الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أضاف الحافظ إبن حجر شرطاً ثالثاً: "حمد الله على الابتلاء" استناداً إلى حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه مرفوعاً: ((إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم ارض له ثوابا دون الجنة إذ هو حمدني عليهما)) (1). فهذه الزيادة "إذا هو حمدني عليهما" قد انفردت في هذا الطريق فقط (2) وهي زيادة ضعيفة لضعف سندها.
إننا على شرطنا السالف في أول البحث: أننا نختار من الأحاديث التي لا تحتوي على لفظ الشفاعة الصريح على سبيل الأنتقاء كأمثلة لكل نوع. وشفاعة الأمراض من هذا الصنف فلا يوجد أيما حديث يصرح باللفظة بل يفهم من خلال المعنى العام للأحاديث.
ولعل معترض يقول: ما الفرق بين مكفرات الذنوب بصورة عامة وبين شفاعة الأمراض يوم القيامة؟ فنقول: كل الأمراض قد تغفر للانسان إذا كان صابراً محتسباً ولكن هناك أمراض تكفر عن صاحبها في الدنيا كقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه إذى من مرض فما سواه إلا حط الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) (3).
وهناك أمراض تكفر عن صاحبها في الآخرة -كما في الأحاديث الآتية- وفيها الفاظ "حرمه عن النار" أو لا تمسه النار"، "حجبته عن النار"، أو غيرها من الالفاظ الاخرى، فهذا النوع الاخير هو مقصود بحثي ولابد من القول: بانني لم اسبق إلى مثل الاعتبار وهو اجتهاد مبني على الاستنتاج والاستقراء فلا استطيع الجزم بانها شفاعة، لان الشفاعة امر عقائدي غيبي، فان اصبت فمن الله، وان اخطأتُ فمن عند نفسي.
أولا شفاعة الصبر على ذهاب البصر:
-
أخرج عبد بن حميد بسنده عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((ما ابتلى عبد بعد ذهاب دينه باشد من ذهاب بصره، ومن ابتلى ببصره فصبر حتى يلقى الله لقي الله تعالى ولا حساب عليه)) (4).
وأخرج إبن حبان بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((يقول الله
(1) انظر تخريجه برقم (171).
(2)
مصدر سابق.
(3)
أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود انظره في المسند الجامع 12/ (9184).
(4)
انظر مظانه في المسند الجامع 5/ (3811)، وقال إبن حجر في الفتح 10/ 143 اسناده جيد.
تبارك وتعالى: إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم ارض له ثواباً دون الجنة)) (1).
وأخرج الشيخان عن انس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: ((أن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) (2).
وإنما كان للصبر على ذهاب العينين هذه المنزلة العظيمة لأهميتهما في الحياة الدنيا، وبفقدانهما لا يشعر الإنسان بقيمة المرئيات، ولا يشعر بقيمة النظر إلا من سلبه، بل ان الله تعالى جعل من أنواع العذاب الاخروي: ذهاب البصر قال تعالى: ((ومن اعرض عن ذكري فان له معيشةً ضنكاً ونحشرهُ يوم القيامة أعمى)) (3).
وكفى بالعينين منزلة ان سماهما الرب جل وعلا "حبيبتيه" إذن فالعينان تشفعان ولكن بالشروط: التي ذكرناها.
ولابد من استحضار النية إلى ما وعد الله من الثواب والاجر لا ان يصبر الصابر مجرداً عن النية "انما الأعمال بالنيات"(4)، وإذا ابتلى الله عبده فلا يعني ذلك انه ساخط عليه ناقم منه، ابداً بل الابتلاء أما لرفع درجة أو لتكفير سيئة، يقول صلى الله عليه وسلم ((اشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الامثل فالامثل)) (5).ولا ينال هذا الثواب غير المسلم: يقول تعالى: ((
…
لئن اشركت ليحبطنَّ عملك
…
)) (6).
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((عزيز على الله عز وجل ان يأخذ كريمتي مسلم ثم يدخله النار)) (7) فلابد من الإسلام في شفاعة العينين. أما غير المسلم فان الله تعالى يذيقه العذاب الادنى دون العذاب الاكبر: ((ولنذيقهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون)) (8).
(1) انظر تخريجه برقم (167).
(2)
انظر تخريجه برقم (165).
(3)
طه/ 124.
(4)
الحديث متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه، انظر تخريجه في المسند الجامع 14/ (10626)، وانظر تحفة الاحوذي، المباركفوري7/ 82.
(5)
سبق تخرجه، وانظر تحفة الاحوذي7/ 82.
(6)
الزمر/65.
(7)
انظر تخريجه برقم (170).
(8)
السجدة/ 21.