المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السجود على الأرض والحصير - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌جَوَازُ الاقتِصَارِ على {الفَاتِحَة}

- ‌الجهرُ والإسرارُ في الصَّلوَاتِ الخَمْسِ وغَيْرِها

- ‌الجَهْرُ والإسْرارُ في القراءةِ في صلاةِ الليل

- ‌ما كانَ يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصلوات

- ‌1- صلاةُ الفجر

- ‌القراءةُ في سُنَّةِ الفَجْرِ

- ‌2- صلاة الظهر

- ‌قراءته صلى الله عليه وسلم آياتٍ بعدَ {الفَاتِحَة} في الأخِيرَتَيْنِ

- ‌3- صلاة العصر

- ‌4- صلاة المغرب

- ‌القراءة في سُنَّة المغرب

- ‌5- صلاة العشاء

- ‌6- صلاة الليل

- ‌7- صلاةُ الوَِتْرِ

- ‌القراءة في الركعتين بعد الوتر

- ‌8- صلاة الجمعة

- ‌9- صلاة العيدين

- ‌10- صلاة الجنازة

- ‌تَرْتيلُ القراءةِ وتحسينُ الصوت بها

- ‌الفَتْحُ على الإمام

- ‌الاستعاذةُ والتَّفْلُ في الصلاة لِدفع الوسوسة

- ‌الركوع

- ‌صفة الركوع

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في الركوع

- ‌أذكار الركوع

- ‌إطالة الركوع

- ‌النهي عن قراءةِ القرآنِ في الركوع

- ‌الاعتدال من الركوع، وما يقولُ فيه

- ‌إطالةُ هذا القيام، ووجوبُ الاطمئنان فيه

- ‌السجود

- ‌التكبير ورفع اليدين عند الهوي إلى السجود

- ‌الخرور إلى السجود على اليدين

- ‌[صفة السجود]

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في السُّجود

- ‌أذكارُ السُّجود

- ‌النهيُ عن قراءة القرآن في السُّجود

- ‌إطالةُ السُّجود

- ‌فضل السجود

- ‌السُّجودُ على الأرضِ والحَصِير

- ‌الرَّفعُ مِنَ السُّجود

- ‌الافتراش أو الإقْعَاءُ بن السَّجْدتين

الفصل: ‌السجود على الأرض والحصير

‌السُّجودُ على الأرضِ والحَصِير

وكان يسجد على الأرض كثيراً (1) .

(1) استخرجنا ذلك مما اشتهر واستفاض: أن مسجده صلى الله عليه وسلم لم يكن مفروشاً

بالبسط، أو الحصر؛ كما يدل عليه أحاديث كثيرة جداً:

الأول: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:

كانت الكلاب تبول، وتقبل، وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم

يكونوا يرشون شيئاً من ذلك.

أخرجه البخاري (1/223) ، وأبو داود (1/63) ، والبيهقي (2/429) من طريق

يونس عن ابن شهاب قال: ثني حمزة بن عبد الله عن أبيه.

وخالفه صالح بن أبي الأخضر؛ فقال: عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه.

أخرجه أحمد (2/70 - 71) .

وصالح: ضعيف.

الثاني: عن أبي هريرة:

أن أعرابياً دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم!

ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

" لقد تحجرت واسعاً ".

ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد؛ فأسرع الناس إليه؛ فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم،

وقال:

" إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء - أو قال: ذنوباً

من ماء - ".

ص: 780

..............................................................................

أخرجه أبو داود (1/62 - 63) ، والترمذي (1/275 - 276) ، والبيهقي (2/428) ،

وأحمد (2/239) عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه. وقال

الترمذي:

" حديث حسن صحيح ".

وله طريق أخرى: أخرجه ابن ماجه (1/189) ، وأحمد (2/503) عن محمد بن

عمرو عن أبي سلمة عنه به نحوه.

وهذا إسناد جيد. وصححه ابن حبان - كما في " الفتح "(10/360) -، وزاد أحمد

قال: يقول الأعرابي بعد أن فقه:

فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليَّ - بأبي هو وأمي -؛ فلم يسب، ولم يؤنب، ولم يضرب.

وقد روى منه البخاري (10/360) ، وكذا أحمد (2/283) قصة دعاء الأعرابي من

طريق الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن.

ثم أخرج قصة بوله في المسجدِ البخاريُّ (1/258 و 10/432) ، والنسائي (1/20

و63) ، والبيهقي أيضاً، وأحمد (2/282) من طريق الزهري أيضاً: أخبرني عبيد الله بن

عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة.

وقد جاءت هذه القصة من حديث أنس أيضاً، وله عنه ثلاثة طرق:

1-

عن حماد بن زيد عن ثابت عنه بلفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" دعوه، ولا تُزرموه ". قال: فلما فرغ؛ دعا بدلو من ماء، فصبه عليه.

أخرجه مسلم (1/163) ، والنسائي (1/20 و 63) ، والبيهقي (2/428) ، وأحمد

(3/226) من طرق عنه.

ص: 781

..............................................................................

2- عن يحيى بن سعيد: سمعت أنساً به نحوه.

أخرجه البخاري (1/258 - 259) ، ومسلم، والنسائي (20) ، والترمذي

(2/276) ، والدارمي (2/189) ، والبيهقي، وأحمد (3/110 و 114 و 167) من طرق

عنه.

وإسناده عند أحمد والدارمي ثلاثي.

3-

عن إسحاق بن أبي طلحة: ثني أنس بن مالك به نحوه أتم منه.

أخرجه مسلم، وأحمد (3/191) من طريق عكرمة بن عمارعنه.

وأخرجه البخاري (1/257) - مختصراً - من طريق همام عنه.

الحديث الثالث: عن عمر بن سليم قال: قال أبو الوليد:

سألت ابن عمر عما كان بدء هذه الحصباء التي في المسجد؟ قال:

نعم؛ مطرنا من الليل، فخرجنا لصلاة الغداة، فجعل الرجل يمر على البطحاء،

فيجعل في ثوبه من الحصباء، فيصلي عليه. قال:

فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك؛ قال:

" ما أحسن هذا البساط! ". فكان ذلك أول بدئه.

أخرجه أبو داود (75) عن سهل بن تمَّام بن بَزِيع، والبيهقي (2/440) عن

عبد الوارث، والسياق له؛ كلاهما عن عُمر بن سُلَيم. وقال البيهقي:

" وإسناده لا بأس به ".

وتعقبه ابن التركماني بأن أبا الوليد هذا مجهول - كذا قال ابن القطان والذهبي -.

قلت: وكذا قال الحافظ في " التقريب "؛ لكن أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة "

ص: 782

{و " كان أصحابه يصلون معه في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدهم أن

يمكن جبهته من الأرض؛ بسط ثوبه، فسجد عليه " (1) } . وكان يقول:

من طريق محمد بن إسحاق بن خُزيمة: ثنا محمد بن بَشّار - بُندار - قال: ثني

عبد الصمد: ثنا عمر بن سُلَيم - كان ينزل في بني قُشَير - قال: ثني ثور قال: قلت لابن

عمر:

الحديث. ثم قال المقدسي:

" كذا رواه ابن خزيمة في " صحيحه " ".

قلت: وثور هذا لم أعرفه، ولعله: ثور بن عُفَير السَّدُوسي؛ الراوي عن أبي هريرة،

وهو مجهول؛ لم يرو عنه غير ابن شقيق - كما في " الميزان " -.

الحديث الرابع: عن معيقيب قال:

قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: المسح في المسجد؟ - يعني: الحصى - فقال:

" إن كنت لا بد فاعلاً؛ فواحدة ".

أخرجه مسلم (2/74 - 75) ، والدارمي (2/322) ، وأحمد (3/426 و 5/425)

وهو في البخاري (3/61) ، وأبي داود (1/150) ، والنسائي (1/177) ، والترمذي

(2/220) وصححه، وابن ماجه (1/320) بنحوه، وكذا البيهقي (2/284 - 285) .

قال الحافظ في " الفتح ":

" (تنبيه) : التقييد بالحصى وبالتراب خرج للغالب؛ لكونه كان الموجود في فرش

المساجد إذ ذاك. فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه على غيره مما يصلى عليه من

الرمل، والقذى، وغير ذلك ".

وفي الباب أحاديث أخرى، وفيما ذكرنا كفاية.

(1)

{ [أخرجه] مسلم، وأبو عوانة} .

ص: 783

"

وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطَهوراً (1) ، فأينما

أدركَتْ رجلاً من أمتي الصلاةُ؛ فعنده مسجده، وعنده طهوره، [وكان مَنْ

(1)" مسجداً ": أي: موضع سجود؛ لا يختص السجود منها بموضع دون غيره.

" وطَهوراً ": بفتح الطاء، قال الحافظ:

" استدل به على أن الطَّهور هو المطهر لغيره؛ لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر؛ لم

تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها، وقد روى ابن المنذر، وابن الجارود بإسناد

صحيح عن أنس مرفوعاً:

" جعلت لي كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً ".

ومعنى " طيبة ": طاهرة. فلو كان معنى (طهوراً) : طاهراً؛ للزم تحصيل الحاصل.

واستدل به على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض، وقد أكد ذلك بقوله:" كلها " ".

وقال السندي:

" والمراد أن الأرض ما دامت على حالها الأصلية؛ فهي كذلك، وإلا؛ فقد تخرج

بالنجاسة عن ذلك. والحديث لا ينفي ذلك.

والحديث يؤيد القول بأن التيمم يجوز على وجه الأرض كلها، ولا يختص بالتراب.

ويؤيد أن هذا العموم غير مخصوص قولُه: " فأينما أدرك الرجلَ " بالنصب " الصلاةُ "

بالرفع، وهذا ظاهر؛ سيما في بلاد الحجاز؛ فإن غالبها الجبال والحجارة، فكيف يصح أو

يناسب هذا العموم إذا قلنا: إن بلاد الحجاز لا يجوز التيمم منها إلا في مواضع

مخصوصة؟! فليتأمل ".

ويؤيد أن الحديث على عمومه تيممُه صلى الله عليه وسلم من الحائط، وهو في " الصحيحين ".

ولذلك قال ابن دقيق العيد:

" ومن خص التيمم بالتراب؛ يحتاج إلى أن يقيم دليلاً يخص به هذا العموم، أو

ص: 784

قبلي يعظمون ذلك؛ إنما كانوا يصلون في كنائسهم وَبِيَعِهم] " (1) .

يقول: دل الحديث على أنه يصلي، وأنا أقول بذلك، فيصلي على الحالة، وَيَرِدُ عليه

حديث الباب، فإنه بلفظ:

" فعنده مسجده، وعنده طهوره ".

وقد ذهب إلى تخصيص التيمم بالتراب: العترةُ، والشافعي، وأحمد، وداود. وذهب

مالك، وأبو حنيفة، وعطاء، والأوزاعي، والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض وما عليها ".

قلت: وهو مذهب ابن حزم في " المحلى "(2/158 - 161) .

(1)

هو قطعة من حديث أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" فضَّلني ربي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - أو قال: على الأمم - بأربع - قال -:

أرسلت إلى الناس كافة. وجعلت الأرض

" الحديث، وتتمته:

"

ونصرت بالرعب مسيرة شهر؛ يقذفه في قلوب أعدائي، وأحل لنا الغنائم ".

أخرجه أحمد (5/248) ، والبيهقي (2/433 - 434) عن سليمان التيمي عن سَيّار

عنه.

وهذا إسناد جيد. رجاله رجال الستة؛ غير سَيَّار هذا - وهو الشامي مولى معاوية -؛

فمن رجال الترمذي وحده، وصحح له، ووثقه ابن حبان، وقال في " التقريب ":

" صدوق ".

ولهم شيخ آخر يقال له: سَيّار؛ ولكنه بصري، من كبارأتباع التابعين. أخرج له

الستة، وإنما ذكرته؛ لأنه روى معنى هذا الحديث عن جابر، ولم يُنسَب في الرواية، كما

لم ينسب سَيّار في هذا الحديث، فربما ظنهما بعضُ من لا تمييز له واحداً؛ فيظن أن في

الإسناد اختلافاً، وليس كذلك. أفاده الحافظ في " الفتح "(1/346) ، ثم ذكر أن إسناد

ص: 785

..............................................................................

هذا الحديث حسن.

قلت: وقد رواه الترمذي (1/293 - طبع بولاق) - مختصراً - من هذا الوجه، وقال:

" حسن صحيح ".

قلت: وله شواهد عن جمع من الصحابة:

منهم: جابر بن عبد الله مرفوعاً بلفظ:

" أعطيت خمساً؛ لم يعطهن أحد قبلي

" الحديث بنحوه. وذكر في الخامسة:

" وأعطيت الشفاعة ".

أخرجه البخاري (1/346 و 423) ، ومسلم (2/63) ، والنسائي (1/73) ، والدارمي

(1/322) ، والبيهقي (2/433) ، وأحمد (3/304) .

ومنها: عن أبي ذر نحو حديث جابر.

أخرجه الدارمي (2/224) ، وأحمد (5/145 و 148) من طريق الأعمش عن

مجاهد عن عُبيد بن عُمير الليثي عنه.

وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الستة.

وروى أبو داود (1/79) منه قوله:

" جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ".

وخالفه واصل الأحدب؛ فقال: سمعت مجاهداً عن أبي ذر به. فأسقط من

الإسناد: (عبيد بن عمير) .

أخرجه الطيالسي (64) ، وأحمد (5/161) . ولأبي ذر حديث آخر، وفيه قوله:

" وأينما أدركتك الصلاة؛ فصل؛ فهو مسجد ".

ص: 786

..............................................................................

أخرجه البخاري (6/315 و 359) ، ومسلم (2/63) ، والنسائي (1/112) ، وابن

ماجه (1/254) ، والبيهقي (2/433) ، والطيالسي (62) ، وأحمد (5/150 و 156

و157 و 160 و 166 - 167) .

ومنها: عن ابن عباس نحوه أيضاً.

أخرجه أحمد (1/250 و 301) من طريق يزيد بن أبي زياد عن مِقْسَم عنه.

وله طريق أخرى: أخرجها البيهقي (2/433) عن السُّدِّي عن عكرمة عنه.

وهو بمجموع الطريقين قوي، وقد حسنه الحافظ من الطريق الأولى.

ومنها: عن أبي موسى نحوه.

أخرجه أحمد (4/416) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عنه.

وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وحسنه الحافظ. وقال الشوكاني

(1/227) :

" رواه أحمد، والطبراني بإسناد جيد ".

ومنها: عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

أخرجه أحمد (2/222) من طريق ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن

جده مرفوعاً؛ وفيه:

" وكان من قبلي يعظمون ذلك:

".

وهذا سند حسن - كما ذكر الحافظ أيضاً -.

ويؤيده حديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ:

" ولم يكن نبي من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه ".

ص: 787

..............................................................................

وعزاه الحافظ (1/347) للبزار. وهذا يَرُدُّ قول من فسر الحديث:

" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ": وجعلت لغيري مسجداً، ولم تجعل طهوراً.

قال:

" لأن عيسى كان يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة "!

ولذلك قال الحافظ:

" والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن من قبله، إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن

مخصوصة؛ كالبيع، والصوامع ". ثم أيد ذلك بهذين الحديثين.

ومنها: عن أبي سعيد نحوه.

أخرجه الطبراني في " الأوسط ". قال الهيثمي (8/269) :

" وإسناده حسن ".

ومنها: عن أنس.

رواه الخطابي في " المعالم "(1/147) قال: حدثونا به عن علي بن عبد العزيز عن

حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن ثابت عنه.

وهذا سند صحيح.

ورواه السراج في " مسنده " - بإسنادٍ؛ قال العراقي: " صحيح " - كما في " النيل "

وابن المنذر، وابن الجارود - بإسناد صحيح؛ كما في " الفتح "(1/347) -.

وفي الباب عن أبي هريرة أيضاً بلفظ:

" فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب

" الحديث

نحوه. وقال في السادسة:

ص: 788

وكان ربما سجد في طين وماء، وقد وقع له ذلك في صبح ليلة إحدى

وعشرين من رمضان؛ حين أمطرت السماء، وسال سقف المسجد - وكان من

جريد النخل -، فسجد صلى الله عليه وسلم في الماء والطين. قال أبو سعيد الخدري: " فأبصرت

عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين " (1) .

" وخُتم بي النبيون ".

أخرجه مسلم (2/64) ، والترمذي (1/293) وصححه، والبيهقي (2/433) ،

وأحمد (2/412) .

وله في " المسند "(2/501) طريق أخرى - مختصراً - بسند حسن.

(1)

هو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان، فاعتكف عاماً، حتى إذا

كان ليلة إحدى وعشرين. وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه؛ قال:

" من اعتكف معي؛ فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة، ثم أنسيتها،

وقد رأيتُني أسجد من صبحها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها

في كل وتر ".

قال أبو سعيد: فأمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوَكَف

المسجد. قال أبو سعيد: فابصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، وعلى جبهته وأنفه أثر

الماء والطين، من صبح ليلة إحدى وعشرين.

أخرجه مالك (1/296 - 298) ، وعنه البخاري (4/219) ، وأبو داود (1/218 -

219) ، والبيهقي (2/103) عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن

الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه.

ص: 789

و " كان يصلي على الخُمْرة (1) "(2) أحياناً،................................

وقد أخرجه مسلم (2/171 - 172) ، والنسائي (1/198) من طرق عن محمد بن

إبراهيم به نحوه.

ثم أخرجه البخاري (2/237 و 4/207 و 226 و 228) ، ومسلم أيضاً (172) ، وأبو

داود (1/142 - 143) ، والطيالسي (291) ، وأحمد (3/7 و 24 و 60 و 74) من طرق عن

أبي سلمة به أتم منه.

وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن أُنَيس - مختصراً - نحوه.

أخرجه مسلم (3/173) ، وأحمد (3/495) .

(1)

بضم الخاء المعجمة، وسكون الميم. قال ابن الأثير في " النهاية ":

" هي مقدارما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده؛ من حصير، أو نسيجة خوص،

ونحوه من النبات، ولا تكون خُمرة إلا في هذا المقدار، وسميت خُمرة؛ لأن خيوطها

مستورة بسعفها ". اهـ. وفي " الفتح " (1/342) :

" وقال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها المصلي. ثم ذكر حديث ابن عباس في

الفأرة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخُمْرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً عليها. ففي

هذا تصريح باطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه ".

قلت: هذا الحديث أخرجه البخاري في " الأدب المفرد "(ص 178) ، وأبو داود

(2/349) من طريق عمرو بن طلحة قال: ثنا أسباط عن سماك بن حرب عن عكرمة

عن ابن عباس به؛ وله تتمة:

فاحترقت منها مثل موضع درهم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إذا نمتم؛ فأطفئوا سُرُجَكم؛ فإن الشيطان يدل مثل هذه على مثل هذا،

فتحرقكم ".

ص: 790

..............................................................................

وهذا سند جيد.

ثم رأيت الحاكم قد أخرجه في " المستدرك "(4/284 - 285) من هذا الوجه، وقال:

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

(2)

ثبت هذا عن جمع من الصحابة:

1-

ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة.

أخرجه البخاري (1/341 و 390) ، ومسلم (2/128) ، وأبو داود (1/106) ،

والنسائي (1/120) ، والدارمي (1/319) ، وابن ماجه (1/320) ، والطيالسي (226) ،

وأحمد (6/330 و 331 و 335 و 336) من طريق سليمان الشيباني عن عبد الله بن شداد

عنها.

وكذا رواه البيهقي (2/421) . وله في " المسند "(6/331 و 334) طريق أخرى.

ورواه النسائي (1/68) بنحوه.

2-

عن ابن عباس.

أخرجه الترمذي (2/151) ، والبيهقي، والطيالسي (348) ، وأحمد (1/269

و309 و 320 و 358) من طرق عن سِمَاك عن عكرمة عنه به. وقال الترمذي:

" حسن صحيح ".

وأخرجه الحاكم (1/259) ، وعنه البيهقي (2/437) ، وأحمد (1/273) من طريق

زَمْعَةَ بن صالح عن سلمة بن وَهْرام عن عكرمة بلفظ: بساط.

وقد رواه زمعة أيضاً عن عمرو بن دينار عن ابن عباس به.

ص: 791

..............................................................................

أخرجه ابن ماجه (1/321) ، والبيهقي (2/437) ، وأحمد أيضاً (1/232) .

وزمعة: ضعيف. وقول الحاكم: " احتج به مسلم "؛ وهم؛ وإنما روى له مقروناً - كما

قال الذهبي، والحافظ -.

3-

عائشة.

أخرجه الطيالسي (217) ، وأحمد (6/149 و 179 و 209) من طريق حماد بن

سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عنها به.

وهذا سند صحيح. رجاله رجال " الصحيح ".

وله في " المسند "(6/248) طريق أخرى عن عروة عنها.

وهو صحيح أيضاً على شرط الستة.

4-

أنس بن مالك.

أخرجه الطبراني في " الصغير "(121) من طريق قتادة عنه به.

وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن أنس بن سيرين عنه.

5-

عن أم سليم.

أخرجه أحمد (6/376 - 377)، والبيهقي عن عَفَّان قال: ثنا وهيب قال: ثنا أيوب

عن أبي قِلابة عن أنس بن مالك عنها.

وهذا سند صحيح على شرط الستة.

6-

عن أم سلمة.

عند أحمد (6/302) : ثنا عفان: ثنا وُهَيب قال: ثنا خالد عن أبي قِلابة عن

بعض ولد أم سلمة عنها به.

ص: 792

و " على الحصير "(1) أحياناً.

وإسناده كالذي قبله؛ لولا هذا البعض الذي لم يسمَّ، لكن أورده الهيثمي في

" المجمع "(2/57)، فقال:

" رواه أبو يعلى، والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال الأول رجال

" الصحيح " ". فلعله جاء مسمى عنده (*) . والله أعلم.

7-

عن ابن عمر.

أخرجه أحمد (2/92 و 98) عن شَرِيك عن أبي إسحاق عن البَهيّ عنه به.

ثم أخرجه (6/111) من طريق أخرى عن شَرِيك به؛ إلا أنه قال: عن عائشة. أو:

عن ابن عمر. شك شريك. اهـ.

وشريك: سيئ الحفظ.

8-

أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

رواه الطبراني في " الكبير "، وأبو يعلى.

ورجاله رجال " الصحيح ".

9-

جابر بن عبد الله.

رواه البزار.

وفيه الحجاج بن أرطاة، وفيه اختلاف - كما في " المجمع " -.

(1)

صح فيه أحاديث:

الأول: عن أنس:

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير.

_________

(*) نعم؛ وهو في " مسند أبي يعلى "(6884) ، و " المعجم الكبير " للطبراني (23/ رقم 821)

عن خالد عن أبي قلابة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة

ص: 793

..............................................................................

أخرجه هكذا - مختصراً - الدارمي (1/319) ، وأحمد (3/179) من طريق إسحاق

ابن عبد الله بن أبي طلحة عنه. وهو في " الصحيحين "، وغيرهما - مطولاً. ويأتي فيما

بعد.

الثاني: عنه أيضاً. قال: قال رجل من الأنصار:

إني لا أستطيع الصلاة معك - وكان رجلاً ضخماً -، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً،

فدعاه إلى منزله، فبسط له حصيراً، ونضح طرف الحصير، فصلى عليه ركعتين، فقال

رجل من آل الجارود لأنس:

أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال:

ما رأيته صلاها إلا يومئذٍ.

أخرجه البخاري (2/125 - 126 و 3/44 - 45) ، وأبو داود (1/106) ، وأحمد

(3/130 - 131 و 184 و 291) عن شعبة عن أنس بن سيرين قال: سمعت أنس بن

مالك به.

ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي (281) - مختصراً - بلفظ:

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين على حصير.

وله طريق أخرى عند الطبراني في " الصغير "(ص 148) عن ثابت عنه. دون قوله:

ركعتين.

الثالث: عنه أيضاً، ويأتي بعده.

الرابع: عن أبي سعيد الخدري:

أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده يصلي على حصير يسجد عليه.

ص: 794

..............................................................................

أخرجه مسلم (2/62 و 128) ، {وأبو عوانة [2/72] } ، والترمذي (2/153) ، وابن

ماجه (1/321) ، والبيهقي (2/421) ، وأحمد (3/52 و 59) من طريق الأعمش عن

أبي سفيان عن جابر عنه. وقوله: يسجد عليه. تفرد به مسلم، وأحمد في رواية له.

الخامس: عن المغيرة بن شعبة بلفظ:

" كان يصلي على الحصير

" الحديث. - ويأتي قريباً -.

وفي هذه الأحاديث دلالة على جواز الصلاة على الحصير، وعليه أكثر أهل العلم

- كما قال الترمذي -.

وأما ما رواه أبو يعلى عن شُريح: أنه سأل عائشة:

أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير؛ فإني سمعت في كتاب الله: {وَجَعَلْنَا

جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} ؟ قالت:

لم يكن يصلي عليه.

ففى ثبوته عندي نظر، وإن قال الهيثمي (2/57) :

" رجاله موثقون ". ونحوه قول العراقي:

" رجاله ثقات ". فإن هذا لا يفيد صحة الإسناد - كما لا يخفى على النقاد -.

وقد قال الشوكاني (2/107) :

" وكيفية الجمع بين حديثها هذا، وسائر الأحاديث؛ أنها إنما نفت عِلْمَها، ومن علم

صلاته على الحصير مقدم على النافي.

وأيضاً: فإن حديثها، وإن كان رجاله ثقاتٍ؛ فإن فيه شذوذاً - كما قال العراقي - ".

ويؤكد شذوذه؛ بل ضعفه: أنه صح عن عائشة نفسها خلافه؛ فقد روى عروة عنها:

ص: 795

و " صلى عليه - مرةً -، وقد اسود من طول ما لُبِس (1) "(2) .

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على خمرة، فقال:

" يا عائشة! ارفعي عنا حصيرك هذا؛ فقد خشيت أن يكون يفتن الناس ".

أخرجه أحمد.

وسنده صحيح على شرط الستة - كما سبق قريباً -، وقد ذكر الحافظ في " الفتح "

(1/390) أن البخاري روى من طريق أبي سلمة عن عائشة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه، ويصلي عليه.

قلت: وهو في " البخاري "(2/170) عن المقبري عن أبي سلمة به، لكن ليس فيه

التصريح بأنه كان يصلي عليه، ولفظه:

كان له حصير يبسطه بالنهار، ويحتجره بالليل، فثاب إليه ناس، فصلوا وراءه.

(1)

فيه أن الافتراش يسمى لبساً، وقد استدل به على منع افتراش الحرير؛ لعموم

النهي عن لبس الحرير (1) . ولا يرد على ذلك أن من حلف لا يلبس حريراً؛ فإنه لا

يحنث بالافتراش؛ لأن الأيمان مبناها على العرف. كذا في " الفتح ".

(2)

هو من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:

أن جدته مُلَيكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام، فأكل منه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" قوموا؛ فَلأُصلي لكم ".

قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسْوَدَّ من طول ما لُبس، فنضحته بماء، فقام

عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول

_________

(1)

{بل ورد فيهما [أي: في " الصحيحين "] النهي الصريح عن الجلوس عليه؛ فلا تغتر بمن

أباحه من الكبار!} .

ص: 796

..............................................................................

الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم انصرف.

أخرجه مالك (1/ 168 - 169) ، وعنه البخاري (1/389 و 2/275) ، ومسلم

(2/127) ، وأحمد (3/149 و 164) - كلهم عن مالك - عن إسحاق بن عبد الله بن أبي

طلحة عنه. واللفظ من البخاري.

ورواه النسائي (1/120) ، وأحمد أيضاً (3/145 و 226) من طرق أخرى عن

إسحاق به نحوه. وفيه:

فسجد عليه.

* * *

ص: 797