الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَارَاتُهُ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ " الْبَيِّنَةَ " فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ، وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ أَرْبَعَةَ شُهُودٍ، وَتَارَةً ثَلَاثَةً بِالنَّصِّ فِي بَيِّنَةِ الْمُفْلِسِ.
وَتَارَةً شَاهِدَيْنِ، وَشَاهِدًا وَاحِدًا، وَامْرَأَةً وَاحِدَةً، وَتَكُونُ نُكُولًا وَيَمِينًا، أَوْ خَمْسِينَ يَمِينًا، أَوْ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ.
وَتَكُونُ شَاهِدَ الْحَالِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ مَا يُبَيِّنُ صِحَّةَ دَعْوَاهُ، فَإِذَا ظَهَرَ صِدْقُهُ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ حُكِمَ لَهُ.
[فَصَلِّ فِي الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ]
9 -
(فَصْلٌ) وَلَمْ يَزَلْ حُذَّاقُ الْحُكَّامِ وَالْوُلَاةِ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ بِالْفِرَاسَةِ وَالْأَمَارَاتِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ لَمْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا شَهَادَةً تُخَالِفُهَا وَلَا إقْرَارًا.
وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ بِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ارْتَابَ بِالشُّهُودِ فَرَّقَهُمْ وَسَأَلَهُمْ: كَيْفَ تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ؟ وَأَيْنَ تَحَمَّلُوهَا؟ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، مَتَى عَدَلَ عَنْهُ أَثِمَ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ. وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَابَ بِالدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعِي عَنْ سَبَبِ الْحَقِّ، وَأَيْنَ كَانَ، وَنَظَرَ فِي الْحَالِ: هَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ ذَلِكَ؟ وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَابَ بِمَنْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ كَالْأَمِينِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَكْشِفَ الْحَالَ، وَيَسْأَلَ عَنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ.
وَقَلَّ حَاكِمٌ أَوْ وَالٍ اعْتَنَى بِذَلِكَ، وَصَارَ لَهُ فِيهِ مَلَكَةٌ إلَّا وَعَرَفَ الْمُحِقَّ مِنْ الْمُبْطِلِ، وَأَوْصَلَ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا.
فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَشَكَرَتْ عِنْدَهُ زَوْجَهَا وَقَالَتْ: " هُوَ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الدُّنْيَا، يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى الصَّبَاحِ، وَيَصُومُ النَّهَارَ حَتَّى يُمْسِيَ، ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْحَيَاءُ، فَقَالَ: " جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَحْسَنْت الثَّنَاءَ ". فَلَمَّا وَلَّتْ قَالَ كَعْبُ بْنُ سَوْرٍ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ أَبْلَغَتْ فِي الشَّكْوَى إلَيْك، فَقَالَ: وَمَا اشْتَكَتْ؟ قَالَ: زَوْجَهَا. قَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا. فَقَالَ لِكَعْبٍ: اقْضِ بَيْنَهُمَا، قَالَ: أَقْضِي وَأَنْتَ شَاهِدٌ؟ قَالَ: إنَّك قَدْ فَطِنْت إلَى مَا لَمْ أَفْطَنْ لَهُ، قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَفْطِرْ عِنْدَهَا يَوْمًا. وَقُمْ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَبِتْ عِنْدَهَا لَيْلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ الْأَوَّلِ " فَبَعَثَهُ قَاضِيًا لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَكَانَ يَقَعُ لَهُ فِي الْحُكُومَةِ مِنْ الْفِرَاسَةِ أُمُورٌ عَجِيبَةٌ.
وَكَذَلِكَ شُرَيْحٌ فِي فِرَاسَتِهِ وَفِطْنَتِهِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: شَهِدْت شُرَيْحًا - وَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تُخَاصِمُ رَجُلًا - فَأَرْسَلَتْ عَيْنَيْهَا وَبَكَتْ. فَقُلْت: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، مَا أَظُنُّ هَذِهِ الْبَائِسَةَ إلَّا مَظْلُومَةً؟ فَقَالَ: يَا شَعْبِيُّ، إنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ.
وَتَقَدَّمَ إلَى إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ إيَاسٌ: أَمَّا إحْدَاهُنَّ فَحَامِلٌ، وَالْأُخْرَى مُرْضِعٌ، وَالْأُخْرَى ثَيِّبٌ، وَالْأُخْرَى بِكْرٌ. فَنَظَرُوا فَوَجَدُوا الْأَمْرَ كَمَا قَالَ. قَالُوا: وَكَيْف عَرَفْتَ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْحَامِلُ: فَكَانَتْ تُكَلِّمُنِي وَتَرْفَعُ ثَوْبَهَا عَنْ بَطْنِهَا. فَعَرَفْت أَنَّهَا حَامِلٌ، وَأَمَّا الْمُرْضِعُ: فَكَانَتْ تَضْرِبُ ثَدْيَهَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهَا مُرْضِعٌ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ: فَكَانَتْ تُكَلِّمُنِي وَعَيْنُهَا فِي عَيْنِي فَعَرَفْتُ أَنَّهَا ثَيِّبٌ، وَأَمَّا الْبِكْرُ: فَكَانَتْ تُكَلِّمُنِي وَعَيْنُهَا فِي الْأَرْضِ، فَعَرَفْت أَنَّهَا بِكْرٌ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ رَوْحٍ: اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مِنْ أُمَنَاءِ النَّاسِ مَالًا. ثُمَّ رَجَعَ فَطَلَبَهُ فَجَحَدَهُ، فَأَتَى إيَاسًا فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ إيَاسٌ: انْصَرِفْ وَاكْتُمْ أَمْرَك، وَلَا تُعْلِمْهُ أَنَّك أَتَيْتَنِي. ثُمَّ عُدْ إلَيَّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فَدَعَا إيَاسٌ الْمُودَعَ، فَقَالَ: قَدْ حَضَرَ مَالٌ كَثِيرٌ، وَأُرِيدُ أَنْ أُسَلِّمَهُ إلَيْك، أَفَحَصِينٌ مَنْزِلُك؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَعِدَّ لَهُ مَوْضِعًا وَحَمَّالِينَ. وَعَادَ الرَّجُلُ إلَى إيَاسٍ، فَقَالَ: انْطَلِقْ إلَى صَاحِبِك فَاطْلُبْ الْمَالَ. فَإِنْ أَعْطَاك فَذَاكَ، وَإِنْ جَحَدَك فَقُلْ لَهُ: إنِّي أُخْبِرُ الْقَاضِيَ. فَأَتَى الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فَقَالَ: مَالِي، وَإِلَّا أَتَيْت الْقَاضِيَ، وَشَكَوْت إلَيْهِ، وَأَخْبَرْته بِأَمْرِي، فَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ إلَى إيَاسٍ، فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي الْمَالَ وَجَاءَ الْأَمِينُ إلَى إيَاسٍ لِمَوْعِدِهِ، فَزَجَرَهُ وَانْتَهَرَهُ، وَقَالَ لَا تَقْرَبْنِي يَا خَائِنُ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ رحمه الله تَقَلَّدَ بِوَاسِطٍ رَجُلٌ ثِقَةٌ، فَأَوْدَعَ رَجُلٌ بَعْضَ شُهُودِهِ كِيسًا مَخْتُومًا، وَذَكَرَ أَنَّ فِيهِ أَلْفَ دِينَارٍ.
فَلَمَّا طَالَتْ غَيْبَةُ الرَّجُلِ فَتَقَ الشَّاهِدُ الْكِيسَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَأَخَذَ الدَّنَانِيرَ، وَجَعَلَ مَكَانَهَا دَرَاهِمَ، وَأَعَادَ الْخِيَاطَةَ كَمَا كَانَتْ.
وَجَاءَ صَاحِبُهُ، فَطَلَبَ وَدِيعَتَهُ، فَدَفَعَ إلَيْهِ الْكِيسَ بِخَتْمِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَلَمَّا فَتَحَهُ وَشَاهَدَ الْحَالَ رَجَعَ إلَيْهِ، فَقَالَ: إنِّي أَوْدَعْتُك دَنَانِيرَ، وَاَلَّذِي دَفَعْت إلَيَّ دَرَاهِمُ، فَقَالَ: هُوَ كِيسُك بِخَاتَمِك فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ الْقَاضِيَ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الْمُودَعَ، فَلَمَّا صَارَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ الْقَاضِي مُنْذُ كَمْ أَوْدَعَك هَذَا الْكِيسَ؟ فَقَالَ: مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَخَذَ الْقَاضِي تِلْكَ الدَّرَاهِمَ وَقَرَأَ سِكَّتَهَا، فَإِذَا فِيهَا مَا قَدْ ضُرِبَ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَأَمَرَهُ بِدَفْعِ الدَّنَانِيرِ إلَيْهِ، وَأَسْقَطَهُ وَنَادَى عَلَيْهِ.
وَاسْتَوْدَعَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ مَالًا، فَجَحَدَهُ، فَرَفَعَهُ إلَى إيَاسٍ، فَسَأَلَهُ فَأَنْكَرَ؟ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي: أَيْنَ دَفَعْت إلَيْهِ؟ فَقَالَ: فِي مَكَان فِي الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ: وَمَا كَانَ هُنَاكَ، قَالَ: شَجَرَةٌ، قَالَ: اذْهَبْ إلَيْهَا فَلَعَلَّك دَفَنْت الْمَالَ عِنْدَهَا وَنَسِيت، فَتَذْكُرَ إذَا رَأَيْت الشَّجَرَةَ؛ فَمَضَى، وَقَالَ لِلْخَصْمِ: اجْلِسْ حَتَّى يَرْجِعَ صَاحِبُك، وَإِيَاسٌ يَقْضِي وَيَنْظُرُ إلَيْهِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا هَذَا، أَتَرَى صَاحِبَك قَدْ بَلَغَ مَكَانَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إنَّك خَائِنٌ، قَالَ: أَقِلْنِي، قَالَ: لَا أَقَالَك اللَّهُ. وَأَمَرَ أَنْ يُحْتَفَظَ بِهِ حَتَّى جَاءَ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ إيَاسٌ: اذْهَبْ مَعَهُ فَخُذْ حَقَّك.
وَجَرَى نَظِيرُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ: ادَّعَى عِنْدَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ سَلَّمَ غَرِيمًا لَهُ مَالًا وَدِيعَةً فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: أَيْنَ سَلَّمْته إيَّاهُ؟ قَالَ: بِمَسْجِدٍ نَاءٍ عَنْ الْبَلَدِ.
قَالَ: اذْهَبْ فَجِئْنِي مِنْهُ بِمُصْحَفٍ
أُحَلِّفُهُ عَلَيْهِ، فَمَضَى، وَاعْتَقَلَ الْقَاضِي الْغَرِيمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتُرَاهُ بَلَغَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَ: لَا فَأَلْزَمَهُ بِالْمَالِ.
وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَجَبُ الْعُجَابُ، وَكَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْحَقُّ فِيمَا يَفْعَلُهُ.
قَالَ مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ: كُنْت فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ شَيْخٌ وَمَعَهُ غُلَامٌ حَدَثٌ، فَادَّعَى الشَّيْخُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ دَيْنًا، فَقَالَ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ الْقَاضِي لِلشَّيْخِ مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: حَبْسَهُ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ الشَّيْخُ: إنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهُ فَهُوَ أَرْجَى لِحُصُولِ مَالِي. فَتَفَرَّسَ أَبُو حَازِمٍ فِيهِمَا سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: تَلَازَمَا حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَقُلْت لَهُ: لِمَ أَخَّرْت حَبْسَهُ؟ فَقَالَ: وَيْحَك، إنِّي أَعْرِفُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ فِي وُجُوهِ الْخُصُومِ وَجْهَ الْمُحِقِّ مِنْ الْمُبْطِلِ، وَقَدْ صَارَتْ لِي بِذَلِكَ دِرَايَةٌ لَا تَكَادُ تُخْطِئُ، وَقَدْ وَقَعَ إلَيَّ أَنَّ سَمَاحَةَ هَذَا بِالْإِقْرَارِ عَيْنُ كَذِبِهِ وَلَعَلَّهُ يَنْكَشِفُ لِي مِنْ أَمْرِهِمَا مَا أَكُونُ مَعَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ، أَمَا رَأَيْت قِلَّةَ تَقَصِّيهِمَا فِي النَّاكِرَةِ، وَقِلَّةَ اخْتِلَافِهِمَا، وَسُكُونَ طِبَاعِهِمَا مَعَ عِظَمِ الْمَالِ؟ وَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْأَحْدَاثِ بِفَرْطِ التَّوَرُّعِ حَتَّى يُقِرَّ مِثْلُ هَذَا طَوْعًا عَجِلًا، مُنْشَرِحَ. الصَّدْرِ عَلَى هَذَا الْمَالِ، قَالَ: فَنَحْنُ كَذَلِكَ نَتَحَدَّثُ إذْ أَتَى الْآذِنُ يَسْتَأْذِنُ عَلَى الْقَاضِي لِبَعْضِ التُّجَّارِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْقَاضِيَ، إنِّي بُلِيت بِوَلَدٍ لِي حَدَثٍ يُتْلِفُ كُلَّ مَالٍ يَظْفَرُ بِهِ مِنْ مَالِي فِي الْقِيَانِ عِنْدَ فُلَانٍ فَإِذَا مَنَعْته احْتَالَ بِحِيَلٍ تَضْطَرُّنِي إلَى الْتِزَامِ الْغُرْمِ عَنْهُ. وَقَدْ نَصَبَ الْيَوْمَ صَاحِبُ الْقِيَانِ يُطَالِبُ بِأَلْفِ دِينَارٍ حَالًّا، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ إلَى الْقَاضِي لِيُقِرَّ لَهُ فَيَحْبِسَهُ. وَأَقَعَ مَعَ أُمِّهِ فِيمَا يُنَكِّدُ عَيْشَنَا إلَى أَنْ أَقْضِيَ عَنْهُ. فَلَمَّا سَمِعْت بِذَلِكَ بَادَرْت إلَى الْقَاضِي لِأَشْرَحَ لَهُ أَمْرَهُ، فَتَبَسَّمَ الْقَاضِي، وَقَالَ لِي: كَيْفَ رَأَيْت؟ فَقُلْت: هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى الْقَاضِي، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْغُلَامِ وَالشَّيْخِ. فَأَرْهَبَ أَبُو حَازِمٍ الشَّيْخَ، وَوَعَظَ الْغُلَامَ. فَأَقَرَّا، فَأَخَذَ الرَّجُلُ ابْنَهُ وَانْصَرَفَا.
وَقَالَ أَبُو السَّائِبِ: كَانَ بِبَلَدِنَا رَجُلٌ مَسْتُورُ الْحَالِ، فَأَحَبَّ الْقَاضِي قَبُولَ قَوْلِهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَزُكِّيَ عِنْدَهُ سِرًّا وَجَهْرًا، فَرَاسَلَهُ فِي حُضُورِ مَجْلِسِهِ لِإِقَامَةِ شَهَادَةٍ وَجَلَسَ الْقَاضِي وَحَضَرَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا أَرَادَ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ لَمْ يَقْبَلْهُ الْقَاضِي فَسُئِلَ عَنْ السَّبَبِ؟ فَقَالَ: انْكَشَفَ لِي أَنَّهُ مُرَاءٍ، فَلَمْ يَسَعْنِي قَبُولُ قَوْلِهِ، فَقِيلَ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْت ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ إلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَأَعُدُّ خُطَاهُ مِنْ حَيْثُ تَقَعُ عَيْنِي عَلَيْهِ مِنْ الْبَابِ إلَى مَجْلِسِي، فَلَمَّا دَعَوْته الْيَوْمَ جَاءَ، فَعَدَدْت خُطَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَإِذَا هِيَ قَدْ زَادَتْ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَهَا، فَعَلِمْت أَنَّهُ مُتَصَنِّعٌ فَلَمْ أَقْبَلْهُ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: شَهِدَ الْفَرَزْدَقُ عِنْدَ بَعْضِ الْقُضَاةِ، فَقَالَ: قَدْ أَجَزْنَا شَهَادَةَ أَبِي فِرَاسٍ وَزَيْدُونًا، فَقِيلَ لَهُ حِينَ انْصَرَفَ: إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا أَجَازَ شَهَادَتَك.
وَلِلَّهِ فِرَاسَةُ مَنْ هُوَ إمَامُ الْمُتَفَرِّسِينَ، وَشَيْخُ الْمُتَوَسِّمِينَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه الَّذِي لَمْ تَكُنْ تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ، وَكَانَ يَحْكُمُ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِالْفِرَاسَةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْوَحْيِ.
قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا بِفَتًى أَمْرَدَ، وَقَدْ وُجِدَ قَتِيلًا مُلْقًى عَلَى وَجْهِ الطَّرِيقِ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ أَمْرِهِ وَاجْتَهَدَ فَلَمْ يَقِفْ لَهُ عَلَى خَبَرٍ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَظْفِرْنِي بِقَاتِلِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ وُجِدَ صَبِيٌّ مَوْلُودٌ مُلْقًى بِمَوْضِعِ الْقَتِيلِ، فَأُتِيَ بِهِ عُمَرَ؛ فَقَالَ: ظَفِرْت بِدَمِ الْقَتِيلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى امْرَأَةٍ، وَقَالَ لَهَا: قُومِي بِشَأْنِهِ، وَخُذِي مِنَّا نَفَقَتَهُ، وَانْظُرِي مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْك؛ فَإِذَا وَجَدْت امْرَأَةً تُقَبِّلُهُ وَتَضُمُّهُ إلَى صَدْرِهَا فَأَعْلِمِينِي بِمَكَانِهَا. فَلَمَّا شَبَّ الصَّبِيُّ جَاءَتْ جَارِيَةٌ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: إنَّ سَيِّدَتِي بَعَثَتْنِي إلَيْك لِتَبْعَثِي بِالصَّبِيِّ لِتَرَاهُ وَتَرُدَّهُ إلَيْك، قَالَتْ: نَعَمْ، اذْهَبِي بِهِ إلَيْهَا، وَأَنَا مَعَك. فَذَهَبَتْ بِالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةُ مَعَهَا، حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى سَيِّدَتِهَا، فَلَمَّا رَأَتْهُ أَخَذْته فَقَبَّلَتْهُ وَضَمَّتْهُ إلَيْهَا؛ فَإِذَا هِيَ ابْنَةُ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَتْ عُمَرَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَاشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى مَنْزِل الْمَرْأَةِ. فَوَجَدَ أَبَاهَا مُتَّكِئًا عَلَى بَابِ دَارِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ، مَا فَعَلَتْ ابْنَتُك فُلَانَةُ؟ . قَالَ: جَزَاهَا اللَّهُ خَيْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هِيَ مِنْ أَعْرَفِ النَّاسِ بِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ أَبِيهَا، مَعَ حُسْنِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا، وَالْقِيَامِ بِدِينِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَدْخُلَ إلَيْهَا، فَأَزِيدَهَا رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ، وَأَحُثَّهَا عَلَيْهِ؛ فَدَخَلَ أَبُوهَا، وَدَخَلَ عُمَرُ مَعَهُ. فَأَمَرَ عُمَرُ مَنْ عِنْدَهَا فَخَرَجَ، وَبَقِيَ هُوَ وَالْمَرْأَةُ فِي الْبَيْتِ، فَكَشَفَ عُمَرُ عَنْ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَصْدِقِينِي، وَإِلَّا ضَرَبْت عُنُقَك، وَكَانَ لَا يَكْذِبُ. فَقَالَتْ: عَلَى رِسْلِك، فَوَاَللَّهِ لَأَصْدُقَنَّ: إنَّ عَجُوزًا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَيَّ فَأَتَّخِذُهَا أُمًّا، وَكَانَتْ تَقُومُ مِنْ أَمْرِي بِمَا تَقُومُ بِهِ الْوَالِدَةُ. وَكُنْت لَهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ، حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ حِينٌ، ثُمَّ إنَّهَا قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، إنَّهُ قَدْ عَرَضَ لِي سَفَرٌ، وَلِي ابْنَةٌ فِي مَوْضِعِ أَتَخَوَّفُ عَلَيْهَا فِيهِ أَنْ تَضِيعَ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَضُمَّهَا إلَيْك حَتَّى أَرْجِعَ مِنْ سَفَرِي، فَعَمَدَتْ إلَى ابْنٍ لَهَا شَابٍّ أَمْرَدَ، فَهَيَّأْته كَهَيْئَةِ الْجَارِيَةِ، وَأَتَتْنِي بِهِ، لَا أَشُكُّ أَنَّهُ جَارِيَةٌ؛ فَكَانَ يَرَى مِنِّي مَا تَرَى الْجَارِيَةُ مِنْ الْجَارِيَةِ، حَتَّى اغْتَفَلَنِي يَوْمًا وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَمَا شَعَرْت حَتَّى عَلَانِي وَخَالَطَنِي، فَمَدَدْت يَدِي إلَى شَفْرَةٍ كَانَتْ إلَى جَانِبِي فَقَتَلْته. ثُمَّ أَمَرْت بِهِ فَأُلْقِيَ حَيْثُ رَأَيْت، فَاشْتَمَلْت مِنْهُ عَلَى هَذَا الصَّبِيِّ، فَلَمَّا وَضَعْته أَلْقَيْته فِي مَوْضِعِ أَبِيهِ. فَهَذَا وَاَللَّهِ خَبَرُهُمَا عَلَى مَا أَعْلَمْتُك. فَقَالَ: صَدَقْت، ثُمَّ أَوْصَاهَا، وَدَعَا لَهَا وَخَرَجَ. وَقَالَ لِأَبِيهَا: نِعْمَتْ الِابْنَةُ ابْنَتُك؛ ثُمَّ انْصَرَفَ.
وَقَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إذَا رَأَى رَجُلًا، فَقَالَ:" لَسْت ذَا رَأْيٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْكِهَانَةِ، اُدْعُوهُ لِي، فَدَعَوْهُ، فَقَالَ: هَلْ كُنْت تَنْظُرُ، وَتَقُولُ فِي الْكِهَانَةِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ ".
وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ: " مَا اسْمُك؟ قَالَ: جَمْرَةُ. قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ. قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنْ الْحُرْقَةِ. قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُك؟ قَالَ: بِحَرَّةِ النَّارِ. قَالَ: أَيُّهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى. فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا ". فَكَانَ كَمَا قَالَ. وَمِنْ فِرَاسَتِهِ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ الْأُمَّةِ أَنَّهُ قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ اتَّخَذْت مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْت نِسَاءَك أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ". وَاجْتَمَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاؤُهُ فِي الْغِيرَةِ، فَقَالَ لَهُنَّ عُمَرُ:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ.
وَشَاوَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَسَارَى يَوْمِ بَدْرٍ، فَأَشَارَ بِقَتْلِهِمْ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ.
وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى فِرَاسَةِ الْمُتَوَسِّمِينَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْآيَاتِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: " أَفَرَسُ النَّاسِ " ثَلَاثَةٌ: امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ فِي مُوسَى، حَيْثُ قَالَتْ:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: 9] وَصَاحِبُ يُوسُفَ، حَيْثُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: 21] . وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي عُمَرَ رضي الله عنهما، حَيْثُ جَعَلَهُ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ ".
وَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عُثْمَانَ، رضي الله عنه؛ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ:" يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدُكُمْ وَالزِّنَا فِي عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: أَوَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: لَا؛ وَلَكِنْ فِرَاسَةٌ صَادِقَةٌ " وَمِنْ هَذِهِ الْفِرَاسَةِ: أَنَّهُ رضي الله عنه لَمَّا تَفَرَّسَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَلَا بُدَّ أَمْسَكَ عَنْ الْقِتَالِ، وَالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، لِئَلَّا يَجْرِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالٌ، وَآخِرُ الْأَمْرِ يُقْتَلُ هُوَ، فَأَحَبَّ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ ذَلِكَ: فِرَاسَةُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحُسَيْنِ لَمَّا وَدَّعَهُ، وَقَالَ:" أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ "، وَمَعَهُ كُتُبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَكَانَتْ فِرَاسَةُ ابْنِ عُمَرَ أَصْدَقُ مِنْ كُتُبِهِمْ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ دَفَعَا إلَى امْرَأَةٍ مِائَةَ دِينَارٍ وَدِيعَةً، وَقَالَا: لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ. فَلَبِثَا حَوْلًا، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: إنَّ صَاحِبِي قَدْ مَاتَ فَادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ. فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: إنَّكُمَا قُلْتُمَا لِي لَا تَدْفَعِيهَا إلَى وَاحِدٍ مِنَّا دُونَ صَاحِبِهِ، فَلَسْت بِدَافِعَتِهَا إلَيْك؛ فَثَقُلَ عَلَيْهَا بِأَهْلِهَا وَجِيرَانِهَا حَتَّى دَفَعَتْهَا إلَيْهِ، ثُمَّ لَبِثَتْ حَوْلًا آخَرَ؛ فَجَاءَ الْآخَرُ. فَقَالَ: ادْفَعِي إلَيَّ الدَّنَانِيرَ. فَقَالَتْ: إنَّ صَاحِبَك جَاءَنِي فَزَعَمَ أَنَّك قَدْ مِتّ، فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ. فَاخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَأَرَادَ أَنْ