457] .
(2)
سيأتي ذكر الأحاديث الواردة في ذلك في (قراءته صلى الله عليه وسلم في الجمعة) ، و (في
العيدين) . وقد نَقَلَ إجماعَ الأمة على الجهر في الجمعة ابن حزم في " مراتب الإجماع "
(ص 33) ، وفي العيدين النووي في " المجموع "(5/18) .
وقد أخرج الدارقطني (189) من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين وفي الاستسقاء.
وعبد الله بن نافع: ضعيف.
وعن الحارث عن علي قال:
الجهر في صلاة العيدين من السنة. قال الهيثمي (2/204) :
" رواه الطبراني في " الأوسط ". والحارث: ضعيف ".
قلت: ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " - كما في " نصب الراية "(2/219) - قال:
أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بمعناه.
وفيه ضعف وانقطاع - كما في " المحلى "(6/83) -، لكن يقوي الحديثين الإجماعُ
المذكور.
والاستسقاء (1) ،.............................................................
(1) فيه حديث عبد الله بن زيد قال:
خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجَّه إلى القبلة يدعو، وحوّل رداءه، ثم صلى
ركعتين؛ جهر فيهما بالقراءة.
أخرجه البخاري (2/412) ، وأبو داود (1/181) ، والنسائي (1/226) ، والترمذي
(2/442) - وقال: " حسن صحيح " -، والدارقطني (189) ، والطحاوي (1/192) ،
والطيالسي (148) ، وأحمد (4/39 و 41) .
وله شاهد من حديث ابن عباس.
رواه الطحاوي وغيره.
وسنده جيد. وقد قال النووي في " شرح مسلم ":
" إنهم أجمعوا على استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء ". قال الحافظ:
" ونقل ابن بطال أيضاً الإجماع عليه ".
واعلم أن ابن القيم ذكر في " الزاد "(1/179) أنه صلى الله عليه وسلم:
قرأ في الركعة الأولى من الاستسقاء بعد {الفَاتِحَة} : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الأَعْلَى} ، وفي الثانية:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ} .
وهو حديث ضعيف؛ في إسناده محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري، وهو:
متروك، وقال النووي (5/73) :
" حديث ضعيف ". وكذلك ضعفه الذهبي في " التلخيص ".
ولعل ابن القيم اغتر بتصحيح الحاكم له؛ فقد أخرجه في " المستدرك "(1/326)
- وكذا الدارقطني (189) - من هذا الطريق، ثم قال:
" صحيح الإسناد ". فتعقبه الذهبي بضعف عبد العزيز [والد محمد] هذا.
والكسوف (1) .
(1) رواه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته.
الحديث أخرجه البخاري (2/439 - 440) ، ومسلم (3/29) ، والنسائي (1/222)
عن عبد الرحمن بن نَمِر: أنه سمع ابن شهاب يخبر عن عروة عنها به.
وأخرجه أبو داود (1/186) ، والدارقطني (188) ، والحاكم (1/334) عن
الأوزاعي.
والترمذي (2/452) ، والطحاوي (1/197) عن سفيان بن حسين.
والطحاوي، وأحمد (6/65) عن عقيل.
والطيالسي (206) ، وأحمد (6/76) عن سليمان بن كثير؛ أربعتهم عن ابن
شهاب به بلفظ: الكسوف.
والمراد به: كسوف الشمس - قطعاً -؛ بدليل رواية سليمان بن كثير عند أحمد بلفظ:
خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم المصلى؛ فكبَّر، وكبَّر
الناس، ثم قرأ، فجهر بالقراءة
…
الحديث. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". والحاكم:
" صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. قال الحافظ بعد أن ذكر
هذه الطرق:
" وهذه طرق يَعْضُدُ بعضها بعضاً، يفيد مجموعها الجزم بذلك؛ فلا معنى لتعليل
من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره، فلو لم يرد في ذلك إلا رواية الأوزاعي؛
لكانت كافية، وقد ورد الجهر فيها عن علي مرفوعاً وموقوفاً.
..............................................................................
أخرجه ابن خزيمة وغيره، وقال به صاحبا أبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن
خزيمة، وابن المنذر، وغيرهما من محدثي الشافعية، وابن العربي من المالكية.
وقال الأئمة الثلاثة: يسر في الشمس، ويجهر في القمر. واحتج الشافعي بقول ابن
عباس:
قرأ نحواً من سورة {البَقَرَة} . لأنه لو جهر؛ لم يحتج إلى تقدير.
وتُعُقِّبَ باحتمال أنَ يكون بعيداً منه، لكن ذكر الشافعي عن ابن عباس:
أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف، فلم يسمع منه حرفاً.
ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية، وعلى تقدير صحتها؛ فَمُثبِتُ الجهر
معه قَدْرٌ زائد؛ فالأخذ به أولى، وإن ثبت التعدد؛ فيكون فعل ذاك لبيان الجواز. وهكذا
الجواب عن حديث سَمُرة عند ابن خزيمة والترمذي:
لم يسمع له صوتاً. وإن ثبت؛ لا يدل على نفي الجهر. قال ابن العربي:
" الجهر عندي أولى؛ لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب، فأشبهت العيد
والاستسقاء ". اهـ.
قلت: وبهذا المعنى رَجَّحَ الجهرَ الطحاويُّ أيضاً.
وحديث سَمُرة أشار الحافظ إلى أنه لا يثبت، وهو كذلك؛ فإن في إسناده ثعلبة بن
عِبَاد البصري: مجهول - كما بينته في " التعليقات الجياد "، وفي " نقد التاج " رقم (240) -.
وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً مرفوعاً من طرق كلها ضعيفة عن عكرمة عنه. وقد
تكلمنا عليها هناك.
وحديث علي الذي أشار إليه الحافظ قد أخرجه الطحاوي أيضاً موقوفاً عليه بإسناد
صحيح.