الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10- صلاة الجنازة
" السنة أن يقرأ فيها بـ: {فاتحة الكتاب} [وسورة] (1) "(2) ،............
وذهب أكثر العلماء إلى استحباب قراءة: {سَبِّحِ} و {الغَاشِيَةِ} على حديث
النعمان وغيره؛ كما في " البداية "(1/170) لابن رشد. قال:
" تواتر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال النووي في " المجموع "(4/17 - 18) - بعد أن
ذكر الحديثين -:
" إن كليهما سنة ".
وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى؛ فيأتي تارة، بهذا، وتارة بهذا.
(1)
قال الشوكاني (4/53) :
" فيه مشروعية قراءة سورة مع {الفَاتِحَة} في صلاة الجنازة، ولا محيص عن المصير
إلى ذلك؛ لأنها زيادة خارجة من مخرج صحيح، ويؤيد وجوبَ قراءة السورة في صلاة
الجنازة الأحاديثُ المتقدمة في (باب وجوب قراءة {الفَاتِحَة} ) من كتاب الصلاة؛ فإنها
ظاهرة في كل صلاة ". اهـ.
واستحباب قراءة سورة قصيرة هو وجه للشافعية؛ كما في " المجموع " - {وهو الوجه
الحق} -، واستدل له بهذا الحديث. وصححه - كما سيأتي -.
(2)
هو من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه. رواه عنه طلحة بن عبد الله
ابن عوف قال:
صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة، فقرأ بـ:{فاتحة الكتاب} .
قال:
لتعلموا أنها سنة.
..............................................................................
أخرجه البخاري (3/158) ، وأبو داود (2/68) ، والنسائي (1/281) ، والترمذي
(1/191 - طبع بولاق) ، والدارقطني (191) ، والحاكم (1/358 و 386) ، وابن خزيمة في
" صحيحه " من طريق شعبة وسفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله
به. وقال الحاكم:
" صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي. وقد وهما من وجهين:
الأول: استدراكهما على البخاري. وهو في " صحيحه "!
والآخر: أنه ليس على شرط مسلم؛ فإنه لم يخرج لطلحة هذا.
ثم أخرجه النسائي من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه به بلفظ:
فقرأ بـ: {فاتحة الكتاب} وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ؛ أخذت بيده،
فسألته؟ فقال:
سنة وحق.
وإسناده صحيح. رجاله كلهم رجال البخاري، عدا الهيثم بن أيوب راويه عن
إبراهيم، وهو شيخ النسائي، وقد وثقه هو وابن حبان. وفي " التقريب ":
" ثقة ".
وقد تابعه {على هذه الزيادة أربعة من الثقات الأثبات؛ فإليك أسماءهم مع
التخريج باختصار:
الأول: سليمان بن داود الهاشمي.
أخرجه ابن الجارود في " المنتقى "(رقم 537) .
..............................................................................
الثاني: إبراهيم بن زياد الخياط البغدادي.
أخرجه ابن الجارود أيضاً (537) .
الثالث: مُحْرِز بن عون الهلالي.
أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "(ق 141/2) .
الرابع: إبراهيم بن حمزة الزُّبَيري.
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى "(4/38) .
وكل هذه المتابعات صحيحة الأسانيد، فاتفاق هؤلاء الثقات الأربعة - وخامسهم
الهيثم بن أيوب - على إثبات زيادة السورة في الحديث} (*) يدل على صحتها، ويدفع
قول البيهقي:
" وذكر السورة فيه غير محفوظ ". ولذلك رده عليه ابن التركماني في " الجوهر النقي "
بمتابعة الراوي عند النسائي، وقد أورده النووي في " المجموع "(5/234) بنحو رواية
النسائي هذه، ثم قال:
" رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "، وإسناده صحيح ".
وأقره الحافظ في " التلخيص "(5/165) .
{وليس هذا فقط؛ فقد جاءت الزيادة من طريق أخرى عن ابن عباس
…
من
طريق زيد بن طلحة التيمي قال: سمعت ابن عباس
…
فذكر الحديث مع الزيادة.
_________
(*) بدل ما بين الحاصرتين {} في الأصل: " إبراهيم بن حمزة المدني - كما ذكره البيهقي
(4/38) -، وهو ثقة أيضاً، وروى له البخاري. وله متابعون آخرون ذكر أسماءهم المعلق على " نصب
الراية ". فاتفاق هؤلاء على هذه الزيادة
…
" والإضافة من مقدمة " صفة الصلاة " المطبوع (ص 31) .
..............................................................................
أخرجه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم في " ما أسند سفيان بن سعيد
الثوري " (1/40/2) ، وابن الجارود في " المنتقى " (536) .
وإسنادُهُ صحيحٌ أيضاً.
ويشهد للزيادة -، ويزيدها قوةً على قوة - قولُه عليه الصلاة والسلام:
" لا صلاة إلا بقراءة {فاتحة الكتاب} فما زاد ".
والصلاة على الجنازة صلاة قطعاً؛ فهي تدخل في عموم هذا الحديث. وبه استدل
الحنابلة وغيرهم على وجوب قراءة {الفَاتِحَة} في صلاة الجنازة، فهو بقوله:" فما زاد "
يدل أيضاً على مشروعية قراءة السورة بعد {الفَاتِحَة} في الجنازة، وهذا مما ذكره
الشوكاني في " نيل الأوطار "(4/53) } (*) .
وللحديث طريقان عند الحاكم (1/358 و 359) :
الأول: عن ابن عجلان: أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول:
صلى ابن عباس على جنازة، فجهر بـ:{الحَمْدُ لِلَّهِ} ، ثم قال:
إنما جهرت؛ لتعلموا أنها سنة. وقال:
" صحيح على شرط مسلم "(**)
_________
(*) ما بين الحاصرتين {} من مقدمة " الصفة " المطبوع (ص 31 - 32) .
(**) الطريق الثاني: عن موسى بن يعقوب الزَّمْعي قال: حدثني شُرَحبيل بن سعد قال:
حضرت عبد الله بن عباس، فصلى بنا على جنازة بالأبواء، وكبَّر، ثم قرأ بـ:{أم القرآن} رافعاً صوته
بها، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم
…
ثم انصرف، فقال:
أيها الناس! إني لم أقرأ عَلَناً إلا لتعلموا أنها السنة. قال الحاكم:
" لم يحتج الشيخان بشرحبيل بن سعد، وهو من تابعي أهل المدينة، وإنما أخرجت هذا الحديث
شاهداً للأحاديث التي قدمنا؛ فإنها مختصرة مجملة، وهذا حديث مفسر ".
..............................................................................
وقد أجمعوا على أن قول الصحابي: (سنة) : حديثٌ مُسْنَدٌ. وفيه أمران:
الأول: أنه ليس على شرط مسلم؛ لأن ابن عجلان ما أخرج له مسلم؛ إلا في
الشواهد - كما قال الحاكم نفسه -.
والآخر: أن الإجماع الذي حكاه ليس بصحيح؛ لأن الخلاف عند أهل الحديث
وعند الأصوليين شهير - كما قال الحافظ (3/159) -، وإن كان الأصح أنه مسند مرفوع؛
لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يجب اتباعه - كما في " مقدمة
ابن الصلاح " (53) -. وقال الشافعي في " الأم " (1/240) :
" وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولون: (السنة) إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله
تعالى ".
وعلى هذا جرينا في كتابنا هذا. وقال النووي في " المجموع "(5/232) :
" إنه المذهب الصحيح الذي قاله جمهور العلماء من أصحابنا في الأصول، وغيرهم
من الأصوليين والمحدثين ".
هذا، وفي القراءة على الجنائز بـ:{فاتحة الكتاب} أحاديث كثيرة سوى هذا
الحديث، وقد ساقها في (التعليق) على " نصب الراية "(2/270) ، وهي عن سبعة من
الصحابة رضي الله عنهم، وذكر بعضها الشوكاني في " النيل "(4/52) ، وأسانيدها
لا تخلو من ضعف، لكن بعضها يقوي بعضاً. ومنه نعلم أن قول ابن الهمام (1/459) :
" ولم تثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ليس بصواب. ويأتي ما يخالفه من بعض
علمائنا، وهي تدل على أن السنة قراءة {الفَاتِحَة} في الجنازة. قال الترمذي:
" والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ يختارون
أن يقرأ بـ: {فاتحة الكتاب} بعد التكبيرة الأولى، وهو قول الشافعي، وأحمد،
..............................................................................
وإسحاق. وقال بعض أهل العلم:
لا يقرأ في الصلاة على الجنازة؛ إنما هو الثناء على الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
والدعاء للميت، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة ".
قلت: وهو مذهب علمائنا، قال الإمام محمد في " الموطأ " (165) :
" لا قراءة على الجنازة، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ". قال أبو الحسنات:
" يحتمل أن يكون نفياً للمشروعية المطلقة؛ فيكون إشارة إلى الكراهة. وبه صرح
كثير من أصحابنا المتأخرين؛ حيث قالوا: يكره قراءة {الفَاتِحَة} في صلاة الجنازة.
وقالوا: لو قرأ بنية الدعاء؛ لا بأس به. ويحتمل أن يكون نفياً للزومه، فلا يكون فيه نفي
الجواز ".
وإليه مال حسن الشُّرُنْبُلالي من متأخري أصحابنا؛ حيث صنف رسالة سمّاها:
" النظم المستطاب لحكم القراءة في صلاة الجنازة بـ: {أم الكتاب} ". ردَّ فيها على من
ذكر الكراهة بدلائل شافية. وهذا هو الأولى؛ لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ثم ذكر بعض الأحاديث التي أشرنا إليها آنفاً، ومنها حديث ابن عباس هذا. ثم ذكر
بعض الآثار عن الصحابة في القراءة وعدمها، ثم قال:
" وبالجملة؛ الأمر بين الصحابة مختلف، ونفس القراءة ثابت؛ فلا سبيل إلى الحكم
بالكراهة، بل غاية الأمر أن لا يكون لازماً ". اهـ. وقال أبو الحسن السندي:
" ينبغي أن تكون {الفَاتِحَة} أَوْلَى وأحسن من غيرها من الأدعية. ولا وجه للمنع
منها. وعلى هذا كثيرٌ من محققي علمائنا، إلا أنهم قالوا: يقرأ بنية الدعاء والثناء؛ لا
بنية القراءة ".
و " يخافت فيها مُخَافَتَةً (1) ...................................................
قلت: وهذا القيد مما لا دليل لهم عليه؛ اللهم! إلا أن يكون محاولة منهم للتوفيق
بين قول أئمتهم: لا قراءة على الجنازة. وبين ثبوتها فيها عنه صلى الله عليه وسلم. والأخذ بالسنة
- بدون أي قيد خارجي عنها - أولى، وبالاتباع أحرى.
ومن غرائب علمائنا أنهم أثبتوا قراءة دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة؛ قياساً على
الصلوات المعهودة، مع أنه لم يأت أي حديث في قراءته! ونَفَوا قراءة {الفَاتِحَة}
والسورة، ولم يقيسوا ذلك على قراءتها في الصلوات المعروفة، مع ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
فتأمل منصفاً!
ومما يدفع ذلك القيدَ ثبوتُ قراءة السورة بعد {الفَاتِحَة} ، ولا يعقل تقييدها بمثل ما
قيدوا به {الفَاتِحَة} ؛ لأن أكثر السور لا دعاء فيها؛ كسورة {الإِخْلاص} مثلاً.
(1)
هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال:
السنة في الصلاة على الجنازة: أن يقرأ في التكبيرة الأولى بـ: {أم القرآن}
مُخَافَتَةً، ثم يكبر ثلاثاً، والتسليم عند الآخرة.
أخرجه النسائي (1/281) ، ومن طريقه ابن حزم في " المحلى "(5/129) من طريق
الليث عن ابن شهاب عنه.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين؛ كما قال النووي في " المجموع "(5/233) ،
وقال:
" أبو أمامة هذا صحابي ". وقال الحافظ في " الفتح "(3/158) :
" إسناده صحيح ".
وأخرجه الطحاوي (1/288) من طريق شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو أمامة
بعد التكبيرة الأولى " (1) .
ابن سهل بن حنيف - وكان من كبراء الأنصار، وعلمائهم، وأبناء الذين شهدوا بدراً مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبره:
أن السنة في الصلاة على الجنازة: أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بـ:{فاتحة الكتاب}
سراً في نفسه، ثم يختم الصلاة في التكبيرات الثلاث.
قال الزهري: فذكرت الذين أخبرني أبو أُمامة من ذلك لمحمد بن سُوَيد الفِهْري
فقال: وأنا سمعت الضحاك بن قيس محدث عن حبيب بن مسلمة في الصلاة على
الجنازة مثل الذي حدثك أبو أمامة.
وهذا صحيح أيضاً.
وأخرجه الشافعي في " الأم "(1/239 - 240) من طريق مَعْمَر عن الزهري مثله،
دون قول الزهري: فذكرت
…
إلخ.
وورد الحديث بألفاظ ومعان أخرى عند الحاكم (1/360) ، وله طريق أخرى عند
الدارقطني (191) - كما بينت ذلك في " التعليقات الجياد " -.
(1)
قد ذهب إلى العمل به الشافعية؛ فاتفقوا على أن القراءة بعد التكبيرة الأولى.
وهو قول أحمد؛ قال أبو داود في " مسائله "(153) :
" سألت أحمد عن الدعاء على الميت: قلت: في الأولى بـ: {فاتحة الكتاب} ؟
قال: نعم. قلت: في الثانية ماذا؟ قال: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: في الثالثة
الدعاء للميت؟ قال: نعم. قلت: في الرابعة أسلّم؟ أو: أدعو ثم أسلّم؟ قال: تدعو ثم
تسلِّم ". اهـ.
..............................................................................
وكذلك اتفقوا على أن السنة فيها الإسرار في النهار، واختلفوا فيما إذا كانت
بالليل؛ فقيل بالإسرار أيضاً، وقيل: يستحب الجهر. قال النووي (5/234) :
" والمذهبُ: الأولُ. ولا يغتر بكثرة القائلين بالجهر؛ فهم قليلون جداً بالنسبة إلى
الآخرين، وظاهر نص الشافعي في " المختصر ": الإسرار؛ لأنه قال: ويخفي القراءة. ولم
يفرق بين الليل والنهار، ولو كانا يفترقان؛ لذكره. ويحتج له بحديث أبي أمامة الذي
ذكرناه " [ا. هـ مختصراً] .
* * *