الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5- صلاة العشاء
كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من وسط المُفَصَّل (1) ؛ فـ " كان تارةً
يقرأ بـ: {الشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (91: 15) ، وأشباهها من السور " (2) .
(1) هو قطعة من حديث أبي هريرة المتقدم في (صلاة الفجر) .
قال السيوطي في " الإتقان "(1/63) :
" (المُفَصَّل) : طوال، وأوساط، وقصار. قال ابن مَعْن: فطواله إلى {عَمَّ} ،
وأوساطه منها إلى {الضُّحَى} ، ومنها إلى آخر القرآن قصاره. هذا أقرب ما قيل
فيه ".
(2)
هو من حديث بُريدة بن الحُصَيب.
أخرجه أحمد (5/354) : ثنا زيد بن حُبَاب: ثني حسين بن واقد: ثني عبد الله بن
بُريدة عن أبيه به.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وقد أخرجه الترمذي (2/114) : ثنا عبدة بن عبد الله الخُزَاعي: ثنا زيد بن الحُبَاب
به. وقال:
" حديث حسن ".
وأخرجه النسائي (1/154) ، والطحاوي (1/126) من طريق علي بن الحسن بن
شَقِيق: ثنا الحسين بن واقد به.
وهذا صحيح أيضاً كالأول.
و " تارة بـ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} (84: 25) ، وكان يسجد بها "(1) .
(1) هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. رواه عنه أبو رافع قال:
صليت مع أبي هريرة العَتَمة، فقرأ:{إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} ، فسجد. فقلت: ما
هذه؟! قال:
سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؛ فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه.
أخرجه البخاري (2/199 و 448) ، ومسلم (2/89) ، وأبو داود (1/222) ،
والنسائي (1/152) ، والطحاوي (1/210) ، والبيهقي (2/322) ، والطيالسي (321) ،
وأحمد (2/229 و 456 و 459 و 466) من طرق عنه. وهذا لفظ سُليمان التَّيْمي عنه.
وظاهره أنه سجد بها في الصلاة.
ويؤيد ذلك رواية ابن خزيمة من طريق أبي الأشعث عن مُعتمِر عن أبيه بلفظ:
صليت خلف أبي القاسم؛ فسجد بها.
ومثله رواية يزيد بن هارون عن سليمان بلفظ:
صليت مع أبي القاسم؛ فسجد فيها. كما في " الفتح ".
ولذلك ترجم له البخاري بـ: (باب القراءة في العشاء بالسجدة) .
وأخرجه البخاري (2/445) ، ومسلم، والنسائي، والدارمي (1/343) ،
والطحاوي، والبيهقي (2/315) ، والطيالسي (307) ، وأحمد (2/413 و 434 و 449
و454 و 466 و487 و 529) ، وكذا مالك (1/209 - 210) ، وعنه محمد (146 و 148)
من طرق عن أبي سلمة1.
ومسلم، وأبو داود، والترمذي (2/462 - 463) ، وابن ماجه (1/327) ،
والطحاوي، وأحمد (2/249 و 461) عن عطاء بن مِيناء2.
..............................................................................
ومسلم، والطحاوي، عن عبد الرحمن بن سعد الأعرج3.
والنسائي، والطحاوي، وكذا أحمد (2/281) عن ابن سيرين4.
والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد (2/247) عن أبي بكر بن
عبد الرحمن5.
والطحاوي، وأحمد (2/451) عن نعيم المُجْمِر6.
رواه ستتُهم عن أبي هريرة نحوه. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم؛ يرون السجود في: {إِذَا
السَّمَاءُ انشَقَّتْ} ".
قلت: وهو قول أئمتنا الثلاثة - كما في " شرح الطحاوي " وغيره -. وقال الإمام
محمد في " الموطأ ":
" وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة ". قال أبو الحسنات:
" وبه أخذ الخلفاء الأربعة والأئمة الثلاثة وجماعة، ورواه ابن وهب عن مالك،
وروى ابن القاسم والجمهور عنه أنه لا سجود؛ لأن أبا سلمة قال لأبي هريرة لما سجد:
لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها.
فدلَّ هذا على أن الناس تركوه، وجرى العمل بتركه. وردَّه ابن عبد البر بما حاصلُه:
أيَّ عمل يَدعي مع مخالفة المصطفى والخلفاء بعده؟! ".
(تنبيه) : روى الإمام أحمد (2/326 - 327) من طريق رزيق - يعني: ابن أبي
سلمى -: ثنا أبو المُهَزِّمِ عن أبي هريرة:
أن رسول الله كان يقرأ في العشاء الآخرة بـ: {السَّمَاءِ} - يعني: {ذَاتِ البُرُوجِ} -
و: {السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} .
و " قرأ مرة في سَفَرٍ بـ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} (95: 8)(1) [في الركعة
ثم رواه (2/327 و 531) من طريق حماد بن عَبّاد السَّدُوسي قال:
سمعت أبا المُهَزِّم به بلفظ:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يقرأ بـ (السماوات) في العشاء.
ولكنَّ أبا المهزم هذا متروك - كما في " التقريب " -.
(1)
هو من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بـ: {التِّينِ
وَالزَّيْتُونِ} .
أخرجه البخاري (2/199 و 8/579) ، ومسلم (2/41) ، وأبو داود (1/190) ،
والنسائي (1/155) ، والبيهقي (2/393) ، وأحمد (4/284 و 302) من طرق عن شعبة
عن عدي بن ثابت عنه به. إلا أن النسائي قال:
في الركعة الأولى.
وأوردها الحافظ ساكتاً عليها.
وإسنادها صحيح.
وأخرجه مسلم، ومالك (1/101) ، وعنه النسائي، والترمذي (2/115) ، وابن
ماجه (1/276) ، والبيهقي، وأحمد (4/286 و 303) من طريق يحيى بن سعيد عن
عدي به مختصراً؛ دون ذكر السفر والركعة.
وكذلك رواه مِسْعَرٌ عن عدي، وزاد:
فما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه.
أخرجه البخاري (2/199 و 13/445) وفي " أفعال العباد "(ص 80) ، ومسلم،
الأولى] " (1) .
وابن ماجه، وأحمد (4/291 و 298 و 302 و 304) من طرق عنه.
وقد أخرجه الطيالسي عن شعبة بلفظ:
المغرب في الركعة الثانية.
وكذلك هو عند أحمد في رواية عن يحيى بن سعيد، لكنه لم يذكر الركعة - كما
سبق في (صلاة المغرب) ، ورجَّحنا - هناك - أنهما روايتان لا تعارض بينهما. فراجعه.
قال الحافظ:
" وإنما قرأ صلى الله عليه وسلم في العشاء بقصار المُفَصّل؛ لكونه كان مسافراً، والسفر يُطْلَب فيه
التخفيف. وحديث أبي هريرة محمول على الحضر؛ فلذلك قرأ فيها بأوساط
المفصل ".
(1)
ذكر هذه الزيادة الحافظ - كما سبق -، ثم ذهل عن ذلك؛ فقال في (التفسير)
(8/580) :
" وقد كثر سؤال بعض الناس: هل قرأ بها في الركعة الأولى، أو الثانية، أو قرأ بها
فيهما معاً، أو قرأ فيها غيرها؛ فهل عُرِف؟ وما كنت أستحضر لذلك جواباً؛ إلى أن رأيت
في " كتاب الصحابة " لأبي علي بن السَّكَن في ترجمة زُرعة بن خليفة - رجلٍ من أهل
اليمامة -؛ أنه قال:
سمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأتيناه، فعرض علينا الإسلام؛ فأسلمنا، وأسهم لنا، وقرأ في
الصلاة بـ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} و: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} .
فيمكن إن كانت هي الصلاةَ التي عيَّن البراءُ بن عازب أنها العشاء؛ أن يقال: قرأ
في الأولى بـ: {التِّين} ، وفي الثانية بـ:{القَدْر} ، ويحصل بذلك جواب السؤال.
و {نهى عن إطالة القراءة فيها، وذلك حين} " صلى معاذ بن جبل
لأصحابه العشاء فطوّل عليهم؛ فانصرف رجل من الأنصار فصلى، فأُخبر
معاذ عنه، فقال: إنه منافق. ولما بلغ ذلك الرجلَ؛ دخل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ما قال معاذ؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
" أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟! إذا أممتَ الناس؛ فاقرأ بـ: {الشَّمْسِ
وَضُحَاهَا} (91: 15)، و:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (77: 19)، و: {اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ} ، (96: 19) و: {اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (92: 21) ؛ [فإنه يصلي
وراءك الكبير، والضعيف، وذو الحاجة] " (1) .
ويقوي ذلك أنَّا لا نعرف في خبر من الأخبار أنه قرأ بـ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ، إلا في
حديث البراء، ثم حديث زرعة هذا ".
(1)
ورد ذلك عن جمع من الصحابة (1) ؛ منهم: جابر بن عبد الله الأنصاري، وله
عنه طرق:
الأولى: عن الليث عن أبي الزبير عنه؛ أنه قال:
صلى معاذ بن جبل الأنصاري لأصحابه العشاء
…
الحديث.
أخرجه مسلم (2/42) ، والنسائي (1/155) ، وابن ماجه (1/276 و 311) ،
والبيهقي (2/392 - 393) .
الثانية: عن عمرو بن دينار: ثنا جابر به نحوه، وفيه: أنه قرأ بهم {البَقَرَة} ،
وأنه صلى الله عليه وسلم [أمره] بسورتين من أوسط المفصل. قال عمرو: ولا أحفظهما.
أخرجه البخاري (2/155 - 156 و 10/424) ، ومسلم (2/41 - 42) ، والنسائي
(1/134) ، والدارمي (1/297) ، وأحمد (3/308 و 369) - ومن طريقه أبو داود
_________
(1)
..............................................................................
(1/126 - 127) -، وسنده عنده ثلاثي. وزاد هو ومسلم:
قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر؛ أنه قال: اقرأ: {وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا} ، {وَالضُّحَى} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ؟ فقال
عمرو: نحو هذا.
الثالثة: عن مُحارِب بن دِثَارٍ قال: سمعت جابراً به نحوه مختصراً، وفيه:
" فلو صليت بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} ، و:{الشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، و: {اللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى} ؛ فإنه يصلي وراءك الكبير، والضعيف، وذو الحاجة - أحسب هذا في الحديث -.
أخرجه البخاري (2/159 - 160)، وكذا النسائي (1/155) ؛ لكن ليس عنده:
" فإنه يصلي
…
إلخ. وقد قال الحافظ:
" إن في ثبوت هذه الزيادة نظراً؛ لقوله بعدها: أحسب هذا في الحديث. يعني: هذه
الجملة
…
وقائل ذلك هو شعبةُ الراوي عن محارب. وقد رواه غير شعبة من أصحاب
محارب عنه بدونها، وكذا أصحاب جابر ".
ورواه النسائي (1/133) عن محارب - أيضاً - مقروناً بأبي صالح عن جابر نحوه؛
لكن ليس فيه قوله:
" فلو صليت
…
" إلخ.
الرابعة: عن محمد بن عجلان عن عبيد الله بن مِقْسَم عنه.
أخرجه البخاري (2/160) تعليقاً عن عبيد الله، ووصله أبو داود (1/127) ، وابن
خزيمة - كما في " الفتح "(2/153 و 160) -، ولم يسق البخاري - وكذا أبو داود - لفظه.
ومنهم: أنس بن مالك رضي الله عنه.
..............................................................................
أخرجه أحمد (3/124) : ثنا إسماعيل بن إبراهيم: ثنا عبد العزيز بن صهيب،
وقال مرة: أخبرنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس نحو؛ وفيه:
" لا تُطَوِّل بهم؛ اقرأ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} و: {الشَّمْسِ وَضُحَاهَا}
ونحوهما ".
وهذا إسناد صحيح على شرط الستة. وهو من ثلاثيات " المسند ".
وإسماعيل هذا ة هو المعروف بابن عُلَيّة.
والحديث؛ قال في " الفتح "(2/154) :
" رواه أحمد، والنسائي، وأبو يعلى، وابن السَّكَن بإسناد صحيح ".
ومنهم: بُريدة بن الحَصِيب.
أخرجه أحمد (5/355) بإسناده الصحيح على شرط مسلم - المتقدم قبيل هذا
الحديث -. وقال الحافظ:
" إسناده قوي ".
واعلم أن في الحديث دلالةً على أنه لا يجوز للإمام أن يطيل القراءة بأكثر مما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيلها، أو بأكثر من التي حدَّدها؛ وذلك خشية أن يفتنهم عن دينهم،
ويُنَفّرهم عن صلاة الجماعة.
وقد جاء في الأمر بالتخفيف أحاديث كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما، وفيها
تعليل ذلك بأن في الجماعة السقيمَ، والضعيف، والكبير، وذا الحاجة.
والذي يهمُّنا في هذا الصدد، وينبغي أن نشرح القول فيه هو النظر فيما لو كان
بعض هؤلاء المذكورين هَوَاهُم القراءة بأقصر سورة في أطول صلاة - كالصبح مثلاً، وما
قاربها -؛ فهل على الإمام الاقتداءُ بهم أو بأضعفهم - كما جاء في بعض الأحاديث -،
..............................................................................
ولو كان في ذلك مخالفةٌ لعادته صلى الله عليه وسلم من إطالة القراءة فيها؟
فالذي يظهر: أنه ليس له ذلك، وأن الأحاديث المشار إليها لا تشمل هذا
التخفيف؛ لأنه يؤدي إلى تعطيل السنن النبوية، إذ التخفيف من الأمور الإضافية؛ فقد
يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم، طويلاً بالنسبة لعادة آخرين - كما قال ابن
دقيق العيد -.
ويختلف ذلك - أيضاً - بالنسبة لنشاط بعضهم في التمسك بالسنة ومتابعته صلى الله عليه وسلم،
وضعف هِمَم الآخرين في ذلك، وقوة بعضهم على القيام، وضعف بعضهم عنه، إلى
غير ذلك من الفوارق؛ ولذلك كان لا بد من وضع حَدٍّ للتخفيف المأمور به؛ وهو ما قد
أشرت إليه في صدد هذا الكلام: من الاقتصار على هديه صلى الله عليه وسلم في القراءة، فمن فعل
ذلك؛ فقد خفف، ومن زاد على ذلك؛ فقد أطال، وخالف أمرَ الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذلك لما شكا ذلك الرجل معاذاً إليه صلى الله عليه وسلم؛ أمره أن يقرأ بمثل ما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ، فلم
يأمره بأقل من ذلك. وقد استفدنا هذا البحث من كلام ابن القيم رحمه الله، وجزاه عن
السنة خير الجزاء؛ حيث قال في صدد الرَّدِّ على النَّقَّارِيْن للصلاة؛ المخففين لها تخفيفاً
مخالفاً لسنته صلى الله عليه وسلم (1/76) :
" وأما قوله صلى الله عليه وسلم:
" أيكم أمَّ؛ فليخفف "(أخرجه الستة)، وقول أنس رضي الله عنه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام (أخرجاه) . فالتخفيف أمر نسبي
يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأموين؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن
يأمرهم بأمر ثم يخالفه، وقد عَلِمَ أن من ورائه الكبيرَ، والضعيفَ، وذا الحاجة؛ فالذي
فعله هو التخفيف الذي أَمَر به؛ فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف