الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتدال من الركوع، وما يقولُ فيه
ثم " كان صلى الله عليه وسلم يرفع صُلبه من الركوع قائلاً:
" سمع الله لمن حمده " " (1) . {وأمر بذلك (المسيء صلاته) ؛ فقال:
(1) هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة؛ يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول:
" سمع الله لمن حمده ". حين يرفع صُلْبَه من الركعة، ثم يقول وهو قائم:
" ربنا! لك الحمد ". ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين
يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر
حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس.
أخرجه البخاري (2/216 - 217) واللفظ له، ومسلم (2/8) ، والنسائي
(1/172) ، والبيهقي (2/67 و 93 و 98 و 118 و 127 و 134) ، وأحمد (2/254) ؛ كلهم
من طريق الليث عن عُقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن
الحارث: أنه سمع أبا هريرة يقول:
…
فذكره.
والزيادة عند أبي داود والبيهقي. وهي عند البخاري معلقة عن عبد الله بن صالح
عن الليث، وموصولة عنده (2/230) ، وكذا عند أبي داود (133) من طريق شعيب عن
الزهري به نحوه.
وكذلك أخرجه مسلم (2/7 و 8) ، والنسائي (1/158) ، وأحمد (2/270) من
طرق أخرى عن ابن شهاب.
وزاد شعيبٌ في الإسناد أبا سلمة بن عبد الرحمن؛ قرنه مع أبي بكر بن عبد الرحمن.
وقد جاءت عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في الجمع بين التسميع والتحميد:
..............................................................................
منها: عن ابن عمر رضي الله عنه في " الصحيحين " وغيرهما. وقد مضى في
(افتتاح الصلاة) .
ومنها: عن ابن عباس، وعن أبي سعيد الخدري. وسيذكران قريباً إن شاء الله تعالى.
وعن حذيفة. وقد مضى في (القراءة في صلاة الليل) .
وفي هذه الأحاديث دلالة على أن السنة للإمام أن يجمع بن التسميع والتحميد؛
فيقول الأولَ حالَ ارتفاعه، والآخر إذا استوى قائماً.
وهو مذهب جمهور العلماء، وبه قال عطاء، وأبو بردة، ومحمد بن سيرين،
وإسحاق، وداود - كما في " المجموع "(3/419) -، وأحمد أيضاً - كما في " الترمذي "،
ورواه عنه أبو داود في " مسائله "(33) ، ولعلنا نذكر نصه قريباً (*) -، وهو قول الإمام أبي
يوسف، ومحمد - كما ذكر الطحاوي (1/140 - 142) -، واختاره (1) ؛ خلافاً لأبي
حنيفة -، ومالك وغيرهما: أن الإمام يقتصر على التسميع فقط. واحتجوا بحديث أبي
هريرة الآتي، ولا حجة فيه - كما سنبينه إن شاء الله تعالى -.
ومن الحجة للأولَين الحديث المذكوُر بعد هذا؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
" صلوا كما رأيتموني أصلي ".
فهو نص عام، يشمل كل مُصَلٍّ؛ أن يقول ويصلي كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي، ولا يجوز
رد حديث - لا سيما إذا - بلغ مبلغ التواتر، أو كاد؛ كحديث أبي هريرة هذا الذي نحن
في صدد الكلام عليه.. لا يجوز رده لحديث آخر؛ طالما يمكن الجمع بينهما - كما في
_________
(*) سيأتي (ص 691) .
(1)
وكذا اختاره الفضلي، والشُّرُنْبُلالي، وصاحب " المنية "، وعامة المتأخرين من أصحابنا، وهو
الأصح؛ الموافق لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم. كذا في " عمدة الرعاية "(137) .
" لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى
…
يكبر
…
ثم يركع
…
ثم
يقول: سمع الله لمن حمده. حتى يستوي قائماً " (1) .
وكان إذا رفع رأسه استوى؛ حتى يعود كل فَقارٍ مكانه (2) } .
ثم " كان يقول وهو قائم:
" ربنا [و] لك الحمد " " (3) . وأمر بذلك كلَّ مُصَلٍّ؛ مُؤتماً أو غيره؛ فقال:
" صلوا كما رأيتموني أُصلي "(4) . وكان يقول:
" إنما جُعل الإمام ليؤتم به
…
وإذا قال: (سمع الله لمن حمده) ؛ فقولوا:
( [اللهم] ربنا ولك الحمد) " (5) - زاد في حديث آخر: -.................
الأصول قد تقرر -.
(1)
{ [أخرجه] أبو داود، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. [وانظر (ص 189 -
190) ] } .
(2)
{ [أخرجه] البخاري، وأبو داود. " صحيح أبي داود "(172) .
و (الفَقَار) - بالفتح -: ما انتَضَد مِنْ عِظام الصُّلب مِنْ لَدُنِ الكاهِل إلى العَجْبِ - كما
في " القاموس " -. وانظر " فتح الباري "(2/308) } .
(3)
انظر الحاشية رقم (1)(ص 683) .
(4)
مضى هذا الحديث في عدة مواضع؛ منها (ص 14) .
(5)
هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد مضى في أوائل الكتاب في
(الصلاة قاعداً)[ص 87] ، وقد أخرجه مسلم (2/19 - 20) من طرق عنه.
ومن حديث أنس أيضاً، وعائشة: عند الشيخين. وقد سبق تخريجهما هناك.
وفي الباب عن أبي موسى الأشعري، وقد مضى في (التأمين) .
..............................................................................
وعن أبي سعيد. وتقدم في الأوائل.
وكلها أحاديث صحيحة، وقد احتج بها من خَصَّ المؤتم بالتحميد دون الإمام، وهم
من ذكرنا آنفاً. كما أنهم احتجوا بها على أنه ليس للمؤتم أن يقول: (سمع الله لمن
حمده) . قال الحافظ في " الفتح "(2/143) :
" وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك؛ لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي
ترك فعله. نعم؛ مقتضاه أن المأموم يقول: (ربنا! لك الحمد) عقب قول الإمام: (سمع
الله لمن حمده) . فأما منع الإمام من قول: (ربنا! ولك الحمد) ؛ فليس بشيء؛ لأنه ثبت
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما ". اهـ.
قلت: وكذلك مَنْعُ المأموم من قول التسميع ليس بشيء أيضاً، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
" صلوا كما رأيتموني أصلي ". وللحديث الذي بعده:
" إنما جعل الإمام ليؤتم به ".
فإن من الائتمام به أن يقول بقوله، إلا ما استثناه الدليل؛ كالقراءة وراء الإمام في
الجهرية - على ما سبق بيانه في محله -.
ولذلك قال الخطابي في " المعالم "(1/210) :
" قلت: وهذه الزيادة - يعني: التسميع - وإن لم تكن مذكورة في الحديث نصاً؛
فإنها مأمور بها الإمامُ. وقد جاء:
" إنما جعل الإمام ليؤتم به ". فكان هذا في جميع أقواله وأفعاله، والإمام يجمع بينهما،
وكذلك المأموم، وإنما كان القصد بما جاء في هذا الحديث مداركةَ الدعاء والمقارنة بين القولين؛
ليستوجب بها دعاء الإمام، وهو قوله:" سمع الله لمن حمده " ليس بيان كيفية الدعاء،
والأمر باستيفاء جميع ما يقال في ذلك المقام؛ إذ قد وقعت الغُنْيَةُ بالبيان المتقدم ".
..............................................................................
ونحوه - وأوضح منه - قول النووي في " المجموع "(3/420) :
" إن معنى الحديث: (قولوا: " ربنا! لك الحمد " مع ما قد علمتموه من قول: " سمع
الله لمن حمده ") . وإنما خص هذا بالذكر؛ لأنهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلم بـ:
" سمع الله لمن حمده ". فإن السنة فيه الجهر، ولا يسمعون قوله:" ربنا! لك الحمد "؛ لأنه
يأتي به سراً - كما سبق بيانه -. وكانوا يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي ".
مع قاعدة التأسي به صلى الله عليه وسلم مطلقاً، وكانوا يوافقون في:" سمع الله لمن حمده "؛ فلم يحتج
إلى الأمر به، ولا يعرفون:" ربنا! لك الحمد "؛ فأمروا به ". قال الحافظ (2/225) :
" وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين - كما تقدم -؛ من أنه لا يلزم من قوله: " إذا
قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} ؛ فقولوا: آمين ". أن الإمام لا يُؤَمّن بعد قوله: {وَلَا الضَّالّيِنَ} .
وليس فيه أن الإمام يؤمن، كما أنه ليس في هذا أنه يقول:" ربنا! لك الحمد ". لكنهما
مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة؛ كما تقدم في (التأمين) ، وكما مضى في
هذا الباب؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد.
وأما ما احتجوا به - من حيث المعنى - من أن معنى: " سمع الله لمن حمده ": طلب
التحميد؛ فيناسب حالَ الإمام، وأما المأموم؛ فتناسبه الإجابة بقوله: " ربنا! لك
الحمد ". ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره؛ ففيه:
" وإذا قال: (سمع الله لمن حمده) ؛ فقولوا: (ربنا! ولك الحمد) . يسمع الله لكم ".
فجوابه أن يقال: لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول: (ربنا! لك الحمد) . إذ لا
يمتنع أن يكون طالباً ومجيباً. وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين؛ من أنه لا يلزم من
كون الإمام داعياً والمأموم مُؤَمِّناً أن لا يكون الإمام مُؤَمِّناً ". قال:
" وقضية ذلك أن الإمام يجمعهما، وهو قول الشافعي، وأحمد، وأبي يوسف،
ومحمد، والجمهور، والأحاديث الصحيحة تشهد له ". ثم قال:
..............................................................................
" وأما المنفرد؛ فحكى الطحاوي، وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله
الطحاوي حجة؛ لكون الإمام يجمع بينهما؛ للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد ".
لكن أشار صاحب " الهداية " إلى خلاف عندهم في المنفرد.
قلت: ولكنه اختار له الجمع بينهما، وهو الصحيح؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
" صلوا كما رأيتموني أصلي "(*) .
وزيادة (اللهم) وردت عند أبي داود (1/99) في رواية له من حديث مصعب بن
محمد عن أبي صالح عن أبي هريرة - وقد مضى الشطر الأول من الحديث في (التكبير)
[ص 191] ، وذكرنا هناك أن سنده جيد -، وكذلك وردت عند ابن ماجه (1/279) من
طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح به.
ولها طريق أخرى عند الدارقطني (129) عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد: ثنا
يحيى بن عمرو بن عمارة: سمعت ابن ثابت بن ثوبان يقول: ثني عبد الله بن الفَضْل
عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" إذا قال الإمام: (سمع الله لمن حمده) . فليقل من وراءه: (اللهم ربنا! ولك
الحمد) ".
ويحيى بن عمرو هذا لم أجد من ذكره (**) ، وبقية رجاله موثقون.
_________
(*) وقال شيخنا رحمه الله في حاشيته على " صفة الصلاة " المطبوع - بعد أن ذكر كلاماً هو
تلخيص لما تقدم في هذه المسألة -:
" (تنبيه) :
…
وليتأمل هذا بعض الأفاضل الذين راجعونا في هذه المسألة، فلعل فيما ذكرنا ما يقنع.
ومن شاء زيادة الاطلاع؛ فليراجع رسالة الحافظ السُّيُوطي في هذه المسألة " دفع التشنيع في حكم
التسميع " ضمن كتابه " الحاوي للفتاوي " (1/529) ".
(**) مترجم في " الجرح والتعديل "(9/177) دون جرح أو تعديل.
" يسمع اللهُ لكم (1) ؛ فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع
الله لمنَ حمده " (2) .
وله شاهد من حديث سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري.
أخرجه ابن ماجه (1/286) .
وسنده حسن.
وهو عند البيهقي، وأحمد بلفظ:
" اللهم ربنا! لك الحمد ". بدون الواو. وقد مر في (التكبير) .
وأخرجه الحاكم، والبيهقي من طريق أخرى عن سعيد بلفظ:
" ربنا! ولك الحمد ".
وسنده صحيح - كما مضى هناك -.
وثبتت الزيادة أيضاً في رواية من حديث أبي موسى الأشعري - كما يأتي بعد
هذا -.
(1)
أي: يستجبْ دعاءكم.
(2)
هو من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه بلفظ:
" وإذا قال: (سمع الله لمن حمده) . فقولوا: (اللهم ربنا! لك الحمد) . يسمع الله
لكم
…
" الحديث. وقد مضى بتمامه وتخريجه في (التأمين)[ص 387] .
وفي رواية للنسائي (1/162)، والطحاوي (1/140) بلفظ:
" اللهم ربنا! ولك الحمد ". بزيادة الواو. وهو رواية في حديث أبي هريرة الآتي.
وعَلَّلَ الأمرَ بذلك في حديث آخر بقوله:
" فإنه من وافق قوله قول الملائكة (1) ؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه "(2) .
(1) قال الحافظ ابن حجر: فيه إشعار بأن الملائكة تقول ما يقول المأموم.
وقال ابن عبد البر: الوجه عندي في هذا - والله أعلم - تعظيم فضل الذكر، وأنه
يحط الأوزار، ويغفر الذنوب، وقد أخبر الله عن الملائكة أنهم يستغفرون للذين آمنوا،
فمن كان منه من القول مثل هذا بإخلاص، واجتهاد، ونية صادقة، وتوبة صحيحة؛
غفرت ذنوبه إن شاء الله تعالى. قال: ومثل هذه الأحاديث المشكلةِ المعاني البعيدةِ
التأويلِ عن مخارج لفظها واجبٌ رَدُّها إلى الأصول المجتمع عليها. كذا في " التنوير ".
(2)
هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا قال الإمام: (سمع الله لمن حمده) . فقولوا: (اللهم ربنا! لك الحمد) .
فإنه
…
" الحديث.
أخرجه مالك (1/111) ، ومن طريقه البخاري (2/225 - 226) ، ومسلم (2/17) ،
و {أبو عوانة [2/179] } ، وأبو داود (1/135) ، والنسائي (1/162) ، والترمذي
(2/55) ، والطحاوي (1/140) ، والبيهقي (2/96) - كلهم عن مالك - عن سُمَيٍّ مولى
أبي بكر عن أبي صالح السَّمَّان عنه.
وأخرجه أحمد (2/417) من طريق سُهيل عن أبيه به نحوه، وفيه:
" اللهم ربنا! ولك الحمد ". بزيادة الواو.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وله عند مسلم (2/20) ، و {أبي عوانة [2/109] } طريق أخرى روياه عن شعبة
عن يعلى بن عطاء: سمعتُ أبا علقمة: سمعت أبا هريرة به نحو حديث مالك.
وكان يرفع (1) يديه عند هذا الاعتدال على الوجوه المتقدمة في تكبيرة
الإحرام، ويقول وهو قائم - كما مر آنفاً -:
1-
" ربنا! ولك الحمد ". وتارةً يقول:
2-
" ربنا! لك الحمد ". بدون الواو.
وكذلك أخرجه الطحاوي (1/140) ، والطيالسي، وأحمد. وفي رواية له (2/467)
مثل رواية سهيل المذكورة. وقد تقدم لفظه بتمامه في (القيام)[ص 87] .
وسنده سند مسلم.
(1)
وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك عن جمع من الصحابة - وقد بلغوا
العشرين - في (الرفع عند الركوع) ، وذكرنا أقوال العلماء في هذه المسألة، وأسماء من
ذهب إلى مشروعية ذلك من الحنفية، فراجعه إن شئت [ص 601 - 622] .
1-
هو رواية في حديث أبي هريرة المذكور فيما سبق. ويشهد له أحاديث:
منها: عن ابن عمر في " الصحيحين " وغيرهما. وقد مضى في (رفع اليدين) .
ومنها: عن عائشة: عند البخاري (2/427) ، ومسلم (3/28) ، والطحاوي
(1/141) وغيرهم في حديث صلاة الكسوف.
ومنها: عن أبي سعيد الخدري في رواية عنه - كما يأتي -.
2-
هو رواية من حديث أبي هريرة المار سابقاً.
وله شواهد:
منها: عن حذيفة. وقد ذُكر لفظه بتمامه في (القراءة في صلاة الليل) .
ومنها: عن أبي سعيد: عند مسلم وغيره - كما يأتي -.
وأحياناً يقول:
3-
" اللهم ربنا! ولك الحمد ". تارة بالواو.
3- إن إنكار ابن القيم في " الزاد "(1/78) لصحة هذه الرواية الجامعة بين:
(اللهم!) و: (الواو) ؛ ذهولٌ منه لا يجوز أن يُغتر به؛ لثبوتها في " البخاري " وغيره؛
ولذلك تعجب منه الزرقاني في " شرح المواهب "(7/318) ، ورد عليه الحافظ في " الفتح "
(2/225) .
وقد أخرجها البخاري (2/224) ، وأحمد أيضاً (2/452) من طرق عن ابن أبي
ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده "؛ قال:
" اللهم ربنا! ولك الحمد ".
وقد وجدت له طريقاً أخرى أخرجها النسائي (1/162) ، وأحمد (2/270) عن
عبد الرزاق قال: ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع؛ قال:
" اللهم ربنا! ولك الحمد ".
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
وله شواهد:
منها: عن ابن عمر في رواية عنه من حديثه المتقدم في (رفع اليدين) .
أخرجها الدارمي (1/300) .
ومنها: عن أبي سعيد الخدري: عند البيهقي (2/94) . ويأتي قريباً إن شاء الله
تعالى.
..............................................................................
وقد ثبتت هذه الرواية من حديث أبي هريرة أيضاً من طرق عنه أمْراً بها، وكذا من
حديث أبي سعيد الخدري، وأبي موسى الأشعري. وقد سبق تخريجها قريباً.
وروى البيهقي (2/96) القول بها عن علي بن أبي طالب من طريق أبي إسحاق
عن الحارث عنه.
وبالجملة؛ فمجيء هذه الرواية من هذه الطرق المختلفة عن هؤلاء الصحابة مما يبعد
القول بعدم صحتها - كما فعل ابن القيم - كلَّ البعد.
وأما قول الشوكاني - بعد أن حكى كلام ابن القيم (2/210) -:
" وأقول: قد ثبت الجمع بينهما في " صحيح البخاري " في (باب صلاة القاعد) من
حديث أنس بلفظ:
" وإذا قال: (سمع الله لمن حمده) . فقولوا: (اللهم ربنا! ولك الحمد) ". وقد
تطابقت على هذا اللفظ النسخ الصحيحة من " صحيح البخاري ".
كذا قال! ولم أجده بهذا اللفظ في شيء من النسخ المطبوعة، وإنما هو في الباب
المذكور (2/467) بلفظ:
" ربنا! ولك الحمد ".. بدون: " اللهم! ".
وكذلك ورد في (باب إنما جعل الإمام ليؤتم به) من " صحيحه "(2/143) ، وعليه
مشى الحافظ في " شرحه "، ولم يُشِرْ أدنى إشارة إلى هذه الزيادة من حديث أنس.
وكذلك ورد الحديث بدون الزيادة في " صحيح مسلم "(2/18) ، و " سنن أبي داود "
(1/98) ، والنسائي (1/162) ، والترمذي (2/194) ، والدارمي (1/387) ، وابن ماجه
(1/374) ، ومالك (1/155) وغيرهم.
وقد مضى الحديث في (الصلاة قاعداً) - فلعل النُّسخَ التي أشار إليها الشوكاني
وتارة بدونها:
4-
" اللهم ربنا! لك الحمد ".
نُسِخَت عن نسخة شاذة غير صحيحة. والله أعلم.
ثم قال الحافظ في شرح حديث أبي هريرة:
" قوله: (اللهم ربنا!) : ثبت في أكثر الطرق هكذا، وفي بعضها بحذف: " اللهم! "،
وثبوتها أرجح، وكلاهما جائز، وفي ثبوتها تكرير النداء؛ كأنه قال: يا الله! يا ربنا!
قوله: (ولك الحمد) : كذا ثبت زيادة الواو في طرق كثيرة، وفي بعضها - كما في
الباب الذي يليه - بحذفها. قال النووي: المختار لا ترجيح لأحدهما على الآخر. وقال
ابن دقيق العيد: كأن إثبات الواو دال على معنى زائد؛ لأنه يكون التقدير مثلاً: (ربنا!
استجب ولك الحمد) ؛ فيشتمل على معنى الدعاء، ومعنى الخبر ".
4-
هو رواية من حديث أبي هريرة المتقدم آنفاً من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد
المقبري عنه.
أخرجه بهذا اللفظ الطيالسي (305) ، والطحاوي (1/141) ، والبيهقي (2/95) .
وله شواهد:
منها: عن علي بن أبي طالب في حديثه الطويل في أذكار الصلاة. وقد مضى في
(الاستفتاح) .
أخرجه بهذا اللفظ مسلم، والترمذي، والطحاوي (1/140) ، والدارقطني (130) ،
والبيهقي، والطيالسي.
ورواه أبو داود، والترمذي (2/53) ، وأحمد، وكذا مسلم في رواية، وابن نصر
(76)
، والدارقطني أيضاً في رواية بلفظ:
..............................................................................
" ربنا! ولك الحمد ".
وكذلك رواه الدارمي (1/301) ؛ إلا أنه لم يذكر فيه (الواو) .
ومنها: عن عبد الله بن أبي أوفى.
أخرجه مسلم (2/46 - 47) ، وأبو داود (1/135) ، وابن ماجه (1/286) ، وأحمد
(4/353 و 354 و 381) ، والطحاوي (1/140 - 141) ، والبيهقي (2/94) .
وفي الباب عن ابن عباس، وأبي سعيد - كما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى -. قال
النووي في " المجموع "(3/418) - بعد أن ذكره بهذا اللفظ والألفاظ الثلاثة التي قبله -:
" وكله في " الصحيح ". قال الشافعي والأصحاب: كله جائز ". ثم قال:
" قال صاحب " الحاوي " وغيره: يستحب للإمام أن يجهر بقوله: (سمع الله لمن
حمده) ؛ ليسمعَ المأمومون، ويعلموا انتقاله، كما يجهر بالتكبير، ويسر بقوله: (ربنا! لك
الحمد) ؛ لأنه يفعله في الاعتدال، فأسر به؛ كالتسبيح في الركوع والسجود. وأما
المأموم؛ فيُسِرُّ بهما، كما يُسِرُّ بالتكبير، فإن أراد تبليغَ غيره انتقالَ الإمامِ - كما يبلغ
التكبيرَ -؛ جهر بقوله: (سمع الله لمن حمده) ؛ لأنه المشروع في حال الارتفاع، ولا يجهر
بقوله: (ربنا! لك الحمد) ؛ لأنه إنما يشرع في حال الاعتدال ".
قلت: وفي جهر الإمام بالتسميع حديث أبي سعيد الخدري:
أنه جهر بالتكبير حين افتتح الصلاة
…
الحديث. وفيه: وحين قال: " سمع الله لمن
حمده "
…
الحديث. وفيه: هكذا رأيت رسول الله يصلي.
وقد مضى في (التكبير) . ولكنه ليس صريحاً في ذلك؛ لاحتمال أن يكون المراد:
وجهر بالتكبير حين قال: " سمع الله لمن حمده ". ويعني به: التكبير للهُويّ إلى السجود،
ويحتمل أن المراد: وجهر حين قال: " سمع الله لمن حمده ". أي: به. والله أعلم.
{وكان يأمر بذلك، فيقول:
" إذا قال الإمام: (سمع الله لمن حمده) . فقولوا: (اللهم رَبَّنا! لك
الحمد) ؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه " (*) } .
وكان تارةً يزيد على ذلك إما:
5-
" ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد ".
وإما:
(*) سبق تخريجه (ص 681) ، وتقدم في (القيام)(ص 87) .
5-
هو من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا رفع ظهره من الركوع؛ قال:
" سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا! لك الحمد، ملء السماوات
…
". إلخ دون الزيادة (*) .
أخرجه مسلم (2/46 - 47) ، وأبو عوانة (2/177) ، وأبو داود، وابن ماجه،
والطحاوي، والبيهقي، وأحمد - كما سبق قريباً -؛ رووه كلهم - حاشا الطحاوي - عن
الأعمش عن عبيد بن الحسن عنه.
وقد تابعه قيس بن الربيع: عند الطيالسي - كما يأتي -.
وكذلك تابعه مِسْعَر: عند أحمد (4/355 و 356)، لكن لم يقل:
إذا رفع ظهره من الركوع.
_________
(*) يعني: قوله: " اللهم! طهرني بالثلج والبرد، والماء البارد. اللهم! طهرني من الذنوب
والخطايا؛ كما ينقى الثوبُ الأبيض من الوسخ (وفي لفظ: الدرن. وفي آخر: الدَّنَس) ".
وهذه زيادة كان الشيخ قد أثبتها في المتن، ثم ضرب عليها، وقال:
" ضربنا عليه؛ لأنه ليس في شيء من طرقه أنه كان يقوله بعد الركوع، وإنما هو مطلق ". وقد
أثبتناه؛ لما له من تعلق بالتخريج كما سيمر معك.
..............................................................................
وكذلك أخرجه الطحاوي عن شعبة: أخبرني عبيد بن حسن به.
وكذلك أخرجه مسلم، وأحمد في رواية.
وأخرجه الطيالسي (110) قال: ثنا شعبة وقيس عن عُبيد بن الحسن به. قال أبو
داود:
" قال قيس في حديثه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا إذا رفع رأسه من الركوع ". ثم
قال أبو داود:
" قال شعبة: وسمعت مَجْزأة بن زاهر يقول: سمعت ابن أبي أوفى يذكر هذا الدعاء
وزاد فيه: " اللهم! طهرني
…
" إلخ.
وكذلك أخرجه مسلم، والبخاري في " الأدب المفرد "(99) .
وتابعه عنده (98) إسرائيل عن مَجْزَأَة، وأحمد (4/354) عن شعبة به مرفوعاً
مصرحاً به. لكنه مطلق أيضاً؛ ليس فيه تقييده بما بعد الركوع.
وروى النسائي (1/70) منه هذه الزيادة.
وتابعه عنده رقبة عن مجزأة، والترمذي (2/271 - طبع بولاق) من طريق أخرى.
وله كذلك طريق أخرى أخرجه الإمام أحمد (4/381) عن ليث عن مُدْرِك عن
عبد الله بن أبي أوفى:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو؛ فيقول:
" اللهم! طهرني بالثلج
…
" إلخ. وزاد:
" وباعد بيني وبين ذنوبي؛ كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم! إني أعوذ بك
من قلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع، وعلم لا ينفع، اللهم! إني أعوذ
بك من هؤلاء الأربع، اللهم! إني أسألك عيشة نقية، وميتة سوية، ومردّاً غيرَ مُخزٍ ".
..............................................................................
وليث هو: ابن أبي سليم، وفيه كلام. ومدرك هو: ابن عمارة بن عُقبة، روى عنه
جمع، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وهو من رجال " التعجيل ".
فقد ظهر بهذه الطرق أن قوله: " اللهم! طهرني
…
". لم يأت ولو في طريق واحد
أنه كان يقوله بعد الركوع.
فعليه: فإيراده فيما يقال بعد الركوع - كما فعل ابن القيم في " زاد المعاد "، وغيره
في غيره - ليس بجيد. فتنبه.
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: " سمع الله لمن حمده ". قال:
" اللهم ربنا! لك الحمد ملء السماوات
…
" إلخ.
أخرجه مسلم (2/48) ، و {أبو عوانة [2/176] } ، والنسائي (1/162) ، والطحاوي
(1/140) ، والبيهقي (2/94)، وأحمد (1/370) من طرق عن هشام بن حسان: ثنا
قيس بن سعد عن عطاء عنه.
وأخرجه أحمد (1/270) من طريق حماد - يعني: ابن سلمة - عن قيس بن سعد
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
وكذلك أخرجه أيضاً (1/275 و 333) من طرق أخرى عن سعيد بن جبير به.
ثم أخرجه مسلم، {وأبو عوانة [2/177] } ، والبيهقي من طريق هُشيم بن بَشِير
عن هشام بن حسان به بزيادة:
" أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك
الجد ".
6-
" مِلْءَ (1) السماوات، و [مِلْءَ] الأرض، و [مِلْءَ] ما بينهما، ومِلْءَ ما
شئت من شيء بعد " (2) .
وله شاهد من حديث ابن مسعود.
أخرجه الطبراني في " الكبير " من طرق في بعضها: أشعث بن سَوَّار، وفي
الأخرى: محمد بن أبي ليلى، وفي كل منهما ضعف.
(1)
بكسر الميم، وبنصب الهمزة بعد اللام ورفعها. واختلف في الراجح منهما،
والأشهر النصب. كما قال النووي. قال العلماء: معناه: حمداً لو كان أجساماً؛ لملأ
السماوات والأرض. وقال السندي:
" تمثيل وتقريب. والمراد تكثير العدد، أو تعظيم القدر. " وملء ما شئت من شيء
بعد ": كالعرض والكرسي ونحوهما مما في مقدور الله تعالى ".
(2)
روى ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديثه الطويل المتقدم
[ص 242] ، والزيادتان عند مسلم، والترمذي، وابن نصر، والبيهقي في رواية،
والطيالسي. والأولى فقط عند أبي داود، والدارقطني. والثانية عند الدارمي. قال
الترمذي - بعد أن ساق الحديث -:
" والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي؛ قال: يقول هذا في
المكتوبة والتطوع. وقال بعض أهل الكوفة: يقول هذا في صلاة التطوع، ولا يقولها في
صلاة المكتوبة ".
قلت: والصواب ما قاله الشافعي؛ لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وهو قول الإمام أحمد
وإسحاق بن راهويه؛ فقد قال إسحاق بن منصور المروزي في " مسائله ":
" قلت - يعني لأحمد -: إذا رفع رأسه من الركوع يزيدُ على " ربنا! ولك الحمد "؟
قال: إذا كان وحده؛ يقول: " ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء
..............................................................................
بعد ". وإذا كان خلف الإمام فقال الإمام: " سمع الله لمن حمده ". وقال من خلفه: " ربنا!
ولك الحمد ". وإن شاء قال: " اللهم ربنا! ولك الحمد ". قال إسحاق - يعني: ابن راهويه -:
كما قال - يعني: أحمد -، ولكن من خلفه يقولون مثل ما قال الإمام: " ربنا! ولك
الحمد " إلى قوله: " ما شئت من شيء بعد ". وإن مدَّ إلى: " منك الجد " إذا كان إماماً؛
أحب إلي في المكتوبة والتطوع ". اهـ.
والظاهر أنه سقط من جواب الإمام أحمد شيء من الكلام، ولعل ما في " مسائل
أبي داود " عنه يتمه ويوضحه. قال أبو داود (33 - 34) :
" سمعت أحمد سئل: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع مع الإمام؟ قال: إذا قال
الإمام: " سمع الله لمن حمده، ربنا! ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض،
وملء ما شئت من شيء بعد ". يقول من خلفه: " ربنا! لك الحمد ". وإن شاؤوا: " اللهم
ربنا! لك الحمد ". لا يزيدون على ذلك ". قال أبو داود:
" وسمعته سئل عن إمام رفع رأسه فأطال القيام؟ قال: لا يقول من خلفه إلا: " ربنا!
ولك الحمد ". ثم قال أبو داود:
" قلت لأحمد مرة أخرى: أدعو بدعاء ابن أبي أوفى إذا رفعت رأسي من الركوع؟
قال: إذا كنت تصلي وحدك؛ تقوله، أو يكون الإمام يقوله. قلت: في الفريضة؟ قال:
نعم ". اهـ.
فكلام أحمد متفق مع كلام إسحاق والشافعي في استحباب ذلك في المكتوبة،
لكن أحمد كان يمنع المؤتم من ذلك، ولعله خشية أن تفوتَه متابعة الإمام بسبب ذلك،
ولكنه رجع أخيراً إلى استحباب ذلك؛ إذا كان الإمام يطيل القيام، ويقول ذلك، وهذا
هو الحق؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
وتارة يضيف إلى ذلك قوله:
7-
" أهل (1) الثناء والمجد، لا مانع لما (2) أعطيت، ولا معطي لما (2) منعت،
ولا ينفع ذا الجَدِّ (3) منك الجَدُّ ".
" صلوا كما رأيتموني أصلي ". وقوله:
" إنما جعل الإمام ليؤتم به ".
ثم ما تقدم في رواية المروزي: " وإن شاء قال: " اللهم ربنا! ولك الحمد " ". كذا في
النسخة الظاهرية، وأخشى أن تكون الواو زائدة؛ فقد قال أبو داود في " مسائله " (34) :
" قلت لأحمد: إذا قال: " اللهم! " لا يقول - يعني: الواو في: " ربنا! ولك الحمد " -؟
قال: نعم ".
فهذا نص صريح منه في أنه لا يرى الجمع بين: " اللهم! " و: (الواو) ، ولعل ذلك
مستند ابن القيم في إنكار ذلك، وقد سبق الرد عليه، وبيان الروايات الواردة في الجمع
بينهما.
7-
هو من حديث ابن عباس رضي الله عنه في رواية لمسلم، {وأبي عوانة} ،
والبيهقي. وقد سبق قريباً.
(1)
بالنصب على الاختصاص والمدح، أو بتقدير: يا أهلَ الثناء! أو بالرفع بتقدير:
أنت أهلُ الثناء. و (المجد) : العظمة، ونهاية الشرف.
(2)
(ما) هنا: يعم العقلاء وغيرهم. كما قال السندي.
(3)
بالفتح على الصحيح المشهور - كما قال النووي -. وهو الحظ والغنى، والعظمة
والسلطان؛ أي: لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد، والعظمة والسلطان منك حظُّه؛
أي: لا ينجيه حظُّه منك، وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح؛ كقوله تعالى: {المَالُ
وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ} .
وتارة تكون بإضافة:
8-
" ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد،
8- هو من حديث أبي سعيد الخدري قال:
كإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع؛ قال:
" ربنا! لك الحمد ملء السماوات
…
" إلخ.
أخرجه الدارمي (1/301) ، وعنه مسلم (2/47) ، {وأبو عوانة [2/176] } ،
والبيهقي (2/94) ، وأبو داود (1/135) ، والنسائي (1/163) ، والطحاوي (1/141) ،
وابن نصر (77) ، والبيهقي أيضاً، وأحمد (3/87) ؛ كلهم - إلا ابن نصر - عن سعيد بن
عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قَزَعَةَ عنه. وأما ابن نصر؛ فقال: عن سُويد بن
عبد العزيز: ثني بُريد ابن أبي مريم عن قَزَعَةَ به.
والزيادتان عند الدارمي، ومسلم، وابن نصر. والأخرى منهما عند أبي داود،
{وأبي عوانة} .
وللحديث شاهد من حديث شَرِيك عن أبي عمر - وهو المَنْبِهي - قال: سمعت أبا
جُحَيفة يقول:
ذكرت الجدود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة؛ فقال رجل: جد فلان في
الخيل. وقال آخر: جد فلان في الإبل. وقال آخر: جد فلان في الغنم. وقال آخر:
جد فلان في الرقيق. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ورفع رأسه من آخر الركعة؛
قال:
" اللهم ربنا! لك الحمد
…
" إلخ. دون قوله: " أهل الثناء " إلى قوله: " وكلنا لك
عبد ". وزاد:
وطوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بالجد؛ ليعلموا أنه ليس كما يقولون.
أهل الثناء والمجد، أحق (1) ما قال العبد - وكلنا لك عبد -[اللهم!] لا مانع
لما أعطيت، [ولا معطي لما منعت] ، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ ".
وتارة يقول في صلاة الليل:
9-
" لربي الحمد، لربي الحمد ". يكرر ذلك؛ حتى كان قيامه نحواً
من ركوعه الذي كان قريباً من قيامه الأول، وكان قرأ فيه سورة {البَقَرَة} .
أخرجه ابن ماجه (1/286 - 287) ، والطحاوي (1/141) بنحوه.
وأبو عمر هذا: مجهول - كما في " التقريب " وغيره -؛ تفرد عنه شريك هذا - وهو:
ابن عبد الله -؛ كما في " الميزان " وغيره.
(1)
مبتدأ خبره: " اللهم! لا مانع
…
" إلخ. واعترض بينهما: " وكلنا لك عبد ".
قال النووي:
" وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب؛ للاهتمام به، وارتباطه بالكلام السابق،
وتقديره هنا: أحق قول العبد: لا مانع لما أعطيت
…
، وكلنا لك عبد. فينبغي لنا أن
نقوله.
وفي هذا الكلام دليل ظاهر على فضيلة هذا اللفظ؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا
ينطق عن الهوى - أن هذا أحق ما قاله العبد، فينبغي أن نحافظ عليه؛ لأن كلنا عبد،
ولا نهمله، وإنما كان أحق ما قاله العبد؛ لما فيه من التفويض إلى الله تعالى، والإذعان
له، والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به، والحث على الزهادة
في الدنيا، والإقبال على الأعمال الصالحة ".
9-
هو من حديث حذيفة رضي الله عنه: عند أصحاب " السنن " وغيرهم. وقد
مضى لفظه بتمامه في آخر نوع من (أدعية الاستفتاح) ، {وهو مخرج في " الإرواء "
(335)
} .
10-
" ربنا! ولك الحمد؛ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، [مباركاً
10- هو من حديث رِفاعة بن رافع قال:
كنا يوماً نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
أخرجه مالك (1/214) ، وعنه البخاري (2/227 - 228) ، وأبو داود (1/123) ،
والنسائي (1/162) ، والبيهقي (2/95) ، وأحمد (4/340) - كلهم عن مالك - عن
نُعَيم بن عبد الله المُجْمِر عن علي بن يحيى الزُّرَقي عن أبيه عنه.
وكذلك أخرجه الحاكم (1/225) عن مالك، وقال:
" صحيح. ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي. وقد وهما في الاستدراك على البخاري.
وله طريق أخرى - وفيها الزيادة - عند أبي داود، والنسائي (1/147) ، والترمذي
(2/254 - 255) ، والبيهقي عن رِفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رِفاعة بن رافع الزُّرَقي
عن عم أبيه مُعاذ بن رفاعة عن أبيه بلفظ:
صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعطست؛ فقلت: الحمد لله؛ حمداً كثيراً طيباً مباركاً
فيه، مباركاً عليه؛ كما يحب ربنا ويرضى. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ انصرف فقال:
" من المتكلم في الصلاة؟ ". فلم يتكلم أحد. ثم قالها الثانية:
" من المتكلم في الصلاة؟ ". فلم يتكلم أحد. ثم قالها الثالثة:
" من المتكلم في الصلاة؟ ".
فقال رفاعة بن رافعِ ابن عفراء: أنا يا رسول الله!
…
الحديث. والباقي نحوه. وقال
الترمذي:
" حديث حسن ". وهو كما قال. وفيه زيادات ليست في الأول، كما أن في هذا أن
ذلك كان بعد العطاس، وفي ذاك أنه كان بعد الركوع، وقد جمع الحافظ بينهما بأن
العطاس كان وقع بعد الرفع من الركوع.
عليه (1) ؛ كما يحب ربنا ويرضى] ".
قاله رجل كان يصلي وراءه صلى الله عليه وسلم بعدما رفع صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة وقال:
" سمع الله لمن حمده "، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال:
" من المتكلم آنفاً؟ ". فقال الرجل: أنا يا رسول الله! فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
وللحديث شواهد:
منها: عن عامر بن ربيعة: عند أبي داود بنحو حديث رِفاعة بن يحيى.
وسنده ضعيف. وأما العراقي؛ فقال في " تخريج الإحياء "(2/183) :
" وإسناده جيد "!
ومنها: عن ابن عمرو: عند البزار.
وعن ابن عمر: عند الطبراني في " الكبير " بنحو حديث مالك.
وإسناد كل منهما ضعيف.
وعن وائل بن حُجْر، وليس فيه ذكر الركوع ولا العطاس.
رواه النسائي، وأحمد (4/317) . ورجاله ثقات رجال مسلم، لكنه منقطع.
(1)
قال الحافظ:
" يحتمل أن يكون تأكيداً - يعني: لقوله: مباركاً فيه. قال: -، وهو الظاهر. وقيل:
الأول: بمعنى الزيادة. والثاني: بمعنى البقاء. قال: وأما قوله: (كما يحب ربنا ويرضى) ؛
ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد ". اهـ.
وفي الحديث هذا الذكر في هذا الموضع، ويستحب أن يضم إليه ما سبق من الأنواع
مما كان يقوله عليه الصلاة والسلام على اختلاف الأحوال؛ إذا كان يريد إطالة هذا القيام؛
" لقد رأيت بضعة (1) وثلاثين ملكاً يَبْتَدِرُوْنَها (2) ؛ أيهم يكتبها أولاً (3) ".
اتباعاً للسنة - كما ذكرنا فيما تقدم، ويأتي قريباً -. وقد قال النووي في " الأذكار ":
" يستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها، فإن اقتصر؛ فعلى: " سمع الله لمن
حمده، ربنا! لك الحمد ". فلا أقل من ذلك ".
قلت: وهو بهذا الكلام يخالف لما هو الأصح من مذهب الشافعية؛ وهو أن الصلاة
تبطل بإطالة هذا الاعتدال؛ لأنه ركن قصير عندهم. ولكن النووي رحمه الله ليس
بالإمَّعة، بل شأنه شأن المحققين المنصفين من العلماء؛ يدورون مع الحق حيث دار؛ غير
متحيزين لفئة، ولا متعصبين لمذهب؛ بل يتبعون ما صح عندهم من السنة المحمدية.
وقد ذكر في " المجموع "(4/126 - 127) الخلاف في هذه المسألة، ثم عقب ذلك بذكر
حديث حذيفة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وفيه:
أنه قرأ في ركعة بـ: {البَقَرَة} و {النِّسَاء} و {آلِ عِمْرَان} ، ثم ركع نحواً من
قيامه. ثم قال:
" سمع الله لمن حمده، ربنا! لك الحمد ". ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع. ثم قال
النووي:
" وفيه التصريح بجواز إطالة الاعتدال بالذكر، والجواب عنه صعب على من منع
الإطالة؛ فالأقوى جوازها بالذكر ". اهـ.
وإلى هذا ذهب المحقق ابن دقيق العيد - كما سيأتي كلامه في ذلك قريباً -.
(1)
فيه رد على من زعم - كالجوهري - أن البضع يختص بما دون العشرين. كذا في " الفتح ".
(2)
أي: يَسْتَبِقُون في كتابتها؛ يريد كل منهم أن يسبق صاحبه في ذلك،
قاصدين (أيهم يكتبها أولاً) ؛ أي: سابقاً، وقبل الآخرين. وضمير التأنيث لهذه الكلمات.
(3)
روي بالنصب على الحال، وروي بالضم على البناء؛ لقطعه عن الإضافة.