المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أهل النار في ان يخرجوا منها: - الشفاعة في الحديث النبوي

[عبد القادر المحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولدراسة النصوص دراسة موضوعية

- ‌الفصل الأول: مفهوم الشفاعة عند علماء المسلمين

- ‌المبحث الاولتعريف الشفاعة

- ‌المبحث الثانيأدلة الشفاعة من النقل والعقل

- ‌أولاً:- أدلة الشفاعة من القرآن الكريم:

- ‌ثانياً: دليل الشفاعة عقلاً:

- ‌المبحث الثالثمناقشة منكري الشفاعة

- ‌المبحث الرابعأقسام الشفاعة

- ‌المبحث الخامسحكمة الشفاعة

- ‌المبحث السادسشروط الشفاعة

- ‌المبحث السابعمواضع الشفاعة

- ‌الفصل الثانيأنواع الشفاعة

- ‌المبحث الأولشفاعة الاعيان

- ‌المطلب الأولشفاعة الأنبياء عليهم السلام

- ‌المسألة الاولى: شفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع الأول: شفاعة المقام المحمود:

- ‌النوع الثاني: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى في فصل القضاء

- ‌النوع الثالث: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إدخال قوم بغير حساب:

- ‌النوع الخامس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوم استوجبوا النار إلا يدخلوها:

- ‌النوع السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أهل النار في ان يخرجوا منها:

- ‌النوع الثامن: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:

- ‌المسألة الثانية: شفاعة بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

- ‌المطلب الثاني: شفاعة الملائكة عليهم السلام

- ‌المطلب الثالث: شفاعة الشهداء:

- ‌المطلب الرابع: شفاعة المؤمنين:

- ‌المطلب الخامس: شفاعة الزمن:

- ‌المطلب السادس: الشفاعة الإلهية:

- ‌المبحث الثانيشفاعة الأعمال

- ‌المطلب الأول:- شفاعة كلمة التوحيد- لا اله إلا الله محمد رسول الله

- ‌المطلب الثاني:-شفاعة الانتساب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الأولى:- أمة محمد من هم

- ‌نواقض التوحيد:

- ‌النصوص ومناقشتها:

- ‌المطلب الثالث: شفاعة القرآن والصيام:

- ‌أولاً: شفاعة القرآن

- ‌ثانياً: شفاعة الصيام:

- ‌المطلب الخامس: شفاعة دعاء الوسيلة عقب الآذان

- ‌المطلب السادس: شفاعة شهود بعض الوقائع

- ‌أولاً معركة بدر الكبرى:

- ‌ثانياً: بيعة الرضوان: "بيعة الشجرة

- ‌المطلب السابع: -شفاعة الصبر على الشدائد:

- ‌النوع الأول: الشفاعة في الصبر على شدائد المدينة المنورة:

- ‌النوع الثاني: شفاعة الصبر على تربية الإناث

- ‌النوع الثالث:-شفاعة الصبر على موت الأولاد:

- ‌النصوص ومناقشتها:

- ‌شروط شفاعة الصبر على موت الأولاد:

- ‌النوع الرابع شفاعة الصبر على بعض الأمراض:

- ‌أولا شفاعة الصبر على ذهاب البصر:

- ‌ثانياً: شفاعة الصبر على الحمى:

- ‌ثالثا:- شفاعة الصبر على الصرع:

- ‌الباب الثاني تخريج الأحاديث

- ‌ملحق

- ‌تعريف أهم الفرق وتراجم بعض الأعلام المذكورين في البحث

- ‌أولاً: تعريف أهم الفرق:

- ‌ثانياً:- تراجم الأعلام

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌النوع السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أهل النار في ان يخرجوا منها:

والبعض كالريح

وهكذا. فناجٍ مخدوش أو ساقط مكدوس -والعياذ بالله- وهذه الشفاعة من الشفاعات العامة التي يشارك النبي صلى الله عليه وسلم غيره فيها كألانبياء الصالحين وغيرهم (1).

وقد عدها من شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من أهل العلم: ((كالقاضي عياض، والقرطبي، والنووي، وإبن تيمية، وإبن كثير، وإبن أبي العز، والحافظ إبن حجر)) (2) وغيرهم.

‌النوع السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أهل النار في ان يخرجوا منها:

-

إن من مات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يرتكب كبيرة في حياته أو ارتكب فتاب توبة نصوحا. أولئك يدخلون الجنة من أول الامر دون عذاب -برحمه الله- إلا من شاء الله- واما الذين يسقطون في جهنم فانهم أولئك الذين ماتوا مصرين على كبائرهم ومعاصيهم وهؤلاء ثبتت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لهم وهو المراد بها هنا، فقد صح من حديث انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:((شفاعتي لأهل الكبائر من امتي)) (3).

وهذه الشفاعة لا تكون إلا لمن كان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي كان من أهل العهد (4). فلا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر إلا ان يكتون من امته، على ما هو عليه ظاهر الحديث. وهذا من عظيم رحمته صلى الله عليه وسلم، وشفقته على امته، وتكريم الله تعالى لهذه الامة، فمهما عمل المؤمن من أعمال دون الشرك فهو في المشيئة الالهية -ان شاء عفا عنه- ابتداء وان شاء عذبه، يقول تعالى ((إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) (5).

وقد نص على ذلك جمهور أهل العلم من المسلمين، يقول أبو حنيفة رحمه الله ((وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حق لكل من هو من أهل الجنة وان كان صاحب كبيرة)) (6)، ونقل الباقلاني:- اجماع أهل السنة والجماعة على صحة شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر فقال "اعلم ان أهل السنة والجماعة اجمعوا على صحة الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من هذه

(1) انظر ص80 من كتابنا هذا.

(2)

سبق ذلك مفصلاً في ص42.

(3)

انظر تخريجه برقم (58). وله شواهد برقم (59 - 66).

(4)

سبق ذلك ص37.

(5)

النساء /48.

(6)

الفقه الاكبر، شرح السمرقندي ص90.

ص: 91

الأمة" (1)، ونقل الأيجي الإجماع أيضا فقال: أجمع الأمة على اصل الشفاعة وهي عندنا لأهل الكبائر من الأمة لقوله عليه السلام ((شفاعتي لأهل الكبائر من امتي)) (2)(3).

وقال الجويني: ((والاخبار الماثورة شاهدة بتعلق الشفاعة باصحاب الكبائر

)) (4)، وقد أنكرتها بعض الفرق الكلامية كالمعتزلة، والخوارج (5).

وقد أقر هذا القسم من الشفاعة كل مفسري أهل السنة ولم اجد من يخالف، فهذا الطبري ينص على ان الله قد صفح لعباده المؤمنين بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم عن كثير من عقوبة اجرامهم بينه وبينهم (6) ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:((شفاعتي لأهل الكبائر من امتي)).

ونقل الرازي الاجماع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر. فقال: ((أجمعت الامة على ان لمحمد صلى الله عليه وسلم شفاعة في الآخرة وحمل على ذلك قوله تعالى: ((عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (7)) (8)، وقد عد تلك الشفاعة من شفاعته صلى الله عليه وسلم كثير من أهل العلم، كالقرطبي وإبن كثير وغيرهم. (9)

يقول الإمام النووي ((إن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد في النار وإن كان مصرا على الكبائر)) (10).

ويقول إبن تيمية: ((إن أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر ثابتة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق عليها السلف من الصحابة وتابعيهم بأحسان وائمة المسلمين، وانما نازع في ذلك أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وغيرهم. (11)

وأثبت ذلك إبن حجر العسقلاني في اكثر من موضع من الفتح فقال: ((إن جماعة من مذنبي هذه الامة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة)) (12).

(1) الانصاف168وانظر التبصير في الدين، الاسفرئيني ص174.

(2)

انظر تخريجه برقم (58).

(3)

المواقف380، وانظر العقائد العضدية، بشرح الدواني2/ 270.

(4)

الارشاد ص 294، وانظر الفصل، إبن حزم 4/ 64.

(5)

سبق بيانه ص23.

(6)

انظر جامع البيان 1/ 268.

(7)

التفسير الكبير 3/ 55.

(8)

الاسراء /79.

(9)

سبق ذكره ص42.

(10)

شرح مسلم3/ 75، وانظر فتح القدير، المناوي 4/ 162، وتحفة الاحوذي، المباركفوري 7/ 121.

(11)

مجموع الفتاوي4/ 309، وانظر العقيدة الاسلامية، محمد عياش ص306.

(12)

فتح الباري11/ 565، وانظر 11/ 522و532،وعون المعبود، العظيم أبادي 13/ 72 وبذل المجهود، السهارنفوري 18/ 279

ص: 92

والنصوص في اخراج الموحدين من النار ودخولهم الجنة كثيرة فمنها: ما رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار قوم بالشفاعة كانهم الثعارير)) قلنا وما الثعارير؟ قال: "الضغابيس"(1)، واخرج الإمام مسلم بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:

((أتاني جبريل فبشرني انه من مات من امتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت وان زنى وان سرق؟ قال وان زنى وان سرق)) (2).

وهذه الشفاعة هي التي اختارها صلى الله عليه وسلم حين خُير بما جاء في حديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه مرفوعاً: ((خُيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة، لانها اعم واكفى اترونها للمتقين؟ لا ولكنها للمذنبين، الخاطئين، المتلوثين)) (3). فهذه الشفاعة مقصورة على المتلوثين الخطائين -شفاعة أهل الكبائر- أما المتقين فهم ليسوا من أهلها، بل قد تشملهم شفاعات اخرى كشفاعة المقام المحمود أو السبعين الفاً أو غيرها من الشفاعات.

وجاء من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتاني آت من عند ربي فخيرني بين ان يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً)) (4). وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته واني احتبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة -ان شاء الله- من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً)) (5).

قال الإمام النووي: ((وفي هذا الحديث بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ورأفته بهم، واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة فأخر صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم)) (6).

(1) انظر تخريجه برقم (60).

(2)

انظر تخريجه برقم (106).

(3)

انظر تخريجه برقم (62).

(4)

انظر تخريجه برقم (15).

(5)

انظر تخريجه برقم (2).

(6)

شرح مسلم3/ 75 وانظر فتح الباري، إبن حجر11/ 117،وشرح مسند أبي حنيفة، ملا علي القاري ص501.

ص: 93

وهذه الدعوة خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم والتي قد ميز بها عن بقية الأنبياء، وعن بقية الشفعاء بأن يشفع لكل أفراد أمته، فمن قال لا اله إلا الله يدخل الجنة ولو لم يعمل خيراً قط. وقد صح من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خمساً لم يعطهن احد قبلي

.. وقيل لي: سل تعطه واختبأت دعوتي شفاعة لامتي في القيامة وهي نائلة -ان شاء الله- من لم يشرك بالله شيئاً)) (1).

وأما إخراجهم من النار فإنه يكون حسب الأعمال وبشكل محدد فيبين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في كل طور من أطوار الشفاعة حدا يقف عنده ولا يتعداه، مثل ان يقول شفّعتك فيمن أخل بالجماعة، ثم فيمن أخل بالصلاة، ثم فيمن شرب الخمر، ثم فيمن زنى

وهكذا.

وهذا يدل على تفضل مراتب المخرجين (2). وقد صحّ من حديث انس رضي الله عنه مرفوعاً: ((يخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن برة ويخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير)) (3).

وفي كل طور من أطوار الشفاعة في الإخراج يأتي صلى الله عليه وسلم ويخّر تحت عرش الرحمن فيقال له: اشفع وهكذا

.

جاء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ((فيقال: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من ايمان فاخرجه منها)) فانطلق فافعل، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً فيقال لي: يا محمد: إرفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأقول: أمتي أمتي فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق فافعل. ثم اعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم اخر له ساجداً فيقال لي: يا محمد ارفع راسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع. فاقول: يا رب أمتي أمتي: فيقال لي: ((انطلق فمن كان في قلبه ادنى ادنى ادنى من مثقال حبة خردل من إيمان فاخرجه من النار فانطلق فافعل)) (4). ثم يقول صلى الله عليه وسلم: ((يا رب ائذن لي فيمن قال

(1) انظر تخريجه برقم (34).

(2)

انظر فتح الباري 11/ 534.

(3)

انظر تخريجه برقم (11).

(4)

أنظر مصدر سابق.

ص: 94

"لا اله إلا الله" قال: ليس ذاك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال: "لا اله إلا الله")) (1).

ففي الإخراجات السابقة يأذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيها ولكن هذه لا يسمح ولا ياذن لشافع وإنما هي لله تعالى فحسب.

وجاء في رواية قتادة عن أنس ((ثم أعود فاقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما يبقى إلا من حبسه القرآن)) وكان قتادة يقول عند هذا: "أي وجب عليه الخلود"(2)، فهذه الرواية ناقصة قد أكملها البخاري في كتاب التوحيد (3) فاثبت فيها المراجعة الرابعة، حتى يقول له الجبار ليست لك ويخرج الجبار من قال لا اله إلا الله ولم يعمل خيراً قط.

وهذا لا يعني ان تفسير قتادة انهم المخلدون في النار تفسير خاطيء بل على العكس فهو صحيح ومعناه: من اخبر القرآن بتخليده في النار فانه لا تدركه الشفاعة ولا يخرج من النار بقوله تعالى: ((إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) (4)، فلا مغفرة مع الشرك، والشفاعة مغفرة (5) وقد فسر الحافظ إبن حجر قول قتادة فقال:- ((يتأول: الكفار وبعض العصاة ممن ورد في القرآن في حقه التخليد ثم يخرج العصاة في القبضة وتبقى الكفار ويكون المراد بالتخليد في حق العصاة المذكورين البقاء في النار بعد اخراج من تقدمهم)) (6).

وأرى أن هذا التاويل للحافظ بعيد جداً فالرواية التي جاءت عن قتادة ناقصة وأتمها البخاري في كتاب التوحيد كما اسلفنا، فلا حاجة لهذا التاويل البعيد. فالخلود هو لأهل الكفر والشرك والالحاد خلوداً ابدياً، واما المؤمنون الموحدون فانهم خارجون ابتدءاً أو ختاماً فهذا ليس خلوداً -والله اعلم- جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه اثبات رؤية الله يوم القيامة: ((

حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد واراد ان يخرج برحمته من أراد من أهل النار امر الملائكة ان يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً فمن أراد الله -تعالى- ان يرحمه ممن يقول لا اله إلا الله فيعرفونهم في النار

(1) مصدر سابق.

(2)

مصدر سابق.

(3)

برقم (7510).وانظر تخريجه برقم (11). من طريق معبد بن هلال عن انس.

(4)

النساء /48.

(5)

انظر شرح مسلم، النووي 3/ 58.

(6)

فتح الباري11/ 537.

ص: 95

يعرفونهم باثر السجود تاكل النار من إبن آدم إلا اثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حمل السيل ثم يفرغ الله -تعالى- من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجه على النار

)) (1)

الحديث.

ففي الحديث ان الملائكة هي التي تخرج الناس من النار بامر الله تعالى وفي حديث انس السابق ان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يخرج فكيف الجمع؟ نقول: الذي باشر الإخراج هم الملائكة ولكن يؤمرون بذلك على السنة الرسل (2).

وحصل خلاف بين شراح الحديث في قوله: ((فإن الله حرم على النار ان تأكل من إبن آدم اثر السجود)). والخلاف هو: هل أن المراد من "أثر السجود" عضو السجود نفسه أم مَن سجد؟.

نقل إبن حجر عن القاضي عياض القول: ((أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار وانها لا تاتي على جميع اعضائه أما اكراما لموضع السجود، وعضم مكانهم من الخضوع لله تعالى أو اكرام تلك الصورة التي خلق ادم والبشر عليها وفضلوا بها على سائر الخلق)) (3).

وعملاً بهذا القول فان الكافر يدخل جزما فيهم فلا تحرق النار اماكن السجود منه؟!! وعليه فهو قول مردود (4).

ورجح الإمام النووي أن: ((النار لاتاكل جميع أعضاء السجود السبعة التي يسجد الانسان عليها وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان)) (5). وهو رأي كثير من أهل العلم.

واعترض القاضي عياض بحديث ((ان قوماً يخرجون من النار يحترقون فيها إلا

(1) انظر تخريجه برقم (9).

(2)

انظر فتح الباري11/ 556.

(3)

فتح الباري11/ 557 - 558 بتصرف.

(4)

انظر فتح الباري11/ 558.

(5)

شرح مسلم، النووي 3/ 22 بتصرف يسير.

ص: 96

دارات الوجوه)) (1). فالمراد من أعضاء السجود الوجه فقط. واجاب على ذلك الإمام النووي بقوله: إن هذا الحديث خاص بقوم ممن يخرج وليس كل من يخرج. اما غيرهم فان اعضاء السجود كلها تسلم فيكون حديث مسلم خاصاً وغيره عاماً فيحمل الحديث على عمومه إلا ما خص منه (2).

وزاد إبن حجر على النووي أعضاء اخرى فقال: ((وما تعقبه -أي النووي- بانها خاصة بهذه الامة فيضاف اليها التحجيل وهو جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان)) ثم اردف ((وما استدل به القاضي من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار لان تلك الاحوال الآخروية خارجة على قياس احوال أهل الدنيا دون التنصيص على دارات الوجوه.

ان الوجه كله لا تؤثر فيه النار إكراماً لمحل السجود ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها)) (3)، والذي نراه هو ان المراد من النار لا تاكل اثر السجود إكراما له أولاً، ولكي تعرفهم الملائكة وتميزهم عن غيرهم ثانياً. ولا ارى مناسبة لكثرة التاويل بالاعضاء ام بالتحجيل، المهم انهم لا تحترق دارات الوجوه منهم فتعرفهم الملائكة ويعرفهم الشفعاء ((اذهبوا فاخرجوا من عرفتم)) (4)، فكيف يعرف الشافعُ المشفوعَ له إذا احترق وجهه؟ -والله اعلم-،ولله در القائل:

يا رب أعضاء السجود عتقها من عبدك الجافي وأنت الواقي

والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى فا ممن على الفاني بعتق الباقي (5)

وأختلف أيضا في قوله "قد امتحشوا" أي "احترقوا"(6)، فمن هؤلاء الممتحشون؟ فالظاهر في هذا الحديث انهم أصحاب اثار السجود وفي حديث أبي سعيد انهم أهل القبضة فكيف التوفيق؟.

(1) الحديث بتمامه مخرج برقم (60).وهذه اللفظة هي من طريق يزيد الفقير -عند مسلم-.

(2)

انظر شرح مسلم 3/ 22، وفتح الباري11/ 558.

(3)

فتح الباري 11/ 558، بتصرف يسير.

(4)

طرف من حديث مخرج برقم (14).

(5)

الامالي الحلبية، إبن حجر 53،نسبها إلى والده وانظر فتح الباري 11/ 559.

(6)

انظر النهاية في غريب الحديث، إبن الاثير 4/ 302.

ص: 97

نقل إبن حجر قول القاضي عياض ((ولا يبعد ان الامتحاش يختص بأهل القبضة والتحريم على النار أن تأكل صورة الخارجين أولاً قبلهم ممن عمل الخير على التفضيل السابق والعلم عند الله)) (1).

أقول: الذي يبدو لي هو ان أهل النار من العصاة كلهم يحترقون -يمتحشون- ولكن من اراد الله له الخروج بشفاعة الشافعين وكان من أهل السجود في الدنيا فانه يبقى وجهه وصورته لا تحترق كيما يعرفه أهله واصحابه "الشفعاء".

وأما إن لم يكن من أهل تلك الشفاعات فانه قد يخرج بالقبضة الالهية (2) -والله اعلم-.

وجاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً- ((أما أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس اصابتهم النار بذنوبهم اوخطاياهم فآماتهم إماتة حتى كانوا فحماً اذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة افيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل)) (3).

وقد أول بعض أهل العلم الاماتة هنا انها ليس المراد ان يحصل لهم حقيقة وانما هو كناية عن غيبة احساسهم وذلك للرفق بهم اوكنى عن النوم بالموت وقد سمى الله النوم وفاة ووقع في حديث أبي هريرة انهم إذا دخلوا النار ماتوا فاذا اراد الله اخراجهم امسهم الم العذاب تلك الساعة. (4)

وقوله "انهار الجنة" جاء في رواية أبي سعيد الماضية "يقال له نهر الحياة"(5) ويبدو ان تسميته بنهر الحياة اشارة إلى الخلود بعدها ابداً (6) -والله اعلم-.

وشبّه انباتهم بنبات الحبة في حميل السيل لانها في السيل اسرع نباتا من غيره، لما يتجمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء مع ما خالطه من حرارة الزبد المجذوب معه

(1) فتح الباري11/ 559 ..

(2)

انظر فتح الباري 11/ 565.

(3)

اخرجه مسلم، الايمان (306) وانظر تخريجه تاما برقم (14).

(4)

انظر الحسنة والسيئة، إبن تيمية 120، وفتح الباري 11/ 565.

(5)

انظر تخريجه برقم (14).

(6)

انظر فتح الباري11/ 559، وشرح مسند أبي حنيفة، ملا علي القاري ص505 وتحفة الاحوذي، المباركفوري 7/ 324.

ص: 98

وشبه به لسرعته وحسن طراوته (1).

ويخرج هؤلاء ((كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين ادخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم

)) (2).

ولعل ((المراد بالخواتم هنا اشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في اعناقهم علامة يعرفون بها قال: معناه تشبيه صفائهم وتلالئهم باللؤلؤ)) (3).

وهؤلاء هم الذين يسمون الجهنميين فقد صح ذلك في أحاديث كثيرة منها: ما اخرجه البخاري وغيره من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين)) (4).

وليست التسمية بها نقيصاً لهم بل استذكاراً ليزدادوا فرحا على فرحهم لكونهم عتقاء الله تعالى (5).

النوع السابع: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في رفع الدرجات لأهل الجنة:-

لقد ذكر هذا النوع من الشفاعة -وأقره- معظم ان لم اقل كل من ذكر انواع الشفاعة ولكن لم اجد من ذكر مستندها، إلا القليل منهم ممن استشهد بقوله صلى الله عليه وسلم ((انا أول شفيع في الجنة)) (6)، كمستند لها.

وأنكر الحافظ إبن حجر ان يكون مستندها فقال: ((كذا قاله بعض من لقيناهم، وقال: وجه الدلالة منه انه جعل الجنة ظرفا لشفاعته. قلت: وفيه نظر، لاني سأبين انها ظرف في شفاعته الأولى المختصة به، والذي يطلب هنا ان يشفع لمن لن يبلغ عمله درجة عالية ان يبلغها بشفاعته. واشار النووي في "الروضة" (7) إلى ان هذه الشفاعة من خصائصه

(1) انظر شرح مسلم، النووي 3/ 23وفتح الباري 11/ 559 وعمدة القاري العيني23/ 135.

(2)

اخرجه مسلم الإيمان (302) وانظر تخريجه برقم (14).

(3)

شرح مسلم 3/ 33،وانظر عمدة القاري 25/ 130.

(4)

انظر تخريجه برقم (57).

(5)

انظر عون المعبود العظيم ابادي 13/ 73 - 74.

(6)

انظر تخريجه برقم (24).

(7)

إن قصد "روضة الطالبين" فاني لم اقف على موضعه فيه.

ص: 99