المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6- صلاة الليل - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌جَوَازُ الاقتِصَارِ على {الفَاتِحَة}

- ‌الجهرُ والإسرارُ في الصَّلوَاتِ الخَمْسِ وغَيْرِها

- ‌الجَهْرُ والإسْرارُ في القراءةِ في صلاةِ الليل

- ‌ما كانَ يقرؤه صلى الله عليه وسلم في الصلوات

- ‌1- صلاةُ الفجر

- ‌القراءةُ في سُنَّةِ الفَجْرِ

- ‌2- صلاة الظهر

- ‌قراءته صلى الله عليه وسلم آياتٍ بعدَ {الفَاتِحَة} في الأخِيرَتَيْنِ

- ‌3- صلاة العصر

- ‌4- صلاة المغرب

- ‌القراءة في سُنَّة المغرب

- ‌5- صلاة العشاء

- ‌6- صلاة الليل

- ‌7- صلاةُ الوَِتْرِ

- ‌القراءة في الركعتين بعد الوتر

- ‌8- صلاة الجمعة

- ‌9- صلاة العيدين

- ‌10- صلاة الجنازة

- ‌تَرْتيلُ القراءةِ وتحسينُ الصوت بها

- ‌الفَتْحُ على الإمام

- ‌الاستعاذةُ والتَّفْلُ في الصلاة لِدفع الوسوسة

- ‌الركوع

- ‌صفة الركوع

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في الركوع

- ‌أذكار الركوع

- ‌إطالة الركوع

- ‌النهي عن قراءةِ القرآنِ في الركوع

- ‌الاعتدال من الركوع، وما يقولُ فيه

- ‌إطالةُ هذا القيام، ووجوبُ الاطمئنان فيه

- ‌السجود

- ‌التكبير ورفع اليدين عند الهوي إلى السجود

- ‌الخرور إلى السجود على اليدين

- ‌[صفة السجود]

- ‌وجوبُ الطُّمأنينة في السُّجود

- ‌أذكارُ السُّجود

- ‌النهيُ عن قراءة القرآن في السُّجود

- ‌إطالةُ السُّجود

- ‌فضل السجود

- ‌السُّجودُ على الأرضِ والحَصِير

- ‌الرَّفعُ مِنَ السُّجود

- ‌الافتراش أو الإقْعَاءُ بن السَّجْدتين

الفصل: ‌6- صلاة الليل

‌6- صلاة الليل

وكان صلى الله عليه وسلم {ربما جهر بالقراءة فيها، وربما أسرَّ (*) } ؛ يقصر القراءة فيها

تارة، ويطيلها أحياناً، ويبالغ في إطالتها أحياناً أخرى، حتى قال ابن

مسعود:

" صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فلم يزل قائماً حتى هَمَمْتُ بأمر سوء!

قيل: وما هَمَمْتَ؟! قال: هَمَمْتُ أن أقعد وأَذَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم " (2) .

مضاعفة؛ فهي خفيفة بالنسبة إلى أطولَ منها، وهديه الذي كان واظب عليه هو الحاكمُ

على كل ما تنازع فيه المتنازعون.

ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، وَيؤُمُّنَا بـ:{الصَّافَّاتِ} .

فالقراءة بـ: {الصَّافَّاتِ} من التخفيف الذي كان يأمر به ".

قلت: وحديث ابن عمر هذا إسناده حسن، وقد سبق الكلام عليه في (القراءة في

الفجر) .

وفي الحديث فوائد أخرى ذكرها النووي في " شرح مسلم "، والحافظ في " الفتح ".

فليراجعها من شاء.

(*) انظر تخريجه فيما سبق (ص 419) ، وكذلك يُستدل له بحديث حذيفة الآتي.

(2)

أخرجه البخاري (3/14 - 15) ، ومسلم (2/186) ، وأحمد (1/385) من

طرق عن الأعمش عن أبي وائل عنه.

ورواه البيهقي (3/8) .

ص: 499

وقال حُذيفة بن اليمان:

" صلّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح {البَقَرَة} . فقلت: يركع عند

المئة. ثم مضى. فقلت: يصلي بها في ركعة (1) . فمضى. فقلت: يركع

بها. ثم افتتح {النِّسَاء} ، فقرأها، ثم افتتح {آلِ عِمْرَان} (2) ، فقرأها. يقرأ

مترسلاً: إذا مَرَّ بآية فيها تسبيح؛ سبح، وإذا مَرَّ بسؤال؛ سأل، وإذا مَرَّ

(1) أي: في ركعتين. أفاده النووي؛ فيعاد النظر في ألفاظ الحديث!

ثم راجعت ابن نصر؛ فإذا فيه: ركعتين.

(2)

هكذا الرواية؛ تقديم: {النِّسَاء} على: {آلِ عِمْرَان} ؛ خلافاً للترتيب

العثماني عند جميع من أخرج الحديث، إلا رواية لأحمد؛ فذكر:{آلِ عِمْرَان} ، ثم:

{النِّسَاء} . وهي من رواية أبي معاوية عن الأعمش، والرواية الأولى من رواية عبد الله

ابن نُمَير وجرير؛ كلاهما عن الأعمش. على أن مسلماً قرن بهما رواية أبي معاوية - وكذا

البيهقي -، ولم يذكر خلافاً بينه وبينهما في هذه الكلمة. والله أعلم.

وأيما كان؛ فالرواية الأولى أصح؛ لاتفاق ثقتين عليها عن الأعمش، ولمجيئها كذلك

من وجه آخر عند أحمد - كما سبق -.

وقد وهم الحافظ في " الفتح "(3/15) ، وتبعه الشيخ القاري وغيره في " شرح

الشمائل " (2/95) ؛ حيث عزَوا الحديث باللفظ الثاني إلى " صحيح مسلم "! وليس هو

فيه؛ بل ولا عند أحد من مخرجيه، حاشا أحمد في رواية - كما ذكرنا -. وقد رجح هذه

الرواية الشيخ القاري؛ فقال:

" إنها الصواب؛ على ما هو المعروف المستقر من أحواله صلى الله عليه وسلم، وما استقر عند

الصحابة من الإجماع على ترتيب السور، على خلاف في أنه توقيفي، بخلاف ترتيب

الآي؛ فإنه قطعي ". اهـ.

ص: 500

..............................................................................

قلت: ولا يخفى على العاقل اللبيب أن ما ذكره لا تنهض حجته على ترجيح هذه

الرواية؛ لأنه جائز أن يخالف صلى الله عليه وسلم المعهود من ترتيبه لسبب ما - كبيان الجواز مثلاً -، فإذا

كان هذا جائزاً؛ فلا بد حينئذٍ من المصير في ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى إلى

ما تقتضيه قواعد علم الحديث.

وقد ذكرنا أنها الرواية الأولى؛ فعليها العمدة، دون الأخرى. ولذا قال القاضي

عِيَاضٌ:

" فيه دليل لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف،

وإنه لم يكن ذلك من ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، بل وَكَلَه إلى أمته بعده ". قال:

" وهذا قول مالك، وجمهور العلماء، واختاره القاضي أبو بكر الباقِلاني. قال ابن

الباقِلاني: هو أصح القولين مع احتمالهما ". قال:

" والذي نقوله: إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة، ولا في الصلاة، ولا في

الدرس، ولا في التلقين والتعليم، وإنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نص ولا حَدٌّ

تحرم مخالفته؛ ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان ". قال:

" واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في جميع الأعصار - ترك ترتيب السور في

الصلاة، والدرس، والتلقين ". قال:

" وأما على قول من يقول من أهل العلم: إن ذلك بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم؛ حدده

لهم كما استقر في مصحف عثمان، وإنما اختلف المصاحف قبل أن يبلغهم التوقيف

والعرض الأخير. فيتأول قراءته صلى الله عليه وسلم: {النِّسَاء} أولاً، ثم:{آلِ عِمْرَان} هنا على أنه

كان قبل التوقيف والترتيب، وكانت هاتان السورتان هكذا في مصحف أُبَيٍّ ". قال:

ص: 501

بِِتَعَوُّذٍ؛ تَعَوَّذَ (1) ،...........................................................

" ولا خلاف أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في

الأولى، وإنما يكره ذلك في ركعة، ولمن يتلو في غير صلاة ". قال:

" وقد أباحه بعضهم، وتأول نهي السلف عن قراءة القرآن منكوساً على من يقرأ من

آخر السورة إلى أولها ". اهـ. كلام القاضي عياض. ذكره في " شرح مسلم ".

وما ذكره من إباحة بعضهم قراءة [السور] على خلاف الترتيب العثماني في ركعة

واحدة هو الظاهر من بعض الأحاديث؛ كحديث ابن مسعود المتقدم [ص 402 - 403] :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن بين النظائر من المفصل. وفيه:

أنه كان يقرأ: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} و {عَبَسَ} في ركعة، و {المُدَّثِّر} و {المُزَّمِّل}

في ركعة

إلخ.

والظاهر أنه قرأ كلاً من: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} و {المُدَّثِّر} أولاً، ثم:{عَبَسَ}

و {المُزَّمِّل} .

(1)

قال في " شرح مسلم ":

" فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ؛ في الصلاة وغيرها. ومذهبنا استحبابه

للإمام والمأموم والمنفرد ". زاد في " المجموع " (4/66) :

" لأنه دعاء؛ فاستووا فيه؛ كالتأمين. قال: وسواء صلاة الفرض والنفل. قال: وقال

أبو حنيفة رحمه الله: يكره السؤال عند آية الرحمة، والاستعاذة في الصلاة. وقال

بمذهبنا جمهور العلماء من السلف فمن بعدهم ". اهـ.

وأقول: أذكر أن الإمام محمداً رحمه الله قد صرح بجواز ذلك واستحبابه في كتابه

" الآثار "، ولكنه خصه بالتطوع دون الفرض، والدليل يساعده، وقد أردت أن أنقل نص

ص: 502

ثم ركع

" (1) .............................................................

كلامه في ذلك، ولكني افتقدت الكتاب؛ فلم أعثر عليه الآن (*) . وقال أبو الحسنات

في " عمدة الرعاية "(1/142) - بعد أن ساق الحديث -:

" حمله أصحابنا على التطوع، وجوزوه للمنفرد، وللإمام في التطوع؛ إن أمن ثقل

ذلك على المقتدين؛ كما في " العناية " و " البناية " و " فتح القدير " وغيرها ".

(1)

أخرجه مسلم (2/186) ، والنسائي (1/169 - 170 و 245 - 246) ، والترمذي

في " الشمائل "(2/96 - 97) ، وابن نصر في " قيام الليل "(51) ، والبيهقي (2/85

و309) ، وأحمد (5/384 و 397) من طريق الأعمش عن سعد بن عَبِيْدَة عن المستورد

ابن الأحنف عن صِلَةَ بن زُفَر عنه.

وأخرج بعضه أبو داود (1/139)، والترمذي (2/48 - 49) - وقال: " حسن

صحيح " -، والدارمي (1/299) ، وابن ماجه (1/407) ، والطحاوي (1/204) ، وأحمد

أيضاً (5/382 و 389 و 394) من هذا الوجه.

ثم أخرجه أحمد من وجه آخر بزيادة فيه؛ فقال (5/400) : ثنا خلف بن الوليد:

ثنا يحيى بن زكريا: ثنا العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة عن طلحة بن يزيد

الأنصاري عن حذيفة قال:

أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة من رمضان، فقام يصلي، فلما كبَّر؛ قال:

" الله أكبر، ذو الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة ". ثم قرأ: {البَقَرَة} ، ثم

{النِّسَاء} ، ثم {آلِ عِمْرَان} ، لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها، ثم ركع يقول:

_________

(*) ونصه في (1/141) - منه -:

" وهذا في صلاة النهار؛ فلا نرى بأساً أن يقف الرجل على شيء من القرآن مثلَ هذا؛ يدعو

لنفسه في التطوع، فأما في المكتوبة: فلا ".

ص: 503

..............................................................................

" سبحان ربي العظيم ". مثل ما كان قائماً، ثم رفع رأسه، فقال:

" سمع الله لمن حمده، ربنا! لك الحمد ". مثل ما كان قائماً، ثم سجد يقول:

" سبحان ربي الأعلى ". مثل ما كان قائماً، ثم رفع رأسه فقال:

" رب اغفر لي ". مثل ما كان قائماً، ثم سجد يقول:

" سبحان ربي الأعلى " مثل ما كان قائماً، ثم رفع رأسه، فما صلى إلا ركعتين،

حتى جاء بلال، فآذنه بالصلاة.

ورجاله رجال البخاري، عدا خلف بن الوليد، وقد وثقه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو

حاتم - كما في " التعجيل " -.

وقد أخرجه النسائي (1/246) ، والحاكم (1/321) من طريقين عن العلاء بن

المسيب به نحوه. إلا أنهما قالا - واللفظ للحاكم -:

فما صلى إلا أربع ركعات من صلاة العَتَمة من أول الليل إلى آخره، حتى جاء

بلال، فآذنه بصلاة الغداة.

وروى بعضه البيهقي (2/95 - 96 و 109) ، وكذا الحاكم وغيره - كما سبق في

(الاستفتاح) قبيل (القراءة)[ص 269]-. ثم قال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وليس كما قالا.

وقد أعله النسائي بالانقطاع - كما ذكرناه هناك -.

لكن رواه شعبة عن عمرو بن مرة سمع أبا حمزة - وهو: طلحة بن يزيد - يحدث

عن رجل من عبس عن حذيفة به نحوه بلفظ:

فصلى أربع ركعات، يقرأ فيهن:{البَقَرَة} ، و {آلِ عِمْرَان} ، و {النِّسَاء} ،

و {المَائِدَة} - أو: {الأَنْعَام} . شَكَّ شعبة -.

ص: 504

..............................................................................

أخرجه أبو داود وغيره.

وقد رجحنا هناك أن الرجل العبسي هذا هو: صِلَة بن زُفَر - في إسناد مسلم -،

وبذلك يكون إسنادُ شعبة صحيحاً أيضاً، وتؤيد روايته رواية النسائي والحاكم: أن

الصلاة كانت أربع ركعات، ولكنها تخالف بظاهرها رواية مسلم الصريحة في أنه صلى الله عليه وسلم قرأ

السور الثلاثة في ركعة واحدة. بينما رواية شعبة تقول: إنه قرأ بهن مع {المَائِدَة}

أو {الأَنْعَام} في الأربع ركعات. إلا أن يكون المعنى: يقرأ فيهن. أي: في كل واحدة

منهن. وفيه بُعد، ولعله يستساغ في سبيل الجمع بين الروايتين، وإلا؛ فرواية مسلم

أرجح وأقوى.

ويقوي روايةَ الحاكم روايةُ الطبراني في " الأوسط " عن حذيفة بلفظ:

قال: أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فصليت بصلاته من ورائه وهو لا يعلم،

فاستفتح {البَقَرَة} ، حتى ظننت أنه سيركع، ثم مضى - قال سنان: لا أعلمه إلا قال: -

صلى أربع ركعاتٍ؛ كان ركوعه مثل قيامه. قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال:

" ألا أعلمتني؟! ".

قال حذيفة: والذي بعثك بالحق نبياً! إني لأجده في ظهري حتى الساعة. قال:

" لو أعلم أنك ورائي؛ لخففت ". قال الهيثمي (2/275) :

" وفيه سِنَان بن هارون البُرْجُمي، قال ابن معين: سنان بن هارون أخو سيف،

وسنان أحسنهما حالاً. وقال مرة: سنان أوثق من سيف. وضعفه غير ابن معين ". اهـ.

وفي " التقريب ":

" صدوق، فيه لِينٌ ".

ويأتي الحديث بلفظ آخر قريباً.

ص: 505

الحديث (1) .

وله شاهد من حديث عائشة، رواه عنها مسلم بن مِخْرَاقٍ قال:

ذُكر لها أن ناساً يقرؤون القرآن في الليلة مرة أو مرتين. فقالت:

أولئك قرؤوا، ولم يقرؤوا؛ كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام، فكان يقرأ سورة

{البَقَرَة} ، و {آلِ عِمْرَان} ، و {النِّسَاء} ؛ فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل

واستعاذ، ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل وَرغِبَ إليه.

أخرجه أحمد (6/92 و 119) من طريق ابن لَهِيعة عن الحارث بن يزيد عن زياد بن

نُعيم عنه.

وهذا إسناد جيد؛ فإن ابن لَهيعة إنما يخشى من سوء حفظه، وإنما حدث من حفظه

بعد احتراق كتبه - كما قال الحاكم وغيره -.

وقد قال عبد الغني بن سعيد الأزدي والساجي وغيرهما:

" إذا روى العبادلة عن ابن لَهيعة؛ فهو صحيح: ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ.

وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول: لا أعتدُّ بشيء من حديث ابن لهيعة

إلا سماع ابن المبارك ونحوه ".

قلت: وابن المبارك ممن روى هذا الحديث عند أحمد؛ فهو صحيح الإسناد.

وقد أخرجه أبو يعلى أيضاً - كما في " المجمع "(2/272) -.

ثم رأيته في سنن البيهقي (2/310) من طريق يحيى بن أيوب عن الحارث بن

يزيد به. وهذه متابعة قوية.

(1)

وتمامه:

فجعل يقول:

" سبحان ربي العظيم ". فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال:

ص: 506

..............................................................................

" سمع الله لمن حمده - زاد جرير: ربنا! لك الحمد - "، ثم قام قياماً طويلاً؛ قريباً مما

ركع، ثم سجد، فقال:

" سبحان ربي الأعلى ". فكان سجوده قريباً من قيامه. قال الحافظ (3/15) :

" وهذا إنما يتأتى في نحو من ساعتين؛ فلعله صلى الله عليه وسلم أحيا تلك الليلة كلها. وأما ما

يقتضيه حاله في غير هذه الليلة؛ فإن في أخبار عائشة أنه كان يقوم قدر ثلث الليل ".

قلت: قد صح عنها أنه صلى الله عليه وسلم ما قام ليلة حتى الصباح. وهو محمول على الغالب من

أحواله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي -.

ثم إن تقدير الحافظ ذلك بـ: (نحو ساعتين) بعيد عن التجربة؛ وذلك أننا صلينا

منذ بضعة أيام صلاة الخسوف - الذي وقع ليلة الاثنين (16/1/66 هـ) -، فقرأنا في

الركعة الأولى بـ: سورة {إِبْرَاهِيم} ، وفي الثانية بنحوها من سورة {الإِسْرَاء} ، وأطلنا

الركوعين في كل من الركعتين، وكذا السجدتين وما بين ذلك - حسب السنة - بعضَ

الإطالة، بحيث لا يصح أن يقال: إن كلاً من ذلك كان نحو القيام أو قريباً منه، ومع

هذا؛ فقد أخذت هذه الصلاة ساعة كاملة من الزمن.

فأين ذلك من صلاته صلى الله عليه وسلم أربع ركعات - على الراجح من الروايات -؟! يقرأ في

الأولى بثلاث سور من الطوال؛ يترسل، ويتمهل في قراءته، ويقف يسأل الله، ويستعيذ

به، ثم يجعل ركوعه وسجوده وما بين ذلك قريباً من قيامه؛ فلا شك أن ذلك لا يتأتى

إلا في ثلاث ساعات. فإذا أضيف إلى ذلك ثلاث ركعات أخرى؛ فيكون صلى الله عليه وسلم قد أحيا

الليل كله.

وقد يتبادر إلى الذهن أنه - على ما ذكرنا - لا يتسع الليل لمثل هذه الصلاة؛ لأنها

تحتاج إلى اثنتي عشرة ساعة! فالجواب: إنه يمكن أن تكون الركعات الثلاث أقصر من

الأولى؛ لأن المعهود عنه صلى الله عليه وسلم أن الغالب من هديه إطالة الركعة الأولى أكثر من الثانية

ص: 507

و " قرأ ليلة - وهو وَجعٌ - السبع الطوال "(1) .

- كما سبق -. والله أعلم.

(1)

هو من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

وَجِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة شيئاً، فلما أصبح؛ قيل: يا رسول الله، إن أثر الوجع

عليك لبيّن. قال:

" إني إنما على ما ترون بحمد الله؛ قد قرأت السبع الطوال "(1) .

أخرجه الحاكم (1/308) عن مُؤَمّل بن إسماعيل: ثنا سليمان بن المغيرة: ثنا ثابت

عنه. وقال:

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.

وليس بصواب؛ فإن مؤملاً هذا ليس من رجال مسلم، وهو صدوق سيئ الحفظ.

وذكره في " المجمع " بلفظ:

" قرأت البارحة

". والباقي مثله. ثم قال:

" رواه أبو يعلى. ورجاله ثقات "(*) .

قلت: والظاهر أن ذلك كان في صلاة الليل، ويحتمل أنه خارج الصلاة.

ويؤيد الأولَ ما أخرجه أحمد رحمه الله (5/388 و 396 - 397) من طريق حماد

عن عبد الملك بن عُمير: ثني ابن عمٍّ لحذيفة عن حذيفة قال:

_________

(1)

{وفي رواية: "الطُّوَل "؛ قال ابن الأثير:

" بالضم: جمع (الطولى) ؛ مثل الكبرى والكبر. والسبع الطوال هي: {البَقَرَة} ، و {آلِ

عِمْرَان} ، و {النِّسَاء} ، و {المَائِدَة} ، و {الأَنْعَام} ، و {الأَعْرَاف} ، و {التَّوْبَة} "} .

(*) وهو فيه برقم (3431) من طريق مؤمل بن إسماعيل به، وبه أعلّ الشيخُ رحمه الله الحديثَ

في " الضعيفة "(3995) وقال:

".. فمن كان عنده نسخة من " صفة الصلاة " فيها هذا الحديث؛ فليضرب عليه، وجزاه الله خيراً ".

ص: 508

و " كان أحياناً يقرأ في كل ركعة بسورة منها "(1) .

قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات. وكان إذا

رفع رأسه من الركوع؛ قال:

" سمع الله لمن حمده "، ثم قال:

" الحمد لله، ذي الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة ". وكان ركوعه مثل

قيامه، وسجوده مثل ركوعه. فانصرف، وقد كادت تنكسر رجلاي.

ورجاله رجال مسلم، غير ابن عم حذيفة الذي لم يسم؛ فلم أعرفه.

والظاهر أيضاً أن هذه قصة أخرى جرت لحذيفة، غير التي سبق ذكرها عنه قريباً.

ويحتمل أن تكون هي نفسها، لكن بعض الرواة أخطأ في روايتها. والله أعلم.

(1)

فيه حديثان:

الأول: عن عوف بن مالك الأشجعي. قال:

كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فبدأ فاستاك، ثم توضأ، ثم قام يصلي، فقمت معه،

فاستفتح من {البَقَرَة} ؛ لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف

فتعوذ، ثم ركع، فمكث راكعاً بقدر قيامه، ويقول في ركوعه:

" سبحان ذي الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة ". ثم سجد بقدر ركوعه،

ثم قام فقرأ: {آلِ عِمْرَان} ، ثم سورة {النِّسَاء} ، ثم سورة سورة؛ يفعل مثل ذلك.

أخرجه أبو داود (1/139) ، وعنه البيهقي (2/310) ، والنسائي (1/169) ، وابن

نصر (51) واللفظ له، وأحمد (6/24) من طريق معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس:

أنه سمع عاصم بن حُميد يقول: سمعت عوف بن مالك به.

وهذا سند صحيح - كما قال النووي في " الأذكار "، وفي " المجموع "(4/67) -.

ص: 509

..............................................................................

ثم وجدت له طريقاً أخرى ذكرته في (تسبيح الركوع) ؛ فينقل إلى هنا (*) .

الحديث الثاني: عن ابن عباس. قال:

بِتُّ عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فَزِعَاً، فاستقى ماء، فتوضأ ثم قرأ:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} إلى آخر السورة. ثم افتتح {البَقَرَة} ، فقرأها حرفاً

حرفاً حتى ختمها، ثم ركع

الحديث. وفيه:

ثم قام، فقرأ في الركعة الثانية:{آلِ عِمْرَان}

الحديث. وفيه:

ثم اضطجع، ثم قام فزعاً، فعل مثل ما فعل في الأوليين، فقرأ حرفاً حرفاً حتى

صلى ثمان ركعات، فيضطجع بين كل ركعتين

الحديث.

_________

(*) قال الشيخ رحمه الله هناك (ص 665) :

"

وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى عند ابن نصر (76)، رواه من طريق ابن جُرَيج:

أخبرني الوليد بن عبد الله بن أبي مُغِيث: أنه سمع أبا عبد الله ابن نُحَيلة - رجلاً كان مع الوليد بن

عبد الملك مَرْضِيًّا - يقول:

صلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلفه - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ بـ: سورة {البَقَرَة}

الحديث بنحوه، وفيه: فقال له الرجل حين أصبح:

يا نبي الله! أردت أن أصلي بصلاتك فلم أستطع! قال:

" إنكم لا تستطيعون، إني أخشاكم لله ".

ورجاله ثقات؛ غير أبي عبد الله هذا؛ فلم أجد من ذكره.

ثم روى ابن نصر من طريق خُصَيف عن أبي عبيدة:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده:

" سبحان ذي الملكوت، والجبروت، والكبرياء، والعظمة ".

وهذا مرسل ضعيف ".

ص: 510

و " ما عُلِمَ أنه صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة [قط] "(1) ؛ بل إنه لم يَرْضَ

ذلك لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما حين قال له:

رواه الطبراني في " الكبير ". وفيه عُبيد بن إسحاق العَطَّار: قال الهيثمي

(2/275) :

" ضعفه ابن معين وغيره. وأما أبو حاتم؛ فَرَضِيهَ ".

(1)

هو من حديث عائشة رضي الله عنها. قالت:

لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح.

أخرجه مسلم (2/169 - 170) ، وأبو داود (1/210 - 211) ، والنسائي (1/237

و243) ، وابن نصر (48 - 49) ، والدارمي (1/344 - 346) ، وأحمد (6/53 - 54) من

طريق سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن زُرارة عن سعد بن هشام عنها. وهو قطعة من

حديثها الطويل في وتره صلى الله عليه وسلم. وفيه:

أن سعد بن هشام قال: فانطلقت إلى ابن عباس، فحدّثتُه بحديثها. فقال:

صدقَتْ.

والزيادة لأبي داود.

وأخرج أبو عُبيد، و {ابن سعد 1/376) ، وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "

(281)

} من طريق الطَّيِّبِ بنِ سليمان عن عمرة عنها:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أَقل من ثلاث.

ذكره الحافظ في " الفتح "(9/79) ، وسكت عليه. وقال الحافظ ابن كثير في

" فضائل القرآن "(ص 172) :

" هذا حديث غريب جداً، وفيه ضعف؛ فإن الطيب بن سليمان هذا بصريٌّ ضعّفه

الدارقطني، وليس هو بذاك المشهور ". ثم قال الحافظ ابن حجر:

ص: 511

" اقرأ القرآن في كل شهر ". قال: قلت: إني أجد قوة. قال:

" فاقرأه في عشرين ليلة ". قال: قلت: إني أجد قوة. قال:

" فاقرأه في سَبْعٍ، ولا تزد على ذلك "(1) .

" وهذا اختيار أحمد، وأبي عُبيد، وإسحاق بن راهويه وغيرهم ".

قلت: وهو الحق إن شاء الله تعالى. وسيأتي لذلك زيادة إيضاح واستدلال.

(1)

هو من حديث عبد الله هذا. وله عنه طرق:

الأول: عن أبي سلمة عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" اقرأ القرآن في كل شهر "

الحديث.

أخرجه البخاري (9/79 - 80) ، ومسلم (3/163 - 164) واللفظ له، وأبو داود

(1/219 - 220) ، وأحمد (2/200 و 200 - 201) من طرق عنه.

وزاد مسلم (3/162 - 163) في رواية عن عِكرمة بن عَمار عن يحيى بن أبي كثير

عن أبي سَلَمة:

" فإن لزوجك عليك حقاً، ولِزَوْرِكَ عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً ". قال:

فشددت؛ فشدد عليَّ. قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:

" إنك لا تدري؛ لعلك يطول بك عُمُر ". قال: فصرت إلى الذي قال لي

النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت؛ وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه مرفوعاً:

" يا عبد الله بن عمرو! في كم تقرأ القرآن؟ ". قال:

قلت: في يومي وليلتي. قال: فقال لي:

ص: 512

..............................................................................

" ارقد، وصلِّ، وارقد، واقرأه في كل شهر ". قال: فما زلت أناقصه ويناقصني؛ إلى

أن قال:

" اقرأه في كل سبع ".

أخرجه أحمد (2/162 و 216) واللفظ له، والطيالسي (300) من طرق عن عطاء.

ورجاله ثقات.

وأخرجه أبو داود (1/220) من طريق حماد عن عطاء به، لكن قال:

قال عطاء: واختلفنا عن أَبِي؛ فقال بعضنا: سبعة أيام. وقال بعضنا: خمساً.

الثالث: عن ابن جُريج: سمعت ابن أبي مُلَيكة يحدث عن يحيى بن حكيم بن

صفوان عنه قال:

جمعت القرآن، فقرأته في ليلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إني أخشى أن يطول عليك الزمان، وأن تَمَلَّ. اقرأ به في كل شهر ".

قلت: أي رسولَ الله! دعني أستمتع من قوتي، ومن شبابي. قال:

" اقرأ به في عشرين ".

قلت: أي رسول الله! دعني أستمتع من قوتي، ومن شبابي. قال:

" اقرأ به في عشر ".

قلت: يا رسول الله! دعني أستمتع من قوتي، ومن شبابي. قال:

" اقرأ به في كل سبع ".

قلت: يا رسول الله! دعني أستمتع من قوتي، ومن شبابي. فأبى.

أخرجه ابن ماجه (1/406) ، وأحمد (2/113 و 119) . ورجاله ثقات، رجال

ص: 513

ثم " رَخَّصَ له أن يقرأه في خمس "(1)

الشيخين، إلا يحيى بن حكيم بن صفوان؛ فلم يوثقه أحد غير ابن حبان، وقد تفرد عنه

ابن أبي مُلَيكة - كما في " الميزان " -. وفي " التقريب ":

" مقبول ".

الرابع: عن مَعْمَر عن سِماك بن الفضل عن وهب بن مُنَبِّه عن عمرو بن شُعيب

عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأه في أربعين، ثم في شهر، ثم في عشرين، ثم في خمس

عشرة، ثم في عشر، ثم في سبع. قال: انتهى إلى سبع.

أخرجه هكذا ابن نصر (62)، ورواه أبو داود (1/221) من طريق عبد الرزاق:

أخبرنا مَعْمَر به، لكنه جعله عن وهب بن مُنَبِّه عن عبد الله بن عمرو؛ فأسقط من

الإسناد: (عن عمرو بن شعيب عن أبيه) . وقال: لم ينزل من سبع.

ولوهب رواية عن ابن عمرو؛ فلعله سمعه أولاً بواسطة عمرو بن شعيب عن أبيه

عنه، ثم سمعه عنه مباشرة.

ورجاله ثقات.

وقد ورد الحديث بزيادة في متنه؛ وهو الآتي:

(1)

هو من حديث ابن عمرو أيضاً. وله طريقان:

الأول: عن شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس عنه قال: قال لي رسول

الله صلى الله عليه وسلم:

" اقرأ القرآن في شهر ".

قلت: إنما أُطيق أكثر من ذلك. فلم أزل أطلب إليه، حتى قال:

ص: 514

..............................................................................

" في خمسة أيام

" الحديث.

أخرجه النسائي (1/326) ، وأحمد (2/195) .

وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه الطيالسي (298) مختصراً بلفظ:

أمره أن يقرأ القرآن في خمس.

الثاني: عن مُطَرّف عن أبي إسحاق عن أبي بُردة عن عبد الله بن عمرو قال:

قلت: يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن؟ قال:

" اختمه في شهر ".

قلت: إني أُطيق أفضل من ذلك. قال:

" اختمه في عشرين ".

قلت: إني أُطيق أفضل من ذلك. قال:

" اختمه في خمس عشرة ".

فقلت: إني أُطيق أفضل من ذلك. قال:

" اختمه في عشر ".

قلت: إني أُطيق أفضل من ذلك. قال:

" اختمه في خمس ".

قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فما رَخَّصَ لي.

أخرجه الترمذي (2/155 - 156 - طبع بولاق) ، والدارمي (2/471) . وقال

الترمذي:

ص: 515

..............................................................................

" حديث حسن صحيح. يستغرب من حديث أبي بردة عن عبد الله بن عمرو ".

قلت: وهو على شرط الشيخين.

(تنبيه) : عزا الحافظ (9/79) هذا الحديث للدارمي فقط، وقد تحرف عليه كنية أبي

بردة؛ فقال:

" إن الدارمي رواه من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو قال: قلت: يا رسول

الله!

" فذكره. ثم قال:

" وأبو فروة هذا: الجهني، واسمه: عروة بن الحارث، وهو كوفي ثقة ".

قلت: والظاهر أنه وقع له كذلك في نسخته من " الدارمي "، وهو تحريف - كما

ذكرنا -. والصواب: أبو بردة - كما في نسختنا من " الدارمي "، وكذلك هو في

" الترمذي " -. ويؤيد ذلك أن أبا بردة هو الذي يروي عن ابن عمرو، ويروي عنه أبو

إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق الشيباني، والأول هو المراد هنا.

وأما أبو فروة؛ فلم يذكر أحدٌ في الرواة عنه السبيعيَّ أو الشيبانيَّ، ولا ذكروا في

شيوخه ابن عمرو، بل ولا أحداً من الصحابة؛ ولذلك قال الحافظ في " تهذيب

التهذيب ":

" لم يذكر له المؤلف شيخاً من الصحابة، وقد ذكره ابن حبان في (ثقات التابعين) ،

وحديثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص في " مسند الدارمي ". والله أعلم ".

قلت: وهذا بناءً على التحريف الذي وقع له في نسخته من " الدارمي "، ولا أدري

كيف فات هذا على الحافظ! والله تعالى هو الحافظ.

وقد جاء الحديث بزيادة أخرى، وهو:

ص: 516

ثم " رَخصَ له أن يقرأه في ثلاث "(1) .

(1) هو من حديث ابن عمرو أيضاً. وله طرق:

الأول: عن شعبة عن مغيرة: سمعت مجاهداً يحدث عنه مرفوعاً:

" صُمْ من الشهر ثلاثة أيام ".

قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: فما زال؛ حتى قال:

" صم يوماً، وأفطر يوماً ". فقال له:

" اقرأ القرآن في كل شهر ".

قال: إني أطيق أكثر من ذلك. فما زال حتى قال:

" اقرأ القرآن في كل ثلاث ".

أخرجه البخاري (4/181 - 182) ، وأحمد (2/198) .

ثم أخرجه أحمد (2/188) ، وكذا ابن حبان (1/146) من طريق شعبة أيضاً عن

حُصَين عن مجاهد به، وزاد: وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

" إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي؛ فقد أفلح،

ومن كانت فترته إلى غير ذلك؛ فقد هلك ".

وسنده صحيح على شرط الشيخين.

ثم أخرجه أحمد (2/158) عن المغيرة والحُصين - معاً - فقال: ثنا هُشيم عن

حُصين بن عبد الرحمن ومغيرة الضَّبِّي عن مجاهد به، إلا أنه قال:

قال أحدهما - إما حُصين، وإما مغيرة قال -:

" فاقرأه في كل ثلاث ". وفيه:

ص: 517

..............................................................................

قال حُصين في حديثه: ثم قال صلى الله عليه وسلم:

" فإن لكل عابد شرة، ولكل شرة فترة؛ فإما إلى سنة، وإما إلى بدعة، فمن كانت

فترته إلى سنة؛ فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك؛ فقد هلك ". قال مجاهد:

فكان عبد الله بن عمرو - حيث ضعُف وكبِر - يصوم الأيام كذلك يصل بعضها إلى

بعض؛ ليتقوى بذلك، ثم يفطر بِعَدِّ تلك الأيام. قال:

وكان يقرأ في كل حزبه كذلك، يزيد أحياناً، وينقص أحياناً، غير أنه يُوَفِّي العدد؛

إما في سبع، وإما في ثلاث. قال: ثم كان يقول بعد ذلك:

لأَنْ أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أحب إلي مما عُدِلَ به - أو عَدَل -، لكني

فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره.

قلت: وسنده صحيح أيضاً على شرطهما. وعزاه الحافظ (9/77) للنسائي أيضاً.

ودَلَّت رواية شعبة عن مغيرة وعن حُصين على أن كلاً منهما قال:

" فاقرأه في كل ثلاث ".

الطريق الثاني: عن الحَرِيش بن سُلَيم عن طلحة بن مُصَرِّف عن خَيْثمة عنه

مرفوعاً مختصراً:

" اقرأ القرآن في شهر ".

قال: إن بي قوة. قال:

" اقرأه في ثلاث ".

أخرجه أبو داود (1/220) .

وسنده حسن.

ص: 518

..............................................................................

الثالث: عن هَمَّام: أخبرنا قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّيْر عنه؛ أنه قال:

قلت: يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن؟ قال:

" اقرأه في كل شهر ".

قال: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال:

" اقرأه في خمس وعشرين ".

قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال:

" اقرأه في عشرين ". قال:

قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال:

" اقرأه في خمس عشرة ". قال:

قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال:

" اقرأه في سبع ". قال:

قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال:

" لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث ".

أخرجه أحمد (2/165 و 189) ، وأبو داود أيضاً (1/220) . وقد روى الجملة

الأخيرة أحمد أيضاً (2/164 و 193) عن وكيع عن هَمَّام به بلفظ:

" من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقهه ".

ثم أخرجه (2/195) من طريق شعبة عن قتادة به.

ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (2/156) ، والدارمي (1/350) ، وابن ماجه

(1/406)، لكن بلفظ:

" لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ". وقال الدارمي:

ص: 519

..............................................................................

" لا يفقه ".

وهكذا رواه الطيالسي (300) عن هَمَّام، وأبو داود (1/221) عن سعيد - وهو: ابن

أبي عروبة -؛ كلاهما عن قتادة به. ثم قال الترمذي:

" حسن صحيح ".

قلت: ورجاله رجال الشيخين. قال الحافظ (9/78) :

" وشاهده عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود:

" اقرؤوا القرآن في سبع، ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث ".

واعلم أن الظاهر من اختلاف روايات هذا الحديث أن القصة تكررت بينه صلى الله عليه وسلم وبين

ابن عمرو، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يتنزَّل معه إلى الثلاث في مجلس واحد؛ بل

في مجالس. وإلى ذلك جنح الحافظ في " الفتح ".

ويحتمل أن القصة واحدة، وأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر، ولكن يمنع

القولَ بهذا ما ثبت في رواية: أنه منعه من القراءة في أقل من خمس، وفي أخرى في

أقل من سبع؛ فلا مناص من القول بتعددها، وإلا؛ لزم ردُّ بعض الروايات الصحيحة، أو

ضرب بعضها ببعض! وهذا لا يجوز ما أمكن الجمع بينها. قال الحافظ:

" فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك؛ تأكيداً، ويؤيده

الاختلاف الواقع في السياق، وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم، كما أن الأمر

في جميع ذلك ليس للوجوب، وعُرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق؛

وهو النظر إلى عَجْزِه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل، وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم

أن يقرأ القرآن في أَقل من ثلاث. وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك،

وإنما هو بحسب النشاط والقوة؛ فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ".

ص: 520

..............................................................................

قلت: وهذا مخالف لصريح قوله صلى الله عليه وسلم:

" من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقهه ".

وهذا نص عام شامل لجميع الأشخاص، وفيه التقدير بثلاث ليال؛ فكيف يقال:

إنه لا تقدير في ذلك؟! فقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن كل من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث لا يفقهه،

ولا يفهمه الفهم المقصود من تلاوة القرآن.

كما قد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .

وقال ابن مسعود:

من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ فهو راجز. هَذٌّ كهَذِّ الشعر، ونثر كنثر الدِّقَل.

وكان معاذ بن جبل لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث.

ذكرهما ابن نصر (63) .

وقد نسب عليه الصلاة والسلام كل من خالف ذلك إلى عدم الفقه - كما هو

ظاهر معنى الحديث المذكور باللفظ الثاني -.

فالحق أنه لا يجوز قراءة القرآن في أقل من ذلك. وهو اختيار الإمام أحمد وغيره من

الأئمة - كما سلف -. وقال الحافظ ابن كثير في " فضائل القرآن "(ص 172) :

" وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث، كما هو مذهب أبي

عُبيد وإسحاق بن راهويه، وغيرهما من الخلف أيضاً، وثبت عن كثير من السلف أنهم

قرؤوا القرآن في أقل من ذلك، وهو محمول على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم،

أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مع هذه السرعة ".

قلت: والجواب الصحيح هو الأول، وأما هذا؛ فمخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:

" من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقهه " - كما بينا -. ولم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 521

ونهاه أن يقرأه في أقل من ذلك (1) . وعَلَّلَ ذلك في قوله له:

" من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقَهْهُ ". وفي لفظ:

" لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث "(*) . ثم في قوله له:

" فإن لكل عابد شِرَّةً (2) ، ولكل شِرَّةٍ فترة؛ فإما إلى سنة، وإما إلى

بدعة. فمن كانت فترته إلى سنة؛ فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير

- كما سبق [ص 511]- يقرؤه في أقل من ذلك، ولنا به أسوة حسنة.

(1)

هذا مفهوم من سباق القصة وسياقها، ومع ذلك؛ فقد رواه الدارمي (2/471)

بلفظ:

أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أقرأ القرآن في أقل من ثلاث.

أخرجه من طريق عبد الرحمن بن زياد: ثني عبد الرحمن بن رافع عن ابن عمرو.

وهذا سند ضعيف، لكن المعنى صحيح؛ لما ذكرنا.

وله شاهد من حديث ابن مسعود. وقد ذكرناه قريباً [ص 520] .

(*) انظر تخريجه (ص 519 - 520) .

(2)

بكسر الشين المعجمة، وتشديد الراء، وبعدها تاء تأنيث؛ هي: النشاط

والهمة. وشِرَّةُ الشباب: أوّله وحِدّته. كذا في " الترغيب ".

وقال الطحاوي:

" هي: الحِدَّة في الأمور التي يريدها المسلمون من أنفسهم في أعمالهم التي يتقربون

بها إلى ربهم عز وجل، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَحبَّ منهم فيها ما دون الحِدّة التي لا بد لهم

من القصر عنها، والخروج منها إلى غيرها، وأمرهم بالتمسك من الأعمال الصالحة بما قد

يجوز دوامهم عليه، ولزومهم إياه؛ حتى يَلْقَوا ربهم عز وجل، وروي عنه صلى الله عليه وسلم في كشف

ص: 522

ذلك؛ فقد هلك " (1) .

ذلك المعنى أنه قال:

" أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ". اهـ.

وهذا الحديث متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.

وهذه حجة أخرى في كراهة قراءة القرآن في أقل من ثلاث؛ لما يخشى من فتور

الهمة، وعدم استطاعة المداومة عليها إلا بمشقة؛ كما وقع لعبد الله بن عمرو، حتى كان

يقول لما كبر:

وددت أني كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاقبلوا أيها المسلمون! رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي من الله تعالى؛ فـ:

" إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه ". كما ثبت في الحديث

الصحيح. وصدق الله العظيم إذ وصف رسوله الكريم بأنه {بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .

(1)

هذا قطعة من حديث ابن عمرو: عند أحمد وغيره - كما سبق تخريجه -.

وقد ذكر هذه القطعةَ المنذري في " الترغيب "(1/46) من حديث عبد الله بن عُمر

- كذا بضم العين بدون واو بعد الراء، ولعلها سقطت من الناسخ أو الطابع! -. ثم قال:

" رواه ابن أبي عاصم، وابن حبان في " صحيحه " ".

قلت: وكذلك أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار "(2/88) ، وكذا أحمد

(2/210) عن شعبة: أخبرني حُصَين: سمعت مجاهداً يحدث عن عبد الله بن عمرو

به.

ثم أخرجه الطحاوي من طريق هُشَيم: ثنا حصين به.

وكذلك رواه أحمد - كما سبق في أثناء الحديث -، واللفظ له.

ص: 523

..............................................................................

ثم أخرجه هو (5/409)، والطحاوي من طريق منصور عن مجاهد قال:

دخلت أنا ويحيى بن جَعْدَة على رجل من الأنصار من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم،

قال:

ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاة لبني عبد المطلب؛ فقال: إنها تقوم الليل وتصوم

النهار. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لكني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، فمن اقتدى بي؛ فهو مني، ومن رغب عن

سنتي؛ فليس مني، إن لكل عمل شِرَّة ثم فترة، فمن كانت فترته إلى بدعة؛ فقد

ضَلَّ، ومن كانت فترته إلى سنة؛ فقد اهتدى ".

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وهو حديث آخر عن مجاهد عن

الأنصاري، وقد رواه مسلم بن كيسان الأعور عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً نحو

حديث الكتاب.

أخرجه الطحاوي (2/89) . والأعور هذا: ضعيف - كما في " التقريب " -.

وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:

" إن لكل شيء - وفي لفظ: عمل - شرة، ولكل شِرَّة فترة، فإن كان صاحبها سَدَّدَ

وقَارَب؛ فارجوه، وإن أُشير إليه بالأصابع؛ فلا تَعُدُّوه ".

أخرجه الترمذي (2/74 - طبع بولاق) ، والطحاوي عن محمد بن عجلان عن

القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عنه.

وهذا سند حسن. وقال الترمذي:

" حديث حسن صحيح ". وعزاه المنذري لابن حبان فقط في " صحيحه "!

ص: 524

..................................... (*)

وكان يقول:

" من صلى في ليلة بمئتي آية؛ فإنه يكتب من القانتين المخلصين "(1) .

(*) هنا في " صفة الصلاة " المطبوع (ص 120) قوله: (ولذلك " كان صلى الله عليه وسلم لا يقرأ

القرآن في أقلَّ من ثلاث ") . وقد وجدنا الشيخ رحمه الله في نسخته الخاصة قد أحاطه

بقلمه مشيراً إلى حذفه؛ مما يشعر بعدوله عن تصحيح الحديث. وعند البحث في

تخريجات الشيخ الأخيرة وجدناه قد أخرجه في " الضعيفة "(6954) وقال: " ضعيف جداً ".

(1)

هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:

" من صلى في ليلة بمئة آية؛ لم يكتب من الغافلين، ومن صلى بمئتي آية

" إلخ.

أخرجه الحاكم (1/308 - 309) عن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد عن موسى بن عُقبة

عن عبيد الله بن سلمان عن أبيه أبي عبد الله سلمان الأغر عنه.

وهذا سند حسن. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.

وليس كذلك؛ فإن ابن أبي الزناد إنما أخرج له مسلم في (المقدمة) ، وعبيد الله بن

سلمان لم يخرج له مطلقاً.

ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " - كما في " الترغيب "(1/222) -.

وله شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعاً.

أخرجه الدارمي (2/464 - 465) ، والطبراني في " الكبير ".

وفيه موسى بن عبيدة الرَّبَذي: قال الهيثمي (2/268) :

" والغالب عليه الضعف ".

ومن حديث أبي أمامة مرفوعاً.

ص: 525

و " كان يقرأ [في] كل ليلة بـ: {بني إسرائيل} (17: 111) ، و {الزُّمَر}

(39: 75) " (1) .

رواه الطبراني في " الكبير ".

وفيه يحيى بن عقبة بن أبي الْعَيْزار، وهو ضعيف.

قلت: وقد أخرجه الدارمي عن حَبيب بن عُبيد قال: سمعت أبا أُمامة يقول:

فذكره موقوفاً عليه.

وله حكم المرفوع، وسنده صحيح على شرط مسلم.

ثم رواه الدارمي موقوفاً أيضاً على ابن عمر - ورجاله رجال مسلم - بلفظ:

" الفائزين ".

(1)

هو من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم؛ حتى نقول: ما يريد أن يفطر. ويفطر؛ حتى نقول: ما

يريد أن يصوم. وكان يقرأ

إلخ.

أخرجه أحمد (6/122)، وابن نصر (69) - والزيادة له - عن حماد بن زيد قال: ثنا

مروان أبو لُبابة من بني عَقِيل عنها.

وهذا سند صحيح. ورجاله ثقات - كما قال الهيثمي (2/272) -.

ورواه ابن السني (218) دون ذكر الصوم.

ورواه المقدسي في " المختارة " من طريق أحمد.

ثم الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ ذلك في الصلاة؛ ولذلك أورده في

" المجمع " في: (باب صلاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويحتمل كون ذلك خارجَها. ويرجح

الأولَ اقترانُ ذلك بالصوم؛ فذلك يشعر بأنها أرادت الصلاة. والله أعلم.

ص: 526

وكان يقول:

" من صلى في ليلة بمئة آية؛ لم يُكتب من الغافلين "(1) .

(1) هو من حديث أبي هريرة، وقد سبق قريباً، وذكرنا له - ثَمَّ - شواهد مرفوعة

وموقوفة.

وقد [ورد] عن أبي هريرة بإسناد آخر صحيح. قال ابن نصر (66) :

ثنا أحمد بن سعيد الدَّارِمي: ثنا علي بن الحسن: ثنا أبو حمزة السُّكَّري عن

الأعمش عن أبي صالح عنه مرفوعاً بلفظ:

" من قرأ في ليلة مئة آية؛ لم يكتب من الغافلين - أو: كتب من القانتين - ".

وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.

وهكذا رواه ابن خزيمة في " صحيحه " - كما في " الترغيب "(1/222) -.

ورواه الحاكم (1/308) من طريق عبدان: أبنا أبو حمزة، بلفظ:

" كتب من القانتين ". بدون شك. وقال:

" صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي.

وللحديث شواهد:

منها: عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً:

" من قام بعشر آيات؛ لم يكتب من الغافلين. ومن قام بمئة آية؛ كتب من القانتين.

ومن قام بألف آية؛ كتب من المقنطرين ".

أخرجه أبو داود (5/221)، وابن السني في " اليوم والليلة " من طريق عمرو: أن أبا

سَوِيَّة حدثه: أنه سمع ابن حُجَيْرَة يخبر عنه به.

ص: 527

..............................................................................

وهذا إسناد حسن. أبو سَوِيَّة - بفتح المهملة، وكسر الواو، اسمه: عُبَيد بن سَوِيَّة -:

وثقه ابن حبان، وقد روى عنه جمع من الثقات؛ ولذلك قال في " التقريب ":

" صدوق ". وبقية رجال الإسناد رجال مسلم.

والحديث رواه ابن خزيمة في " صحيحه " بهذا اللفظ، ورواه ابن حبان في " صحيحه "

من هذه الطريق بلفظ:

" ومن قام بمئتي آية؛ كتب من المقنطرين ".

ومنها: عن تميم الداري مرفوعاً:

" من قرأ بمئة آية في ليلة؛ كتب له قنوت ليلة ".

أخرجه الدارمي (2/464) : ثنا يحيى بن حسان - وفي الأصل: بِسْطَام. وهو

تحريف -: ثنا يحيى بن حمزة: ثني زيد بن واقد عن سليمان بن موسى عن كثير بن مُرَّة

عنه.

وهذا إسناد جيد. رجاله رجال " الصحيح "؛ غير سليمان بن موسى، وهو صدوق،

في حديثه بعض لين.

وكذلك رواه أحمد (4/103) ، وابن السني (140 و 217) من طريق الهيثم بن

حُميد عن زيد بن واقد به.

وكذا رواه الطبراني في " الكبير "؛ كما في " المجمع "(2/267)، وقال:

" وفيه سليمان بن موسى الشامي: وثقه ابن معين، وأبو حاتم. وقال البخاري: عنده

مناكير. وهذا لا يقدح ".

وله شواهد موقوفة عن كعب، وتميم الداري، وفضالة بن عبيد، وابن مسعود؛

أخرجها الدارمي وغيره بأسانيد صحيحة.

ص: 528

و " كان أحياناً يقرأ في كل ركعة قدر خمسين آية أو أكثر "(1) .

وعن ابن عمر موقوفاً بإسنادٍ واهٍ في " المستدرك "(1/555 - 556) .

(1)

أخرجه الطبراني في " الكبير " في حديث لابن عباس طويل في صلاة

النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وفيه:

فصلى أربع ركعات، فقرأ في كل ركعة مقدار خمسين آية؛ يطيل فيها الركوع

والسجود

الحديث.

وفيه عطاء بن مُسلم الخفّاف: قال الهيثمي (2/276) :

" وثقه ابن حبان. وقال غيره: ضعيف. وهو رجل صالح، ولكنه دفن كتبه؛ فلا

يثبت حديثه ". اهـ. وفي " التقريب ":

" صدوق يخطئ كثيراً ".

قلت: وهذا القدر من حديثه هذا صحيح ثابت؛ فإنَّ له شاهداً من حديث

عائشة.

أخرجه البخاري (3/6) ، وأبو داود (1/209 - 210) ، والنسائي (1/252) ،

والدارمي (1/344) ، وابن ماجه (1/410) ، وأحمد (6/215 و 248) من طريق الزُّهْري

قال: أخبرني عُروة عنها؛ أخبرته:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته؛ يسجد

السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه

الحديث.

فإذا كانت سجدته صلى الله عليه وسلم، قدر خمسين آية؛ فقيامه يكون قدر ذلك أو أكثر؛ لأن

سجوده صلى الله عليه وسلم لا يكون أطول من القيام كما عرفت بالاستقراء من صنيعه صلى الله عليه وسلم؛ كما في

" الفتح "(3/14) قال:

ص: 529

وتارة " يقرأ قَدْرَ {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ} (73: 20) "(1) .

و" ما كان صلى الله عليه وسلم يصلي الليل كلَّه "(2) إلا نادراً؛ فقد " راقب عبدُ الله بنُ

خبّاب بن الأرَتِّ - وكان قد شهد بدراً مع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم

الليلة كلها (وفي لفظ: في ليلة صلاها كلها) حتى كان مع الفجر، فلما

سلَّم من صلاته؛ قال له خباب بن الأَرَتِّ: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي؛

" ففي حديث الكسوف: فركع نحواً من قيامه، وفي حديث حذيفة الذي مضى

نحوُهُ ". قال:

" ومن المعلوم في غير رواية عائشة هذه أنه كان يقرأ بما يزيد على ذلك ".

قلت: وروى أبو داود (1/212 و 213) بإسنادين صحيحين عنها:

أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء، ثم يأوي إلى فراشه، فينام، ثم يقوم إلى مصلاه،

فيصلي ثماني ركعات؛ يُسَوِّي بينهن في القراءة والركوع والسجود

الحديث.

(1)

رواه ابن عباس قال:

كنت في بيت ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت معه على يساره؛

فأخذ بيدي فجعلني عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة، حَزَرْتُ قدر قيامه في كل

ركعة قدر {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ} .

أخرجه أحمد (1/365 - 366) : ثنا عبد الرزاق: ثنا مَعْمَر عن ابن طاوس عن

عِكرمة بن خالد عنه.

وهكذا أخرجه أبو داود (1/215) ، والطبراني في " الكبير " عن عبد الرزاق.

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

(2)

هو من حديث عائشة رضي الله عنها:

لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح.

ص: 530

لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها؟ فقال:

" أجل؛ إنها صلاةُ رَغَبٍ ورَهَب، [وإني] سألت ربي عز وجل ثلاث

خصال؛ فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلكنا بما

وقد مضى في هذا الفصل (1) .

وهذا ليس على عمومه؛ بدليل الحديث الآتي بعده. وبحديث حذيفة المتقدم

أيضاً؛ فهو بظاهره يدل على أنه قام الليل كله. ويشهد له حديث عائشة نفسها

قالت:

كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام

الحديث.

وهو جيد - كما بينا هناك -.

ويشهد له حديثها الآخر؛ فانظر " رياض الصالحين "(ص 436) .

_________

(1)

{قلت: ولهذا الحديث وغيرِهِ يُكره إحياءُ الليل كله دائماً أو غالباً؛ لأنه خلاف سنته صلى الله عليه وسلم،

ولو كان إحياء الليل أفضل؛ لما فاته صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

ولا تغتر بما روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه مكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء؛

فإنه مما لا أصل [له] عنه؛ بل قال العلامة الفيروزأبادي في " الرد على المعترض "(44/1) :

" هذا من جملة الأكاذيب الواضحة التي لا يليق نسبتها إلى الإمام، فما في هذا فضيلة تُذكر،

وكان الأولى بمثل هذا الإمام أن يأتي بالأفضل، ولا شك أن تجديد الطهارة لكل صلاة أفضل وأتم

وأكمل. هذا إن صح أنه سهر طوال الليل أربعين سنة متوالية! وهذا أمر بالمحال أشبه، وهو من خرافات

بعض المتعصبين الجهال، قالوه في أبي حنيفة وغيره، وكل ذلك مكذوب "} .

ص: 531

أهلك به الأمم قبلنا (وفي لفظ: أن لا يهلك أمتي بسَنَةٍ (1)) ؛ فأعطانيها.

وسألت ربي عز وجل أن لا يُظْهِرَ علينا عدواً من غيرنا؛ فأعطانيها. وسألت

ربي أن لايُلْبِسَنا شِيَعاً؛ فَمَنَعَنِيْهَا " "(2) .

(1) أي: عامة؛ كما في حديث ثوبان. قال النووي:

" أي: لا يهلكهم بقحط يعمهم، بل إن وقع قحط؛ فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة

إلى باقي بلاد الإسلام. فلله الحمد والشكر على جميع نعمه.

قوله: " أن لا يُظهر علينا "؛ أي: على أمته صلى الله عليه وسلم.

" من غيرنا "؛ أي: من فرق الكفر. والمراد: أن لا يُسلَّط عليهم بحيث يستأصلهم؛

كما في رواية ثوبان:

" وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم؛ فيستبيح بيضتهم "؛ أي: جماعتهم

وأصلهم.

قوله: " يُلبِسنا ": بكسر الباء؛ أي: لا يخلطنا في معارك الحرب.

" شيعاً ": فرقاً مختلفين يقتل بعضهم بعضاً ".

" فمنعنيها ": قال السندي:

" وفيه أن الاستجابة بإعطاء عين المدعو ليست كلية؛ بل قد تتخلَّف مع تحقق شرائط

الدعاء ".

(2)

هو من حديث خباب بن الأرت.

أخرجه النسائي (1/243) ، والترمذي (2/26 - طبع بولاق) ، وأحمد (5/108

و109) ، {وابن حبان (7192 - الإحسان) ، والطبراني (1/187/2) = [4/57 و 58

و59] } من طرق عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن

عبد الله بن خَبَّاب بن الأَرَتّ عن أبيه - وكان قد شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 532

..............................................................................

أنه راقب رسول صلى الله عليه وسلم الليلة كلها، حتى كان

إلخ. وقال الترمذي:

" حسن صحيح ".

قلت: ورجاله رجال الشيخين؛ غير عبد الله بن خَبَّاب، وهو ثقة، وترجم له النسائي

بـ: (باب إحياء الليل) .

وله شاهد من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:

صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فأطال فيها، فلما انصرف؛ قلنا - أو: قالوا -: يا رسول

الله صلى الله عليه وسلم! أطلت اليوم الصلاة. قال:

" إني صليت صلاة رغبة ورهبة

" الحديث نحوه.

أخرجه ابن ماجه (2/464) ، وأحمد (5/240) من طريق الأعمش عن رجاء

الأنصاري عن عبد الله بن شَدّاد بن الْهَادِ عنه.

وهذا إسناد صحيح. رجاله ثقات؛ على ما في " الزوائد "، وفيه نظر؛ فإن رجاءً هذا

ما روى عنه سوى الأعمش - كما قال الذهبي -. وفي " التقريب ":

" مقبول ".

ثم أخرجه أحمد (5/248) عن إسماعيل - وهو: ابن عُلَية - عن أيوب عن أبي

قِلابة قال:

أُنْبِئْتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو ذات ليلة يصلي

الحديث نحوه.

وهذا سند رجاله رجال الستة، ولكنه مرسل.

وقد وصله مسلم (8/171) ، وأبو داود (2/202) ، والترمذي (2/27) ، وأحمد

(5/278 و 284) ؛ كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قِلابة عن أبي أسماء عن

ص: 533

و " قام ليلة. بآية يرددها حتى أصبح وهي: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ

تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (5: 118) ؛ [بها يركع، وبها يسجد،

وبها يدعو] ، [فلما أصبح؛ قال له أبو ذر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما

زلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحت؛ تركع بها، وتسجد بها] ، [وتدعو بها] ،

[وقد علَّمَك الله القرآن كله]، [لو فعل هذا بعضُنا؛ لَوَجَدْنَا عليه؟] . [قال:

" إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي؛ فأعطانيها، وهي نَائِلَةٌ إن

شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئاً "] "(1) .

ثوبان مرفوعاً:

" سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة

" الحديث بنحوه. وليس فيه ذكرٌ

للصلاة.

ثم أخرجه أحمد من طريق أخرى عن معاذ، وفيه ذكر الصلاة (5/243 و 248) .

وسنده صحيح.

وكذلك أخرجه مسلم، وأحمد (1/175 و 181) من حديث سعد بن أبي

وقاص.

وأحمد (5/445) من حديث جابر بن عَتِيك.

وفيه جهالة.

ورواه أيضاً (6/396) ، وليس فيه الصلاة.

وفيه رجل لم يسم.

(1)

هو من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال:

قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح؛ يرددها. والآية: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ

} الآية.

ص: 534

..............................................................................

أخرجه النسائي (1/156 - 157) ، وابن ماجه (1/407) ، والطحاوي (1/205) ،

والحاكم (1/241) ، وأحمد (5/156 و 177) من طرق عن قُدامة بن عبد الله العامري

عن جَسْرَةَ بنت دِجاجةَ عنه. وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

وكذا صححه الحافظ العراقي (1/252) وغيره. وفي " الزوائد ":

" إسناده صحيح، ورجاله ثقات ". ثم قال:

" رواه النسائي في " الكبرى "، وابن خزيمة في " صحيحه " { (1/70/1) = [1/271] } ".

قلت: وقدامة هذا: وثقه ابن حبان. وحده، لكن قد روى عنه جمع من الأئمة

الثقات؛ كالثوري، وابن المبارك، ويحيى بن سعيد وغيرهم.

وجسرة؛ فقد وثقها مع ابن حبان العجليُّ، وروى عنها جمع أيضاً؛ فالحديث أقل

أحواله أنه حسن. وهو صحيح قطعاً بشاهده الآتي بعد.

وفي رواية لأحمد (5/149) :

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح؛ يركع بها، ويسجد بها: {إِنْ

تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ

} الآية. فلما أصبح؛ قلت: يا رسول الله! ما زلت تقرأ هذه

الآية حتى أصبحت؛ تركع بها، وتسجد بها؟! قال:

" إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي؛ فأعطانيها، وهي نائلةٌ - إن شاء الله - لمن

لا يشرك بالله شيئاً ".

أخرجه عن محمد بن فضيل: ثني فُلَيْتٌ العامري عن جَسرة العامرية به.

وفي الأصل: (ميسرة) .. وهو تحريف. وفُلَيت - بالتصغير - هو: قدامة بن عبد الله.

ص: 535

..............................................................................

ومحمد بن فُضيل: ثقة من رجال الشيخين. فالحديث بهذه الزيادة حسن أو

صحيح.

ثم أخرجه أحمد (5/170) بزيادات أخرى قال: ثنا يحيى: ثنا قُدامة بن عبد الله

به بلفظ:

قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء، فصلى بالقوم، ثم تخلف أصحابٌ

له يصلون، فلما رأى قيامهم وتخلُّفَهم؛ انصرف إلى رَحْلِه، فلما رأى القوم قد أخلَوا

المكان؛ رجع إلى مكانه، فصلى، فجئت فقمت خلفه، فأومأ إليَّ بيمينه؛ فقمت عن

يمينه، ثم جاء ابن مسعود، فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله؛ فقام عن شماله،

فقمنا ثلاثتنا يصلي كل رجل منا لنفسه، ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو، فقام بآية

من القرآن؛ يرددها حتى صلى الغداة، فبعد أن أصبحنا؛ أَوْمَأْتُ إلى عبد الله بن مسعود

أن: سَلْهُ ما أراد إلى ما صنع البارحة؟ فقال ابن مسعود بيده؛ لا أسأله عن شيء حتى

يحدث إلي. فقلت: بأبي أنت وأمي! قُمْتَ بآية من القرآن، ومعك القرآن، لو فعل هذا

بعضنا؛ وجدنا عليه؟ قال:

" دعوت لأمتي ".

قال: فماذا أُجبت؟ أو: ماذا رُدَّ عليك؟ قال:

" أُجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة؛ تركوا الصلاة ".

قال: أفلا أبشر الناس؟ قال:

" بلى ". فانطلقت مُعْنِقاً قريباً من قذفة بحجر. فقال عمر: يا رسول الله! إنك إن

تبعث إلى الناس بهذا؛ نَكَلوا عن العبادة. فنادى؛ أنِ ارجع. فرجع. وتلك الآية: {إِنْ

تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} .

ص: 536

..............................................................................

وإسناده قوي كالذي قبله.

ثم رواه عن مروان: ثنا قدامة به نحوه. ورواه ابن نصر (59) [عن عبد الواحد بن

زياد: ثنا قدامة به نحوه] (*) .

وأما شاهده؛ فأخرجه الترمذي في " سننه "(2/310 - 311) ، وفي " الشمائل "

(2/95 - 96) قال: ثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث

عن إسماعيل بن مسلم العَبْدي عن أبي المُتَوكِّل النّاجي عن عائشة قالت:

قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة

. وقال:

" حديث حسن غريب من هذا الوجه ".

قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، حاشا أبا بكر محمد بن نافع البصري؛

قال الشيخ علي القاري:

" قيل: هذا مجهول؛ لأنه لم يوجد في كتب الرجال. فلعله محمد بن واسع

البصري ".

قلت: لقد أبعد النُّجْعة؛ فابن واسع هذا من صغار التابعين؛ يروي عن أنس بن

مالك وسالم بن عبد الله وغيره من كبار التابعين؛ فأين هو من شيوخ الترمذي؟!

والصواب أنه محمد بن أحمد بن نافع أبو بكر البصري، نَسَبَه الترمذي إلى جده،

وهو مشهور بكنيته، روى عنه مسلم، والنسائي وغيرهما؛ فالإسناد صحيح.

وقد، أخرجه أحمد (3/62) هكذا: ثنا زيد بن الحُبَاب: أخبرني إسماعيل بن مسلم

الناجي عن أبي نَضْرَة عن أبي سعيد الخدري:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَدَّدَ آية حتى أصبح.

_________

(*) ما بين المعقوفتين استدراك من " ابن نصر "، تتمة لمراد الشيخ رحمه الله. والله أعلم.

ص: 537

و " قال له رجل:

يا رسول الله! إن لي جاراً يقوم الليل، ولا يقرأ إلا {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

(112: 4) ؛ [يرددها][لا يزيد عليها]- كأنه يُقَلِّلُها -؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

" والذي نفسي بيده! إنها لتعدل ثلث القرآن "(1) .

ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير إسماعيل بن مُسلِم النّاجي؛ قال الهيثمي

(2/273) :

" ولم أجد من ترجمه ".

قلت: ولم يورده الحافظ في " التعجيل "، ويحتمل أن يكون هو إسماعيل بن مسلم

العبدي الذي في إسناد الترمذي؛ يرويه عن الناجي - وهو: أبو المتوكل - عن أبي نضرة

عن أبي سعيد. وعليه فيكون سقط من الإسناد حرف (عن) بين إسماعيل بن مسلم

وبين الناجي، ويؤيد ذلك أنهم ذكروا في الرواة عن الناجي هذا - وهو: علي بن داود، أبو

المتوكل - إسماعيلَ بن مسلم العبدي هذا، وهو من طبقة شيوخ زيد بن الحباب.

وفي " المسند "(3/48) حديث من طريق إسماعيل بن مسلم: ثنا أبو المتوكل عن

أبي سعيد.

لكن المعروف أن أبا المتوكل يروي عن أبي سعيد مباشرة - كما في هذا السند -، ولم

يذكر أحد - فيما علمت - أنه يروي عنه بواسطة أبي نضرة، وهما في طبقة واحدة، وإن

كان جائزاً أن يروي مثله عن مثله. فإذا ثبت ذلك؛ فالحديث صحيح على شرط مسلم.

والله أعلم.

(1)

هو من حديث أبي سعيد الخدري: أن رجلاً قال:

فذكره.

أخرجه أحمد (3/43) : ثنا إسحاق - هو: ابن عيسى -: ثنا مالك عن عبد الرحمن

ص: 538