الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحابة فينتفي وجه الشك (1) -والله اعلم-.
ثم أن نقلة الحديث أمناء -في الأعم الاغلب- في نقل الحديث ولو كان شكاً منهم أو من احدهم لصرحوا بذلك.
فإذا كانت أو للتقسيم فيكون معنى الحديث: أكون شهيداً لبعضهم، وشفيعاً لبقيتهم أو شفيعاً للمذنبين العاصين فيكون اخراجٌ من النار أو شهيداً للمطيعين برفع الدرجات وغيرها (2).
وإن كانت بمعنى (الواو) فيصبح المعنى: أكون شهيداً وشفيعاً لهم يوم القيامة، ويؤيده ما جاء في لفظة اخرى ((إلا كنت له شهيداً أو له شفيعاً)) (3). وعلى كل حال فإننا نخلص إن هذه الشفاعة أخرى غير الشفاعة العامة لأمته وهي اخراجهم من النار ومعافاة بعضهم وتكون هذه الشفاعة لاهل المدينة المنورة خاصة ((بزيادة الدرجات أو تخفيف الحساب او بما شاء الله من ذلك أو باكرامهم يوم القيامة بانواع الكرامة كايوائهم إلى ظل العرش أو كونهم في روح وعلى منابر أو الاسراع بهم إلى الجنة أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض)) (4).وقد ذكر إبن حجر العسقلاني: احتمال ان يكون لأهل المدينة شفاعة خاصة وهي أن يدخل الجنة منهم سبعون ألفاً بغير حساب، اعتماداً على حديث أم قيس بنت محصن وقد ذكرناه سلفاً (5).
النوع الثاني: شفاعة الصبر على تربية الإناث
إنَّ الأنثى كانت تمثل عقدة من العقد الكثيرة التي توارثها المجتمع الجاهلي فكان أحدهم إذا بُشرّ بالأنثى أغتم وضاق صدره، كأن جبال مكة قد وضعت عليه. ولما كانوا أهل وثنية ((سول لهم انحرافهم عن العقيدة الصحيحة وأد البنات أو الابقاء عليهم في الذل أو الهوان من المعاملة السيئة والنظرة الوضيعة. ذلك انهم كانوا يخشون العار والفقر مع ولادة البنات إذ البنات لا يقاتلن ولا يكسبن وقد يقعن في السبي عند الغارات فيجلبن العار أو يعيشن كلاً على اهليهن فيجلبن الفقر
…
)) (6).
(1) انظر شرح مسلم 9/ 136.
(2)
مصدر سابق.
(3)
مصدر سابق.
(4)
مصدر سابق.
(5)
انظر ص66مما سبق.
(6)
في ظلال القرآن، سيد قطب4/ 2178 بتصرف في أول سطر فقط.
ولما بلغت القلوب هذا الحد من امتهان الانثى، فلا عجب حينئذٍ ان توأد البنت. فأنتشرت تلك العادة القبيحة في المجتمع الجاهلي انذاك، واستمرت جيلاً بعد جيل. ولاهمية تلك المسألة وخطورتها سلط القرآن الكريم الضوء عليها منذ أول دعوته ((وإذا المَؤودة سُئلت باي ذنب قتلت)) (1).
وكان الوأد يتم بدفن البنت حية، ويتفنون في ذلك بصور شتى، فمنهم من إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في السادسة من عمرها ثم يقول: لامها: طيبها وزينيها حتى إذهب بها إلى احمائها! وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها: انظري فيه ثم يدفعها دفعاً، ثم يهيل التراب عليها، وكان عند بعضهم إذا جاء إلام المخاض جلست فوق حفرة مهيئة فإذا كان المولود بنتاً رمت بها فيها وردمتها، وان كان ابنا قامت به معها!! وبعضهم كان إذا نوى ألاّ يئد الوليدة أمسكها مهينة إلى ان تقدر على الرعي فيلبسها جبة من صوف أو شعر ويرسلها في البادية ترعى له ابله. فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهنّ للرعي فكانت لهم وسائل اخرى لإذاقتها الخسف والبخس (2).
فيا لله ما هذا؟!! أهؤلاء يملكون عاطفة الأبوة؟! أم إحساس انسان؟ ولما جاء الإسلام كان لزاماً ان يصطدم بهذا المنكر القبيح فصرخ الإسلام بإنكارها في إذان الجاهليين ((ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقهم وإياكم ان قتلتم كان خطأ كبيراً)) (3).
ولما كان الإسلام دين الرحمة، دين المساواة، دين الحياة، دين الواقعية فلابد من اعطاء بديل عن فكرة "الاملاق" عند الرجل الذي أنتقل من الجاهلية إلى الإسلام. فاعطاهم الله الثواب الاعظم للصبر على تربية الاناث وجزاهم جزيل الاجر، فمن اعطاه الله بنتاً أو اكثر فرباها واحسن اليها وادبها فان النار تحرم عليه يوم القيامة وتكون تلك البنت شافعة له منها.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((من ابتلى بشيء من هذه البنات فأحسن صحبتهنّ كنّ له ستراً من النار)) (4).
(1) التكوير/ 8.
(2)
انظر تفسير القرآن العظيم، إبن كثير4/ 478، وفي ظلال القرآن 6/ 3839.
(3)
الاسراء/ 31.
(4)
انظر تخريجه برقم (145).
النصوص ومناقشتها:
أخرج الشيخان وغيرهما بالسند المتصل عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ((انها دخلت عليها امرأة معها إبنتان لها تستطعم قالت: فلم تجد عندي إلا تمرة واحدة فاعطيتها اياها فاخذتها فشقتها بين إبنتيها ولم تاكل منها شيئاً قالت: ثم قامت فخرجت ودخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم فاخبرته خبرها فقال: صلى الله عليه وسلم ((من ابتلى بشيء من هذه البنات فاحسن صحبتهن كنّ له ستراً من النار)) (1).
وأخرج الإمام أحمد بسنده عن إبن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلم تدرك له إبنتان فيحسن اليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا ادخلتاه الجنة)) (2). وأخرج الإمام مسلم بسنده عن انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال ((من عال جارتين حتى يدركا دخلت انا وهو الجنة كهاتين)) (3).
وأخرج الإمام أبو داود بسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لايكون لاحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن اليهن إلا دخل الجنة)) (4).
وأخرج إبن ماجة بسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن واطعمهنّ وسقاهنّ وكساهنّ من جدته كن له حجاباً من النار يوم القيامة)) (5).
صحيح ان أحاديث هذا النوع من الشفاعة لا تحتوي على مادة "شفع" أو مشتقاتها، ولكن المعنى العام لها يدل على معنى الشفاعة كقوله صلى الله عليه وسلم " .... ستراً من النار" أو "حجاباً من النار"، وهل الإبناء الذين يكونون سبباً لسترك من النار إلا شفعاء؟ وهل الحجب عن النار إلا شفاعة؟؟ وليس الامر بهذه السهولة، فليس كل من يعيل يشفع له إبناؤه وليس كل من يبتلى بالانثى يشفع له.
بل ان هناك شروطاً يجب توفرها في المشفوع له هي:-
(1) مصدر سابق.
(2)
انظر تخريجه برقم (148).
(3)
انظر تخريجه برقم (143).
(4)
أخرجه ابو داوود (5147)، وانظر مظانه في المسند الجامع 6/ (4546).
(5)
انظر تخريجه برقم (147).
اولاً: الاحسان إلى الانثى:
حيث جاء هذا الشرط في كل الأحاديث بالفاظ مختلفة مثلاً: ((فاطعمهنّ، كساهنّ، يؤيهنّ، سقاهنّ، يكلفهنّ، يزوجهنّ اتقى الله فيهنّ)).
يقول الحافظ إبن حجر:- ((وهذه الاوصاف يجمعها لفظ الاحسان الذي اقتصر عليه في حديث الباب)) (1).
والإحسان: هو فعل ما ينبغي من الخير (2). فهل يعني هذا ان الإحسان إلى الإناث هو الاقتصار على الواجب الملقى على أعتاق الآباء والأمهات ام هو الزيادة والإيثار على القدر المشترك بين الاباء والامهات الاخرين؟.
والذي يبدو من خلال حديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها هو الزيادة على الواجب والايثار على النفس
…
فالمرأة قد اثرت إبنتيها بالتمرة على نفسها فوصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالاحسان فدل على ان ((من فعل معروفاً لم يكن واجباً عليه أو زاد على قدر الواجب عليه عدَ محسناً، والذي اقتصر على الواجب وان كان يوصف بكونه محسناً لكن المراد من الوصف المذكور قدراً زائداً)) (3)، وفعلها هذا يستعبد فيه ان تكون شبعانة مع جوع إبنتيها (4).
ثانياً:- الاستمرار والمواصلة على الاحسان:
يقول صلى الله عليه وسلم: "
…
فاحسن اليهن حتى يدركا
…
" الحديث فلا بد من استمرارية الاحسان كيما يحصل الوالدان على هذا الفضل العظيم، يقول إبن حجر في هذا المقام:((والظاهر ان الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى ان يحصل استغناؤهنّ عنه بزوج أو غيره)) (5).
ثالثاً: موافقة إكرامها للشرع:
أي أن إكرامها والإحسان اليها خاضع لتعاليم الشريعة الاسلامية لا متعارضاً معه، فلا يكون اكرامها ان ينفذ كافة الرغبات والشهوات بل قد يكون الاكرام، -احياناً- ان تضع على يديها وتمنعها ولا تسمح لها. فقد أخرج البخاري بسنده عن انس رضي الله عنه عن النبي
(1) فتح الباري10/ 525.
(2)
التعريفات، الجرجاني ص 15.
(3)
فتح الباري 10/ 525 وانظر تحفة الاحوذي، المباركفوري 6/ 43.
(4)
مصدر سابق.
(5)
مصدر سابق