الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْته بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي. فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْت: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ: فَقُمْت، ثُمَّ قُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقُمْت. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ. فَأَعْطِهِ إيَّاهُ.
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ. فَبِعْت الدِّرْعَ، فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ» .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُطْلَقُ عَلَى الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يَسْتَحْلِفْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ: أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالسَّلَبِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَلَا مُعَارِضَ لِهَذِهِ السُّنَّةِ، وَلَا مُسَوِّغَ لِتَرْكِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَبِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ، وَقَدْ شَهِدَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَتَنَحَّيْت، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ قَالَ: فَكَيْفَ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» .
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَشْهَدُ عَلَى مَا لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ مِنْ إثْبَاتِ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ، وَفِي الْحَمَّامِ يَدْخُلُهُ النِّسَاءُ، فَتَكُونُ بَيْنَهُنَّ جِرَاحَاتٌ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ فِي شَهَادَةِ الِاسْتِهْلَالِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحَيْضِ وَالْعُذْرَةِ وَالسِّقْطِ وَالْحَمَّامِ؟ وَكُلُّ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءٌ؟ فَقَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ إذَا كَانَتْ ثِقَةً.
[فَصَلِّ فِي الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مُتَفَرِّدَاتٍ]
27 -
(فَصْلٌ)
وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مُتَفَرِّدَاتٍ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ " أَنَّ سَكْرَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ ".
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ. وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو لَبِيدٍ. وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ. فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ، أَرْجَحُهَا: أَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُتَفَرِّقَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا.
قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ تَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ تَجُوزُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوَابٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ، وَمُهَنَّا، وَحَرْبٍ.
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ هَذَا. وَقَالَ هُوَ حُجَّةٌ فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَتَهَا وَهِيَ أَمَةٌ.
وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ؟ فَقَالَ: هُوَ مَوْضِعٌ لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ، وَلَكِنْ إنْ كُنَّ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَهُوَ أَجْوَدُ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ الْقَابِلَةِ: أَيُقْبَلُ؟ - قَالَ: كُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَعْجَبَ إلَيْنَا: ثَلَاثٌ، أَوْ أَرْبَعٌ.
وَقَالَ سِنْدِيٌّ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فِي الِاسْتِهْلَالِ؟ فَقَالَ: يَجُوزُ، إنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ الرِّجَالُ.
وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ؟ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا وَحْدَهَا.
وَقَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا.
وَإِنْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً.
فَسَأَلْت أَحْمَدَ فَقُلْت: هُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؟ فَقَالَ: أَنَا لَا أَقُولُ تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ، فَكَيْفَ أَقُولُ يَهُودِيَّةٌ؟ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي الِاسْتِهْلَالِ: هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِوَاحِدَةٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ؟ وَكَذَلِكَ الْوِلَادَةُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ - شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ، هَلْ تَجُوزُ امْرَأَةٌ أَوْ امْرَأَتَانِ؟ قَالَ: امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَيْسَتْ الْوَاحِدَةُ مِثْلَ الِاثْنَتَيْنِ.
وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ: أَرْبَعٌ، وَلَكِنْ امْرَأَتَانِ تُقْبَلُ فِي مِثْلِ هَذَا، إذَا كَانَ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَرَاهُ الرِّجَالُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ: إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ: فَالشَّهَادَةُ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ امْرَأَتَيْنِ.
وَقَالَ حَرْبٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ، قِيلَ لَهُ: فَالشَّهَادَةُ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لَا تُعْجِبُهُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَكُونَ امْرَأَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ: مَا تَقُولُ فِي شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ تَشْهَدُ بِالِاسْتِهْلَالِ؟ فَقَالَ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا. وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ، قَالَ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَقَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا، فَقِيلَ لَهُ: إذَا كَانَتْ مَرْضِيَّةً؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ إلَّا هَكَذَا.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ: هَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ فِي الرَّضَاعِ وَالْوِلَادَةِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، قَالَ: وَأُجَوِّزُ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ ثِقَةً، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ.
وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ: هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ؟ قَالَ: لَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً عَدْلَةً. 28 - (فَصْلٌ)
وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ وَأَثَرٌ وَقِيَاسٌ فَأَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ: مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. وَهُوَ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ» .
وَأَمَّا الْأَثَرُ: فَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: " أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ " عَمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ. قُلْت: وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ صِرْنَا إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنْهُ.
وَتَنَاظَرَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: بِأَيِّ شَيْءٍ قَضَيْت بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا، حَتَّى وَرِثْت مِنْ خَلِيفَةٍ مَلَكَ الدُّنْيَا مَالًا عَظِيمًا؟ قَالَ: بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت. فَعَلِيٌّ إنَّمَا رَوَى عَنْهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى. وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَكَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَدْ رَوَى سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ - وَسُوَيْدٌ هَذَا: ضَعِيفٌ - قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ: لَوْ صَحَّتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْنَا بِهِ. وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ خَلَلٌ.
قُلْت: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيُّ وَالضَّحَّاكِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: " أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ وَامْرَأَتَهُ، فَقَالَ: مَا كُنْت لِأُفَرِّقَ بَيْنَك وَبَيْنَهَا، وَأَنْ تَنَزَّهَ خَيْرٌ لَك، قَالَ: ثُمَّ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ: تُحَدِّثُونَ عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا عَنْ حَكَّامِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ قَائِدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ الْحَارِثِ الْغَنَوِيِّ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمَا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَإِنَّكُمَا لَابْنَايَ. فَانْقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ. فَكَتَبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: أَنْ اُدْعُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، فَإِنْ كَانَ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَتْ فَفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ فَخَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، إلَّا أَنْ يَتَنَزَّهَا؛ وَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنَّاسِ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا فَعَلَتْ ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يُحَدِّثُ: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يُجِزْ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ فِي الرَّضَاعِ ".
حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَحَجَّاجٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ:" أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ فِي امْرَأَةٍ شَهِدَتْ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْهُمَا، فَقَالَ: لَا، قَدْ يَشْهَدُ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ، وَيَقْبَلُونَ فِيهِ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَا يُمْكِنُ لِلرِّجَالِ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا النِّسَاءُ عَلَى الِانْفِرَادِ. فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ.
قَالُوا: وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّ مَا قُبِلَ فِيهِ قَوْلُ النِّسَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَدُ، كَالرِّوَايَةِ.
قَالُوا: وَأَمَّا اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ، وَلَا تُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمِيرَاثِ.
وَثُبُوتُ النَّسَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُقْبَلُ أَيْضًا، لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتٌ يَكُونُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ، وَتِلْكَ حَالَةٌ لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقْضِي بِأَحْكَامِ الشَّهَادَةِ، وَأَثْبَتَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا، وَلَمْ يُثْبِتْ الْمِيرَاثَ وَالنَّسَبَ بِشَهَادَتِهَا احْتِيَاطًا، قَالُوا: وَأَمَّا الرَّضَاعُ: فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَتَى ثَبَتَتْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا زَوَالُ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَإِبْطَالُ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ. قَالُوا: وَلِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ اطِّلَاعُ الرِّجَالِ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّهُمْ أَحَلُّوا الرَّضَاعَ مَحَلَّ سَائِرِ أُمُورِ النِّسَاءِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَنَحْوِهِمَا.
وَأَمَّا الَّذِينَ أَخَذُوا بِشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ، أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَيْسَتْ كَالْفُرُوجِ الَّتِي لَا حَظَّ لِلرِّجَالِ فِي مُشَاهَدَتِهَا، وَجَعَلُوهَا مِنْ ظَوَاهِرِ أُمُورِ النِّسَاءِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْوُجُوهِ.
وَاَلَّذِينَ أَجَازُوهَا بِالْمَرْأَتَيْنِ: ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الرَّضَاعَةَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ فِي التَّحْرِيمِ كَالْعَوْرَاتِ - فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِظُهُورِ الثَّدْيِ وَالنُّحُورِ. وَهَذِهِ مِنْ مَحَاسِنِ النِّسَاءِ الَّتِي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فَرْضَهَا السَّتْرَ عَلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ، فَجَعَلُوا الْمَرْأَتَيْنِ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلَيْنِ فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَاَلَّذِي عِنْدَنَا فِي هَذَا: اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ وُرُودِ ذَلِكَ، فَإِذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ بِأَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْهُ وَزَوَّجَتْهُ فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ مِنْ اللَّهِ فِي اجْتِنَابِهَا، وَتَجِبُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهَا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْتَفْتِي فِي ذَلِكَ:«دَعْهَا عَنْك» .
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِغَيْرِهِ،