الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعنه مرفوعاً: ((لايموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحله القسم)) (1) قال أبو عبد الله: (2)((وان منكم إلا واردوها)) (3).
وقد ورد في الأحاديث وغيرها لفظة "دخل الجنة" أو "حجب عن النار" تقييد أو الولوج بتحله القسم. ويجمع بينهما: بان يقال: ((الدخول لا يستلزم الحجب ففي ذكر الحجب فائدة زائدة لانها تستلزم الدخول من أول وهلة. وأما الثالث فالمراد بالولوج الورود وهو المرور على النار كما سياتي البحث عند قوله "إلا تحلة القسم" والمار عليها على أقسام منهم من يسمع حسيسها وهم الذين سبقت لهم الحسنى من الله كما في القرآن فلا تنافي مع هذا بين الولوج والحجب)) (4).
شروط شفاعة الصبر على موت الأولاد:
-
من خلال مجموع متون الأحاديث تبين لنا عدة شروط هي:-
أولاً: الإسلام:
لابد للمحتسب من أن يكون مسلماً وهو قيد يخرج به من توفى له ولد قبل إسلامه. ويدل على ذلك ما مر من الأحاديث وكذا ما جاء عن أبي ثعلبة الاشجعي، قال:((قلت يا رسول الله مات لي ولدان قال: من مات له ولدان في الإسلام ادخله الله الجنة)) (5).
وجاء من حديث انس رضي الله عنه مرفوعاً ((ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثٌ لم يبلغوا الحنث إلا ادخله الله الجنة بفضل رحمته اياهم)) (6)، وما جاء عن رجاء الغنوية قالت:((جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله لي في إبن لي بالبركة فانه قد توفي له ثلاثة. فقال: أمنذ أسلمتِ؟ قالت: نعم)) (7) فذكر الحديث (8).
(1) انظر تخريجه برقم (150).
(2)
هو البخاري.
(3)
مريم/71.
(4)
فتح الباري3/ 153.
(5)
انظر تخريجه برقم (163).
(6)
انظر تخريجه برقم (151).
(7)
أخرجه أحمد5/ 83 وانظر مظانه في المسند الجامع19/ (15914.)
(8)
انظر فتح الباري، إبن حجر3/ 155،وعمدة القاري، العيني 8/ 29.
ثانياً: الاحتساب:
((أي ان يصبر راضياً بقضاء الله راجياً فضله)) (1) وقد ورد هذا الشرط في عدة احاديث كما مرت: ((من احتسب ثلاثة من صلبه
…
)) (2) و ((لا يموت لاحد اكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة
…
)) (3)، وكذلك ما جاء في الحديث القدسي: يقول الله تعالى: ((مالعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفية من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) (4).
وكل ما ورد من الأحاديث الأخرى والتي لم تشترط هذا الشرط فهي مطلقة، وهذه الأحاديث مقيدة فنحمل المطلق على المقيد حتى يمكننا الجمع (5).
والاحتساب يرجع إلى نية وقصد الشخص وكما هو مقرر من القواعد الشرعية ان الثواب لا يترتب إلا على النية فلا بد من قيد الاحتساب (6). ومذهب الكثير من أهل اللغة: ان يقال في موت الولد البالغ احتساب وفي الصغير افترط (7).
وقد رد الحافظ إبن حجر على هذا القول فقال: ((لا يلزم من كون ذلك هو الاصل ان لايستعمل هذا موضع هذا، بل ذكر: احتسب فلان بكذا: طلب اجراً عند الله، وهذا اعم من ان يكون لكبير أوصغير وقد ثبت ذلك في الأحاديث التي ذكرناها وهي حجة في صحة هذا الاستعمال)) (8).
بل ان أهل اللغة يعتمدون اعتماداً كبيراً على الأحاديث النبوية في استنباط معاني الالفاظ. والاحتساب على موت الإبناء لابد ان يكون عند الصدمة الاولى يقول صلى الله عليه وسلم ((انما الصبر عند الصدمة الاولى))، أما أن يجزع الإنسان ويعترض على قضاء الله وحكمه في أول الامر ثم يصبر ويحتسب بعد ذلك فهو وان كان له اجر إلا انه اخلَّ بشرط من شروط "شفاعة الصبر على موت الاولاد" فلا يحضا بها إلا من شاء الله.
أخرج الشيخان وغيرهما من حديث انس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً ((مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأمرأة
(1) فتح الباري3/ 154 بتصرف يسير.
(2)
انظر تخريجه برقم (152).
(3)
انظر تخريجه برقم (157).
(4)
انظر تخريجه برقم (144).
(5)
انظر فتح الباري3/ 154.
(6)
انظر فتح الباري3/ 154.
(7)
انظر تاج العروس19/ 537، مادة فرط، وترتيب القاموس المحيط، الزاوي3/ 474.
(8)
فتح الباري 3/ 154، وانظر عمدة القاري، العيني 8/ 29.
تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري قال: اليك عني فأنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفهُ. فقيل لها: انه النبي صلى الله عليه وسلم فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوأبين فقالت: لم اعرفك. فقال: انما الصبر عن الصدمة الاولى)) (1).
ثالثاً:- الصلبية:-
وهو أن يكون الأولاد المتوفون من صلب الوالد، والمراد بالصلب هو ما جاء في قوله تعالى ((يخرج من بين الصلب والترائب)) (2).
وبهذا الشرط يخرج الاولاد غير الصلبين كاولاد الزوجة وغيرهم ومن خلال النصوص نجد أن اولاد الاولاد يدخلون في هذا المعنى -الصلبية- وبالذات إذا كانت الوسائط بينهم وبين الاب مفقودة، واما إبناء البنات وما نزل فانهم لا يدخلون (3).
رابعاً: عدد الأولاد:
لقد جاءت الأحاديث بلفظة "من مات له ثلاثة" في عموم الأحاديث وهي تطلق عادة على الكثرة. ((وإنما خصت الثلاثة بالذكر لانها أول مراتب الكثرة)) (4).
ونقل إبن حجر عن الإمام القرطبي القول: ((إذا زاد العدد عن ثلاثة فقد يخف امر المصيبة لانها تصير كالعادة كما قيل روعت بالبين حتى ما اراع له)) (5).
وقول الإمام القرطبي هذا مردود. فمن البديهي ان من مات له أربعة فاكثر فقد مات له ثلاثة، ولا يخفى بان المصيبة بذلك اشد واعظم، فان ماتوا دفعة واحدة-أكثر من ثلاثة- فان العدد المذكور -ثلاثة- داخل ضمناً وان ماتوا واحداً تلو الاخر فان الاجر المذكور يحصل له عند موت الثالث، بمقتضى وعد النبي صلى الله عليه وسلم فيلزم على قول القرطبي انه من مات له الرابع ان يرتفع عنه ذلك الاجر مع تجدد المصيبة وكفى بهذا فساداً (6).
((والحق ان تناول الخبر، الاربعة فما فوقها من باب اولى واحرى ويؤيد ذلك انهم لم
(1) انظر طرقه في المسند الجامع 1/ (569) وانظر تحفة الاحوذي، المباركفوري4/ 169.
(2)
الطارق/ 7.
(3)
انظر فتح الباري 3/ 155، وعمدة القاري، 8/ 30.
(4)
فتح الباري3/ 158.
(5)
فتح الباري/3158، بتصرف يسير. ولم أقف - بحد أطلاعي على موضعها في مؤلفات الإمام القرطبي.
(6)
مصدر سابق.
يسالوا عن الاربعة ولا ما فوقها لانه كالمعلوم عندهم إذ المصيبة إذا كثرت كان الاجر اعظم -والله اعلم-)) (1).
وأما قوله "اثنان" بعد ان سئل: واثنان؟ فهناك عدة احتمالات منها: ((أنه محمول على انه أُوحي اليه بذلك في الحال ولا غرابة في نزول الوحي بطرفة عين، ويتحمل ان يكون ذلك معلوماً عند النبي صلى الله عليه وسلم قبل السؤال ولكن خشي على المسلمين ان يتكلوا لأنّ موت الاثنين غالباً اكثر من الثلاثة ثم لما سئل عن ذلك لم يكن بُدٌّ من الجواب)) (2).
والذي يظهر لي انه صلى الله عليه وسلم لما قال "ثلاثة" كان يعني -ضمناً- الواحد والاثنين، لانه أُتي جوامع الكلم، وانما سأل الصحابة عن ذلك للتأكد والاطمئنان لعلهم يشملوا بهذا الفضل العظيم، ولو لم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الواحد والاثنين مشمولون لأصبحت هذه المسألة من المسائل الخلافية -الفقهية- التي لم يُفْصَلُ القول فيها، فرحم الله الاصحاب الكرام على سؤالهم.
وقد ناقش الحافظ إبن حجر والعلامة العيني، كون من مات له "واحد" هل يشمل ام لا؟ وقد ناقشوا الادلة مناقشة مشوقة ولولا خشية الاطالة لسقتها بطولها (3). ولكن اكتفي بنكتة لطيفة ذكرها الحافظ إبن حجر حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:((يقول الله عز وجل ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قَبضتُ صَفيهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) (4). ثم قال: ((وهذا يدخل فيه الواحد فما فوق وهو اصح ما ورد في ذلك)) (5).
وقد نقل عن إبن التين والقاضي عياض انهما لم يعتبرا العدد شرطاً فقالا: ((هذا يدل على ان مفهوم العدد ليس بحجة لان الصحأبية من أهل اللسان ولم تعتبره إذ لو اعتبرته لأنتفى الحكم عندها عما عدا الثلاثة لكنها جوزت ذلك فسالته)) (6) ثم رد إبن حجر فقال:- ((والظاهر انها اعتبرت مفهوم العدد إذ لو لم تعتبره لم تسأل، والتحقيق أن دلالة
(1) مصدر سابق.
(2)
فتح الباري3/ 158بتصرف، وانظر شرح مسلم، النووي 16/ 181.
(3)
انظر فتح الباري 3/ 153 - 154 وعمدة القاري، العيني 8/ 27 - 28.
(4)
انظر تخريجه برقم (144).
(5)
فتح الباري 3/ 154.
(6)
فتح الباري3/ 157 - 158 بتصرف يسير.
مفهوم العدد ليست يقينية وانما هي محتملة ومن ثم وقع السؤال عن ذلك)) (1).
وأما قوله "من الولد" فالمراد منه الذكر والانثى (2).
خامساً:- عدم بلوغ الحنث:
((أي لم يبلغوا سن التكليف الذي فيه الحنث)) (3)، والحنث: هو الأثم والذنب (4). قال تعالى ((وكانوا يصرون على الحنث العظيم)) (5).فالإنسان لا يحاسب على معاصيه وذنوبه حتى يبلغ الحلم فقد صح عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم)) (6).
قال الراغب: ((عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يواخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله وخص الاثم بالذكر لأنه يحصل بالبلوغ لان الصبي قد يثاب)) (7). وقد خص الصغير الذي لم يبلغ الحنث لأنه يحضى بنصيب أوفر من حنان وعطف الوالدين، ولانه لم يبلغ بعد السن الذي يؤاخذ عليه من قبل والديه فلا كدر بين قلب الوالدين وبينه، ثم ان الوالدين بفطرتهما يشعران بضعفه وعوزه اليهما اكثر منه إذا بلغ الحنث (8).
ونخلص من هذا الشرط إلى ان من مات له ولد قد بلغ الحنث فانه وان كان له اجر عظيم إلا انه لا يشمل بهذه الشفاعة.
ونقل إبن حجر اعتراض الزين بن المنير حول هذا الشرط حيث قال: ((بل يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوى، لان إذا اثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه النفع وتوجه اليه الخطاب بالحقوق؟)) (9) وهو اعتراض وجيه ولكن:
(1) مصدر سابق.
(2)
انظر عمدة القاري، العيني 8/ 26 - 27.
(3)
شرح مسلم، النووي16/ 182، وانظر فتح الباري3/ 155وعمدة القاري8/ 30.
(4)
انظر مختار الصحاح، الرازي مادة حنث158، وتفسير القرآن العظيم، إبن كثير 4/ 296.
(5)
الواقعة/46.
(6)
الحديث صحيح انظر تخريجه في المسند الجامع13/ (1067و1068و1069.)
(7)
المفردات في غريب القرآن190 وانظر فتح الباري3/ 155.
(8)
مصدر سابق.
(9)
فتح الباري 3/ 155 - 156.
أقول: ان للصبر على موت الأولاد -مطلقاً- له أجر عظيم، ولكن الأجر هنا شفاعة لها اجرها الخاص ثم ان الأحاديث صرحت ((بفضل رحمته أياهم .. والرحمة للصغار اكثر منها في الكبار لعدم حصول الاثم عنهم)) (1).
وهناك سؤال يتعلق بهذا الشرط ألا وهو: هل من بلغ من الصغار مجنوناً واستمر على ذلك حتى مات فهل يلتحق بالصغار؟
يجيب إبن حجر عن هذا التساؤل بقوله ((فيه نظر لأن كونهم لا اثم عليهم يقضي الالحاق، وكون الامتحان بهم يخف بموتهم يقتضي عدمه)) (2).
ولي عند حديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع: ((لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحله القسم)) (3). وقفه وهي عند قوله: "فيلج النار" لقد اختلف أهل العلم في معنى "الفاء" فمنهم من ذهب إلى انها ناصبة بتقدير ان قبل الفعل المضارع (4)، وقسم قال معناها بمعنى "الواو" يعني عاطفة على ما قبلها من الكلام وهو رأي الطيبي (5).
والمعنى الأظهر هو معنى الناصبة -يعني السببية- فان عدم الولوج نتج عن سبب هو موت الأولاد، والمولوج عام قال تعالى "وان منكم إلا واردها (6) .. ، والتخفيف يقع بامور عدة منها: موت الاولاد بشروطه التي مرت. وهذا هوالأظهر -والله أعلم- (7).
ووقفة أخرى عند قوله: "إلا تحله القسم":والمراد بالقسم هو قوله تعالى "وان منكم إلا واردها"، والقسم في الاية وان كان ليس فيه الفاظ القسم الصريحة "تالله، والله، اقسم
…
" إلا ان اخبار الله تعالى عن امرٍ واقع حتماً بمنزلة القسم من ناحية تحققه بل ابلغ (8).ومعنى "تحله" أي فعله بقدر ما حلت به يمينه ولم يبالغ (9).
(1) انظر فتح الباري3/ 156.
(2)
مصدر سابق.
(3)
انظر تخريجه برقم (150).
(4)
انظر فتح الباري1/ 159، وعمدة القاري، العيني8/ 35.
(5)
مصد سابق.
(6)
مريم/71.
(7)
انظر فتح الباري1/ 159، وعمدة القاري، العيني8/ 35.
(8)
انظر فتح الباري3/ 160، وعمدة القاري 8/ 33 - 34 وهناك ستجد مناقشة للمسألة بشكل اوسع.
(9)
انظر مختار الصحاح، الرازي عند مادة حله صفحة 152وعمدة القاري 8/ 33 وتحفة الاحوذي، المباركفوري4/ 168.