المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أذكار الركوع وكان يقول في هذا الركن أنواعاً من الأذكار والأدعية، - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌جَوَازُ الاقتِصَارِ على {الفَاتِحَة}

- ‌الجهرُ والإسرارُ في الصَّلوَاتِ الخَمْسِ وغَيْرِها

- ‌الجَهْرُ والإسْرارُ في القراءةِ في صلاةِ الليل

- ‌ما كانَ يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصلوات

- ‌1- صلاةُ الفجر

- ‌القراءةُ في سُنَّةِ الفَجْرِ

- ‌2- صلاة الظهر

- ‌قراءته صلى الله عليه وسلم آياتٍ بعدَ {الفَاتِحَة} في الأخِيرَتَيْنِ

- ‌3- صلاة العصر

- ‌4- صلاة المغرب

- ‌القراءة في سُنَّة المغرب

- ‌5- صلاة العشاء

- ‌6- صلاة الليل

- ‌7- صلاةُ الوَِتْرِ

- ‌القراءة في الركعتين بعد الوتر

- ‌8- صلاة الجمعة

- ‌9- صلاة العيدين

- ‌10- صلاة الجنازة

- ‌تَرْتيلُ القراءةِ وتحسينُ الصوت بها

- ‌الفَتْحُ على الإمام

- ‌الاستعاذةُ والتَّفْلُ في الصلاة لِدفع الوسوسة

- ‌الركوع

- ‌صفة الركوع

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في الركوع

- ‌أذكار الركوع

- ‌إطالة الركوع

- ‌النهي عن قراءةِ القرآنِ في الركوع

- ‌الاعتدال من الركوع، وما يقولُ فيه

- ‌إطالةُ هذا القيام، ووجوبُ الاطمئنان فيه

- ‌السجود

- ‌التكبير ورفع اليدين عند الهوي إلى السجود

- ‌الخرور إلى السجود على اليدين

- ‌[صفة السجود]

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في السُّجود

- ‌أذكارُ السُّجود

- ‌النهيُ عن قراءة القرآن في السُّجود

- ‌إطالةُ السُّجود

- ‌فضل السجود

- ‌السُّجودُ على الأرضِ والحَصِير

- ‌الرَّفعُ مِنَ السُّجود

- ‌الافتراش أو الإقْعَاءُ بن السَّجْدتين

الفصل: ‌ ‌أذكار الركوع وكان يقول في هذا الركن أنواعاً من الأذكار والأدعية،

‌أذكار الركوع

وكان يقول في هذا الركن أنواعاً من الأذكار والأدعية، تارةً بهذا،

وتارةً بهذا (1) :

"

لا يقيم الرجل فيها صلبه إذا رفع رأسه من الركوع والسجود ".

وهي شاذة، ولكن سيأتي ما يقويها.

قال الترمذي:

" والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم؛ يرون أن

يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود. وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق: من لم يُقِم

صلبه في الركوع والسجود؛ فصلاته فاسدة؛ لهذا الحديث ". انتهى.

وقول أحمد وإسحاق بذلك: رواه المروزي في " مسائله عنهما ".

(1)

ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينها، أو بين بعضها، أو يقتصر على نوع واحد

منها، كل ذلك جائز محتمل، ولم نقف على نص يرجح بعض هذه الاحتمالات؛

ولذلك قال ابن القيم في " الزاد "(1/37) :

" وكان يقول: (سبحان ربي العظيم) . وتارة يقول مع ذلك، أو مقتصراً عليه:

(سبحانك اللهم ربنا! وبحمدك، اللهم! اغفر لي) ".

وقال النووي في " الأذكار ":

" والأفضل أن يجمع بين هذه الأذكار كلها؛ إن تمكن، وكذا ينبغي أن يفعل في

أذكار جميع الأبواب ".

وتعقبه العلامة صديق حسن خان في " نزل الأبرار"(84) ؛ فقال:

" يأتي مرة بهذه، وبتلك أخرى. ولا أرى دليلاً على الجمع. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

لا يجمعها في ركن واحد؛ بل يقول هذا مرة، وهذا مرة، والاتباع خير من الابتداع ".

ص: 649

1-

" سبحان ربي العظيم (ثلاث مرات) ".

قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى، لكن قد ثبت في السنة إطالة هذا الركن

وغيره - كما سيأتي بيانه -؛ لا سيما في صلاة الليل وغيرها - حتى يكون قريباً من

قيامه صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد المسلم الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذه السنة؛ {فلا يمكنه ذلك إلا على

طريقة الجمع الذي ذهب إليه النووي} ، فأرى أنه لا مانع من الجمع بينها في هذه الحال.

أما إن اقتصر على نوع واحد من هذه الأنواع المذكورة؛ فلا يمكنه ذلك {إلا على طريقة

التكرار المنصوص عليه في بعض هذه الأذكار؛ وهذا أقرب إلى السنة} . والله أعلم.

ثم بعد كتابة ما تقدم رأيت في " قيام الليل "(76) عن عطاء ما يؤيد ذلك:

قال ابن جريج: قلت لعطاء: كيف تقول في الركوع؟

قال: إذا لم أعجل، ولم يكن معي من يعجلني؛ فإني أقول: (سبحانك وبحمدك،

لا إله إلا أنت، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً) . ثلاث مرات، و: (سبحان الله

العظيم) . ثلاث مرات، ثم أقول:(سبحان الله وبحمده) . ثلاث مرات، و: (سبحان

الملك القدوس) . ثلاث مرار، (سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، تسبق رحمة ربي

غضبه) مراراً. ثم قال:

وأقول في السجود مثلما أقول في الركوع سواء.

وقد كنت أسمع ابن الزبير يقول كثيراً في سجوده - وأخبرنا أيضاً عنه - (سبوح

) إلخ.

1-

فيه أحاديث كثيرة يدل مجموعها على ثبوت تَقْييده بثلاث. خلافاً لابن القيم

في كتاب " الصلاة "(191)، وتبعه أبو الطيب في " الروضة الندية " (1/106) ؛ فقال:

" وأما التقييد بعدد مخصوص؛ فلم يرد ما يدل عليه، إنما كان الصحابة يقدرون لبثه

في ركوعه وسجوده تقادير مختلفة ". اهـ.

وإليك ما وقفنا عليه من الأحاديث المقيدة بذلك:

ص: 650

..............................................................................

الأول: عن حذيفة بن اليمان. وله عنه طريقان:

الأول: عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي الأزهر عنه:

أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع:

" سبحان ربي العظيم ". ثلاث مرات. وإذا سجد:

" سبحان ربي الأعلى ". ثلاث مرات.

أخرجه ابن ماجه (1/288 - 289) .

وابن لهيعة: ضعيف.

وأبو الأزهر: مجهول العدالة؛ لم يوثقه أحد.

الثاني: عن محمد بن أبي ليلى عن الشعبي عن صلة عنه بلفظ:

كان يقول في ركوعه:

" سبحان ربي العظيم وبحمده ". ثلاثاً. وفي سجوده:

" سبحان ربي الأعلى وبحمده ". ثلاثاً.

رواه الدارقطني (130) ، و {ابن خزيمة (604) [دون التحميد والشطر الأخير] } .

ورجاله كلهم ثقات، إلا أن ابن أبي ليلى فيه ضعف؛ لسوء حفظه.

لكن تابعه مجالد بن سعيد، وهو مثله في الضعف.

أخرجه الطحاوي (1/138) ؛ وليس فيه: " وبحمده ".

وأصله في " صحيح مسلم "، وقد مضى [ص 503] ، ويأتي.

الحديث الثاني: عن جُبَير بن مُطْعِم بلفظ حذيفة الأول بدون زيادة: " وبحمده ".

أخرجه الدارقطني (130) ، والطبراني في " الكبير " عن إسماعيل بن عياش عن

ص: 651

..............................................................................

عبد العزيز بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن نافع بن جُبَير عن أبيه عن جده.

وكذا أخرجه البزار.

وهذا سند ضعيف؛ قال البزار:

" لا يُروى عن جبير إلا بهذا الإسناد. وعبد العزيز بن عبيد الله: صالح، ليس

بالقوي ". كما في " المجمع " (2/128) . وليس فيه عند الدارقطني ذكر السجود.

الثالث: عن أبي بكرة مثله.

أخرجه البزار، والطبراني في " الكبير ". وقال البزار:

" لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الرحمن بن أبي بكرة: صالح

الحديث ". كذا في " المجمع ".

قلت: وعبد الرحمن هذا: ثقة - كما في " التقريب " -، احتج به الشيخان وغيرهما.

فإذا كان من دونه مَنْ الرواة ثقاتٍ؛ فالحديث صحيح، وسكوت الهيثمي عنهم قد

يدل على ذلك.

الرابع: عن ابن مسعود قال:

من السنة أن يقول الرجل في ركوعه: (سبحان ربي العظيم وبحمده) ثلاثاً، وفي

سجوده: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) .

أخرجه الدارقطني من طريق السَّرِيِّ بن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عنه.

ورواه البزار دون قوله: " وبحمده ". وفيه: " ثلاثاً " في الموضعين.

والسَّرِيُّ بن إسماعيل: ضعيف - كما قال الهيثمي، والحافظ في " التلخيص "

(3/391) -.

ص: 652

..............................................................................

الخامس: عن أبي مالك الأشعري:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى، فلما ركع؛ قال:

" سبحان الله وبحمده " ثلاث مرات، ثم رفع رأسه. قال الهيثمي:

" رواه الطبراني في " الكبير ". وفيه شهر بن حوشب، وفيه بعض كلام، وقد وثقه

غير واحد ".

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه أحمد أيضاً (5/343) في أثناء حديث.

وشهر: حسن الحديث في المتابعات.

السادس: عن عبد الله بن أقرم قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه:

" سبحان ربي العظيم " ثلاثاً.

أخرجه الدارقطني من طريق عبد الله بن شَبِيب: ثنا محمد بن مسلمة بن محمد

ابن هشام المخزومي: ثنا إبراهيم بن سلمان عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم عن أبيه.

وعبد الله بن شبيب: ضعيف. وفيه أيضاً من لم أعرفهم.

السابع: عن عقبة بن عامر قال:

لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" اجعلوها في ركوعكم ". فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ؛ قال:

" اجعلوها في سجودكم ".

أخرجه أبو داود (1/139) ، وابن ماجه (1/289) ، والطحاوي (1/138) ، والحاكم

(1/225 و 2/477) ، والبيهقي (2/86) ، والطيالسي (135) ، وأحمد (4/155) من

طرق عن موسى بن أيوب الغافقي قال: سمعت عمي إياس بن عامر يقول: سمعت

ص: 653

..............................................................................

عقبة بن عامر الجهني يقول:

فذكره.

ثم رواه أبو داود، وعنه البيهقي من طريق الليث بن سعد عن أيوب بن موسى - أو

موسى بن أيوب - عن رجل من قومه عن عقبة بمعناه. زاد: قال:

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع؛ قال:

" سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاثاً. وإذا سجد؛ قال:

" سبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثاً. قال أبو داود:

" وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة ".

قلت: وبدونها أخرجه ابن حبان (505) أيضاً. وقال الحاكم:

" صحيح. وقد اتفقا على الاحتجاج برواته؛ غير إياس بن عامر، وهو مستقيم

الإسناد ". وتعقبه الذهبي؛ فقال:

" قلت: إياس: ليس بالمعروف ".

قلت: وهذا الذي تقتضيه قواعد مصطلح الحديث؛ لأنه لم يرو عنه غير ابن أخيه

موسى بن أيوب. ومع ذلك فلم يورده الذهبي نفسه في " الميزان ". وقال العجلي:

" لا بأس به ". وذكره ابن حبان في " الثقات "، وصحح له ابن خزيمة - كما في

" التهذيب " -. وقال في " التقريب ":

" صدوق ". ثم قال في الأصل:

" ومن خط الذهبي في " تلخيص المستدرك ": ليس بالقوي ".

قلت: ومما يستدرك على الحاكم: أن موسى بن أيوب لم يخرج له الشيخان، وهو في

نفسه ثقة.

ص: 654

..............................................................................

الثامن: عن رجل من الصحابة لم يسم قال:

صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم. فسألناه عن قدر ركوعه وسجوده؟ فقال:

قدر ما يقول الرجل: (سبحان الله وبحمده) ثلاثاً.

أخرجه الإمام أحمد (5/6) : ثنا عفان: ثنا محمد بن عبد الرحمن الطُّفاوي: ثنا

سعيد الجريري عن رجل من بني تميم - وأحسن الثناء عليه - عن أبيه أو عمه قال:

فذكره.

وكذا رواه البيهقي (2/111) عن على بن المديني: ثنا محمد بن عبد الرحمن

الطُّفاوي به، دون قوله:(أو عمه) .

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير التميمي الذي لم يسم؛ فقال

ابن القيم في رسالة " الصلاة ":

" مجهول لا تعرف عينه ولا حاله ".

قلت: وقد أخرجه أبو داود (1/141)، وعنه البيهقي عن خالد بن عبد الله: ثنا

سعيد الجُرَيري عن السَّعدي عن أبيه أو عمه قال:

رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول:

(سبحان الله وبحمده) ثلاثاً.

وهكذا بهذا اللفظ أخرجه أحمد (5/271) ؛ إلا أنه قال: (عن أبيه عن عمه) . قال

الحافظ في " التلخيص "(3/394) :

" وإسناده حسن. وليس فيه: وبحمده ".

كذا قال. وأنت ترى أن هذه الزيادة واردة فيه، وأن في سنده السعدي، وقد قال في

" التقريب ":

" لا يعرف، ولم يسم ".

ص: 655

..............................................................................

التاسع: عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً مرفوعاً:

" سبحوا ثلاث تسبيحات ركوعاً، وثلاث تسبيحات سجوداً ".

أخرجه البيهقي (2/86)، وقال:

" وهذا مرسل ".

هذا، وقد جاءت أحاديث قولية مؤيدة لهذه الأحاديث الفعلية:

منها: عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً:

" إذا ركع أحدكم، فقال في ركوعه:(سبحان ربي العظيم) ثلاث مرات؛ فقد تم

ركوعه، وذلك أدناه. وإذا سجد، فقال في سجوده:(سبحان ربي الأعلى) ثلاث

مرات؛ فقد تم سجوده، وذلك أدناه ".

أخرجه أبو داود (1/141) ، والترمذي (2/46 - 47) ، وابن ماجه (1/289) ،

والشافعي في " الأم "(1/96) ، والطحاوي (1/136) ، والدارقطني (131) ، والبيهقي

(2/86 و 110) عن ابن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد الهُذَلي عن عون بن عبد الله بن

عُتبة عنه.

وأعله أبو داود، والترمذي، والبيهقي بالانقطاع بين عون بن عبد الله وابن مسعود؛

فإنه لم يسمع منه.

قلت: وفيه علة أخرى وهي: جهالة إسحاق بن يزيد الهُذَلي. قال في " النيل "

(2/208) :

" قال ابن سيد الناس: لا نعلمه وُثِّق، ولا عرف إلا برواية ابن أبي ذئب عنه

خاصة؛ فلم ترتفع عنه الجهالة العينية، ولا الحالية ". اهـ. وقال الحافظ في " التقريب ":

" مجهول ".

ص: 656

..............................................................................

وقد أشار إلى ضعفه الشافعي؛ حيث قال:

" إن كان ثابتاً ".

ومنها: عن بريدة مرفوعاً:

" يا بريدة! إذا كان حين تفتح الصلاة؛ فقل:

الحديث. وفيه:

" وتركع؛ فتقول: سبحان ربي العظيم (ثلاث مرات) ". وفيه:

" فإذا سجدت؛ فقل: سبحان ربي الأعلى (ثلاثاً)

" الحديث.

قال الهيثمي (2/132) :

" رواه البزار، وفيه عباد بن أحمد العَرْزَمي: ضعفه الدارقطني. وفيه جابر الجُعْفي،

وهو ضعيف ".

وفي الباب عن أبي هريرة مرفوعاً:

" إذا ركع أحدكم، فسبح ثلاث مرات؛ فإنه يسبح لله من جسده ثلاثة وثلاثون

وثلاث مئة عظم، وثلاثة وثلاثون وثلاث مئة عرق ".

أخرجه الدارقطني (130 - 131)، وفيه إبراهيم بن الفضل: ضعفه ابن معين

وغيره. قال الترمذي - بعد أن ساق حديثَ ابنِ مسعودٍ القوليَّ -:

" والعمل على هذا عند أهل العلم؛ يستحبون أن لا ينقص الرجل في الركوع

والسجود من ثلاث تسبيحات.

ورُوي عن عبد الله بن المبارك أنه قال:

أستحب للإمام أن يسبح خمس تسبيحاتٍ؛ لكي يدرك من خلفه ثلاث

تسبيحات. وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم ".

ص: 657

{وكان أحياناً يكررها أكثر من ذلك (1) } .

وبالغ مرةً في تكرارها في صلاة الليل؛ حتى كان ركوعه قريباً من

قيامه، وكان يقرأ فيه ثلاث سور من الطِّوال:{البَقَرَة} ، و {النِّسَاء} ،

و {آلِ عِمْرَان} ، يتخللها دعاء واستغفار - كما سبق في (صلاة الليل) - (2) .

2-

" سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاثاً) ".

قال الشوكاني (2/208) :

" وبه قال الثوري. ولا دليل على تقييد الكمال بعدد معلوم، بل ينبغي الاستكثار

من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة من غير تقييد عدد.

وأما إيجاب سجود السهو فيما زاد على التسع، واستحباب أن يكون عدد التسبيح

وتراً لا شفعاً فيما زاد على الثلاث؛ فمما لا دليل عليه ".

(1)

{يستفاد هذا من الأحاديث المصرحة بأنه عليه السلام كان يُسَوِّي بين قيامه

وركوعه وسجوده - كما يأتي عقب هذا الفصل -} .

(2)

هو من حديث حذيفة، ولفظه:

ثم ركع؛ فجعل يقول:

" سبحان ربي العظيم ". فكان ركوعه نحواً من قيامه. وفي رواية لأحمد وغيره:

مثلما كان قائماً. [وقد مضى (ص 500 - 508) ] .

2-

قد جاءت هذه الزيادة عن جمع من الصحابة بأسانيد مختلفة يشد بعضها

بعضاً - وقد مرّ قريباً تخريج أحاديثهم -.

وفي الباب أيضاً عن أبي جُحيفة.

رواه الحاكم في " تاريخ نيسابور ".

ص: 658

3-

" سُبّوح، قُدُّوس (1) ، رب الملائكة والروح (2) ".

وإسناده ضعيف. قال الحافظ:

" وفي هذا جميعه رد لإنكار ابن الصلاح وغيره هذه الزيادة ".

ويقوي أصلَ هذه الزيادة ثبوتُها في النوع الرابع - كما يأتي -.

3-

هو من حديث عائشة رضي الله عنها:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده:

فذكره.

أخرجه مسلم (2/51) ، وأبو عوانة (2/167) ، وأبو داود (1/139) ، والنسائي

(1/160) ، وابن نصر (75) ، والدارقطني (131 و 138) ، والبيهقي (2/87) ، وأحمد

(6/94 و 115 و 148 و 149 و 176 و 193 و 200 و 244 و 266) من طرق عن قتادة عن

مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير عنها.

وقد صرح قتادة بسماعه من مُطَرِّف في رواية لأحمد.

وهي صحيحة على شرطهما.

(1)

في " النهاية ":

" يُرويان بالضم والفتح، وهو أقيس، والضم أكثر استعمالاً، وهما من أبنية المبالغة،

والمراد بهما التنزيه ". وقال القرطبي:

" هما مرفوعان على أنهما خبرُ محذوفٍ؛ أي: هو، أو: أنت. وقيل بالنصب؛ على

إضمار فعل؛ أي: أعظم، أو: أذكر، أو: أعبد ".

{قال أبو إسحاق: (السُّبُّوح) : الذي ينزه عن كل سوء. و (القُدُّوس) : المبارك.

وقيل: الطاهر. وقال ابن سِيدَه: " سبوح قدوس " من صفة الله عز وجل؛ لأنه يسبَّح

ويقدَّس. " لسان العرب "} .

(2)

قيل: المراد به جبريل. وقيل: هو صنف من الملائكة. وقيل: مَلَكٌ أعظمُ

ص: 659

4-

" سبحانك اللهم ربنا! وبحمدك، اللهم! اغفر لي ". وكان يكثر

خِلْقَةً. ذكره السندي.

4-

هو من حديث عائشة قالت:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقول في ركوعه وسجوده:

فذكرته.

أخرجه البخاري (2/238 و 8/15 - 16 و 596) ، ومسلم (2/50) ، وأبو داود

(1/140) ، والنسائي (1/160 و 168) ، وابن ماجه (1/289) ، وابن نصر (75) ،

والطحاوي (1/137) ، والبيهقي (2/86) ، وأحمد (6/43 و 49 و 100 و 190) عن

منصور عن أبي الضُّحى عن مسروق عنها.

وفي لفظ للطحاوي:

" سبحانك اللهم! وبحمدك، أستغفرك، وأتوب إليك، فاغفر لي؛ إنك أنت

التواب ".

ولكن فيه مُؤَمَّل بن إسماعيل.

وفي رواية لمسلم من طريق الأعمش عن مسلم - وهو: أبو الضحى - عن مسروق بلفظ:

كان يُكثِر أن يقول قبل أن يموت:

" سبحانك، وبحمدك، أستغفرك، وأتوب إليك ".

قالت: قلت: يا رسول الله! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال:

" جُعلت لي علامةً في أمتي إذا رأيتها؛ قلتها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ

} " إلى آخر السورة.

وخالفهما حماد - وهو: ابن أبي سليمان -؛ فرواه عن أبي الضُّحى عن مسروق عن

ص: 660

..............................................................................

عبد الله بن مسعود بلفظ:

كان نبيكم صلى الله عليه وسلم إذا كان راكعاً أو ساجداً؛ قال:

" سبحانك، وبحمدك، أستغفرك، وأتوب إليك ".

أخرجه الطبراني في " الكبير ": ثنا أحمد بن خليد الحلبي: نا عبد الله بن جعفر

الرَّقِّي: ثنا عبيد الله بن عمر عن زيد بن أبي أُنيَسة عن حماد به.

وأحمد بن خُلَيد هو: أحمد بن خُلَيد بن يزيد بن عبد الله الكِنْدي - كما جاء

منسوباً في حديث رواه الخطيب البغدادي (8/99) -، وقد سمع منه الطبراني سنة

(278)

- كما ذكر في " معجمه الصغير "(6) -، ولم أجد من ترجمه (*) ، وبقية رجاله

ثقات رجال الستة؛ غير حماد، وهو من رجال مسلم، وفي " التقريب ":

" ثقة صدوق، له أوهام ".

قلت: والظاهر أنه وهم في هذا الحديث؛ حيث جعله من (مسند ابن مسعود) ،

وإنما هو من حديث عائشة - كما رواه الثقتان عن أبي الضحى، وتوبع على ذلك أبو الضحى -.

ورواه البخاري (8/596) بلفظ:

" ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} إلا

يقول فيها:

" سبحانك ربنا! وبحمدك، اللهم! اغفر لي ". ونحوه لمسلم في رواية.

وفي أخرى له، وكذا أحمد (6/35) من طريق داود عن عامر عن مسروق به بلفظ:

_________

(*) له ترجمة في " السير "(13/489)، وقال:

" ما علمت به بأساً ". انظر " الصحيحة "(7/340 و 853) .

ص: 661

..............................................................................

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول:

" سبحان الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه ". قالت: فقلت: يا رسول الله!

أراك تكثر من قول: (سبحان الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه) ؟ فقال:

" خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها؛ أكثرت من قول: (سبحان

الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه) . فقد رأيتها:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} - فتح

مكة - {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ

تَوَّابًا} . ولفظ أحمد:

" علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها

".

وقد أبعد الحافظ؛ حيث عزا هذه الرواية لابن مردويه وحده!

وقد وجدت للحديث شاهداً من حديث ابن مسعود قال:

لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} كان يكثر إذا قرأها ثم

ركع؛ أن يقول:

" سبحانك اللهم ربنا! وبحمدك، اللهم! اغفر لي؛ إنك أنت التواب الرحيم "

ثلاثاً.

أخرجه ابن نصر (75 - 76) عن إسرائيل عن أبي عبيدة عنه.

ورجاله رجال الشيخين، لكنه منقطع. وفي " المجمع " (2/127) :

" رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني في " الأوسط "، وفي إسناد الثلاثة أبو

عُبيدة عن أبيه؛ ولم يسمع منه، ورجال الطبراني رجال " الصحيح "؛ خلا حماد بن أبي

سليمان، وهو ثقة، ولكنه اختلط ".

ص: 662

منه في ركوعه وسجوده؛ يتأول القرآن (1) ".

(1) أي: يفعل ما أُمر به فيه؛ أي: في قول الله عز وجل: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ

وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .

وفي الحديث دلالة على جواز الدعاء في الركوع، ولا يعارضه الحديث

الآتي:

" فأما الركوع؛ فعظموا فيه الرب، وأما السجود؛ فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن

يستجاب لكم ". فإنه بمفهومه يدل على اختصاص الركوع بالتعظيم، والمفهوم إذا عارضه

منطوق - كهذا الحديث -؛ لا يعمل به - كما تقرر في الأصول -؛ ولذلك قال الحافظ في

" الفتح "(2/224) :

" لكنه لا مفهوم له؛ فلا يمتنع الدعاء في الركوع، كما لا يمتنع التعظيم في

السجود ". ثم قال (2/238) :

" قال ابن دقيق العيد: يؤخذ من هذا الحديث إباحة الدعاء في الركوع، وإباحة

التسبيح في السجود، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: " أما الركوع؛ فعظموا فيه الرب

"

الحديث. قال:

ويمكن أن يُحْمَلَ حديث الباب على الجواز، وذلك على الأولوية، ويحتمل أن

يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء؛ لإشارة قوله: " فاجتهدوا ". والذي وقع في الركوع

من قوله: " اللهم! اغفر لي ". ليس كثيراً؛ فلا يعارض ما أمر به في السجود ".

انتهى.

ص: 663

5-

" اللهم! لك ركعت (1) ، وبك آمنت، ولك أسلمت، [أنت ربي] ،

خشع لك سمعي وبصري، ومُخِّي (2) وعظمي (وفي رواية: وعظامي)

5- هو قطعة من حديث علي رضي الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة؛ كبر، ثم قال:

" وجهت وجهي

" إلى آخره، وفيه: وإذا ركع؛ قال:

فذكره.

وقد مضى بتمامه في (الاستفتاح) دون الزيادتين، وهما عند الطحاوي (1/137) ،

والدارقطني (130) ، والبيهقي (2/32 - 33)، وأحمد (1/119) من طريق ابن جُريج:

أخبرني موسى بن عُقبة عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن

أبي رافع عنه.

وهو إسناد صحيح على شرط مسلم - كما سبق -.

وهو عند الترمذي (2/251 - 252 - طبع بولاق) من طريق ابن أبي الزِّنَاد عن

موسى به؛ دون قوله: " وما استقلَّت به قدمي ". وصححه.

وهكذا رواه النسائي (1/161) من حديث جابر بن عبد الله ومحمد بن مسلمة.

وإسناد كل منهما صحيح - كما سبق هناك -.

وأما لفظ: " وعظامي ". بالجمع؛ فهو رواية أبي داود، والنسائي، والدارقطني،

والبيهقي، والطيالسي، {وأبي عوانة} ، وابن نصر أيضاً (76) ، ورواية للترمذي،

وأحمد. وُيرَجِّحُ الأولَ أنه ورد كذلك في حديث جابر. والله أعلم.

(1)

أي: لا لغيرك خضعت. وإسناد " خشع " - أي: تواضع، وخضع - إلى السمع

وغيره مما ليس من شأنه الإدراك والتأثر؛ كناية عن كمال الخشوع والخضوع؛ أي: قد بلغ

غايته؛ حتى كأنه ظهر أثره في هذه الأعضاء، وصارت خاشعة لربها. سندي.

(2)

بالضم والتشديد: الدماغ. والعَصَب؛ بفتحتين: أطناب المفاصل. كما في

" القاموس ".

ص: 664

وعصبي، [وما استقلَّت به قدمي (1) ؛ لله رب العالمين] ".

6-

" اللهم! لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت،

أنت ربي، خشع سمعي وبصري، ودمي ولحمي، وعظمي وعصبي؛ لله

ربِّ العالمين ".

7-

" سبحان ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة ". وهذا قاله

(1) {أي: ما حَمَلَتْهُ؛ من الاستقلال؛ بمعنى: الارتفاع؛ فهو تعميم بعد

تخصيص} .

6-

هو من حديث جابر المشار إليه آنفاً، ولفظه:

كان إذا ركع؛ قال:

" اللهم! لك ركعت، وبك أمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت

".

وكذلك رواه محمد بن مسلمة عنه صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنه قال:

كان إذا قام يصلي تطوعاً؛ يقول إذا ركع:

فذكره. بتقديم: " لحمي " على: " دمي ".

7-

هو من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه. ومضى لفظه في

(القراءة في صلاة الليل)[ص 509] .

وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى عند ابن نصر (76) ؛ رواه من طريق ابن جُرَيج:

أخبرني الوليد بن عبد الله بن أبي مُغِيث: أنه سمع أبا عبد الله ابن نُحَيلة (*) - رجلاً كان

مع الوليد بن عبد الملك مَرْضِيّاً - يقول:

صلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلفه - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ بسورة

{البَقَرَة}

الحديث بنحوه، وفيه:

_________

(*) وفي " مصنف عبد الرزاق "(2897) : (بُجَيْلة) .

ص: 665

في صلاة الليل.

فقال له الرجل حين أصبح: يا نبي الله! أردت أن أصلي بصلاتك فلم أستطع. قال:

" إنكم لا تستطيعون، إني أخشاكم لله ".

ورجاله ثقات؛ غير أبي عبد الله هذا؛ فلم أجد من ذكره.

ثم روى ابن نصر من طريق خُصَيف عن أبي عُبيدة:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده:

" سبحان ذي الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة ".

وهذا مرسل ضعيف.

" الجبروت والملكوت ": هما مبالغة من (الجبر) : وهو القهر. و (الملك) : وهو

التصرف؛ أي: صاحب القهر والتصرف البالغُ كلٌّ منهما غايتَه.

و" الكبرياء "؛ قيل: هي العظمة والملك. وقيل: هي عبارة عن كمال الذات،

وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله تعالى. سندي.

ص: 666