الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنقول: القران قد يعرض المسائل بشكل مجمل، لاهداف مقصودة وعرض ايات الشفاعة بهذا الشكل لهدف مقصود فالذي يظهر أن القران الكريم ((اراد من عبده الاحجار أن يفكروا أن هذه الاحجار لن تنفعهم في الدنيا ولن تنفعهم في الاخرة، واراد من المؤمنين أن يعملوا ويجدوا فالاصل: أن لا شفاعة، بل ((وانْ ليس للانسان الا ما سعى)) (1)، ثم يتلطف القران بهم ليدفعهم إلى العمل والجد ايضاً، ولكن بطريق الترغيب فياتي الاستثناء بتحفظ ليحافظ المؤمن على الموازنة المطلوبة)). (2)
وهكذا نجد أن القران الكريم جاء وهو يهدف إلى قضية عملية بقدر ما يثمر عملاً صالحاً - والله اعلم-
ثانياً: دليل الشفاعة عقلاً:
-
إن مذهب أهل السُنة جواز الشفاعة عقلاً ووجوبها سمعاً (3). وإن العقل السليم لا يرفض فكرة الشفاعة يوم القيامة، فالإنسان مهما بلغت ذنوبه من صغائر وكبائر، واتى ربه بقلب سليم غير شاك، فإنه قد يشمل بالعفو الإلهي قال تعالى ((إن الله لا يغفرُ أنْ يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) (4) وإذا كان العفو الإلهي عن الذنوب هو مقرر بالنصوص القطعية كقوله تعالى ((وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثُمّ اهتدى)) (5) ، وقوله ((وهو الذي يقبلُ التوبة عن عبادهِ ويعفو عن السيئات
…
)) (6) ، فلماذا يعترض على وقوع الشفاعة؟ وهل هي إلا مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية؟! (7) فمذهب أهل الحق ((أن الشفاعة حق، وقد أنكرها مُنكرو الغفران، ومن جّوز العفو والصفح بدءاً من الله تعالى فلا يمنع الشفاعة، ومنهم من يمنعها على مصيره إلى تجويز الغفران وذلك نهاية في الجهل لا يلتزمها ذو تحصيل)) (8) والشفاعةُ لا تعني إهمال جانب العمل العبادي والتواكل على الشفاعة يوم القيامة - قطعاً - يقول تعالى ((تلكم
(1) النجم /39.
(2)
العقيدة الاسلامية، محمد عياش ص 295.
(3)
اُنظر شرح صحيح مُسلم، النووي 3/ 35، وغاية المأمول شرح التاج الجامع الأصول 5/ 348.
(4)
النساء /48.
(5)
طه /82.
(6)
الشورى /25.
(7)
اُنظر كُبرى اليقينات الكونية، محمد سعيد رمضان البوطي ص378.
(8)
فتح الباري، إبن حجر 11/ 520.
الجنة أورثتموها بما كُنتم تعملون)) (1)، وفي المقابل فإن العمل بذاتهِ لا يُدخل الجنة يقول صلى الله عليه وسلم:((سددوا وقاربوا وابشروا فانّه لن يُدخل احد الجنة عملُهُ، قالوا:- ولا انت يا رسول الله؟ قال: ولا انا الا يتغمدُني الله برحمتِهِ)) (2) فكيف التوفيق بين النصوص؟
أقول: إنّ العمل له مفهومان:-مفهوم الاداء ومفهوم الجزاء، فأداؤك العمل لا يدخلك الجنة أصلاً، فمهما تعمل من صالحات وطاعات، فإنّ عملك بذاته لا يبلغك الجنة، وانما يكون دليلاً على خضوعك وانقبادك لامر الله تعالى، وإنما يدخلك الله -تعالى- الجنة جزاء على عملك.
أما قوله: تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون، (3) فيقول إبن كثير - رحمة الله - ((أي اعمالكم الصالحة كانت سبباً لشمول رحمة الله إياكم. فانه لا يدخل احد عمله الجنة ولكن برحمة الله وفضله وانما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات)). (4)
وبالإضافة إلى ما مرَّ: فإن الشفاعة في الدنيا قد حثَّ عليها الشارع، فقد اخرج البخاري من حديث أبي موسى الاشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما شاء)). (5)
فإنْ جازت في الدنيا في مسائل فانية ومصالح زائلة، فكيف بها في الاخرة في الخلود التام؟! ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لامته بدعائه أو استسقائه أو استغفاره، وما كان شفاعة منه لهم، فكذلك في عرصات يوم القيامة يشرح الله له ويفتح عليه في الدعاء والتوسل فيشفع ويُشَفَّع (6)،كما جاء في الاحاديث الصحيحة (7).
وقد أجمع المسلمون علماء وعامة على جواز الشفاعة عقلاً ونقلاً وعلى الرغبة في
(1) الأعراف /43.
(2)
عن عائشة رضي الله عنها والحديث متفق عليه انظر تخريجه في المسند الجامع 20 / (17309).
(3)
الاعراف /43.
(4)
تفسير القرآن العظيم 4/ 137.
(5)
كتاب الزكاة/1432، وانظر تخريجه كاملاً في المسند الجامع 11/ (8824).
(6)
انظر جلاء العينين في محاكة الأحمدين، إبن الآلوسي ص444.
(7)
انظر مبحث شفاعته صلى الله عليه وسلم صفحة 56 وما بعدها.
أن يرزقهم الله تعالى شفاعة الشفعاء يوم القيامة، ولم ينكر ذلك أحد (1)، حتى ظهر المبتدعة الذين منعوا ذلك على الله مستدلين بالآيات القرآنية فيؤلونها وفق مذهبهم المنحرف ومن ذلك قوله تعالى ((فما تنفعهم شفاعة الشافعين)) (2)، وهذا ناتج عن هوى وجهل مطبق فإنّ الآية تثبت الشفاعة ولا تنكرها!! وهذه من الاخطاء التي تنجت عن تفسير أيات القران مستقلة بعضها عن البعض الاخر فهو ضرب لايات الله بعضها ببعض، وهذا قتل لروح القرآن وحلاوته، فالآية السابقة كانت تتكلم عن المجرمين
…
ما سلككم في سقر؟
((قالوا لم نَكُ من المصلين ولم نَكُ نُطعمُ المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكُنّا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين)) (3) فاجابهم القران ((فما تنفعهم شفاعة الشافعين)) (4) أي إنه من كان متصفاً بمثل تلك الصفات فإنه لا تنفعه الشفاعة يوم القيامة. ومن وافى الله كافراً فإن مصيره إلى النار خالداً فيها (5).
يقول القرطبي في التذكرة:- (فإن قيل: قال الله تعالى ((فما تنفعهم شفاعة الشافعين)) قيل له: لا، تنفع في الخروج من النار كعُصاة الموحدين الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة). (6)
(1) انظر الارشاد إلى قواطع الأدلة في اصول الاعتقاد، الجويني ص 394.
(2)
المدثر / 48، وانظر مبحث مناقشة منكري الشفاعة صفحة 23.
(3)
المدثر /43 - 47.
(4)
المدثر/48.
(5)
انظر تفسير القران العظيم 4/ 447.
(6)
التذكرة في احوال الموتى وامور الاخرة، 1/ 286.