المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول:- شفاعة كلمة التوحيد- لا اله إلا الله محمد رسول الله - الشفاعة في الحديث النبوي

[عبد القادر المحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولدراسة النصوص دراسة موضوعية

- ‌الفصل الأول: مفهوم الشفاعة عند علماء المسلمين

- ‌المبحث الاولتعريف الشفاعة

- ‌المبحث الثانيأدلة الشفاعة من النقل والعقل

- ‌أولاً:- أدلة الشفاعة من القرآن الكريم:

- ‌ثانياً: دليل الشفاعة عقلاً:

- ‌المبحث الثالثمناقشة منكري الشفاعة

- ‌المبحث الرابعأقسام الشفاعة

- ‌المبحث الخامسحكمة الشفاعة

- ‌المبحث السادسشروط الشفاعة

- ‌المبحث السابعمواضع الشفاعة

- ‌الفصل الثانيأنواع الشفاعة

- ‌المبحث الأولشفاعة الاعيان

- ‌المطلب الأولشفاعة الأنبياء عليهم السلام

- ‌المسألة الاولى: شفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع الأول: شفاعة المقام المحمود:

- ‌النوع الثاني: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم العظمى في فصل القضاء

- ‌النوع الثالث: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إدخال قوم بغير حساب:

- ‌النوع الخامس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوم استوجبوا النار إلا يدخلوها:

- ‌النوع السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أهل النار في ان يخرجوا منها:

- ‌النوع الثامن: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:

- ‌المسألة الثانية: شفاعة بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

- ‌المطلب الثاني: شفاعة الملائكة عليهم السلام

- ‌المطلب الثالث: شفاعة الشهداء:

- ‌المطلب الرابع: شفاعة المؤمنين:

- ‌المطلب الخامس: شفاعة الزمن:

- ‌المطلب السادس: الشفاعة الإلهية:

- ‌المبحث الثانيشفاعة الأعمال

- ‌المطلب الأول:- شفاعة كلمة التوحيد- لا اله إلا الله محمد رسول الله

- ‌المطلب الثاني:-شفاعة الانتساب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الأولى:- أمة محمد من هم

- ‌نواقض التوحيد:

- ‌النصوص ومناقشتها:

- ‌المطلب الثالث: شفاعة القرآن والصيام:

- ‌أولاً: شفاعة القرآن

- ‌ثانياً: شفاعة الصيام:

- ‌المطلب الخامس: شفاعة دعاء الوسيلة عقب الآذان

- ‌المطلب السادس: شفاعة شهود بعض الوقائع

- ‌أولاً معركة بدر الكبرى:

- ‌ثانياً: بيعة الرضوان: "بيعة الشجرة

- ‌المطلب السابع: -شفاعة الصبر على الشدائد:

- ‌النوع الأول: الشفاعة في الصبر على شدائد المدينة المنورة:

- ‌النوع الثاني: شفاعة الصبر على تربية الإناث

- ‌النوع الثالث:-شفاعة الصبر على موت الأولاد:

- ‌النصوص ومناقشتها:

- ‌شروط شفاعة الصبر على موت الأولاد:

- ‌النوع الرابع شفاعة الصبر على بعض الأمراض:

- ‌أولا شفاعة الصبر على ذهاب البصر:

- ‌ثانياً: شفاعة الصبر على الحمى:

- ‌ثالثا:- شفاعة الصبر على الصرع:

- ‌الباب الثاني تخريج الأحاديث

- ‌ملحق

- ‌تعريف أهم الفرق وتراجم بعض الأعلام المذكورين في البحث

- ‌أولاً: تعريف أهم الفرق:

- ‌ثانياً:- تراجم الأعلام

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول:- شفاعة كلمة التوحيد- لا اله إلا الله محمد رسول الله

‌المطلب الأول:- شفاعة كلمة التوحيد- لا اله إلا الله محمد رسول الله

-.

باديء ذي بدء لابد أن نقف على معنى "كلمة" ومعنى" توحيد" وما معناهما مركبتين؟. فالكلمة: هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد (1).

والتوحيد: واصلها: وحَّد، يوحد، توحيداً، ومعناها: الافراد (2).

وكلمة التوحيد تعني: لا اله إلا الله محمد رسول الله (3).

وتزداد قيمة الكلمة وأهميتها بازدياد أهمية موضوعها، وهل موضوع أعظم من توحيد الله؟ فالإنسان أذن يدخل الإسلام بكلمة، ويخرج من الإسلام بكلمة، يدخل الجنة بكلمة ويدخل النار بكلمة.

وأصل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم "كلمة":يا قوم "قولوا لا اله إلا الله تفلحوا"(4) ونحن نحكم بإسلام كل من يقول"لا اله إلا الله محمد رسول الله" فإذا قالها دخل حصن الإسلام ويعصم نفسه وماله، ويجب له ما للمسلمين من حقوق، وعليه من الواجبات ما عليهم (5).

ولكلمة التوحيد في الدنيا منزلة خاصة بالإضافة إلى ما سبق: فمن قالها فلا يحل دمه ويصبح حراماً على المسلمين وحادثة أسامة بن زيد- رضي الله عنها حينما قتل ذلك الرجل الذي قال لا اله إلا الله خوفاً ورهبة من السيف - كما ظنّ أسامة- ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم عاتبه وقال له: ((أقتلته بعد أن قالها؟)) (6) خير دليل.

أما في الآخرة فإنها ذات مكان عظيم فهي تشفع لكل من قالها خالصاً من قلبه

فـ"لا اله إلا الله" مع ضميمتها "محمد رسول الله" تعتبران البطاقة الرابحة يوم القيامة ومن

(1) التعريفات، الجرجاني ص 104.

(2)

انظر مختار الصحاح، الرازي مادة وحد، ص712.

(3)

انظر فتح المجيد، عبد الرحمن آل الشيخ ص12.

(4)

انظر تخريجه في المسند الجامع 18/ (15400).

(5)

الا ان ينكر شيئاً مما علم من الدين بالضرورة كالصلاة أو الصيام

الخ.

(6)

انظر تخريجه في المسند الجامع 1/ (105).

ص: 113

لم يحمل البطاقة فليس له أن يدخل الجنة البتة ولابد من الإقرار أن محمداً رسول الله، يقول الحافظ أبن حجر:((والمراد بقوله لا اله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة فلا يرد أشكال ترك ذكر الرسالة)) (1)، ولا يعرف معنى لا اله إلا الله ومستلزماتها إلا بالإقرار أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ولهذا كان الصحيح: ((أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا اله إلا الله لا النظر ولا يقصد إلى النظر ولا يشك كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد

الشهادتان

.)) (3).

إذن فالإقرار بالتوحيد عمل بل من أسمى الأعمال وأفضلها.

النصوص ومناقشتها:-

جاءت الأحاديث الصحيحة التي تصرح أن من شهد بالتوحيد ومات على ذلك فقد حرم على النار فقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه يقول رضي الله عنه:- ((أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة فقلت وأن زنى وان سرق؟ فقال وأن زنى وأن سرق)) (4).

وأخرج الإمام مسلم بسنده من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من شهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار)) (5).

وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: ((لا يشهد أحد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه)) (6).

وجاء من طريق معاذ بن جبل رضي الله عنه بلفظ ((من قال لا اله إلا الله مخلصاً من قلبه أو يقيناً من قلبه دخل الجنة ولم تمسه النار)) (7).

فهذه النصوص وغيرها فيها بيان أن كلمة التوحيد تشفع لصاحبها فهي قد تحجبه أصلاً فلا تمسه النار، إذا كان ممن أدى حقها ولم ينقضها. ولا اريد أن أذكر الأحاديث

(1) فتح الباري3/ 142، وانظر عمدة القاري، العيني 8/ 2.

(2)

انظر الاساس في السنة، قسم العقائد، سعيد حوى 1/ 221.

(3)

شرح العقيدة الطحاوية، أبن أبي العز، تحقيق الأرنؤوط 1/ 23.

(4)

انظر تخريجه برقم (106).

(5)

انظر تخريجه برقم (102).

(6)

انظر تخريجه برقم (99).

(7)

انظر تخريجه برقم (103).

ص: 114

التي تتكلم عن كونها -لا اله إلا الله- تدخل الجنة فأنه لا ينفي دخول النار أولاً (1).

وقد عدها الحافظ أبن حجر من أنواع الشفاعات الأخروية فقال ((

وشفاعة أخرى، وهي شفاعة فيمن قال لا اله إلا الله ولم يعمل خيراً قط)) (2).

ومن مجموع الأحاديث الواردة نجد التعارض قائماً-ظاهراً- فالاحاديث التي مرت تفهم أن من قال لا اله إلا الله لم تمسه النار مطلقاً، وإلا فما معنى: لا تمسه النار؟؟ أو لاتطعمه النار؟؟ وفي المقابل جاءت أحاديث أخرى صحيحة تصرح أن من قال لا اله إلا الله قد يكون من أهل النار ثم تدركه الشفاعة كما جاء في الحديث: ((يخرج من النار من قال لا اله إلا الله وكان في قلبه مثقال شعيرة من خير

)) (3) الحديث.

وقد إختلف أهل العلم في توجيه هذه النصوص اختلافاً بينا، فقد ذهب الإمام البخاري إلى أن معنى "وأن زنى وأن سرق": أي من تاب عند الموت قبل الغرغرة وهذا هو ما فهمه أبو ذر رضي الله عنه.

وذهب قسم آخر إلى ان دخول الجنة قد يكون ابتداءً، وقد يكون بعد المجازاة على المعصية، وفي ذلك يقول الحافظ أبن حجر:((والأول هو وفق ما أفهمه أبو ذر، والثاني أولى للجمع بين الأدلة)) (4).

وروي عن سعيد بن المسيب والزهري -رحمهما الله- في تأويل الأحاديث الواردة في أن "من شهد أن لا اله إلا الله دخل الجنة" وفي بعضها "حرم على النار": أن ذلك قبل نزول الفرائض والأمر والنهي. ذكره الحافظ ابن حجرثم تعقبه فقال: ((ووجه التعقيب ذكر الزنا والسرقة فيه)) (5).

وروي عن الحسن البصري: ((على من قال الكلمة وأدى حقها بأداء ما وجب واجتناب ما نهى)) (6)، وقد رجحه الطيبي (7).

(1) انظر فتح الباري، أبن حجر11/ 325، وانظر شرح مسند أبي حنيفة، ملا علي القاري ص311.

(2)

فتح الباري11/ 523.

(3)

انظر تخريجه برقم (100).

(4)

فتح الباري11/ 324،وانظر شرح مسلم، النووي2/ 97، وانظر عمدة القاري-العيني8/ 5.

(5)

فتح الباري، سبق.

(6)

فتح الباري، سبق، وانظر شرح مسلم1/ 219و221.

(7)

فتح الباري، سبق.

ص: 115

وقال الإمام النووي بعد أن نقل المتون:- ((مذهب أهل السنة بأجمعهم: أن أهل الذنوب في مشيئة الله، وان مات موقناً بالشهادتين يدخل الجنة كأن كان تائباً أو سليماً من المعاصي دخل الجنة -برحمة الله- وحرم على النار وأن كان من المخلطين تبضيع ما اوجب الله تعالى عليه أو بعضها أو بفعل المحرمات أو بعضها ومات من غير توبة فهو في خطر المشيئة وهو بصدد ان يمضي عليه الوعيد إلا ان يشاء ان يعفو عنه فان شاء أن يعذبه فمصيره إلى الجنة بالشفاعة)) (1).

وقد ذهبت طائفة من المرجئة إلى ان احداً من الموحدين لا يدخل النار أصلاً وإنما المراد بما جاء من ان النار تسفهم أو تلفحهم، وما جاء في أخراج الموحدين من النار كله محمول على ما يلاقونه من هول وكرب الموقف. وهو قول باطل مردود ((وأقوى ما يرد عليهم ما تقدم في الزكاة من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة واللفظ لمسلم:"ما من صاحب ابل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر اوفر ما كانت تطوء باخفانها وتعضه بافواهها في يوم يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار (2) " .. وهو دال على تعذيب من شاء الله من العصاة بالنار حقيقة زيادة على كرب الموقف)) (3).

((وقيل لوهب بن منبه (4) أليس لا اله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ليس مفتاح الاله اسنان، فان جئت بمفتاح له اسنان فتح لك ولا لم يفتح لك)) (5).

ونقل الحافظ ابن حجر عن الزين بن المنير (6) القول: ((اما قول وهب فمراده بالاسنان التزام الطاعة فلا يرد اشكال موافقة الخوارج وغيرهم ان اهل الكبائر لا يدخلون الجنة)) (7).

(1) انظر شرح مسلم1/ 220و2/ 97، وفتح الباري 11/ 325، وتحفة الاحوذي، المباركفوري7/ 394.

(2)

انظر مظانه في المسند الجامع 17/ (13323).

(3)

فتح الباري 11/ 325 بتصرف يسير، وانظر مجموع الفتاوي ابن تيمية7/ 644.

(4)

هو وهب بن منبه بن كامل اليماني، ابو عبد الله البناوي: انظر ترجمته في التقريب7485.

(5)

هو اثر معلق اخرجه البخاري في الجنائز، باب رقم1،وانظر فتح الباري 3/ 142.

(6)

انظر ترجمته في ملحق الاعلام.

(7)

فتح الباري3/ 142.

ص: 116

ثم تعقبه ابن حجر فقال: ((وأما قوله"لم يفتح له" فكأن مراده لم يفتح له فتحاً تاماً أو لم يفتح له في أول الامر هذا نسبة إلى الغالب وإلا فالحق انهم في مشيئة الله تعالى)) (1).

واما توجيه الامام العيني لقول وهب بن منبه فهو:- ((قلت: قد ذكرنا أحاديث فيما مضى تدل على أن قائل لا اله إلا الله يدخل الجنة وليست مقيدة بشيء غاية ما في الباب جاء في حديث آخر أن هذه الكلمة مفتاح الجنة والظاهر أن قيد المفتاح بالأسنان مدرج في الحديث، وذكر المفتاح ليس على الحقيقة وإنما هو كناية عن التمكن من الدخول عند هذا القول وليس المراد منه المفتاح الحقيقي، الذي له اسنان ولا يفتح إلا بها، وإذا قلنا المراد بالاسنان الطاعات يلزم من ذلك أن من قال لا اله إلا الله واستمر على ذلك إلى ان مات ولم يعمل بطاعة أنه لا يدخل الجنة وهو مذهب الرافضة والإباحية وأكثر الخوارج فإنهم يقولون أن أصحاب الكبائر والمذنبين من المؤمنين يخلدون في النار بذنوبهم والقرآن ناطق بتكذيبهم قال الله تعالى"ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (2)". وحديث الباب أيضاً يكذبهم وفي صحيح مسلم من حديث عثمان مرفوعاً:"من مات وهو يعلم ان لا اله إلا الله دخل الجنة (3)) (4).

ويتبين لي أن لكلمة التوحيد شفاعة ولكنها مقيدة بشرطين هما:-

اولاً: الإقرار بهما:

وهو أما بالتلفظ أو النطق بهما، أو بالتصديق القلبي فقط. وكلا الامرين مقبول وداخل تحت "من قال لا اله إلا الله

". اما حديث ((من مات وهو يعلم انه لا اله إلا الله دخل الجنة)). فيقول الإمام النووي: ((وقد يحتج به أيضاً من يرى ان مجرد معرفة القلب نافعة دون النطق بالشهادتين لاقتصاره على العلم ومذهب اهل السنة ان المعرفة مرتبطة بالشهادتين، لا تنفع احداهما ولا تنجي من النار دون الاخرى. إلا لمن لم يقدر على الشهادتين لآفة بلسانه أو لم تمهله المدة ليقولها بل اخترمته المنية، ولا حجة لمخالف الجماعة بهذا اللفظ اذ قد ورد مفسراً في الحديث الآخر من قال لا اله إلا الله ومن شهد ان لا اله إلا الله واني رسول الله، وقد جاء هذا الحديث وامثاله كثيرة في الفاظها اختلاف

(1) فتح الباري، سبق.

(2)

النساء/48.

(3)

اخرجه مسلم، الإيمان (43).

(4)

عمدة القاري 8/ 3.

ص: 117

ولمعانيها عند اهل التحقيق ائتلاف

)) (1).

واقول: إنّ من رفض النطق بها أو عمل عملاً مخالفاً لاصولها وكان مدعياً الإيمان القلبي فهذا الذي ينكر عليه ويطلب منه النطق. أما إذا كان مؤمناً بها في قلبه مصدقاً يقيناً بها مخلصاً ولم ينطق بها فانه مؤمن-والله اعلم- اذ ان النطق بالشهادتين للحكم على ذلك الرجل انه مسلم. أما الايمان فان محله القلب (2).

ثانياً: الإيمان بجميع ما علم من الدين بالضرورة:

الإيمان في عرف الشرع لا يطلق إلا إذا كان شاملاً لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتحقق الايمان ويصح اطلاقه.

والإيمان كما قرره علماء السلف:"هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالاركان وارادوا بذلك ان الاعمال شرط كماله، هذا بالنظر إلى ما عند الله تعالى.

وأما بالنظر إلى ما عندنا: فالايمان: هو الاقرار فقط فمن اقر اجريت عليه الاحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر الا ان اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم

(3) ".

والقول ان الايمان قول وعمل هو مذهب الإمام البخاري، اذ يقول:"لقيت اكثر من العلماء بالانصار فما رأيت احداً يختلف في أن الايمان قول وعمل ويزيد وينقص (4) "، وكذا نقل عن الشافعي رحمه الله (5).

أما مذهب المرجئة فانهم يقولون:- الايمان: هو اعتقاد ونطق فقط (6)، والكرامية، قالوا: هو نطق فقط (7).

والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد (8). والفارق بين المعتزلة وبين السلف

(1) شرح مسلم1/ 219، وانظر فتح الباري، ابن حجر 1/ 140، وعمدة القاري العيني 1/ 260.

(2)

انظر شرح مسلم 1/ 149.

(3)

فتح الباري 1/ 64 بتصرف يسير.

(4)

فتح الباري 1/ 65 بتصرف يسير.

(5)

مصدر سابق.

(6)

انظر الفصل، ابن حزم 3/ 188، وشرح مسلم، النووي 1/ 218، ومجموع الفتاوي، ابن تيمية 7/ 644.

(7)

انظر فتح الباري، ابن حجر 1/ 64.

(8)

انظر الفصل3/ 188 وشرح مسلم1/ 218.

ص: 118

هو جعل المعتزلة الاعمال شرطاً في صحة الايمان، والسلف جعلوه شرطاً في كماله (1).

ويمكننا توجيه الامر بالقول: إن الانسان الذي يدعي الايمان بالله لا بد له من الايمان باركانه المقرر في حديث جبريل-عليه السلام (2)، وهي الايمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الاخر، وبالقدر خير وشره. فاذا اختل ركن من هذه الاركان فلا يسمى مؤمناً.

وايمان المسلم بهذه الاركان يعني انه لا يُخلّد في النار-وان زنى وان سرق- فمن نطق بالشهادتين"اشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله" كان مسلماً ومن كان مسلماً فقد ((أقر بأركان الايمان، الايمان بالله، والايمان بالرسالة، والايمان بالواسطة بين الله والرسل، والايمان بالوحي الذي انزل على الرسل. وأما الإيمان باليوم الآخر وبالقدر فإنما هما فرعان عن هذا كله، ومن آمن بالوحي آمن بالكتاب والسنة ومن آمن بالكتاب والسنة آمن بالاسلام آمن بالاسلام كله وما يستلزمه الايمان بالاسلام ومن هنا كانت الشهادتان هما البداية وهما النهاية وهما الوسط وكذلك نجد التركيز على ذلك في الكتاب والسنة)) (3).

ومن آمن بهذا كله فقد ذاق طعم الايمان فقد اخرج الامام مسلم عن العباس رضي الله عنه مرفوعاً ((ذاق طعم الايمان من رضي بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد رسولاً)) (4). ومن ذاق طعم الايمان فانه لا يخلد في النار -برحمة الله تعالى ومنته-واما كون العمل شرط الايمان أو مكمل له فأقول:-

أن من آمن ولم يعمل من الطاعات شيئاً فهو في المشيئة الالهية، ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه.

أما كون العمل شرطاً في الايمان فهو باطل، وانما الايمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي-كما اسلفنا القول (5).

وأما ما جاء من النصوص والتي في ظاهرها ان العمل غير معتبر فهي مطلقة ويجب

(1) مصدر سابق.

(2)

حديث جبريل الطويل اخرجه الشيخان وغيرهما انظر المسند الجامع 13/ (10441).

(3)

الاساس في السنة، قسم العقائد، سعيد حوى 1/ 221 بتصرف يسير.

(4)

مسلم/ كتاب الايمان (56).

(5)

انظر ص92 مما سبق.

ص: 119

حمل المطلق على المقيد. والاحاديث التي تقيد بذلك الاطلاق كثيرة منها:-

ما أخرجه الإمام مسلم بسنده من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي: ((بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله واقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)) (1).

وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عرى الاسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الاسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة لا اله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان)) (2).

والإيمان بالله على نوعين: ايمان بأركان الايمان وهذا القدر واجب على كل مؤمن وصاحبه لا يخلد في النار.

والنوع الثاني: الإيمان الكامل الذي قال تعالى فيه: ((إنما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا

)) (3) فهذا الايمان هو الذي يحرم صاحبه على النار.

وقد سئل الحسن البصري عن ايمانه فقال: انا مؤمن من الصنف الاول اما الصنف الثاني فلا ادري انا منهم امْ لا (4). فلم يتوقف الحسن في الجزم بانه من اهل الايمان الاصلي وانما توقف في كونه من اهل الكمال الذي وعدهم الله الجنة بقوله"لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم"(5).

وبعبارة اوضح فان للايمان معنيين: معنى مطلق، ومعنى مقيد، فالمعنى المطلق-الذي يراد اذا اطلقت اللفظة مجردة- هو الذي يشمل العبادات والاعمال الصالحات.

والمقيد: هو الذي يقربه في القلب ولا يقترن به عمل.

فالاحاديث التي جاءت تخبر بالنجاة وتحريم المؤمن على النار هي القسم الاول،

(1) مسلم، الإيمان (19،20،21،22). وانظر المسند الجامع 10/ (7160،7161،7162،7163،،7164،7165،7166).

(2)

اخرجه ابو يعلى (2349)، وانظر مجمع الزوائد 1/ 47و48.

(3)

الانفال/2 - 3.

(4)

انظر الاعتقاد على مذهب اهل السنة والجماعة، البيهقي 84.

(5)

الانفال/3، وانظر مصدر سابق.

ص: 120

واما القسم الثاني فهو الذي لا يخلد في النار.

وقد نص على ذلك الامام ابن تيمية:- وقال ان هذا هو مذهب الجماهير من أهل الحديث، والتصوف، والكلام، والفقة، واصحاب مالك، والشافعي، واحمد وغيرهم (1). ثم اردف ((وإذا ذكر اسم الإيمان مجرداً: دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة كقوله في حديث الشعب" الإيمان بضع وسبعون شعبة اعلاها لا اله إلا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق"(2)، وكذلك سائر الأحاديث التي يجعل فيها أعمال البر والإيمان)) (3).

ثانياً: منازل شفاعة كلمة التوحيد:-

لكلمة التوحيد ثلاثة منازل تشفع عندها لأهلها:-

المنزل الأول: عند القبر:-

نحن نعرف ان القبر أول منازل الآخرة فان كان يسيراً كان ما بعده ايسر، وان كان عسيراً كان ما بعده أشد-والعياذ بالله-.

فمن مات وهو يشهد ان لا اله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تشفع له من عذاب القبر -أولاً-.

فقد صح في الحديث المرفوع ((من دخل القبر بلا اله إلا الله خلصه الله من النار)) (4)، وهل معنى الدخول إلا الاقرار بها لساناً بعد قلبٍ؟.

ويقول صلى الله عليه وسلم ((اني لاعلم كلمة لا يقولها عبدٌ حقاً من قلبه فيموت على ذلك إلا حرمه الله على النار: لا اله إلا الله)) (5).

المنزل الثاني: عند الحساب:-

لقد أسلفنا القول- في شروط الشفاعة- (6) انه لا شفاعة لمن لم يكن من أهل العهد. والمراد في هذا الموضع ان كلمة التوحيد تشفع لاهلها عند الحساب، فقد اخرج الإمام احمد بن حنبل وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين

(1) انظر مجموع الفتاوي 7/ 642و646و647.

(2)

انظر مظانه في المسند الجامع 16/ (12663).

(3)

مجموع الفتاوي 7/ 14.

(4)

انظر تخريجه برقم (112).

(5)

انظر تخريجه برقم (107).

(6)

انظر ص34 مما مر.

ص: 121

سجلاً: كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فيقول لا يارب، فيقول: بلى ان لك حسنة فانه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج بطاقة فيها اشهد ان لا اله إلا الله واشهد ان محمداً عبده ورسوله فيقول: احضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: انك لا تظلم قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله أحد)) (1).

فهذه الكلمة شفعت لصاحبها لأنها صادقة وخرجت من قلبه وهي أصل الإيمان الذي لا يخلد صاحبه في النار." فان قيل: الأعمال أعراض لا يمكن وزنها وإنما توزن الأجسام؟. أجيب: بأنه يوزن السجل الذي كتب فيه الأعمال ويختلف بأختلاف الأحوال، أو ان الله يجسم الأفعال والأقوال فتوزن فتثقل الطاعات وتطيش السيئات لثقل العبادة على النفس وخفة المعصية عليها ولذا ورد:((حفت الجنة بالمكارة وحفت النار بالشهوات)) (2)(3).

ونقل السندي-عن الحكيم الترمذي- (4) القول عند شرح الحديث: ((ليست هذه شهادة التوحيد لان من شأن الميزان ان يوضع في كفته شيء وفي الأخرى ضده، فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة فهذا غير مستحيل لأن العبد ياتي بهما جميعاً ويستحيل ان يأتي بالكفر والإيمان جميعاً عبدٌ واحدٌ يوضع الإيمان في كفة والكفر في كفة فكذلك استحال ان توضع شهادة التوحيد في الميزان واما بعدما آمن العبد فإن النطق منه بلا اله إلا الله حسنة توضع في الميزان مع سائر الحسنات)) (5).

ورده السندي: فقال ((شهادة التوحيد والإيمان حسنة أيضاً فأن قال ليس لهما ما تضادهما شخصاً وأنْ كان ما يضادهما نوعاً وهي السيئة المقابلة للحسنة فيراد إنّ النطق

(1) انظر تخريجه برقم (97)، وهنا اللفظ للترمذي.

(2)

عن انس بن مالك رضي الله عنه، انظر تخريجه في المسند الجامع 3/ (1649). وله شاهد عن ابي هريرة رضي الله عنه انظر المسند 18/ (15039).

(3)

تحفة الاحوذي، المباركفوري 7/ 397.

(4)

انظر ترجمته في ملحق الأعلام.

(5)

شرح سنة ابن ماجة، السندي2/ 578 - 579.

ص: 122

بلا اله إلا الله بعد الإيمان ليس له ما يضاد شخصه أيضاً ومن لم يترك الصلاة قط ففعل الصلاة منه حسنة لا يقابلها من السيئات ما يضادها شخصاً فليتأمل)) (1).

ولا أدري لماذا يكون الوزن بين التوحيد والسيئات ممتنع؟! وهل كل السيئات لا تنقض التوحيد؟!.

إنّ هناك نواقض للتوحيد-كما سنبينه لاحقاً- فهناك سيئات تنقض اصل التوحيد، وهناك سيئات تنقض فرع من فروعه.

ثم ان الاسباب والثوابت تتغير يوم القيامة فمثلاً: هل يعقل ان تتكلم الايدي أو الارجل أو الجلود في الحياة الدنيا؟ الجواب: كلا-قطعاً- رغم ان ذلك مقرر بكتاب الله تعالى في يوم القيامة، قال تعالى:((وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا؟ قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة واليه ترجعون)) (2)، اذن: فلا يمكن تحديد نوعية الميزان ولا كيفية الوزن ولا يقاس الامر عقلياً لان الموازين والمقادير والامور كلها تصبح في غير حالتها الان-والله اعلم-.

المنزل الثالث:- عند النار- والعياذ بالله-

الشفاعة عند هذا المنزل أما ان تكون شفاعة ضمنية مع شفاعات اُخر كأن تكون ضمن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أو شفاعة الشهيد أو شفاعة المؤمنين

ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل:- ((

فاقول: يا رب أمتي أمتي فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فانطلق فافعل فاعود ثم اعود فاحمده بتلك المحامد ثم اخرُّ له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفع وسل تعطه فاقول يا رب أمتي أمتي فيقال: انطلق فاخرج من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان

)) (3).

وقل مثل ذلك في كافة أنواع الشفاعات فلا شفاعة لمن لم يكن من أهل لا اله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك يأمر الله تعالى بأخراج كل من قال لا اله إلا الله حتى ولو لم يعمل خيراً قط وهنا تشفع لا اله إلا الله لصاحبها.

(1) مصدر سابق.

(2)

فصلت/21.

(3)

انظر تخريجه برقم (11)، وهذه لفظة البخاري (7510).

ص: 123