الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4- صلاة المغرب
و" كان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها أحياناً بقصارِ المُفَصّل "(1) . حتى إنهم " كانوا إذا
صلَّوا معه، وسلَّم بهم؛ انصرف أحدهم وإنه ليُبْصِرُ مَواقعَ نَبْلِه " (2) .
(1) فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد سبق تخريجه في (القراءة في الفجر) .
وقد روى هذا القدرَ منه الطحاويُّ (1/126) من الطريق السابق، وقد صححه ابن
عبد البر أيضاً - كما في " زاد المعاد "(1/75) -.
(2)
فيه عدة أحاديث:
الأول: عن رافع بن خَدِيج قال:
كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم، فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله.
أخرجه البخاري (2/33) ، ومسلم (2/115) ، وابن ماجه (1/233) ، وأحمد
(4/141 - 142) ؛ كلهم عن الأوزاعي قال: ثنا أبو النَّجَاشي صُهيب مولى رافع بن
خَدِيج قال: سمعت رافعاً به.
الثاني: عن أنس، وله عنه طريقان:
1-
عن حماد قال: أنا ثابت عنه بمعناه.
أخرجه أبو داود (1/68) ، والطحاوي (1/125) .
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
2-
عن حميد عن أنس، أخرجه أحمد (3/114 و 189 و 199 و 205) من طرق عنه.
وإسناده صحيح أيضاً على شرط الشيخين، وهو ثلاثي.
الثالث: عن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
أخرجه النسائي (1/90)، وأحمد (5/371) من طريق شعبة: ثنا أبو بِشْر قال:
..............................................................................
سمعت حَسّان بن بلال يحدث عنه.
وهذا سند صحيح؛ رجاله رجال الشيخين؛ عدا حسَّان بن بلال، وقد وثقه ابن
المديني، وكفى به؛ كما قال الحافظ؛ رداً على ابن حزم في قوله:
" إنه مجهول ".
وقد أخرجه أحمد (4/36) عن هُشيم وأبي عَوَانة عن أبي بِشْر عن علي بن بلال
الليثي عن ناس من الأنصار قالوا:
كنا نصلي المغرب، ثم ننصرف
…
الحديث.
وكذلك أخرجه الطحاوي عن أبي عَوَانة وهُشيم معاً به. وقال الحافظ في " الفتح ":
" إسناده حسن ".
قلت: علي بن بلال هذا أورده في " التعجيل "، وقال:
" روى عنه أبو بشر جعفر بن أبي وحشيّة، ليس بمشهور، وقال ابن حبان في (ثقات
التابعين) :
علي بن بلال يروي المراسيل والمقاطيع، روى عنه أبو بشر، فكأنه هذا ". اهـ.
قلت: الذي يظهر لي أن علي بن بلال هذا: هو حسان بن بلال في الرواية الأولى،
لكن اختلف شعبة مع هشيم وأبي عوانة في اسمه، وما اتفقا عليه أولى بالاعتماد مما
تفرد به شعبة. والله أعلم.
الحديث الرابع: عن جابر، وله أربعة طرق:
1-
عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عن القعقاع بن حكيم عنه.
أخرجه الطحاوي، والطيالسي (243) ، وأحمد (3/382) عنه.
..............................................................................
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
2-
عن حماد عن أبي الزبير عنه.
أخرجه الطحاوي.
وهو على شرط مسلم أيضاً.
3-
عن عبد الحميد بن يزيد الأنصاري قال: ثني عُقبة بن عبد الرحمن بن جابر
عنه.
أخرجه أحمد (3/331) .
وعقبة هذا: مجهول.
4-
عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل عن جابر.
أخرجه أحمد (3/303) .
وهذا سند حسن.
الحديث الخامس: عن زيد بن خالد.
أخرجه الطيالسي (ص 128 و 190) ، وأحمد (4/114 و 115 و 117) عن ابن أبي
ذئب عن صالح مولى التوأمة عنه.
وهذا سند حسن.
السادس: عن الزهري عن بعض بني سلمة:
أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
أخرجه الطحاوي.
وإسناده صحيح.
و " قرأ في سفر بـ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} (95: 8) في الركعة الثانية "(1) .
(1) أخرجه الطيالسي (99) قال: ثنا شعبة عن عدي بن ثابت سمع البراء قال:
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقرأ في المغرب في الركعة الثانية بـ:{التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
وقد تابعه يحيى بن سعيد عن عدي؛ رواه عنه أبو خالد الأحمر مختصراً:
صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم المغرب بـ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} .
أخرجه أحمد (4/286) .
وإسناده صحيح على شرطهما أيضاً. لكنهما أخرجاه من هذين الطريقين عن عدي
بلفظ: العشاء.. بدل: المغرب - كما يأتي -. وما وجدت أحداً تعرض لذكره بلفظ:
المغرب.
وتخطئة ثقتين؛ مثل: شعبة ويحيى بن سعيد، أو من روى عنهما صعب؛ طالما أنه
يمكن الجمع بأن يقال: قرأ بذلك في المغرب وفي العشاء؛ فكان يحدث عدي بن ثابت
مرة بهذا، ومرة بهذا.
وقد صحح الرواية الأولى ابنُ عبد البر - كما ذكره في " الزاد "(1/75) -.
وقد وجدت له شاهداً من حديث عبد الله بن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} .
أخرجه الطحاوي (1/126) عن إسرائيل عن جابر عن عامر عنه.
وجابر هذا هو: الجُعْفي، وهو ضعيف.
..............................................................................
ومن طريقه رواه الطبراني في " الكبير "؛ لكن سمّى الصحابي: عبد الله بن يزيد
- على ما في " المجمع " -. ولم يستحضر الحافظ هذين الحديثين حينما قال في " الفتح "
(2/197) :
" ولم أر حديثاً مرفوعاً فيه التنصيص على القراءة فيها بشيء من قصار المفصل، إلا
حديثاً في ابن ماجه عن ابن عمر؛ نص فيه على {الكَافِرُونَ} ، و {الإِخْلاصِ} ،
ومثله لابن حبان عن جابر بن سَمُرَة.
فأما حديث ابن عمر: فظاهر إسناده الصحة؛ إلا أنه معلول؛ قال الدارقطني:
" أخطأ فيه بعض رواته ".
وأما حديث جابر بن سَمُرة: ففيه سعيد بن سِمَاك؛ وهو متروك.
قلت: ومن طريقه أخرجه البيهقي أيضاً (2/391) .
وأما حديث ابن ماجه: فقال (1/275) : ثنا أحمد بن بُدَيل: ثنا حفص بن
غياث: ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} و: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
وهكذا أخرجه الطبراني في " الكبير ": ثنا محمد بن فضا (*) - كذا - الجوهري: ثنا
أحمد بن بُدَيل اليامي به.
قلت: يُتَعَجَّبُ من قول الحافظ: إن " ظاهر إسناده الصحة "؛ فإنه هو القائل في
ترجمة أحمد بن بُدَيل هذا من " التقريب ":
" صدوق له أوهام ".
فمن كان كذلك؛ كيف يصح إسناده؟! وفي " التهذيب ":
_________
(*) هو (قضاء) ؛ كما في " الإكمال " لابن ماكولا.
وكان أحياناً يقرأ بطوال المفصل وأوساطه؛ فـ " كان تارة يقرأ بـ:
{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (47: 38)(1) .
وتارة بـ: {الطُّور} (52: 49)(2) .
" قال ابن عدي: حدث عن حفص بن غياث وغيره أحاديثَ أُنكرت عليه، وهو ممن
يكتب حديثه على ضعفه. وقال النضر قاضي همدان: ثنا أحمد بن بديل عن حفص
بهذا الحديث. قال: فذكرته لأبي زُرعة؛ فقال: من حدثك؟ قلت: ابن بُدَيل. قال:
شر له. قال الدارقطني: تفرد به أحمد عن حفص ".
(1)
هو من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
أخرجه الطبراني في " الصغير "(ص 23) وفي " الكبير " أيضاً، والمقدسي في
" المختارة " من طريق الحسين بن حُرَيث المَرْوَزي: ثنا أبو مُعاوية محمد بن خازِم: ثنا عبيد
الله بن عمر عن نافع عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بهم في المغرب بـ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وأورده في " المجمع "(2/118) بلفظ:
كان يقرأ بهم
…
إلخ. وقال:
" رواه الطبراني في " الثلاثة "، ورجاله رجال " الصحيح " ".
قلت: وعزاه الحافظ المقدسي، وكذا ابن حجر في " الفتح "(2/197) لابن حبان
من هذا الوجه.
(2)
هو من حديث جُبير بن مُطعِم رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بـ: {الطُّور} في المغرب.
أخرجه مالك (1/99) ، ومن طريقه البخاري (2/197) ، ومسلم (2/41) ، ومحمد
..............................................................................
في " موطئه "(142) ، وأبو داود (1/129) ، والنسائي (1/154) ، والطحاوي (1/124) ،
والبيهقي (2/392) ، والطيالسي (127) ، وأحمد (4/85) ، والطبراني في " الكبير "
- كلهم عن مالك - عن ابن شهاب عن محمد بن جُبير بن مُطْعِم عن أبيه به.
وأخرجه البخاري أيضاً (6/126 و 7/258 و 8/489) ، ومسلم، والدارمي
(1/296) ، وابن ماجه (1/275) ، {وابن خزيمة (1/166/2) = [3/41/1589] } ،
والطحاوي، وأحمد (4/80 و 83 - 84) ، والطبراني، والبخاري في " أفعال العباد "(84)
من طرق عن الزهري به.
وزاد البخاري وأحمد:
وكان جاء في أَسارى بدر. وقال أحمد:
في فداء أهل بدر.
وأخرجه الطبراني في " الكبير " من طريق هُشيم: نا سفيان بن حسين عن الزهري
- قال هشيم: ولا أظن إلا قد سمعته من الزهري - عن محمد بن جُبير به بلفظ:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكلِّمه في أسارى بدر؛ فوافقتُه وهو يصلي بأصحابه المغرب أو
العشاء
…
الحديث بنحو الرواية الآتية.
وأخرجه الطحاوي، والطيالسي (127) ، وأحمد (4/83 و 85) ، والخطيب في
" تاريخه "(3/53) من طرق عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت بعض إخوتي
عن أبي عن جُبير بن مُطعِم:
أنه أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في فداء بدر (وفي رواية: في فداء المشركين) وما أسلم
يومئذٍ، فدخلتُ المسجَدَ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فقرأ بـ:{الطُّور} ؛ فكأنما صُدعَ
قلبي حين سمعت القرآن.
وله طريق ثالث في " المعجم الصغير "(ص 235) وكذا " الكبير " للطبراني.
..............................................................................
وفيه إبراهيم بن محمد بن جُبَير بن مُطْعِم، وهو مجهول الحال - كما في " اللسان " -.
ورابع: عن عثمان بن أبي سُلَيمان عن نافع بن جُبَير عن جُبَير به مطولاً.
أخرجه في " الكبير " بإسناد صحيح.
هذا، وفي رواية أخرى للبخاري:
فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ. أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُصَيْطِرُونَ} ؛ كاد قلبي أن يطير.
قال الحافظ:
" ويُستفاد منها أنه استفتح من أول السورة، وظاهر السياق أنه قرأ إلى آخرها.
وفي رواية أخرى عنده:
وذلك أول ما وَقَرَ الإيمان في قلبي ". قال الحافظ:
" واستُدل به على صحة أداء ما تحمَّله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق؛ إذا أداه
في حال العدالة ". اهـ.
والحديث دليلٌ على أن المغرب لا يختص بقصار المفصل - كما هو المشهور -؛ بل يستحب
القراءة فيه أحياناً بطوال المفصل، وبأطول من ذلك - كما يأتي في الكتاب -، وقد ذهب
إلى ذلك الإمام الشافعي وغيره، وخالف فيه مالك، وأكثر علمائنا. قال الترمذي (2/113) :
" وقال الشافعي: وذكر عن مالك أنه كره أن يُقرأ في صلاة المغرب بالسور الطوال
نحو: {الطُّور} و {المُرْسَلَات} . قال الشافعي: لا أكره ذلك، بل أستحب أن يُقرأ بهذه
السور في صلاة المغرب ". قال الحافظ:
" وكذا نقله البغوي في " شرح السنة " عن الشافعي. والمعروف عند الشافعية: أنه لا
كراهية في ذلك، ولا استحباب ".
..............................................................................
قلت: وهذا غير معقول، فإن القراءة عبادة؛ فإما أن تكون مستحبة؛ إذا وافقت
السنة. وإما أن تكون مكروهة؛ إذا خالفتها. وأما أن تكون غير مستحبة وغير مكروهة:
فهذا غير معقول في شيء من العبادات مطلقاً؛ فتأمل.
وقال الإمام محمد - بعد أن ساق الحديث -:
" العامة على أن القراءة تُخَفَّف في صلاة المغرب؛ يُقرأ فيها بقصار المفصل، ونرى أن
هذا كان شيئاً فتُرك! ولعله كان يقرأ بعض السورة ثم يركع ". ثم قال:
" وبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة ".
وذكر المعلق عليه عن العلماء جواباً ثالثاً؛ وهو أن هذا بحسب اختلاف الأحوال؛ قرأ
بالطِّوال لتعليم الجواز، والتنبيه على أن وقت المغرب ممتدٌ، وعلى أن قراءة القصار فيه ليس
بأمر حتمي. ثم قال المعلق أبو الحسنات:
" وأقول: الجوابان الأولان مخدوشان:
أما الأول: فلأن مبناه على احتمال النسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ولأن
كونه متروكاً إنما يثبت لو ثبت تأخر قراءة القصار على قراءة الطوال من حيث التاريخ،
وهو ليس بثابت، ولأن حديث أم الفضل - الآتي - صريح في أنها آخر ما سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سورة {المُرْسَلَات} في المغرب؛ فدلَّ ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بـ:
{المُرْسَلَات} في المغرب في يوم قبل يومه الذي توفي فيه، ولم يصل المغرب بعده، وقد
ورد التصريح بذلك في " سنن النسائي "؛ فحينئذٍ إنَّ سَلْكَ مسلكِ النسخ يُثْبِتُ نسخَ
قراءة القصار، لا العكس.
وأما الثاني: فلأن إثبات التفريق في جميع ما ورد في قراءة الطوال مشكل، ولأنه
قد ورد صريحاً في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جُبَير بن مُطْعِم سمع {الطُّور}
وتارة بـ: {المُرْسَلَات} (77: 50) ؛ قرأ بها في آخر صلاة صلاها صلى الله عليه وسلم (1) .
بتمامه؛ قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب؛ فلا يفيد حينئذٍ ليت ولعل، ولأنه قد ورد في
حديث عائشة في " سنن النسائي ":
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة {الأَعْرَافِ} في المغرب؛ فَرَّقَها في ركعتين. ومن
المعلوم أن نصف {الأَعْرَافِ} لا يبلغ مبلغ القصار؛ فلا يفيد التفريق لإثبات القصار.
وإن الجواب الصواب هو الثالث ". اهـ كلامه.
(1)
هو من حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها، وله عنها طريقان:
الأول: عن ابنها عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
أنها سمعته وهو يقرأ: {وَالمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} ؛ فقالت له:
يا بني! لقد ذكَّرتني بقراءتك هذه السورةَ؛ إنها لآخِرُ ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ
بها في المغرب.
أخرجه مالك (1/99 - 100) ، وعنه البخاري (2/195) ، ومسلم (2/40 - 41) ،
ومحمد (142) ، وأبو داود (1/129) ، والطحاوي (1/124) ، والبيهقي (2/392) ،
وأحمد (6/340) - كلهم عن مالك - عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة
ابن مسعود عنه.
ثم أخرجه البخاري (8/105) ، ومسلم، والنسائي (1/154) ، والدارمي
(1/296) ، وابن ماجه (1/275) ، والطحاوي، وأحمد (6/338 و 340) من طرق عن
الزهري به نحوه.
وأخرجه الترمذي (2/112) من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري به بلفظ:
خرج إلينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو عاصِبٌ رأسَهُ في مرضه، فصلى المغرب فقرأ بـ:
{المُرْسَلَاتِ} .
..............................................................................
قالت: فما صلاها بعد حتى لقي الله. وقال:
" حديث حسن صحيح ".
الطريق الثاني: عن أنس عنها قالت:
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته - متوشحاً في ثوبٍ - المغرب فقرأ: {المُرْسَلَات} .
ما صلى صلاةً بعدها حتى قُبض صلى الله عليه وسلم.
أخرجه النسائي، والطحاوي (1/125)، وأحمد (6/338) عن موسى بن داود: ثنا
عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن حُميد عنه.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وقد جاء في " البخاري "(2/137) وغيره من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها
النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت الظهرَ.
وقد [جمع] الحافظ بين هذا، وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حَكَتْها
عائشةُ كانت في المسجد، والتي حَكَتْها أُمُّ الفضل كانت في بيته - كما في الطريق
الثاني -.
ثم أَوَّلَ حديث ابن إسحاق - المذكور آنفاً - بأن معناه: خرج إلينا من مكانه الذي
كان راقداً فيه إلى من في البيت، فصلى بهم.
قلت: وهذا جمعٌ حسنٌ؛ لكن ابن إسحاق يخطئ أحياناً، وقد تفرد بذكر الخروج
فيه دون جميع الثقات الذين رووه عن الزهري؛ فلا يقوى حينئذٍ لمعارضة رواية أنس
الصحيحة، وبالتالي لا حاجة إلى الجمع بينهما كما لا يخفى -.
والحديث دليل - كغيره - على استحباب قراءة طِوَالِ المفصل أحياناً في المغرب - كما
سبق في الذي قبله -.
و " كان أحياناً يقرأ بطُولَى الطُّولَيَيْن (1) : [ {الأَعْرَاف} (7: 206) ](2) [في
وقد أجاب عنه الحنفية بأنه محمول على أنه قرأ بعض هذه السورة لا كلها، أو أنه
منسوخ - كما سبق عن الإمام محمد -:
والأول خلاف الظاهر - ولا يُخرج عنه إلا بدليل -، وغاية ما تمسك به علماؤنا في
ذلك حديث أبي هريرة المتقدم في أول الفصل؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بقصار
المفصل، فعارض به الطحاوي وغيره هذه الأحاديثَ القاضية باستحباب قراءة طواله،
وأولوها بما تقدم، ولا مبرر لذلك؛ فالجمع ممكن بما هو أقرب إلى الالتئام من هذا التأويل،
وهو حمل هذه الأحاديث على اختلاف الأحوال - كما سبق -، لا سيما وأن في بعض
هذه الأحاديث ما لا يقبل هذا التأويل مطلقاً - كما مضى عن اللكنوي - (*) .
وإما دعوى النسخ؛ فباطلة بشهادة هذا الحديث الصحيح؛ فإنه صريح في أنه قرأ
بذلك في آخر صلاة صلاها صلى الله عليه وسلم، فلو كان هناك مُبَرِّرٌ للمصير إلى النسخ؛ لكان ادعاء
العكس أقربَ إلى الصواب، وأحقَّ بالقبول عند ذوي الألباب، ولكن لا مسوِّغ لذلك
طالما أن الجمع ممكن بما سبق. والله الموفق.
(1)
أي: بأطول السورتين الطويلتين. و " طولى " تأنيث " أطول "، و " الطوليين ": تثنية
" طولى "، وهما:{الأَعْرَاف} اتفاقاً، و {الأَنْعَام} على الأرجح. كما في " فتح الباري ".
(2)
هو من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
رواه عنه مروان بن الحكم ثم عروة بن الزبير.
أما الأول: فأخرجه البخاري (2/196) ، وأبو داود (1/129) ، والنسائي
(1/154) ، و {ابن خزيمة (1/68/2) = [1/259/516] } ، والبيهقي (2/392) ، وأحمد
(5/188 و 189) من طرق عن ابن جُريج قال: سمعت عبد الله بن أبي مُليكة يحدث
_________
(*) انظر ما تقدم (ص 480) .
..............................................................................
يقول: أخبرني عروة بن الزبير: أن مروان أخبره قال: قال لي زيد بن ثابت:
ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟! لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة
المغرب طولى الطوليين.
قال: قلت لعروة: ما طولى الطوليين؟ قال: {الأَعْرَاف} .
والسياق لأحمد. وزاد أبو داود قال:
وسألت أنا ابن أبي مُلَيكة؟ فقال لي من قِبَلِ نفسه: {المَائِدَة} و {الأَعْرَاف} .
وهي عند [ابن خزيمة]، والبيهقي أيضاً؛ إلا أنه قال:{الأَنْعَام} .. مكان:
{المَائِدَة} . وكذلك رواه الجوزقي من الطريق التي أخرِجها أبو داود، كما ذكره الحافظ،
وذكر بعض الروايات شاهدةً لذلك، ثم قال:
" فحصل الاتفاق على تفسير الطولى بـ: {الأَعْرَاف} ، وفي تفسير الأخرى ثلاثة
أقوال؛ المحفوظ منها: {الأَنْعَام} . اهـ.
وقد تابعه هشام بن عروة عن عروة:
أخرجه أحمد (5/187) : ثنا سليمان بن داود: أنا عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد عن
هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت:
ألم أرك الليلة خفَّفت القراءة في سجدتي المغرب؟!
والذي نفسي بيده! إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيقرأُ فيهما بطولى الطوليين.
وهذا إسناد جيد.
وأما رواية عروة بن الزبير عنه؛ فأخرجها النسائي، والطحاوي (1/124) من طريق
أبي الأسود: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: أخبرني زيد بن ثابت؛ أنه قال لمروان بن الحكم:
يا أبا عبد الملك! ما يحملك على أن تقرأ في صلاة المغرب بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ،
الركعتين] (1) ".
وسورة أخرى صغيرة - وقال النسائي: و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ} -؟! قال زيد:
فوالله! لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بأطول الطِّوال؛ وهي {المص} .
والسياق للطحاوي.
وهذا سند صحيح على شرطهما - كما قال النووي (3/383) ، وابن القيم (1/75) -.
ثم أخرجه الطحاوي عن حماد عن هشام عن أبيه به نحوه؛ لكنه قال: زيد بن
ثابت أو: أبو زيد الأنصاري - شك هشام -.
وكذلك أخرجه أحمد (5/185) من طريق يحيى بن سعيد عن هشام به نحوه،
لكنه قال: أو أبي أيوب. والظاهر أن عروة سمعه أولاً من مروان عن زيد ثم لقي زيداً،
فأخبره - كما في " الفتح " -. قال السندي:
" وفي الحديث أنه ينبغي للإمام أن يقرأ ما قرأه صلى الله عليه وسلم أحياناً؛ تبركاً بقراءته صلى الله عليه وسلم،
وإحياءً لسنته وآثاره الجميلة ". اهـ. قال ابن القيم:
" فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورة من قصار المفصل؛ خلاف السنة، وهو
فعل مروان بن الحكم؛ ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت ".
(1)
هو رواية عن زيد بن ثابت في حديثه المتقدم من طريق هشام بن عروة عن أبيه
عنه؛ أنه قال لمروان:
إنك تُخِفُّ القراءةَ في الركعتين من المغرب. فوالله! لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ
فيهما بسورة {الأَعْرَافِ} في الركعتين جميعاً.
أخرجه ابن خزيمة { (1/68/1) = [1/260/518] } (*) .
(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع (ص 116) للسرّاج، والمخلّص.
..............................................................................
وقد أخرجه {ابن خزيمة [1/260/517] } ، والحاكم (1/237) من طريق مُحاضِر
ابن المُوَرِّع: ثنا هشام بن عروة به نحوه. وقال:
" صحيح على شرط الشيخين؛ إن لم يكن فيه إرسال ". وقال الذهبي:
" فيه انقطاع ". كذا قال! ويعني: بين عروة وزيد، وليس كذلك؛ فقد سبق
تصريحه بسماعه منه في رواية الطحاوي؛ فالحديث موصول صحيح، وهو على شرط
مسلم فقط؛ فإن محاضر بن المورِّع إنما روى له البخاري تعليقاً.
وقد ذكره البيهقي (2/392) من طريقه، ثم قال:
" والصحيح هي الرواية الأولى ". يعني: رواية ابن جريج السابقة، التي ليس فيها
تفريقها في الركعتين.
قلت: لكنه لم يتفرد به محاضر؛ فقد قال أحمد (5/418) : ثنا وكيع: ثنا هشام
ابن عروة عن أبيه عن أبي أيوب - أو عن زيد بن ثابت -:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ {الأَعْرَاف} في الركعتين.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما، والشك في الصحابي لا يضر.
ورواه شعيب بن أبي حمزة قال: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
به؛ إلا أنه قال:
فَرَّقَها في ركعتين.
أخرجه النسائي (1/154)، والبيهقي من طريق أبي حَيْوَةَ وبقيّة بن الوليد قالا: ثنا
شعيب به.
وهذا سند صحيح. وقول النووي (3/383) :
وتارة: بـ: {الأَنْفَال} (8: 75) في الركعتين (1) .
" حسن ". قصور؛ فإن بقية إنما يُخشى من تدليسه، وهو قد صرح بالتحديث.
وتابعه أبو حَيْوَةَ، واسمه شريح بن يزيد، وهو ثقة - كما قال الشوكاني (2/196) -.
ثم إن الظاهر أن الحديث واحد، اختلف الرواة فيه عن هشام في صحابيه. والمحفوظ
عن عروة: أنه زيد بن ثابت - كما قال الحافظ -؛ فحمل رواية هشام المختلفة على الرواية
المحفوظة أولى. والله أعلم.
(1)
هو من حديث أبي أيوب رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب سورة {الأَنْفَال} .
رواه الطبراني في " الكبير "{بسندٍ صحيح} ، ورجاله رجال " الصحيح ".
وعن زيد بن ثابت:
كان يقرأ في الركعتين من المغرب بـ: سورة {الأَنْفَال} .
أخرجه أيضاً في " الكبير "، ورجاله رجال " الصحيح ". كذا في " المجمع "(2/118) .
قلت: وإسناد الأول هكذا في " الكبير ": ثنا عبد الرحمن بن سَلْم الرازي: نا سهل
ابن عثمان: نا عُقبة بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عنه بزيادة:
في الركعتين.