المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في صور للعمل بالسلطنة بالسياسة الشرعية] - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية - ط البيان

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر للحكم بِالْقَرِينَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعَمَل فِي السَّلْطَنَة بِالسِّيَاسَةِ الشَّرِيعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر لِلْعَمَلِ بِالسَّلْطَنَةِ بِالسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّة]

- ‌[فَصَلِّ فِي سِيَاسَة الصَّحَابَة فِي قِيَادَة الْأَمَة مِنْ بَعْده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي فِرَاسَةِ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفِرَاسَة الصَّادِقَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي محاسن الْفِرَاسَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي عَجَائِب الْفِرَاسَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر للحكم بِالْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الحبس فِي الدِّين]

- ‌[فَصَلِّ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الرَّجُل الْوَاحِد]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مُتَفَرِّدَاتٍ]

- ‌[فَصَلِّ شَهَادَة الرَّجُل الْوَاحِد مِنْ غَيْر يَمِين عِنْد الْحَاجَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَذَاهِب أَهْل الْمَدِينَة فِي الدَّعَاوَى]

- ‌[فَصَلِّ هَلْ السِّيَاسَة بِالضَّرْبِ والحبس للمتهمين فِي الدَّعَاوَى وَغَيْرهَا مِنْ الشِّرْع]

- ‌[فَصَلِّ فِي دَعَاوَى التهم]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّعْزِير]

- ‌[فَصَلِّ وَالْمَعَاصِي ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الطرق الَّتِي يَحْكُم بِهَا الْحَاكِم]

- ‌[الطَّرِيق الْأَوَّل الْيَدُ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى يَمِينٍ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْإِنْكَارُ الْمُجَرَّدُ وَلَهُ صُوَرٌ]

- ‌[فَصَلِّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ فِي الْحُدُودِ صُورَتَانِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَحْلِف فِيهِ]

- ‌[فَصَلِّ فَوَائِد الْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ فِي الْحُكْمِ بِالْيَدِ مَعَ يَمِين صَاحِبهَا]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ وَحْده أَوْ بِهِ مَعَ رد الْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ يَمِين الْمُدَّعِي هَلْ هِيَ كَالْبَيِّنَةِ أُمّ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي رد الْيُمْن]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد بِلَا يَمِين وَذَلِكَ فِي صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّابِعُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ فِي هَلْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين تَقْوِيَة وَتَوْكِيد]

- ‌[فَصَلِّ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ]

- ‌[فَصَلِّ وَالتَّحْلِيف ثَلَاثَة أَقْسَام]

- ‌[فَصْل تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْلِيف الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْلِيف الشَّاهِد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّامِنُ فِي الْحُكْمِ بِالرَّجُلِ الْوَاحِد وَالْمَرْأَتَيْنِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي شَهَادَة النِّسَاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي النصاب الَّتِي تَقْبَل بِهِ شَهَادَة النِّسَاء]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعُ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيق الْعَاشِر فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِين الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَال]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ مِنْ غَيْر يَمِين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِثَلَاثَةِ رِجَال]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِأَرْبَعَةِ رِجَال أَحْرَار]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ وَمَا يَجِب فِيهِ أَرْبَعَة شُهُود]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعَبْد والأمة]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الصَّبِيَّانِ المميزين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاق وَذَلِكَ فِي صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْكَافِر]

- ‌[فَصَلِّ فِي شَهَادَة الْكُفَّارِ عَلَى المسلين فِي السَّفَر]

- ‌[فَصَلِّ وَهَلْ تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْكَافِرِينَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي دينهم]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي حُكْم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالتَّوَاتُرِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالِاسْتِفَاضَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي أَخْبَار الْآحَاد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْخَطِّ المجرد وَلَهُ صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ شَهَادَةُ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِهِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بالعلامة الظَّاهِرَة]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ تَشْهَدُ لِلْقَافَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحُكْمِ بَيْن النَّاس فِيمَا لَا يَتَوَقَّف عَلَى الدَّعْوَى]

- ‌[فَصَلِّ فِي عُمُوم الْوِلَايَات وَخُصُوصهَا]

- ‌[فَصَلِّ وَمنْ المنكرات]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي أَقْبَح الظُّلْم]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُصِرَ الْبَيْع عَلَى أناس معينين]

- ‌[فَصَلِّ فِي القسامين الَّذِينَ يقسمون الْعَقَار وَغَيْره بالأجرة]

- ‌[فَصَلِّ فِي حَاجَة النَّاسُ إلَى صِنَاعَةِ طَائِفَةٍ كَالْفِلَاحَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تُنَازِع الْعُلَمَاء فِي التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي البذل والعطاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْم الْوَلِيّ بالأمارات والعلامات الظَّاهِرَة وَالْقَرَائِن الْبَيِّنَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّعْزِير بِالْعُقُوبَاتِ المالية]

- ‌[فَصَلِّ فِي وَاجِبَاتُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْرِيق الكتب المضلة وَإِتْلَافهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَاسِق يأوي إلَيْهِ أَهْل الفسق والخمر]

- ‌[فَصَلِّ فِي اختلاط الرجال بِالنِّسَاءِ فِي الأسواق والفرج ومجامع الرجال]

- ‌[فَصَلِّ فِي اللاعبين بالحمام عَلَى رُءُوس النَّاس]

- ‌[فَصَلِّ فِي اتِّخَاذ الْحَمَّامِ فِي الأبرجة]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمَرَضِ الْمُعْدِي كَالْجُذَامِ إذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ بِأَهْلِهِ]

- ‌[فَصَلِّ وَمنْ طُرُق الْحُكْمِ الْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّة الْقُرْعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي مواضع الْقُرْعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق امْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ لَا يَدْرِي أَيَّتهنَّ هِيَ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيده]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق إحْدَى نِسَائِهِ وَمَاتَ قَبْل الْبَيَان]

- ‌[فَصَلِّ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى امْرَأَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُهَا]

- ‌[فَصَلِّ الرَّجُل لَهُ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَةَ وَنَصْرَانِيَّة فَقَالَ فِي مَرَضه إحْدَاكُمَا طَالِق ثَلَاثًا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ ثَلَاثَة نِسْوَة فطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَلَمْ يَدْرِي أَيَّتهنَّ ثُمَّ مَاتَ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ مُمَالِيك عدة فَقَالَ أَحَدهمْ حُرّ وَلَمْ يُبَيِّن]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل يَقُول أَوَّل غُلَام لِي يَطْلُع فَهُوَ حُرّ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ امْرَأَتَانِ وَهُوَ يُرِيد أَنْ يَخْرَج بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقُرْعَة فِي الشِّرَاء وَالْبَيْع]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَشَاحَّا فِي الْأَذَان]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل يَتَزَوَّج امْرَأَة عَلَى عَبْد مِنْ عَبِيده]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَبْد فِي يَد رَجُل اخْتَلَفَ عَلَيْهِ غَيْره بِالْبَيْعِ وَالْهِبَة وَغَيْر ذَلِكَ]

الفصل: ‌[فصل في صور للعمل بالسلطنة بالسياسة الشرعية]

هُوَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ زَادَ عُمَرُ رضي الله عنه عَنْهُ فِي الْحَدِّ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَنَفَى فِيهَا.

«وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الَّذِي كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِهِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ خَصِيٌّ تَرَكَهُ» «وَأَمَرَ بِإِمْسَاكِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَوْمَأَتْ الْجَارِيَةُ بِرَأْسِهَا أَنَّهُ رَضَخَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَأُخِذَ فَأَقَرَّ فَرُضِخَ رَأْسُهُ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْمُتَّهَمِ إذَا قَامَتْ قَرِينَةُ التُّهْمَةِ.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا أَقَرَّ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا هُدِّدَ أَوْ ضُرِبَ فَأَقَرَّ، وَكَذَلِكَ الْعُرَنِيُّونَ فَعَلَ بِهِمْ مَا فَعَلَ بِنَاءً عَلَى شَاهِدِ الْحَالِ وَلَمْ يَطْلُبْ بَيِّنَةً بِمَا فَعَلُوا، وَلَا وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى إقْرَارِهِمْ.

[فَصَلِّ فِي صُوَر لِلْعَمَلِ بِالسَّلْطَنَةِ بِالسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّة]

7 -

(فَصْلٌ) وَسَلَكَ أَصْحَابُهُ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِمَنْ طَلَبَهُ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه حَرَّقَ اللُّوطِيَّةَ، وَأَذَاقَهُمْ حَرَّ النَّارِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ.

وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ فَلَهُ ذَلِكَ. فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه " أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ " فَاسْتَشَارَ الصِّدِّيقُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَكَانَ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا، فَقَالَ: " إنَّ هَذَا الذَّنْبَ لَمْ تَعْصِ بِهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ إلَّا وَاحِدَةٌ، فَصَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، أَرَى أَنْ يُحَرَّقُوا بِالنَّارِ فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنْ يُحَرَّقُوا بِالنَّارِ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ

ص: 16

إلَى خَالِدٍ " أَنْ يُحَرَّقُوا " فَحَرَقَهُمْ.

ثُمَّ حَرَقَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ. ثُمَّ حَرَقَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.

وَحَرَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَانُوتَ الْخَمَّارِ بِمَا فِيهِ. وَحَرَقَ قَرْيَةً يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ. وَحَرَقَ قَصْرَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا احْتَجَبَ فِي قَصْرِهِ عَنْ الرَّعِيَّةِ. فَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله فِي مَسَائِلِ ابْنِهِ صَالِحٍ: أَنَّهُ دَعَا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: " اذْهَبْ إلَى سَعْدٍ بِالْكُوفَةِ، فَحَرِّقْ عَلَيْهِ قَصْرَهُ، وَلَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حَتَّى تَأْتِيَنِي " فَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إلَى الْكُوفَةِ، فَاشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهَا إلَى قَصْرِ سَعْدٍ. فَلَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ أَلْقَى الْحُزْمَةَ فِيهِ، وَأَضْرَمَ فِيهَا النَّارَ، فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَقَالَ:" مَا هَذَا؟ " قَالَ: " عَزْمَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَهُ حَتَّى احْتَرَقَ. ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ سَعْدٌ نَفَقَةً، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ قَالَ لَهُ: " هَلَّا قَبِلْت نَفَقَتَهُ؟ " فَقَالَ: " إنَّك قُلْت: لَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حَتَّى تَأْتِيَنِي ".

وَحَلَقَ عُمَرُ رَأْسَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ، وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لِتَشْبِيبِ النِّسَاءِ بِهِ وَضَرَبَ صَبِيغَ بْن عُسَيْلٍ التَّمِيمِيَّ عَلَى رَأْسِهِ، لَمَّا سَأَلَ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ. وَصَادَرَ عُمَّالَهُ، فَأَخَذَ شَطْرَ أَمْوَالِهِمْ لَمَّا اكْتَسَبُوهَا بِجَاهِ الْعَمَلِ، وَاخْتَلَطَ مَا يَخْتَصِمُونَ بِهِ بِذَلِكَ. فَجَعَلَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ شَطْرَيْنِ.

ص: 17

وَأَلْزَمَ الصَّحَابَةَ أَنْ يُقِلُّوا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا اشْتَغَلُوا بِهِ عَنْ الْقُرْآنِ، سِيَاسَةً مِنْهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سِيَاسَاتِهِ الَّتِي سَاسَ بِهَا الْأُمَّةَ رضي الله عنه قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: وَمِنْ ذَلِكَ إلْزَامُهُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ. وَلَكِنْ لَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْهُ رَأَى عُقُوبَتَهُمْ بِإِلْزَامِهِمْ بِهِ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ رَعِيَّتُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ.

وَقَدْ أَشَارَ هُوَ إلَى ذَلِكَ، فَقَالَ:" إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي شَيْءٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَنَّا أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِنَّ؟ " فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ لِيُقِلُّوا مِنْهُ فَإِنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا أَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَقَعَتْ، وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْمَرْأَةِ: أَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ.

فَكَانَ الْإِلْزَامُ بِهِ عُقُوبَةً مِنْهُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ تُجْعَلُ وَاحِدَةً، بَلْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَدْرٌ مِنْ خِلَافَتِهِ، حَتَّى أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ اتِّخَاذٌ لِآيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا.

كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " سُنَنِ النَّسَائِيّ " وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: «أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ عَاقَبَهُمْ بِهِ. ثُمَّ إنَّهُ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي " مُسْنَدِ عُمَرَ ".

فَقُلْت لِشَيْخِنَا: فَهَلَّا تَبِعْت عُمَرَ فِي إلْزَامِهِمْ بِهِ عُقُوبَةً. فَإِنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ عِنْدَك؟ فَقَالَ: أَكْثَرُ النَّاسِ الْيَوْمَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَلَا سِيَّمَا الشَّافِعِيُّ يَرَاهُ جَائِزًا، فَكَيْفَ يُعَاقَبُ الْجَاهِلُ بِالتَّحْرِيمِ؟ قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ عُمَرَ أَلْزَمَهُمْ بِذَلِكَ.

وَسَدَّ عَلَيْهِمْ بَابَ التَّحْلِيلِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ: فَيُلْزِمُونَهُمْ بِالثَّلَاثِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَفْتَحُ لَهُمْ بَابَ التَّحْلِيلِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّحْلِيلِ سَعَى فِي ذَلِكَ.

وَالصَّحَابَةُ لَمْ يَكُونُوا يُسَوِّغُونَ ذَلِكَ، فَحَصَلَتْ مَصْلَحَةُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ وُقُوعِ مَفْسَدَةِ التَّحْلِيلِ بَيْنَهُمْ.

قَالَ: وَلَوْ عَلِمَ عُمَرُ أَنَّ النَّاسَ يَتَتَابَعُونَ فِي التَّحْلِيلِ لَرَأَى أَنَّ إقْرَارَهُمْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي زَمَنِ رَسُولِ، اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ أَوْلَى، وَبَسَطَ شَيْخُنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا طَوِيلًا.

ص: 18