الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْت: هَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ، إحْدَاهَا: أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَصْدُقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ.
فَفِي الْوَصِيَّةِ: يُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهِمْ، وَجَعَلَ الِاخْتِيَارَ لَهُمْ فِي التَّعْيِينِ. وَفِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ: يَخْرُجُ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ.
وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَهْرِ: رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا: يُعْطِي الْوَسَطَ.
وَالثَّانِيَةُ: يُعْطِي وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ. وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فِي رَجُلٍ أَوْصَى، فَقَالَ: أَعْتِقُوا أَحَدَ عَبْدَيْ هَذَيْنِ: يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا، وَلَكِنْ إنْ تَشَاحَّا فِي الْعِتْقِ، يُقْرِعْ بَيْنَهُمَا.
[فَصْلٌ فِي عَبْد فِي يَد رَجُل اخْتَلَفَ عَلَيْهِ غَيْره بِالْبَيْعِ وَالْهِبَة وَغَيْر ذَلِكَ]
140 -
(فَصْلٌ)
قَالَ أَبُو النَّضْرِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدٍ فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يَدَّعِيهِ، أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ: أَنَّ فُلَانًا بَاعَ هَذَا الْعَبْدَ مِنِّي بِكَذَا وَكَذَا، وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ فُلَانًا تَصَدَّقَ بِهَذَا الْعَبْدِ عَلَيَّ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ فُلَانًا وَهَبَ هَذَا الْعَبْدَ لِي، وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَلَمْ يُوَقِّتُوا وَقْتًا، وَالْبَيِّنَةُ عُدُولٌ كُلُّهُمْ؟ قَالَ: أَرَى الْبَيِّنَةَ هَاهُنَا تَكَاذَبَتْ. يُكَذِّبُ شُهُودُ رَجُلٍ شُهُودَ الْآخَرِ، فَاجْعَلْهُ فِي أَيْدِيهمْ، ثُمَّ أَقْرِعْ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَبْدُ أَخَذَهُ وَحَلَفَ، قُلْت: تُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَنِي هَذَا الْعَبْدَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، أَوْ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِي؟ قَالَ: هُوَ وَاحِدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، قُلْت: إلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبْت فِي هَذَا؟ قَالَ: إلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا أُكْرِهَ الرَّجُلَانِ عَلَى الْيَمِينِ أَوْ اسْتَحَبَّاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا» . قُلْت: هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ "، قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَأَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا، لَا يَعْرِفُهُ عَيْنًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " إذَا أَنْكَرَهُمَا مَنْ الدَّابَّةُ فِي يَدِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا عَيْنًا، أَوْ قَالَ: هِيَ لِأَحَدِكُمَا لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ، وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا عَيْنًا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ، أَحَبَّا أَمْ كَرِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الدَّعْوَى لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَدَ، وَالْقُرْعَةُ تَمْيِيزٌ عِنْدَ التَّسَاوِي، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ: فَعَنْهُ
رِوَايَتَانِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ، إحْدَاهُمَا: تَسْقُطُ الْبَيِّنَتَانِ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي، هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقُرْعَةَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ:«أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرٍ، وَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشُهُودٍ عُدُولٍ عَلَى عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَسْهَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ "، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ حُجَّتَانِ تَعَارَضَتَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَسَقَطَتَا كَالْخَبَرَيْنِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِهِمَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: تَقْسِيمُ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَحَمَّادٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعِيرٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَلِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي دَعْوَاهُمَا، فَتَسَاوَيَا فِي قِسْمَتِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَلَهُ قَوْلٌ رَابِعٌ، يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ، كَالْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْحُكْمُ فِي الْقَضِيَّةِ.
وَلَنَا: الْخَبَرَانِ، وَإِنَّ تَعَارُضَ الْحُجَّتَيْنِ لَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ كَالْخَبَرَيْنِ بَلْ إذَا تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ أَسْقَطْنَاهُمَا، وَرَجَعْنَا إلَى دَلِيلِ غَيْرِهِمَا.
قُلْت: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ لَقَدْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ، ثُمَّ يُقْضَى لَهُ، وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَرَى ذَلِكَ، وَيَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْكُوفِيُّونَ يَرْوُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «اخْتَصَمَ رَجُلَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرٍ، فَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشُهَدَاءَ عُدُولٍ عَلَى عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَسْهَمَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَهُمَا، فَقَضَى لِلَّذِي خَرَجَ لَهُ السَّهْمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي " الْمَرَاسِيلِ "، وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشُهُودٍ، وَكَانُوا سَوَاءً، فَأَسْهَمَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فَهَذَا مُرْسَلٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَتَشْهَدُ لَهُ الْأُصُولُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْقُرْعَةِ، وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ مُتَعَيَّنٌ.
وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ، فَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ حَنَشٍ قَالَ:" أُتِيَ عَلِيٌّ بِبَغْلٍ يُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا بَغْلِي، لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ، وَنَزَعَ عَلَى مَا قَالَهُ بِخَمْسَةٍ يَشْهَدُونَ، وَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ بَغْلُهُ، وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّ فِيهِ قَضَاءً وَصُلْحًا، أَمَّا الصُّلْحُ: فَيُبَاعُ الْبَغْلُ، فَيُقَسَّمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ، لِهَذَا خَمْسَةٌ، وَلِهَذَا اثْنَانِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إلَّا الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ بَغْلُهُ، مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ فَإِنْ تَشَاحَحْتُمَا. أَيُّكُمَا يَحْلِفُ؛ أَقْرَعْت بَيْنَكُمَا عَلَى الْحَلِفِ؛ فَأَيُّكُمَا قَرَعَ حَلَفَ؛ فَقَضَى بِهَذَا وَأَتَى بِشَاهِدٍ "، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ.
فَرَأَى الصُّلْحَ بَيْنَهُمْ عَلَى قِسْمَةِ الثَّمَنِ عَلَى عَدَدِ الشُّهُودِ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْقُرْعَةِ. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «إذَا جَاءَ هَذَا بِشَاهِدٍ؛ وَهَذَا بِشَاهِدٍ، أَقْرِعْ بَيْنَهُمْ؛ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» .
وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رَجُلَيْنِ: اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِي مَتَاعٍ، لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ: اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِي حُجَّتِهِمَا. قُلْت: وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ هُدْبَةَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا، فَبَعَثَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا» وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ عِلَلٌ، مِنْهَا: أَنَّ هَمَّامًا قَالَ عَنْ قَتَادَةَ «فَبَعَثَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعِيرٍ، لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ كَذَلِكَ، فَهَذَانِ وَجْهَانِ عَنْ هَمَّامٍ فِي إرْسَالِهِ وَاتِّصَالِهِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ: اتِّصَالُهُ، وَشَذَّ عَنْهُ عَبْدُ الصَّمَدِ فَأَرْسَلَهُ، فَهَذَانِ أَيْضًا وَجْهَانِ عَنْ هَمَّامٍ فِي إرْسَالِهِ وَاتِّصَالِهِ.
وَرَوَاهُ شُعْبَةُ فَأَرْسَلَهُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَابَّةٍ، لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَكَأَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ " أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا " أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ قَدْ تَابَعَهُ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، رَوَاهُ عَنْهُ رَوْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ، فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةُ حُفَّاظٍ، أَحَدُهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ شُعْبَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ، اتَّفَقُوا عَنْ قَتَادَةَ فِي أَنَّهُ «لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ» . فَقَدْ اضْطَرَبَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى كَمَا تَرَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُدَّعِيَيْنِ إذَا كَانَتْ أَيْدِيهمَا عَلَيْهِ سَوَاءً، أَوْ تَسَاوَتْ بَيِّنَتَاهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، كَمَا فِي
حَدِيثِ سِمَاكٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعِيرٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخِذٌ بِرَأْسِهِ، فَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عُمَيْمِ بْنِ طَرْفَةَ: أُنْبِئْتُ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعِيرٍ، وَنَزَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَهَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ حَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " كِتَابِ الْعِلَلِ ": سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ؟ فَقَالَ: مَرْجِعُ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمٍ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ سِمَاكًا قَالَ: أَنَا حَدَّثْت أَبَا بُرْدَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِرْسَالُ شُعْبَةَ لَهُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ كَالدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ قُلْت: لَكِنْ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ: «لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ»
وَفِي حَدِيثِ سِمَاكٍ «أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَزَعَ بِشَاهِدَيْنِ» وَفِي لَفْظٍ: «فَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ» . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ كَأَنَّهَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَا قَضِيَّتَيْنِ، فَلَعَلَّهُ لَمَّا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَسَقَطَتَا قِيلَ:«لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ» وَقُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْيَدِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَمِيمٌ مَجْهُولٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا وَصَفْنَا، يَعْنِي أَنَّهُ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، كَمَا تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ.
قَالَ: وَسَعِيدٌ قَالَ، وَالْحَدِيثَانِ إذَا اخْتَلَفَا فَالْحُجَّةُ فِي أَقْوَى الْحَدِيثَيْنِ، وَسَعِيدٌ مِنْ أَصَحِّ النَّاسِ مُرْسِلًا،
وَالْقُرْعَةُ أَشْبَهُ، هَذَا قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْجَدِيدِ: هَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، وَأَنَا فِيهِ وَاقِفٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا يُعْطَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَيُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا.
قُلْت: وَقَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ أَصَحُّ وَأَوْلَى؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قُوَّةِ الْقُرْعَةِ وَأَدِلَّتِهَا، وَأَنَّ فِي وَقْفِ الْمَالِ حَتَّى يَصْطَلِحَا تَأْخِيرُ الْخُصُومَةِ، وَتَعْطِيلُ الْمَالِ، وَتَعْرِيضُهُ لِلتَّلَفِ وَلِكَثْرَةِ الْوَرَثَةِ، فَالْقُرْعَةُ أَوْلَى الطُّرُقِ لِلسُّلُوكِ، وَأَقْرَبُهَا إلَى فَصْلِ النِّزَاعِ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ أَصَحِّ الْأَدِلَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ: هِيَ أَشْبَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْقُرْعَةِ تَبَيَّنَ لَهُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِهَا أَوْلَى مِنْ وَقْفِ الْمَالِ أَبَدًا، حَتَّى يَصْطَلِحَ الْمُدَّعُونَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.