المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في عموم الولايات وخصوصها] - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية - ط البيان

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر للحكم بِالْقَرِينَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعَمَل فِي السَّلْطَنَة بِالسِّيَاسَةِ الشَّرِيعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر لِلْعَمَلِ بِالسَّلْطَنَةِ بِالسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّة]

- ‌[فَصَلِّ فِي سِيَاسَة الصَّحَابَة فِي قِيَادَة الْأَمَة مِنْ بَعْده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي فِرَاسَةِ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفِرَاسَة الصَّادِقَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي محاسن الْفِرَاسَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي عَجَائِب الْفِرَاسَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر للحكم بِالْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الحبس فِي الدِّين]

- ‌[فَصَلِّ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الرَّجُل الْوَاحِد]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مُتَفَرِّدَاتٍ]

- ‌[فَصَلِّ شَهَادَة الرَّجُل الْوَاحِد مِنْ غَيْر يَمِين عِنْد الْحَاجَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَذَاهِب أَهْل الْمَدِينَة فِي الدَّعَاوَى]

- ‌[فَصَلِّ هَلْ السِّيَاسَة بِالضَّرْبِ والحبس للمتهمين فِي الدَّعَاوَى وَغَيْرهَا مِنْ الشِّرْع]

- ‌[فَصَلِّ فِي دَعَاوَى التهم]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّعْزِير]

- ‌[فَصَلِّ وَالْمَعَاصِي ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الطرق الَّتِي يَحْكُم بِهَا الْحَاكِم]

- ‌[الطَّرِيق الْأَوَّل الْيَدُ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى يَمِينٍ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْإِنْكَارُ الْمُجَرَّدُ وَلَهُ صُوَرٌ]

- ‌[فَصَلِّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ فِي الْحُدُودِ صُورَتَانِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَحْلِف فِيهِ]

- ‌[فَصَلِّ فَوَائِد الْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ فِي الْحُكْمِ بِالْيَدِ مَعَ يَمِين صَاحِبهَا]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ وَحْده أَوْ بِهِ مَعَ رد الْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ يَمِين الْمُدَّعِي هَلْ هِيَ كَالْبَيِّنَةِ أُمّ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي رد الْيُمْن]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد بِلَا يَمِين وَذَلِكَ فِي صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّابِعُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ فِي هَلْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين تَقْوِيَة وَتَوْكِيد]

- ‌[فَصَلِّ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ]

- ‌[فَصَلِّ وَالتَّحْلِيف ثَلَاثَة أَقْسَام]

- ‌[فَصْل تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْلِيف الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْلِيف الشَّاهِد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّامِنُ فِي الْحُكْمِ بِالرَّجُلِ الْوَاحِد وَالْمَرْأَتَيْنِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي شَهَادَة النِّسَاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي النصاب الَّتِي تَقْبَل بِهِ شَهَادَة النِّسَاء]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعُ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيق الْعَاشِر فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِين الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَال]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ مِنْ غَيْر يَمِين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِثَلَاثَةِ رِجَال]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِأَرْبَعَةِ رِجَال أَحْرَار]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ وَمَا يَجِب فِيهِ أَرْبَعَة شُهُود]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعَبْد والأمة]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الصَّبِيَّانِ المميزين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاق وَذَلِكَ فِي صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْكَافِر]

- ‌[فَصَلِّ فِي شَهَادَة الْكُفَّارِ عَلَى المسلين فِي السَّفَر]

- ‌[فَصَلِّ وَهَلْ تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْكَافِرِينَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي دينهم]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي حُكْم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالتَّوَاتُرِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالِاسْتِفَاضَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي أَخْبَار الْآحَاد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْخَطِّ المجرد وَلَهُ صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ شَهَادَةُ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِهِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بالعلامة الظَّاهِرَة]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ تَشْهَدُ لِلْقَافَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحُكْمِ بَيْن النَّاس فِيمَا لَا يَتَوَقَّف عَلَى الدَّعْوَى]

- ‌[فَصَلِّ فِي عُمُوم الْوِلَايَات وَخُصُوصهَا]

- ‌[فَصَلِّ وَمنْ المنكرات]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي أَقْبَح الظُّلْم]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُصِرَ الْبَيْع عَلَى أناس معينين]

- ‌[فَصَلِّ فِي القسامين الَّذِينَ يقسمون الْعَقَار وَغَيْره بالأجرة]

- ‌[فَصَلِّ فِي حَاجَة النَّاسُ إلَى صِنَاعَةِ طَائِفَةٍ كَالْفِلَاحَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تُنَازِع الْعُلَمَاء فِي التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي البذل والعطاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْم الْوَلِيّ بالأمارات والعلامات الظَّاهِرَة وَالْقَرَائِن الْبَيِّنَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّعْزِير بِالْعُقُوبَاتِ المالية]

- ‌[فَصَلِّ فِي وَاجِبَاتُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْرِيق الكتب المضلة وَإِتْلَافهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَاسِق يأوي إلَيْهِ أَهْل الفسق والخمر]

- ‌[فَصَلِّ فِي اختلاط الرجال بِالنِّسَاءِ فِي الأسواق والفرج ومجامع الرجال]

- ‌[فَصَلِّ فِي اللاعبين بالحمام عَلَى رُءُوس النَّاس]

- ‌[فَصَلِّ فِي اتِّخَاذ الْحَمَّامِ فِي الأبرجة]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمَرَضِ الْمُعْدِي كَالْجُذَامِ إذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ بِأَهْلِهِ]

- ‌[فَصَلِّ وَمنْ طُرُق الْحُكْمِ الْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّة الْقُرْعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي مواضع الْقُرْعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق امْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ لَا يَدْرِي أَيَّتهنَّ هِيَ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيده]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق إحْدَى نِسَائِهِ وَمَاتَ قَبْل الْبَيَان]

- ‌[فَصَلِّ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى امْرَأَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُهَا]

- ‌[فَصَلِّ الرَّجُل لَهُ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَةَ وَنَصْرَانِيَّة فَقَالَ فِي مَرَضه إحْدَاكُمَا طَالِق ثَلَاثًا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ ثَلَاثَة نِسْوَة فطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَلَمْ يَدْرِي أَيَّتهنَّ ثُمَّ مَاتَ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ مُمَالِيك عدة فَقَالَ أَحَدهمْ حُرّ وَلَمْ يُبَيِّن]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل يَقُول أَوَّل غُلَام لِي يَطْلُع فَهُوَ حُرّ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ امْرَأَتَانِ وَهُوَ يُرِيد أَنْ يَخْرَج بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقُرْعَة فِي الشِّرَاء وَالْبَيْع]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَشَاحَّا فِي الْأَذَان]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل يَتَزَوَّج امْرَأَة عَلَى عَبْد مِنْ عَبِيده]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَبْد فِي يَد رَجُل اخْتَلَفَ عَلَيْهِ غَيْره بِالْبَيْعِ وَالْهِبَة وَغَيْر ذَلِكَ]

الفصل: ‌[فصل في عموم الولايات وخصوصها]

فَالْأَفَّاكُ: الْكَاذِبُ، وَالْأَثِيمُ: الظَّالِمُ الْفَاجِرُ

وَقَالَ تَعَالَى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15]{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: 16] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ» .

وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وِلَايَتِهِ بِأَهْلِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، وَالْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَذِبٌ وَفُجُورٌ، فَ " إنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ " وَ " بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ ".

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: " مَنْ قَلَّدَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَهُوَ يَجِدُ فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ ".

وَالْغَالِبُ: أَنَّهُ لَا يُوجَدُ الْكَامِلُ فِي ذَلِكَ، فَيَجِبُ تَحَرِّي خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ، وَدَفْعُ شَرِّ الشَّرَّيْنِ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَفْرَحُونَ بِانْتِصَارِ الرُّومِ وَالنَّصَارَى عَلَى الْمَجُوسِ عُبَّادِ النَّارِ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إلَيْهِمْ مِنْ أُولَئِكَ، وَكَانَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ عليه السلام نَائِبًا لِفِرْعَوْنَ مِصْرَ، وَهُوَ وَقَوْمُهُ مُشْرِكُونَ، وَفَعَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَالْعَدْلِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَدَعَا إلَى الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.

[فَصَلِّ فِي عُمُوم الْوِلَايَات وَخُصُوصهَا]

98 -

(فَصْلٌ)

ص: 200

عُمُومُ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصُهَا: إذَا عُرِفَ هَذَا فَعُمُومُ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصُهَا، وَمَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُتَوَلِّي بِالْوِلَايَةِ: يَتَلَقَّى مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، فَقَدْ يَدْخُلُ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ - فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ - مَا يَدْخُلُ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ آخَرَ، وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَلِكَ الْحِسْبَةُ، وَوِلَايَةُ الْمَالِ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ فِي الْأَصْلِ وِلَايَاتٌ دِينِيَّةٌ، وَمَنَاصِبُ شَرْعِيَّةٌ، فَمَنْ عَدَلَ فِي وِلَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ، وَسَاسَهَا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ، وَأَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَهُوَ مِنْ الْأَبْرَارِ الْعَادِلِينَ، وَمَنْ حَكَمَ فِيهَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ، فَهُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ، وَ {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] .

فَوِلَايَةُ الْحَرْبِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ وَمَا جَاوَرَهَا: تَخْتَصُّ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ: مِنْ الْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ، وَالْجَلْدِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا الْحُكْمُ فِي دَعَاوَى التُّهَمِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شُهُودٌ وَلَا إقْرَارٌ، كَمَا تَخْتَصُّ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ بِمَا فِيهِ كِتَابٌ وَشُهُودٌ وَإِقْرَارٌ، مِنْ الدَّعَاوَى الَّتِي تَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ الْحُقُوقِ وَالْحُكْمَ بِإِيصَالِهَا إلَى أَرْبَابِهَا، وَالنَّظَرِ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ مُعَيَّنٌ، وَالنَّظَرِ فِي حَالِ نُظَّارِ الْوُقُوفِ، وَأَوْصِيَاءِ الْيَتَامَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِي بِلَادٍ أُخْرَى - كَبِلَادِ الْغَرْبِ - لَيْسَ لِوَالِي الْحَرْبِ مَعَ الْقَاضِي حُكْمٌ فِي شَيْءٍ، إنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لِمَا يَأْمُرُ بِهِ مُتَوَلِّي الْقَضَاءِ.

وَأَمَّا وِلَايَةُ الْحِسْبَةِ: فَخَاصَّتُهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ، وَأَهْلِ الدِّيوَانِ وَنَحْوِهِمْ، فَعَلَى مُتَوَلِّي الْحِسْبَةِ أَنْ يَأْمُرَ الْعَامَّةَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي مَوَاقِيتِهَا، وَيُعَاقِبَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ: فَإِلَى غَيْرِهِ، وَيَتَعَاهَدُ الْأَئِمَّةَ وَالْمُؤَذِّنِينَ، فَمَنْ فَرَّطَ مِنْهُمْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ وَخَرَجَ عَنْ الْمَشْرُوعِ أَلْزَمَهُ بِهِ، وَاسْتَعَانَ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ بِوَالِي الْحَرْبِ وَالْقَاضِي.

وَاعْتِنَاءُ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِإِلْزَامِ الرَّعِيَّةِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ أَهَمُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ، وَأَسَاسُهُ وَقَاعِدَتُهُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ: " إنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ،

ص: 201

فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا كَانَ لِمَا سِوَاهَا أَشَدُّ إضَاعَةً ". وَيَأْمُرُ وَالِي الْحِسْبَةِ بِالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ، وَالنُّصْحِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، وَيَنْهَى عَنْ الْخِيَانَةِ، وَتَطْفِيفِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَالْغِشِّ فِي الصِّنَاعَاتِ وَالْبِيَاعَاتِ، وَيَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ، وَأَحْوَالِ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الْأَطْعِمَةَ وَالْمَلَابِسَ وَالْآلَاتِ، فَيَمْنَعُهُمْ مِنْ صِنَاعَةِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَثِيَابِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ، وَيَمْنَعُ مِنْ اتِّخَاذِ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرَاتِ، وَيَمْنَعُ صَاحِبَ كُلِّ صِنَاعَةٍ مِنْ الْغِشِّ فِي صِنَاعَتِهِ، وَيَمْنَعُ مِنْ إفْسَادِ نَقْدِ النَّاسِ وَتَغْيِيرِهَا، وَيَمْنَعُ مِنْ جَعْلِ النُّقُودِ مَتْجَرًا، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يُدْخِلُ عَلَى النَّاسِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، بَلْ الْوَاجِبُ: أَنْ تَكُونَ النُّقُودُ رُءُوسَ أَمْوَالٍ، يَتَّجِرُ بِهَا، وَلَا يَتَّجِرُ فِيهَا، وَإِذَا حَرَّمَ السُّلْطَانُ سِكَّةً أَوْ نَقْدًا مُنِعَ مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِمَا أَذِنَ فِي الْمُعَامَلَةِ بِهِ.

وَمُعْظَمُ وِلَايَتِهِ وَقَاعِدَتُهَا: الْإِنْكَارُ عَلَى هَؤُلَاءِ الزَّغَلِيَّةِ، وَأَرْبَابِ الْغِشِّ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ مَصَالِحَ الْأُمَّةِ، وَالضَّرَرُ بِهِمْ عَامٌّ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ أَلَّا يُهْمِلَ أَمْرَهُمْ، وَأَنْ يُنَكِّلَ بِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ، وَلَا يَرْفَعُ عَنْهُمْ عُقُوبَتَهُ، فَإِنَّ الْبَلِيَّةَ بِهِمْ عَظِيمَةٌ، وَالْمَضَرَّةَ بِهِمْ شَامِلَةٌ وَلَا سِيَّمَا هَؤُلَاءِ الْكِيمَاوِيِّينَ الَّذِينَ يَغُشُّونَ النُّقُودَ وَالْجَوَاهِرَ، وَالْعِطْرَ وَالطِّيبَ وَغَيْرَهَا، يُضَاهِئُونَ بِزَغْلِهِمْ وَغِشِّهِمْ خَلْقَ اللَّهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا فَيَقْدِرُ الْعِبَادُ أَنْ يَخْلُقُوا كَخَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى - فِيمَا حَكَى عَنْهُ رَسُولُهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -:«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، فَلْيَخْلُقُوا شَعِيرَةً» .

وَلِهَذَا كَانَتْ الْمَصْنُوعَاتُ - كَالطَّبَائِخِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ - غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ إلَّا بِتَوَسُّطِ النَّاسِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41]{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس: 42]، وَقَالَ تَعَالَى:{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95]{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وَكَانَتْ الْمَخْلُوقَاتُ مِنْ الْمَعَادِنِ وَالنَّبَاتِ وَالدَّوَابِّ غَيْرَ مَقْدُورٍ لِبَنِي آدَمَ أَنْ

ص: 202