المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إطالة هذا القيام، ووجوب الاطمئنان فيه - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌جَوَازُ الاقتِصَارِ على {الفَاتِحَة}

- ‌الجهرُ والإسرارُ في الصَّلوَاتِ الخَمْسِ وغَيْرِها

- ‌الجَهْرُ والإسْرارُ في القراءةِ في صلاةِ الليل

- ‌ما كانَ يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصلوات

- ‌1- صلاةُ الفجر

- ‌القراءةُ في سُنَّةِ الفَجْرِ

- ‌2- صلاة الظهر

- ‌قراءته صلى الله عليه وسلم آياتٍ بعدَ {الفَاتِحَة} في الأخِيرَتَيْنِ

- ‌3- صلاة العصر

- ‌4- صلاة المغرب

- ‌القراءة في سُنَّة المغرب

- ‌5- صلاة العشاء

- ‌6- صلاة الليل

- ‌7- صلاةُ الوَِتْرِ

- ‌القراءة في الركعتين بعد الوتر

- ‌8- صلاة الجمعة

- ‌9- صلاة العيدين

- ‌10- صلاة الجنازة

- ‌تَرْتيلُ القراءةِ وتحسينُ الصوت بها

- ‌الفَتْحُ على الإمام

- ‌الاستعاذةُ والتَّفْلُ في الصلاة لِدفع الوسوسة

- ‌الركوع

- ‌صفة الركوع

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في الركوع

- ‌أذكار الركوع

- ‌إطالة الركوع

- ‌النهي عن قراءةِ القرآنِ في الركوع

- ‌الاعتدال من الركوع، وما يقولُ فيه

- ‌إطالةُ هذا القيام، ووجوبُ الاطمئنان فيه

- ‌السجود

- ‌التكبير ورفع اليدين عند الهوي إلى السجود

- ‌الخرور إلى السجود على اليدين

- ‌[صفة السجود]

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في السُّجود

- ‌أذكارُ السُّجود

- ‌النهيُ عن قراءة القرآن في السُّجود

- ‌إطالةُ السُّجود

- ‌فضل السجود

- ‌السُّجودُ على الأرضِ والحَصِير

- ‌الرَّفعُ مِنَ السُّجود

- ‌الافتراش أو الإقْعَاءُ بن السَّجْدتين

الفصل: ‌إطالة هذا القيام، ووجوب الاطمئنان فيه

‌إطالةُ هذا القيام، ووجوبُ الاطمئنان فيه

وكان صلى الله عليه وسلم يجعل قيامه هذا قريباً من ركوعه - كما تقدم - (1) ؛ بل " كان

(1) هو من حديث البراء بن عازب. وقد سبق أواخر (الركوع) تخريجه

[ص 667] . قال في " الفتح ":

" قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل، وحديث

أنس - يعني: الآتي بعده - أصرح في الدلالة على ذلك، بل هو نص فيه؛ فلا ينبغي

العدول عنه لدليل ضعيف؛ وهو قولهم: لم يُسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع

والسجود. ووجهُ ضعفهِ أنه قياس في مقابلة النص، وهو فاسد.

وأيضاً؛ فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع؛ فتكرير

" سبحان ربي العظيم " ثلاثاً يجيء قدر قوله: " اللهم ربنا! ولك الحمد؛ حمداً كثيراً طيباً

مباركاً فيه ". وقد شُرع في الاعتدال ذكر أطول - ثم ذكر ما تقدم من حديث أبي سعيد

الخدري وغيره -.

وقد تقدم في الحديث الذي قبله ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على من زاد في الاعتدال

ذكراً غير مأثور. ومن ثَمَّ اختار النووي جواز تطويل الركن القصير بالذكر؛ خلافاً للمرجح

في المذهب ". كما سبق قريباً. قال الحافظ:

" وقد أشار الشافعي في " الأم " (1/98) إِلى عدم البطلان؛ فقال في ترجمة (كيف

القيام من الركوع) : ولو أطال القيام بذكر الله، أو يدعو ساهياً، وهو لا ينوي به القنوت؛

كرهتُ له ذلك، ولا إعادة

إلى آخر كلامه. فالعجب ممن يصحح - مع هذا - بطلان

الصلاة بتطويل الاعتدال! وتوجيههم ذلك أنه (إذا أطيل؛ انتفت الموالاة) معترض بأن

معنى الموالاة: أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها، وما ورد به الشرع لا

يصح نفي كونه منها ". انتهى.

ص: 698

يقوم أحياناً حتى يقول القائل: قد نسي (1) ؛ [من طول ما يقوم] " (2) .

وقولهم: لم يسن فيه تكرار التسبيحات

إلخ. مخالف لما سبق أنه صلى الله عليه وسلم كان

يكرر فيه قوله: " لربي الحمد، لربي الحمد ". فسقط اعتبار هذا القول والقياس عليه من

أصله؛ فلا يلتفت إليه.

(1)

أي: نسي وجوب الهوي إلى السجود. ويحتمل أن يكون المراد: أنه نسي أنه

في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت. من " الفتح ".

(2)

هو من حديث أنس بن مالك. رواه ثابت عنه قال:

إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. فكان أنس يصنع

شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع؛ انتصب قائماً، حتى يقول

القائل: قد نسي. وإذا رفع رأسه من السجدة؛ مكث، حتى يقول القائل: قد نسي.

أخرجه البخاري (2/239) ، ومسلم (2/45) ، والبيهقي (2/98 و 121) من طريق

حماد بن زيد عنه.

وقد تابعه حماد بن سلمة عنه.

أخرجه مسلم، وأبو داود (1/136) ، وأحمد (3/247) من طرق عنه به، وزاد أبو

داود في السند حميداً. قرنه مع ثابت.

وسليمان - وهو: ابن المغيرة - عنه نحوه.

أخرجه أحمد (3/223) .

ومعمر عنده أيضاً (3/162) .

ورواه شعبة عنه مختصراً قال:

كان أنس يَنْعَتُ لنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان يصلي، وإذا رفع رأسه من الركوع؛ قام

حتى نقول: قد نسي.

ص: 699

وكان يأمر بالاطمئنان فيه؛ فقال (للمسيء صلاته) :

" ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً؛ [فيأخذ كل عظم مَأْخَذَه] "، (وفي

رواية: " وإذا رفعت؛ فأقم صلبك، وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى

مفاصلها ") وذكر له:

" أنه لا تتم صلاة لأحد من الناس إذا لم يفعل ذلك "(1) . وكان يقول:

أخرجه البخاري (2/228 - 229) ، والبيهقي (2/97) ، والطيالسي (272) ،

وأحمد (3/172) ، والزيادة عندهما، وهي عند الإسماعيلي أيضاً في " مستخرجه على

البخاري ". {وهو مخرج في " الإرواء " (307) } .

(1)

هو من حديث أبي هريرة، والزيادة وما بعدها من حديث رِفاعة بن رافع. وقد

سبقا.

{والمراد بـ (العظام) هنا: عظام سلسلة الظهر وفقراته - كما تقدم قريباً في

(الاعتدال من الركوع

) -. و (المفاصل) جمع (مَفصِل) : ملتقى كل عظمين في

الجسد. انظر " المعجم الوسيط ".

(تنبيه) : إن المراد من هذا الحديث بيِّن واضح، وهو الاطمئنان في هذا القيام.

وأما استدلال بعض إخواننا من أهل الحجاز وغيرها بهذا الحديث على مشروعية

وضع اليمنى على اليسرى في هذا القيام؛ فبعيدٌ جدّاً عن مجموع روايات الحديث - وهو

المعروف عند الفقهاء بـ: (حديث المسيء صلاته) -؛ بل هو استدلال باطل؛ لأن الوضع

المذكور لم يرد له ذكر في القيام الأول في شيء من طرق الحديث وألفاظه؛ فكيف يسوغ

تفسير الأخذ المذكور فيه بأخذ اليسرى باليمنى بعد الركوع؟ هذا لو ساعد على ذلك

مجموع ألفاظ الحديث في هذا الموطن؛ فكيف وهي تدل دلالة ظاهرة على خلاف

ذلك؟! ثم إن الوضع المذكور غير متبادر من الحديث ألبتة؛ لأن المقصود بـ (العظام) فيه

ص: 700

..............................................................................

عظام الظهر - كما تقدم -. ويؤيد ما سبق من فعله صلى الله عليه وسلم:

استوى حتى يعود كل فقار

مكانه. فتأمل منصفاً.

ولست أشك في أن وضع اليدين على الصدر في هذا القيام بدعة ضلالة؛ لأنه لم

يرد مطلقاً في شيء من أحاديث الصلاة - وما أكثرها! -، ولو كان له أصل؛ لنقل إلينا

ولو عن طريق واحد، ويؤيده أن أحداً من السلف لم يفعله، ولا ذكره أحد من أئمة

الحديث فيما أعلم.

ولا يخالف هذا ما نقله الشيخ التويجري في " رسالته "(ص 18 - 19) عن الإمام

أحمد رحمه الله أنه قال:

" إن شاء؛ أرسل يديه بعد الرفع من الركوع، وإن شاء؛ وضعهما " (هذا معنى ما

ذكره صالح ابن الإمام أحمد في " مسائله "(ص 90) عن أبيه) ؛ لأنه لم يرفع ذلك إلى

النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قاله باجتهاده ورأيه، والرأي قد يخطئ، فإذا قام الدليل الصحيح على

بدعية أمر ما - كهذا الذي نحن في صدده -؛ فقول إمام به لا ينافي بدعيته - كما قرره

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه -؛ بل إنني لأجد في كلمة الإمام

أحمد هذه ما يدل على أن الوضع المذكور لم يثبت في السنة عنده؛ فإنه خيَّر في فعله

وتركه! فهل يظن الشيخ الفاضل أن الإمام يُخَيِّر أيضاً كذلك في الوضع قبل الركوع؟!

فثبت أن الوضع المذكور ليس من السنة، وهو المراد.

هذه كلمة مختصرة حول هذه المسألة، وهي تتحمل البسط والتفصيل، ولا مجال

لذلك هنا، ومحله الرد الذي أشرت إليه في مقدمة الطبعة الخامسة (ص 30) من هذه

الطبعة الجديدة} (*) .

_________

(*)" صفة الصلاة " المطبوع (ص 138 - 139) .

ص: 701

" لا ينظر الله عز وجل إلى صلاةِ عبدٍ لا يقيمُ صُلْبَه بين ركوعها

وسجودها " (1) .

(1) هو من حديث طَلْق بن علي رضي الله عنه، قال المنذري في " الترغيب "

(1/182) :

" رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". وقال الهيثمي (2/120) :

" رواه أحمد، والطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ".

قلت: وهو في " مسند أحمد "(4/22) هكذا: ثنا وكيع قال: ثنا عِكرمة بن عَمّار

عن عبد الله بن زيد أو بدر - أنا أشك - عن طلق بن علي مرفوعاً به.

وهذا سند صحيح. رجاله كلهم ثقات، إذا كان عبد الله هذا هو: ابن بدر؛ فإنه ثقة

- كما في " التقريب " -. والظاهر أنه هو؛ فإن له في " المسند " غير ما حديث من روايته

عن طلق، وهو الذي استصوبه الحافظ ابن حجر؛ فقد قال في " التعجيل " - عقب قول

الأصل -:

" عبد الله بن زيد أو: بدر - هكذا بالشك - عن طلق بن علي، وعنه عكرمة بن

عمار ". قال الحافظ:

" الذي رأيته في أصل " المسند ": ثنا وكيع

" فساقه بإسناده المذكور، لكن قال:

" عن عبد الله بن بدر عن طلق به ". لم يذكر فيه الشك. ثم قال:

" وليس في (مسند طلق بن علي) من " مسند أحمد " لعكرمة بن عمار ذكر، إلا في

هذا الحديث، ولم أر فيه: أو: ابن زيد.. بالشك، وعبد الله بن بدر هو الصواب ". اهـ.

قلت: وهذا اختلاف منشؤه من اختلاف النسخ، وأنا أرجح أن النسخة الصحيحة

هي التي نقلنا عنها، واعتمد عليها صاحب الأصل المشار إليه؛ وهو: أبو عبد الله محمد

ابن علي بن حمزة الحسيني. وذلك لأني رأيت الحديث في " المختارة " للضياء المقدسي

ص: 702

..............................................................................

رواه من طريق أحمد بإسناده هذا على الشك.

ثم إن الظاهر أن الشك من الإمام أحمد، ولعل الطبراني رواه بدون شك عن عبد الله

ابن بدر؛ حتى جاز للمنذري ثم الهيثمي بأن يجزما بأن رجاله كلَّهم ثقات. فلو أن

الرواية عند الطبراني على الشك أيضاً - كرواية أحمد -؛ لَمَا جاز لهما الجزم بذلك - كما

لا يخفى -، إلا أن تكون نسختهما من " المسند " مثل نسخة الحافظ ابن حجر؛ فهذا

محتمل. والله أعلم.

ومما يرجح ما استظهرناه واستصوبه الحافظ - أن عبد الله هذا هو ابن بدر -؛ أن الإمام

أحمد أخرج الحديث (2/525) من طريق عمر بن يِسَاف: ثنا يحيى بن أبي كثير عن

عبد الله بن بدر الحنفي عن أبي هريرة مرفوعاً به.

فالحديث إذن حديث ابن بدر الحنفي، لكن اختلف عليه في اسم الصحابي؛

فعكرمة سماه: طَلْق بن علي، ويحيى أسماه: أبا هريرة. إلا أنه قد وقع في اسم والد

عبد الله الحنفي خلاف أيضاً في نسخ " المسند "؛ فقد قال الهيثمي - بعد ذكر الحديث

عن أبي هريرة -:

" رواه أحمد من رواية عبد الله بن زيد الحنفي عن أبي هريرة، ولم أجد من

ترجمه ". اهـ.

وبناء على نسخة الهيثمي هذه؛ فقد استدرك هو على أبي عبد الله الحسيني هذا

الاسم، فقال الحافظ في " التعجيل " أيضاً:

" هكذا استدركه شيخنا الهيثمي، والذي في الأصل من (مسند أبي هريرة) حديث

من طريق عامر بن يِسَاف ".

قلت: فساقه كما هو في نسختنا من " المسند ". ثم قال:

ص: 703

..............................................................................

" وعبد الله بن بدر من رجال " التهذيب "، لكنه لا يروي عن أبي هريرة إلا بواسطة؛

فلعل شيخه سقط من النسخة ". اهـ.

ومن كلام الحافظ الأخير نعلم أن قول الحافظ المنذري (1/183) :

" إسناده جيد ". وقول العراقي في " تخريج الإحياء "(1/132) :

" إسناده صحيح ".

غير صحيح؛ لما فيه من الانقطاع، وأيضاً فإن فيه عامر بن يِسَاف، وهو متكلم فيه؛

قال ابن عدي:

" هو منكر الحديث، ومع ضعفه؛ يكتب حديثه ". وله ترجمة في " الميزان "،

و" اللسان "، وفي " التعجيل ".

هذا، وما ذكرناه من الترجيح في اسم عبد الله بن بدر هو الذي استطعنا الوصول إليه

من التحقيق. ولعل الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر يزيد ذلك توضيحاً

وتحقيقاً في تعليقه على " المسند " الذي هو في صدد إتمام طبعه. وقد وصلنا منذ أيام الجزء

الأول منه؛ فرأيناه غاية في التحقيق، وضبط الألفاظ والروايات، وفي جودة الطبع،

وأناقته كسائر تأليفاته ومطبوعاته، فنسأله تعالى أن يزيده توفيقاً في خدمة سنة

نبيه صلى الله عليه وسلم، وجزاه الله عن الإسلام خيراً.

وهذا الحديث يدل على بطلان الصلاة بترك الاطمئنان في هذا الاعتدال، وهو أمر

زائد على ما أفاده حديث (المسيء صلاته) من وجوب الاطمئنان. قال ابن حزم

(3/266) :

" من لم ينظر الله تعالى إليه في عملٍ ما؛ فذلك العمل بلا شك غير مرضيٍّ، وإذ

هو غير مرضي؛ فهو يقيناً غير مقبول ". اهـ.

ص: 704

..............................................................................

وإلى هذا ذهب الشافعية، وأحمد، وداود، وأكثر العلماء؛ أن الاعتدال ركن لا

تصح الصلاة إلا به؛ كما في " المجموع "(3/419)، قال:

" وقال أبو حنيفة: لا يجب، بل لو انحط من الركوع إلى السجود؛ أجزأه. وعن

مالك روايتان كالمذهبين، واحتج لهم بقوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} ، واحتج

أصحابنا بحديث (المسيء صلاته) ، والآية الكريمة لا تعارضه، وبقوله صلى الله عليه وسلم:

" صلوا كما رأيتموني أصلي " ".

* * *

ص: 705