الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحمود: هو الصبر عند الصدمة الاولى وليس ذاك الذي هو بعد الجزع والتذمر. (1)
والصبر مرتبط برابطة وشيجة مع الإيمان، لأن من أركان الإيمان هو الايمان بالقدر خيره وشره انه من عند الله ومن الإيمان الصبر على القدر.
ان الابتلاءات والشدائد هو قدر المؤمن الصادق في هذه الحياة الدنيا، يقول تعالى ((الم. احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا اَمنا وهم لا يفتنون
…
)) (2)، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الامثل فالامثل
…
)) (3).
والصبر على نوعين: (4) الصبر على السراء، والصبر على الضراء، والذي اريده هنا هو الصبر على الضراء.
وحسب الصبر منزلة ان قال الله فيه: ((وجعلنا منهم ائمة يهدون بأمرنا لما صبروا)) (5) وقوله: ((ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون)) (6)، وقوله ((إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب)) (7).
النوع الأول: الشفاعة في الصبر على شدائد المدينة المنورة:
جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صبر على لأواء المدينة وشدتها كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة)) (8).
وقصة هذا الحديث: لما هاجر الصحابة الكرام إلى المدينة وتركوا الديار والاهل والوطن والاموال
…
كل ذلك كان من الشدة بمكان، فقد نزلوا غرباء في بلدة جديدة، جديدة بكل المعاني وان كان الانصار وقفوا معهم موقفاً عظيماً يفتخر التاريخ به مدى الزمان
…
ولكن:
هم غرباء
…
غرباء عن أرض -يثرب- بل غرباء حتى مناخها .. فمناخها يختلف عن مناخ مكة أيما اختلاف .. ولكي يكتمل الابتلاء والتمحيص: وافق إبان هجرتهم وباء
(1) انظر مختصر منهاج القاصرين، المقدسي ص258.
(2)
العنكبوت/ 1 - 2.
(3)
أخرج أحمد 1/ 172و174 وغيره عن سعد بن أبي وقاص، وانظر تخريجه في المسند الجامع6/ (4160).
(4)
انظر مختصر منهاج القاصدين ص256.
(5)
السجدة/ 48.
(6)
النحل/96.
(7)
الزمر/10.
(8)
انظر تخريجه برقم (136)، وانظر نسيم الرياض، الخفاجي2/ 207.
نزل بالمدينة (حُمى) الملاريا فلم تمض ايام حتى مرض بها بعض الصحابة، كأبي بكر وبلال
…
فأستوخم الصحابة رضي الله عنهم جو المهجر الذي آواهم. ثم أخذت تستيقظ غرائز الحنين إلى الوطن المفقود حتى قال سيدنا بلال رضي الله عنه:-
الا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل؟
وهل اردنْ يوماً مياه مجنه وهل يبدْوَنْ لى شامة وطفيل؟ (1)
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبرهم على احتمال الشدائد ويطالبهم بالمزيد من الجهد والتضحية لنصرة الإسلام فقال: ((لا يصبر على لاواء المدينة وشدتها احد من امتي إلا كنت شفيعاً يوم القيامة، ولا يدعها احد رغبة عنها إلا ابدل الله من هو خير منه)) (2).
يقول الشيخ محمد الغزالي: ((وهذا ضرب من جمع القلوب على المهجر الجديد حتى تطيب به وتنفر عن مغادرته)) (3) وهذا لا يعني ان الدعاء لمن صبر على جهد المدينة مقصور على تلك الفترة الزمنية لا بل هو مستمر إلى يوم القيامة فقد جاءت مولاة لعبد الله بن عمر رضي الله عنه تستإذنه بالخروج من المدينة لشدة الحال في المدينة فقال لها عبد الله: ((اقعدي لكاع (4)، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لايصبر على لاوائها وشدتها احد إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة)) (5) وقد جاء أبو سعيد المهري (6) يستإذن على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ايام الحرة (7) واستباحة المدينة وشكا اليه اسعارها، وكثرة عياله واخبره انه لا طاقة له على جهدها، فقال أبو سعيد: ((ويحك لا امرك بذلك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((لايصبر احد على جهد المدينة ولاوائها إلا كنت له شفيعاً أو
(1) طرف من حديث أخرجه البخاري في صحيحه (1889) وله اطرف انظرها هناك وانظر فقه السيرة، محمد الغزالي ص184.
(2)
انظر تخريجه برقم (138). واللفظ هنا لأحمد.
(3)
فقه السيرة ص184.
(4)
تطلق على اللئيم وعلى الغبي وعلى العبد الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير، أنظر شرح مسلم، النووي9/ 151.
(5)
انظر تخريجه برقم (135).
(6)
قال إبن حجر في التقريب 8133:"مقبول"، وجاء في التحرير4/ 204 "بل ثقة".
(7)
وهي الايام التي استباح فيها يزيد بن معاوية المدينة عام 63هـ.
شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً)) (1).
وهكذا نجد حرص الصحابة الكرام على المكوث في المدينة وعلى الصبر على لأوائها وشدتها وقد اوصى النبي صلى الله عليه وسلم امته انه من استطاع منهم ان يمت بالمدينة فليمت بها. يقول صلى الله عليه وسلم ((من استطاع منكم ان يمت بالمدينة فليمت فاني اشفع لمن يموت بها)) (2).
وقد نتسائل ونقول: لمإذا يولي النبي صلى الله عليه وسلم المدينة هذه المنزلة العظيمة:؟ قد نصيب إذا قلنا انه عليه الصلاة والسلام اراد ان يرغب المهاجرين في سكناها وهناك بعض الوجوه لهذا:
الوجه الأول: هو محبة النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة وحنينه اليها لذا فانه عاد اليها بعد فتح مكة ومات بها ودفن بها -صلوات الله وسلامة عليه-.
الوجه الثاني: محبة النبي صلى الله عليه وسلم لاهلها "الانصار" حيث يقول: ((لولا الهجرة لكنت امرءً من الانصار)) (3) ويقول: ((لو سلك الناس وادياً أو شعباً وسلكت الانصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الانصار وشعبهم)) (4).
الوجه الثالث: هذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالين في القيمة وعلى شهادته على جميع الامم وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء احد: ((انا شهيد على هؤلاء فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزيداً أو زيادة منزلة وحظوة)) (5).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم أو هل هي للتقسيم ام للشك؟ فإذا قلنا انها للشك -جدلاً- فمن الذي شك؟ النبي صلى الله عليه وسلم أم الرواة؟ أما القول أنه من النبي صلى الله عليه وسلم باطل إتفاقاً لأنه ((وما ينطق عن الهوى)) (6).
وأما القول أنه من الراوي فهو باطل أيضاً لانه -اللفظ- جاء من عدة طرق عن عدة
(1) انظر تخريجه برقم (137).
(2)
انظر تخريجه برقم (140).
(3)
الحديث صحيح، جاء عن عدة صحابة، انظر مثلاً-المسند الجامع2/ (1507).
(4)
متفق عليه، انظر مظانة في المسند الجامع1/ (636و637و638و639و640) كلها عن انس بن مالك رضي الله عنه.
(5)
شرح مسلم، النووي 9/ 137 وانظر تحفة الاحوذي، المباركفوري 10/ 418.
(6)
النجم/3.