المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخرور إلى السجود على اليدين - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌جَوَازُ الاقتِصَارِ على {الفَاتِحَة}

- ‌الجهرُ والإسرارُ في الصَّلوَاتِ الخَمْسِ وغَيْرِها

- ‌الجَهْرُ والإسْرارُ في القراءةِ في صلاةِ الليل

- ‌ما كانَ يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصلوات

- ‌1- صلاةُ الفجر

- ‌القراءةُ في سُنَّةِ الفَجْرِ

- ‌2- صلاة الظهر

- ‌قراءته صلى الله عليه وسلم آياتٍ بعدَ {الفَاتِحَة} في الأخِيرَتَيْنِ

- ‌3- صلاة العصر

- ‌4- صلاة المغرب

- ‌القراءة في سُنَّة المغرب

- ‌5- صلاة العشاء

- ‌6- صلاة الليل

- ‌7- صلاةُ الوَِتْرِ

- ‌القراءة في الركعتين بعد الوتر

- ‌8- صلاة الجمعة

- ‌9- صلاة العيدين

- ‌10- صلاة الجنازة

- ‌تَرْتيلُ القراءةِ وتحسينُ الصوت بها

- ‌الفَتْحُ على الإمام

- ‌الاستعاذةُ والتَّفْلُ في الصلاة لِدفع الوسوسة

- ‌الركوع

- ‌صفة الركوع

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في الركوع

- ‌أذكار الركوع

- ‌إطالة الركوع

- ‌النهي عن قراءةِ القرآنِ في الركوع

- ‌الاعتدال من الركوع، وما يقولُ فيه

- ‌إطالةُ هذا القيام، ووجوبُ الاطمئنان فيه

- ‌السجود

- ‌التكبير ورفع اليدين عند الهوي إلى السجود

- ‌الخرور إلى السجود على اليدين

- ‌[صفة السجود]

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في السُّجود

- ‌أذكارُ السُّجود

- ‌النهيُ عن قراءة القرآن في السُّجود

- ‌إطالةُ السُّجود

- ‌فضل السجود

- ‌السُّجودُ على الأرضِ والحَصِير

- ‌الرَّفعُ مِنَ السُّجود

- ‌الافتراش أو الإقْعَاءُ بن السَّجْدتين

الفصل: ‌الخرور إلى السجود على اليدين

‌الخرور إلى السجود على اليدين

و" كان يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه "(1) .

(1) هو من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

أخرجه {ابن خزيمة (1/76/1) = [1/318/627] } ، والدارقطني (131) ،

والطحاوي في " شرح المعاني "(1/149) ، والحاكم (1/226) ، وعنه البيهقي

(2/100) ، والحازمي في " الاعتبار "(54) من طرق عن عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي

عن عُبيد الله بن عمر عن نافع عنه به. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

وصححه أيضاً ابن خزيمة - كما في " بلوغ المرام "(1/263) -.

وقد أعله البيهقي بعلة غير قادحة؛ فقال:

" كذا قال عبد العزيز، ولا أراه إلا وهماً ". يعني: رفعه. قال:

" والمحفوظ ما اخترنا ".

ثم أخرج من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:

إذا سجد أحدكم؛ فليضع يديه، وإذا رفع؛ فليرفعهما. قال الحافظ:

" ولقائل أن يقول: هذا الموقوف غير المرفوع؛ فإن الأول في تقديم وضع اليدين على

الركبتين، والثاني: في إثبات وضع اليدين في الجملة ". وقال الشوكاني (2/214) :

" ولا ضير في تفرد الدراوردي؛ فإنه قد أخرج له مسلم في " صحيحه "، واحتج به،

وأخرج له البخاري مقروناً بعبد العزيز بن أبي حازم ".

ويشهد له الحديث الآتي بعده.

ص: 714

..............................................................................

وقد عارضهما أحاديث لا يصح شيء منها، ونحن نسوقها للتنبيه عليها، ولئلا يغتر

بها من لا علم له:

الأول: عن وائل بن حُجر قال:

رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد؛ وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض؛ رفع يديه قبل

ركبتيه.

أخرجه أبو داود (1/134) ، والنسائي (1/165) ، والترمذي (2/56) وحسنه،

والدارمي (1/303) ، والطحاوي (1/150) ، وابن حبان في " صحيحه "(487 - موارد) ،

والحاكم (1/226) ، وعنه البيهقي (2/98) ، والدارقطني أيضاً (131 - 132) ؛ كلهم من

طريق يزيد بن هارون: أخبرنا شَرِيك عن عاصم بن كلَيب عن أبيه عنه.

وهذا سند ضعيف، وقد اختلفوا فيه؛ فقد حسنه الترمذي، وقال الحاكم:

" احتج مسلم بشريك ". ووافقه الذهبي. وليس كما قالا؛ فإن شريكاً لم يحتج به

مسلم، وإنما روى له في المتابعات؛ كما صرح به غير واحد من المحققين، ومنهم الذهبي

نفسه في " الميزان "، وكثيراً ما يقع الحاكم - ويتبعه الذهبي في " تلخيصه " - في هذا

الوهم؛ فيصححان كل حديث يرويه شريك على شرط مسلم - وهذا من الأوهام التي

سأجمعها في كتاب خاص إذا يسر الله ذلك إن شاء الله تعالى -. وأما الدارقطني؛ فقال:

" تفرد به يزيد عن شَرِيك، ولم يحدث به عن عاصم بن كُلَيب غير شريك،

وشريك: ليس بالقوي فيما يتفرد به ".

وهذا هو الحق؛ فقد اتفقوا كلهم على أن الحديث مما تفرد به شريك دون أصحاب

عاصم، وممن صرح بذلك غير الدارقطني: الترمذي، والبيهقي، بل قال يزيد بن

هارون:

ص: 715

..............................................................................

" إن شريكاً لم يرو عن عاصم غير هذا الحديث ".

وشريك سيئ الحفظ عند جمهور علماء الحديث، وبعضهم صرح بأنه كان قد

اختلط؛ فلذلك لا يحتج به إذا تفرد، ولا سيما إذا خالف غيره من الثقات الحفاظ؛ فقد

روى جمع منهم عن عاصم بإسناده هذا عن وائل صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، وليس فيها ما ذكره

شريك.

وقد تقدمت الروايات عن عاصم في ذلك في (وضع اليمنى على اليسرى) ؛ على

أنه قد رواه غيره عن عاصم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً؛ لم يذكر وائلاً.

أخرجه أبو داود، والطحاوي، والبيهقي عن شَقيق أبي ليث قال: ثني عاصم به.

لكن شقيق: مجهول لا يعرف - كما قال الذهبي وغيره -.

وله طريق أخرى معلولة عند أبي داود (1/118 و 134) ، والبيهقي أيضاً عن

عبد الجبار بن وائل عن أبيه مرفوعاً بمعناه - وسيأتي لفظه في (القيام إلى الركعة الثانية)

[ص 819]-. وهذا منقطع بين عبد الجبار وأبيه، فإنه لم يسمع منه - كما سبق -.

الحديث الثاني: عن أنس قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحطَّ بالتكبير؛ فسبقت ركبتاه يديه.

أخرجه الدارقطني (132) ، والحاكم (1/226) ، وعنه البيهقي (2/99) ، والحازمي

(55)

، وابن حزم (4/129) ، والضياء المقدسي في " المختارة "؛ كلهم من طريق العلاء بن

إسماعيل العَطّار: ثنا حَفْص بن غِيَاث عن عاصم الأحول عنه. قال الدارقطني

والبيهقي:

" تفرد به العلاء بن إسماعيل ".

ص: 716

..............................................................................

قلت: وهو مجهول؛ كما قال ابن القيم (1/81) ، وكذلك قال البيهقي - على ما

في " التلخيص "(3/472) -، وقال أبو حاتم - كما قال ابنه في " العلل " (1/188) -:

" هذا حديث منكر ".

وأما قول الحاكم والذهبي: إنه " حديث صحيح على شرط الشيخين "؛ فمنكر من

القول، لم يسبقهما، ولم يتابعهما عليه أحد. وقال الحافظ في ترجمة العلاء هذا من

" اللسان ":

" وقد خالفه عمر بن حفص بن غياث، وهو من أثبت الناس في أبيه؛ فرواه عن

أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفاً عليه. وهذا هو

المحفوظ ".

قلت: أخرجه الطحاوي (1/151) بهذا الإسناد عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله

علقمة والأسود فقالا:

حفظنا عن عمر في صلاته أنه خرَّ بعد ركوعه على ركبتيه؛ كما يخر البعير، ووضع

ركبتيه قبل يديه.

وهذا إسناد صحيح.

على أن حديث أنس لو صح؛ ليس فيه التصريح أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع ركبتيه قبل

يديه، وإنما فيه سَبْقُ الركبتين اليدين فقط، وقد يمكن أن يكون هذا السبق في حركتهما

لا في وضعهما - كما قال ابن حزم رحمه الله.

الحديث الثالث: عن أبي هريرة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد؛ بدأ بركبتيه قبل يديه.

ص: 717

..............................................................................

أخرجه الطحاوي (1/150) : ثنا ابن أبي داود قال: ثنا يوسف بن عدي قال: ثنا

ابن فُضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عنه.

وهذا سند ضعيف جداً. قال الحازمي (54) :

" وعبد الله بن سعيد المَقْبُري: ضعيف الحديث عند أئمة النقل ". وفي

" التقريب ":

" متروك ".

ومِنْ ضَعْفه أنه اضطرب في روايته لهذا الحديث؛ فرواه مرة هكذا من فعله صلى الله عليه وسلم،

ومرة من قوله صلى الله عليه وسلم آمراً بذلك - كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا -.

الحديث الرابع: عن سعد بن أبي وقاص قال:

كنا نضع اليدين قبل الركبتين؛ فأُمرنا بالركبتين قبل اليدين.

أخرجه الحازمي من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سَلَمة بن كُهَيل: ثنا

أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد عنه.

وكذلك رواه ابن خزيمة في " صحيحه " - كما في " الزاد "(1/80) -.

وهذا سند ضعيف جداً؛ مسلسل بالضعفاء. فأعله ابن القيم بيحيى بن سلمة،

وقال:

" وليس ممن يحتج به ". ثم ذكر أقوال الأئمة فيه. وفي " التقريب ":

" متروك ". وأعله في " الفتح "(2/231) بإبراهيم، وأبيه إسماعيل؛ قال:

" وهما ضعيفان ". وقال الحازمي:

" في إسناده مقال. ولو كان محفوظاً؛ لدل على النسخ، غير أن المحفوظ عن

ص: 718

..............................................................................

مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق ". وقد ذكر نحو هذا ابن القيم والحافظ ابن حجر.

فهذا كل ما وقفت عليه من الأحاديث المعارضة للسنة الصحيحة، وقد رأيت أن

بعضها أشد ضعفاً من بعض.

وقد تعَسَّفَ ابن القيم رحمه الله في هذا الوضع كثيراً؛ فحاول ترجيح هذه

الأحاديث على حديث ابن عمر، وأطال في ذلك جداً؛ قدر ثلاث صفحات من كتابه

" الزاد "، وقد رددت عليه في " التعليقات الجياد " رداً مسهباً، ونقضت الوجوه التي تمسك

بها في ذلك وجهاً وجهاً، وإيراد ذلك يطول؛ فعليك بالكتاب المذكور؛ فإن فيه تحقيقات

قلما تراها في كتاب. والله المستعان. قال الحازمي:

" وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب؛ فذهب بعضهم إلى أن وضع اليدين قبل

الركبتين أولى. وبه قال مالك (1) والأوزاعي، وقال:

أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم (2) .

وخالفهم في ذلك آخرون، ورأوا وضع الركبتين قبل اليدين أولى. ومنهم: عمر بن

الخطاب، وبه قال سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة

وأصحابه ".

قلت: وحجة هؤلاء ما سلف من الأحاديث، ولو صحت؛ لقلنا بجواز الأمرين؛

كما هو رواية عن مالك وأحمد - كما في " الفتح " -. وإذ لم تصح؛ فالعمدة على ما ذهب

إليه الأولون، وهو قول أصحاب الحديث - كما قال ابن أبي داود، ونقله في " الزاد "

(1/82) -، وحجتهم في ذلك هذا الحديث.

_________

(1)

{وعن أحمد نحوه - كما في " التحقيق " لابن الجوزي (208/2) -} .

(2)

{رواه المروزي في " مسائله " (1/147/1) بسندٍ صحيح عن الإمام الأوزاعي} .

ص: 719

وكان يأمر بذلك؛ فيقول:

" إذا سجد أحدكم؛ فلا يَبْرُكْ كما يَبْرُكُ البعيرُ، ولْيضَعْ يديه قبل

ركبتيه " (1) .

(1) هو من حديث أبي هريرة.

أخرجه أبو داود (1/134) ، وعنه ابن حزم (4/128 - 129) ، والنسائي (1/165)

{وفي " الكبرى " (47/1 - مصورة جامعة الملك عبد العزيز في مكة) } ، والدارمي

(1/303) ، {وتمام في " الفوائد " (ق 108/1) = [1/289/720] } ، والطحاوي في

" مشكل الآثار "(1/65 - 66) وفي " شرح الآثار "(1/149) ، والدارقطني (131) ،

والبيهقي (2/99 - 100) ، وأحمد (2/381) ؛ كلهم من طريق عبد العزيز بن محمد

الدَّرَاوَرْدي قال: ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزِّنَاد عن الأعرج عنه بهذا اللفظ،

إلا النسائي والدارقطني؛ فقالا:

" فلْيضع يديه قبل ركبتيه، ولا يبرك بروك البعير ".

وهذا سند صحيح. رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عبد الله بن

الحسن، وهو المعروف بالنفس الزكية العَلَوي، وهو ثقة - كما قال النسائي وغيره، وتبعهم

الحافظ في " التقريب " -.

ولذلك قال النووي في " المجموع "(3/421)، والزُّرْقاني في " شرح المواهب " (7/320) :

" إسناده جيد ". ونقل ذلك المُناوي عن بعضهم، وصححه السيوطي في " الجامع الصغير ".

{وصححه عبد الحق في " الأحكام الكبرى "(54/1) . وقال في " كتاب التهجد "

(56/1) :

" إنه أحسن إسناداً من الذي قبله ".

يعني: حديث وائل المعارض له. بل هذا - مع مخالفته لهذا الحديث الصحيح

ص: 720

..............................................................................

والذي قبله - لا يصح من قبل إسناده، وكذلك ما في معناه - كما بينته في " الضعيفة "

(929)

، و " الإرواء "(357) . [وانظر أيضاً " صحيح سنن أبي داود "(789) ، و " تمام المنة "

(ص 193 - 196) } .

وقد أعله بعضهم بثلاث علل:

الأولى: تفرد الدراوردي به عن محمد بن عبد الله.

والثانية: تفرد محمد هذا عن أبي الزناد.

والثالثة: قول البخاري:

" لا أدري أسمع محمد بن عبد الله بن حسن من أبي الزناد أم لا ".

وهذه العلل ليست بشيء:

أما الأولى والثانية؛ فلأن الدراوردي وشيخه محمداً هذا ثقتان - كما تقدم -؛ فلا

يضر تفردهما بهذا الحديث، وليس من شرط الحديث الصحيح أن لا ينفرد بعض رواته

به، وإلا؛ لما سلم لنا كثير من الأحاديث الصحيحة، حتى التي في " صحيح البخاري "

نفسه؛ كحديث: " إنما الأعمال بالنيات " - وهو أول حديثٍ فيه -؛ فإنه تفرد به يحيى بن

سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر

رضي الله عنه.

وأما الثالثة؛ فهي علة عند البخاري على أصله؛ وهو اشتراط معرفة اللقاء. ولكن

الجمهور من أئمة الحديث لا يشترطون ذلك، بل يكتفون بمجرد إمكان اللقاء؛ بأن يكونا

في زمن واحد مع أمن التدليس.

وهذا كله متحقق هنا؛ فإن محمد بن عبد الله هذا لم يعرف بتدليس، وهو مدني

مات سنة (145)، وله من العمر (53) سنة. وشيخه: أبو الزناد مات سنة (130)

بالمدينة. وعليه فقد أدركه زمناً طويلاً.

ص: 721

..............................................................................

فالحديث صحيح. على أن الدراوردي لم يتفرد به، بل توبع عليه في الجملة.

فقد أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي أيضاً (2/57 - 58) من طريق عبد الله

ابن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن به مختصراً بلفظ:

" يعمد أحدكم؛ فيبرك في صلاته برك الجمل؟! ".

فهذه متابعة قوية؛ عبد الله بن نافع ثقة أيضاً من رجال مسلم - كالدراوردي -.

وأما ما أخرجه الطحاوي (1/150) ، والبيهقي (2/100) ، وأبو بكر بن أبي شيبة

في " المصنف "(1/102/2) ، وعنه الأثرم في " سننه " - كما في " الزاد "(1/80)

كلهم من طريق ابن فُضَيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:

" إذا سجد أحدكم؛ فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل ". فقال

الحافظ (2/231) - تبعاً للبيهقي -:

" إسناده ضعيف ".

وأقول: بل هو ضعيف جداً، وعلته عبد الله بن سعيد هذا، وهو المقبري، وهو

متروك - كما سبق في الحديث الذي قبل هذا -، وقد اتهمه بعضهم بالكذب. ولعله

تعمد، فقلب هذا الحديث؛ فغير بذلك المعنى.

وليس العجب من هذا المتهم، وإنما العجب أن يعتمد على حديثه هذا ابن القيم في

" الزاد "؛ فيزعم أن حديث أبي هريرة الأول الصحيح مما انقلب على بعض الرواة متنه،

وأن أصله: (وليضع ركبتيه قبل يديه) . - كما رواه المقبري هذا -!

وهو إنما ذهب ذلك المذهب؛ لأن الحديث غير معقول عنده؛ لأن أوله يخالف آخره

- كما زعم -، إلا على قول من يقول: إن ركبتي البعير في يديه. ولكنه ينكر ذلك؛ فيقول:

" إنه كلام لا يعقل، ولا يعرفه أهل اللغة، وإنما الركبة في الرجلين ".

كذا قال! وهو مما يتعجب منه أيضاً؛ كيف خفي عليه ذلك، مع أن نصوص العلماء

ص: 722

..............................................................................

كثيرة في إثبات ما نفاه؟! على أنه قد سُبِق إلى ذلك؛ فقد عقد الطحاوي رحمه الله في

" المشكل " باباً خاصاً من أجل ذلك، ساق فيه هذا الحديث، ثم قال:

" فقال قائل: هذا كلام مستحيل؛ لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير

والبعير إنما ينزل يديه. ثم أتبع ذلك بأن قال: ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه. فكان ما في

هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله قد أمره به في آخره. فتأملنا ما قال؛ فوجدناه مُحالاً،

ووجدنا الحديث. مستقيماً لا إحالة فيه؛ وذلك أن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك كل

ذي أربع من الحيوان، وبنو آدم بخلاف ذلك؛ لأن ركبتهم في أرجلهم لا في أيديهم،

فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث [المصلي] أن يخر على ركبتيه اللتين في يديه،

ولكن يخر [لسجوده] على خلاف ذلك؛ فيخر على يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه،

بخلاف ما يخر البعير على يديه اللتين فيهما ركبتاه. فبان بحمد الله ونعمته أن ما في

هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام صحيح لا تضاد فيه ولا استحالة ". اهـ.

وقد ذكر نحوه في " شرح المعاني "(1) . وقال ابن حزم (4/130) :

" وركبتا البعير هي في ذراعيه ". وفي " لسان العرب "(1/417) ما نصه:

" وركبة البعير في يده ". ثم قال:

_________

(1)

{وكذا الإمام القاسم السرقسطي رحمه الله؛ فإنه روى في " غريب الحديث "(2/70/1 - 2)

بسند صحيح عن أبي هريرة أنه قال:

" لا يبركن أحد بروك البعير الشارد ". قال الإمام:

" هذا في السجود؛ يقول: لا يرم بنفسه معاً - كما يفعل البعير الشارد غير المطمئن المواتر -؛ ولكن

ينحط مطمئناً، يضع يديه، ثم ركبتيه، وقد روي في هذا حديث مرفوع مفسر ".

ثم ذكر الحديث الوارد أعلاه

وقد بسطت القول في ذلك في رسالة الرد على الشيخ

التويجري؛ فعسى أن تنشر} .

ص: 723

..............................................................................

" وركبتا يدي البعير المَفْصِلان اللذان يَلِيَان البطن إذا برك، وأما المَفْصِلان النَّاتِئان من

خلف؛ فهما العُرْقُوبان، وكل ذي أربع ركبتاه في يديه، وعُرْقُوْبَاهُ في رجليه ". ومثله تماماً

في " تاج العروس "(1/278) . ويشهد لذلك من كلامهم المعهود في استعمالهم قول

علقمة والأسود عن عمر رضي الله عنه: أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه؛ كما يخر البعير

- وقد تقدم في الحديث الذي قبل هذا -.

فقد وصفا خروره رضي الله عنه على ركبتيه بخرور الجمل.

وهذا وصف خاطئ بزعم ابن القيم؛ لأن الجمل لا يخر على ركبتيه عنده!

ثم إن الواقع أن البعير إذا برك؛ فإنما يبرك بقوة حتى إن للأرض منه لرجةً، وكذلك

المصلي إذا سجد على ركبتيه؛ كان لسجوده دويٌّ، لا سيما إذا كان يصلي في مسجد

قد بسطت عليه (الدفوف) الخشبية، وكان المصلون جمعاً كثيراً؛ فهناك تسمع لهم لَجَّةً

شديدة، مما يتنافى مع هيئة الصلاة وخشوعها؛ فنهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمر بأن يقدم يديه

أولاً؛ ليلقى بهما الأرض؛ فيتفادى بذلك الاصطدام بها بركبتيه، كما يفعل الجمل،

فهذا وجه المشابهة بين بروك الجمل وبروك المصلي على ركبتيه.

وقد أشار إلى هذا المعنى - والله أعلم - الإمام مالك حين قال - كما في " الفتح " -:

" هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة. ونص المناسبة التي أبداها ابن المنير لتقديم

اليدين وهي: أن يلقى الأرض عن جبهته، ويعتصم بتقديمها عن إيلام ركبتيه إذا جثا

عليهما. والله أعلم ".

(فائدة) : ظاهر الأمر في الحديث يفيد الوجوب، ولم أر من صرح بذلك غير ابن

حزم؛ فصرح في " المحلى " بفرضية ذلك، وأنه لا يحل تركه. وفي ذلك دليل على خطأ

الاتفاق الذي نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى "(1/88) على جواز كلا

ص: 724