الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْقُضَاةِ جُمْلَةً.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ مَعَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ قَضَى فِي دَارٍ بِشَهَادَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ غَيْرُهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَرُوِينَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: لَا أَقْضِي فِي ذَلِكَ بِالْفُرْقَةِ، وَلَا أَقْضِي بِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:" لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إلَّا فَعَلَتْ ".
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَقْضِي بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَأَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ وَلَا أُفَرِّقُ بِشَهَادَتِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ إلَى أَهْلِ ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ تَنَاكَحُوا، فَقَالَتْ هُمْ بَنِيَّ وَبَنَاتِي، فَفَرَّقَ عُثْمَانُ رضي الله عنه بَيْنَهُمْ.
قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَالنَّاسُ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ فِي الْمُرْضِعَاتِ إذَا لَمْ يَتَّهِمْنَ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الزِّنَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ، أَوْ مَكَانِ كُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتَانِ مُسْلِمَتَانِ عَدْلَتَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ، أَوْ رَجُلًا وَاحِدًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ، أَوْ ثَمَانِي نِسْوَةٍ فَقَطْ، وَلَا يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالزِّنَا، وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْأَمْوَالُ إلَّا رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ عَدْلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَذَلِكَ، أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَذَلِكَ، وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ - حَاشَا الْحُدُودَ - رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ امْرَأَتَانِ كَذَلِكَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَيُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ وَحْدَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ، أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ.
[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعُ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد]
69 -
(فَصْلٌ)
الطَّرِيقُ التَّاسِعُ الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، لَا بِالنُّكُولِ الْمُجَرَّدِ: ذَكَرَ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ [عَنْ جَدِّهِ] عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ زَوْجِهَا، فَجَاءَتْ عَلَى ذَلِكَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ عَدْلٍ اُسْتُحْلِفَ زَوْجُهَا، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَتْ عَنْهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَإِنْ نَكَلَ
فَنُكُولُهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَجَازَ طَلَاقُهُ» . فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحُكْمُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا مَعَ يَمِينِ الْمَرْأَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، لَا يَقَعُ فِي حَدٍّ، وَلَا فِي طَلَاقٍ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا عَتَاقَةٍ، وَلَا سَرِقَةٍ، وَلَا قَتْلٍ.
وَقَدْ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا ادَّعَى أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَتَى بِشَاهِدٍ: حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَصَارَ حُرًّا، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَصَّ فِي شَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ حَقَّهُ مِنْهُ، وَكَانَا مُعْسِرَيْنِ عَدْلَيْنِ: فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَصِيرَ حُرًّا، وَيَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَيَصِيرَ نِصْفُهُ حُرًّا. وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ عَنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَنُكُولِ الزَّوْجِ.
وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ قَدْ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَحَكَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَقَالَ: فَمَنْ النَّاسُ بَعْدَهُمْ؟ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ رِجَالِ " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا، فَمَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهَذَا مِنْ أَصَحِّ حَدِيثِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الزَّوْجَ يُسْتَحْلَفُ فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ إذَا لَمْ تَقُمْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً، لَكِنْ إنَّمَا اسْتَحْلَفَهُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَوْرَثَتْ ظَنًّا مَا بِصِدْقِ الْمَرْأَةِ، فَعُورِضَ هَذَا بِاسْتِحْلَافِهِ، وَكَانَ جَانِبُ الزَّوْجِ أَقْوَى بِوُجُودِ النِّكَاحِ الثَّابِتِ، فَشُرِعَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ، لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ مُدَّعِيَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا حَلَفَتْ مَعَ شَاهِدِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ لَا تَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ آخَرَ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْيَمِينُ مُجَرَّدُ قَوْلِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الطَّلَاقِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ النِّكَاحِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةٍ، فَكَانَ رَفْعُهُ كَإِثْبَاتِهِ، فَإِنَّ الرَّفْعَ أَقْوَى مِنْ الْإِثْبَاتِ، وَلِهَذَا لَا يُرْفَعُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ، وَلَا مَسْتُورِي الْحَالِ، وَلَا رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْكَمُ فِي الطَّلَاقِ بِشَاهِدٍ وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَحْكُمُ