الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب الأول ما يرد على جهة الفائدة
،
وهذا كقوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ
[الأحزاب: 72] فقوله تعالى: وَالْجِبالِ
وارد على جهة التأكيد المعنوى، وفائدته تعظيم شأن هذه الأمانة المشار إليها وتفخيم حالها، وقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
[آل عمران: 104] فقوله: «يدعون إلى الخير» عام فى كل شىء، وإنما كرر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على جهة التأكيد والمبالغة، وقوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)
[الرحمن: 68] فإنما خص النخل والرمان بالذكر، وإن كانا داخلين تحت الفاكهة، تعظيما لأمرهما ومبالغة فى رفع قدرهما، وهكذا ما ورد فى السنة فى حديث حاطب بن أبى بلتعة حيث كتب إلى قريش يشعرهم بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان منه من إخفاء أمره فى غزوة بدر، فإنه كتب مع امرأة تشعرهم، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين والزبير والمقداد فأدركوها وجاءوا بالكتاب، فقرأ الرسول فقال ما هذا يا حاطب، فقال يا رسول الله: والله ما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، وقد زعم بعض من لا دربة له أن هذا من باب التكرير، لأن الكفر والردة والرضا بالكفر كلها أمور كفرية، وهذا فاسد فإنها أمور متغايرة؛ لأن مراده بقوله:«ما فعلت ذلك كفرا» أى وأنا باق على الكفر وقوله: «ولا ارتدادا» أى أنى ما كفرت بعد إسلامى، وقوله «ولا رضا بالكفر» معناه ولا آثرت جانب الكفار على جانب المسلمين، وهذه معان متغايرة واقعة موقعا حسنا، ومن ذلك ما روى عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه من قوله «فمن شواهد خلقه خلق السموات موطّدات بلا عمد، قائمات بلا سند» فالقيام والتوطيد، وقوله بلا عمد، وقوله بلا سند، متقاربة فى المعنى يجمعهن جامع التوكيد المعنوى، وقوله عليه السلام «دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات غير متلكّئات ولا مبطئات، والتلكؤ هو نوع من الإبطاء، ومن التوكيد المعنوى ما قاله المقنّع الكندى فى الحماسة «1» :
وإنّ الذى بينى وبين بنى أبى
…
وبين بنى عمّى لمختلف جدّا
إذا أكلوا لحمى وفرت لحومهم
…
وإن هدموا مجدى بنيت لهم مجدا
وإن ضيّعوا غيبى حفظت غيوبهم
…
وإن هم هووا عنى هويت لهم رشدا
فانظر إلى هذه الأبيات، ما أجمعها لفنون الإنصاف، وأبلغها فى مراعاة جانب الحق والاعتراف، فهذه الألفاظ وإن كانت متغايرة، لكنها متطابقة فى المقصود دالة عليه، وكما يرد التأكيد المعنوى على ما ذكرناه فقد يرد ببرهان يشهد له، وتارة يرد على جهة العزيمة، ومرة بغير ذلك، فهذه وجوه ثلاثة، أولها ما يرد ببرهان دال عليه وهذا كقول أبى نواس «1» :
قل للذى بصروف الدهر عيّرنا
…
هل عاند الدهر إلا من له خطر
أما ترى البحر يعلو فوقه جيف
…
وتستقّر بأقصى قعره الدّرر
وفى السماء نجوم، لا عديد لها
…
وليس يكسف إلا الشمس والقمر
فقوله: «أما ترى البحر» ، وقوله:«وفى السماء نجوم» ، إنما أوردهما على جهة الاستدلال والتقرير لما ادعاه من معاندة الدهر لذوى الأخطار وأهل المراتب العالية.
وثانيها أن يكون واردا على جهة العزيمة والاهتمام بأمره، وهذا كقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
[الواقعة: 75- 76] فقوله «وإنه لقسم» إنما ورد على جهة التأكيد لقوله «فلا أقسم» على جهة العزيمة لكونه قسما بالغا عظيما.
وثالثها أن يكون واردا على خلاف هذين الوجهين وهذا كقوله «2» :
فدعوا نزال فكنت أوّل نازل
…
وعلام أركبه إذا لم أنزل؟
فقوله «فعلام أركبه» وارد على جهة التأكيد لقوله «فكنت أول نازل» بالاستفهام على جهة التقرير وكقوله «3» :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول، من قراع الكتائب
فقوله: «غير أن سيوفهم» إنما ورد على جهة التأكيد المعنوى، لكونهم شجعانا، فأورده